الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وصلّى عليه بها، ودفن بالقيروان بجبانة باب سلم اهـ.
ثمّ إن الشّيخ سيدي علي بن عبد النّاظر صاحب التّرجمة مات عن غير عقب، وخلّف دارا فبيعت، وبني بثمنها تلك القبّة الّتي عليه والله أعلم.
ولم نقف له على تاريخ وفاة لعدم اعتناء النّاس في تلك الأزمان بالتّاريخ لكن يؤخذ ممّا مرّ أنّه من أهل القرن الثّامن.
ترجمة الشّيخ أبي الحسن علي بن عبد الكافي:
ومن مشايخ أهل صفاقس المشهورين بالفضل والصّلاح سيدي أبو الحسن (445) علي ابن عبد الكافي صاحب الزّاوية المشهورة خارج البلد بالوطن الغربي بين ضريحه وصفاقس قدر خمسة أميال.
وممّا وجد مسطورا بخطوط العدول ما معناه: في علم شهديه حين أتى المكرم جعفر المنصوري وزير المعظّم سيدنا ومولانا أبي حفص عمر (446) ملك طرابلس - أيّده الله بالنّصر المبين، وثبّته الله على طريقة طاعته، وكلمة الحقّ واليقين، إلى زاوية الشّيخ الولي الصّالح المزار، المتبرّك به سيدي أبي الحسن علي، صاحب الزّاوية الكائنة بوطن صفاقس الغربي، قرب منزل قلمام، ابن الشّيخ الولي الصّالح القطب الغوث أبي عبد الله محمد إبن الشّيخ الإمام الخطيب المدرّس التّقي / الواعظ العالم العلاّمة الولي الصّالح القطب الغوث أبي الكرامات (447) سيدي عبد الكافي القرشي العثماني اليثربي، أعاد الله علينا من بركاته، وزادنا من سحائب خيراته، ومعه خمسة أبغال محمّلة بالذّهب والسّروج والملبوس من أكراك (448) وحلل وغيرها من أنواع اللّباس، ونزل في الزّاوية المذكورة هو وخدّامه، فاستقرّ بالزّاوية المذكورة ثلاثة أيام. ففي اليوم الثّالث أقبل نحو الزّاوية قدر ثلاثين فارسا على خيل ظامئة (449) من درك السّير وهم يبحثون عن جعفر المذكور، فوجدوا سيدي علي هناك جالسا بباب زاويته، فسلّموا عليه، فردّ عليهم السلام وأمرهم
(445) ساقطة من ط.
(446)
إنتقلت طرابلس من حكم الموحّدين إلى حكم الحفصيين في تونس وذلك خلال القرن الثامن الهجري.
(447)
في ط: «البركات» .
(448)
ج كرك وهو ما يلبس بالرّجل.
(449)
في ت وب: «طامية» ، وفي ط:«ضامية» .
بالنّزول، فقالوا له: يا سيدنا، هل أتاكم وزير سيّدنا الأمير أبي حفص عمر هاربا ومعه خزنة من خزائن الأمير؟ فلك منه العطاء الجزيل، فقال لهم الشّيخ: ليس غير الله بمعط (450) ولا مانع والمال محفوظ، وها هو الوزير المذكور عندنا أتى (451) دخيلا على الله ونزيلا علينا، انزلوا يا فرسان على بركة الله وكلوا طعام الزّاوية، فأبوا أن يأكلوا الطعام، فقال لهم الشّيخ: ما لكم لا تأكلون من طعام البركة؟ فقالوا له: يا شيخ كيف نأكل الطّعام وعدو سيّدنا عندك؟ فو الله لا نأكل من طعامك شيئا إلاّ أن تمكّننا من عدوّ سيّدنا وما معه من أموال سيّدنا الأمير ونتوثّق منه، فقال لهم الشّيخ: ما سبب هذا الرّجل والأموال (452)؟ فقالوا له: (يا شيخ، هذا الرّجل)(453) كان عند سيّدنا وزيرا أعظم ووكيلا على خزائنه، ولا أحد أقرب منه عند سيّدنا ولسيّدنا الأمير بنت جميلة الصّورة، ما رأى الرّاءون / أحسن منها، فذات يوم من الأيّام طلب من سيّدنا الأمير أن يزوّجه بها، فأبى سيّدنا من ذلك، وقال له: يا جعفر إبنتي صغيرة السّنّ وتعزّ عليّ ولا نزوّجها لأحد هذه الأعوام، فعند ذلك اشتدّ غضب الوزير وطعن على خزائن سيّدنا، ورفع منها هذه الخزنة، ونحن نريد أن نأخذه هذه السّاعة ونرفعه لسيّدنا، فقال لهم الشّيخ: يا فرسان، الزّاوية زاوية الله، وزاوية الله ملجأ (454) الملهوف، وأنتم على بركة الله (455)(احترموا الزاوية واعتقوا هذا الملهوف الدّخيل لوجه الله تعالى)(456)، فقالوا له: يا شيخ كفّ عن هذا الخطاب، فو الله ثمّ والله، لو اجتمع أهل السّموات وأهل الأرض لم يمنعوه منّا بعد أن أوقعه الله في شباكنا، وأرادوا رفعه من الزّاوية كرها، وكان أولاد الشّيخ الثّلاثة بإزائه (457) وهم: سيدي محمد وسيدي عبيد الزّوّاي وسيدي يعقوب حاضرين للخطاب ومعهم جميع أهل الزّاوية عن آخرهم، ثمّ طال الخطاب بينهم، وغضب العمّال وهجموا على الزّاوية المذكورة ليأخذوه كرها، فقال لهم الشّيخ: ارجعوا لله (458)
(450) في ط: «معطي» .
(451)
في ش: «أتا» .
(452)
ساقطة من ط.
(453)
ما بين القوسين ساقط من ط.
(454)
في ط وت: «وملجا» .
(455)
في ط: «الله تعالى» .
(456)
ما بين القوسين ساقط من ط.
(457)
في ب: «بزاوية» ، وفي ط:«بالزاوية» .
(458)
ساقطة من ط.
يا فرسان لا تهتكوا الحرم، فأبوا أن يرجعوا فقال لهم الشّيخ: على الله شباككم ممزّقة وعروقكم مقلّعة، فقام أولاد الشّيخ ثلاثتهم وأخذهم حال وانجذاب، وصاحوا صيحة منكرة، فتكلّم (459) في الحين مدفع من تحت الأرض من قبل الله في وسط العمّال، وفرّوا هاربين لم يرجع منهم أحد إلى أن بلغوا طرابلس، فدخلوا على الأمير فقال لهم:
ويحكم / أين الوزير؟ قالوا له: وجدناه في زاوية (460) بها خلق كثير، وأرادوا قتلنا عن آخرنا، وشتموا أهل الزّاوية عند الأمير شتما زائدا حتّى غضب الأمير غضبا شديدا على أهل الزّاوية، وأمر أن يجهّز لهم عسكرا قدر ثلاثة عشر خباء، فخرجوا من طرابلس، وأمرهم الأمير بتخريب الزّاوية وقتل صغيرها قبل كبيرها، فخرجوا مجدّين السّير إلى أن وصلوا الزّاوية المذكورة، ونزلوا قرب سدرة المحلّة غربي الزّاوية، فوقع الرّعب في قلوب أهل الزّاوية، وكان نزولهم بعد العصر عشيّة الجمعة والشّيخ في الدّرس، فجاء أهل الزّاوية وأخبروه بنزول المحلّة، فقال لهم الشّيخ: ارجعوا يا إخواني على أنفسكم، من أتانا زائرا رجع مجبور الخاطر، ومن أتانا بجور غائر أعمر الله به المقابر، فخرج الشّيخ من الدّرس ونظر العسكر فلم يأت منهم من يرد الخبر بما يقصدون، خيرا أو شرّا، إلى أن أصبح الله بخير الصباح، فبينما الشّيخ في صلاة الصّبح وإذا بالعسكر يضربون طبولهم ويزعقون الأنفرة، ونشروا الرّايات وعزموا على الحرب، فرجع أهل الزّاوية للشيخ فوجدوه قد فرغ من صلاة الصّبح، فقالوا: يا سيّدنا نفذ القضاء ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله، فردّ عليهم الشيخ فقال: أمهلوا فلمّا حلّت النّافلة صلّى ركعتين وخرج ووقف على كوم الزّاوية الذي به الرّوضة، ومدّ بصره إلى العسكر فظهروا له / كلّهم على ساق واحدة، وأهل الزّاوية يبكون بكاء شديدا، فاشتدّ حال الشّيخ وسقطت دمعته وصاح صيحة عظيمة وقال: يا غياث المستغيثين، يا ناصر المستنصرين انصرنا عليهم، يا خير النّاصرين يا ذا القوّة يا متين، وأومأ (461) إليهم بكمّ ثوبه وقال: أعمر القبور يا جابر (462) المكسور، فما استتمّ كلامه إلاّ والعسكر بلعته الأرض بإذن الله، ونزل في هاوية ولا بقي منه إلاّ رجل واحد، فسار ذلك الرّجل الواحد إلى طرابلس وردّ الخبر، فحكى للأمير ما
(459) عامية بمعنى إنطلق.
(460)
في ط: «بزاوية» .
(461)
في ط وش: «أومى» .
(462)
في ط: «يا جيار» .