الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يوسف داي:
وتولّى بعده يوسف داي (49)، فاستقام أمره بلا تعب وكان عثمان داي رحمه الله رشّحه في حياته وعقد له على إبنته، ولم يدخل عليها، وكانوا سألوه في مرضه من يلي بعده فقال لهم: صاحب الأمر عجم داي، وإن أردتم راحة أنفسكم قدّموا يوسف داي، (وكان عجم داي بباجة، وفيه شهامة زائدة، وقصد تولية يوسف داي)(50) لمصاهرته، فبعد موت عثمان داي بعثوا لعجم رسولا وأصبحوا منتظرين وتجمّعوا عند دار عثمان داي، فبينما هم كذلك إذ دخل علي ثابت (51) وكان من أصحاب يوسف داي رحمهم الله جميعا - فلما رآى جمعهم أقبل بقوّة نفس وقبّل يد يوسف داي وبارك له، فما بقي أحد من الجماعة إلاّ وقبّل يده / وفعل كفعله فبايعه كبراء العسكر وطلعوا (52) به إلى القصبة وأجلسوه كعادة أمثاله، فجاء بقيّة النّاس وبايعوه على طبقاتهم وتمّ الأمر، فمن الغد أقبل عجم داي من باجة فوجد الأمر قضي بليل فلم يسعه إلاّ المبايعة، فعرفها له يوسف داي، وعامله بالمبرّة والإكرام مدّة حياته سياسة وحسن جزاء - رحمة الله عليهما -.
فأخذ علي ثابت، وكان أيضا ذا سياسة وتدبير، يساعد يوسف داي على الأمور وتدبير المملكة، وصرف نيّة يوسف داي عن التّزوج ببنت عثمان داي، فتخلّى عنها، ودبّر عليه (53) بتزوّج (54) حظايا الأعلاج لأنه خاف من مصاهرة أولاد عثمان داي مواجهة يوسف داي لهم دونه، فصرف عزمه ليستبدّ بالأمر، فكان كذلك فاستقام له الأمر، وقام هو بجده إلى أن بلغ رتبة لم ينلها غيره.
وفي أيّام يوسف داي تحضّرت البلاد، وكثرت عمارتها، وكثرت مراكب الجهاد
(49) رجع إلى النّقل من المؤنس ص: 205.
(50)
ما بين القوسين ساقط من ط.
(51)
كان رمّالا، بشّر يوسف عند قدومه من طرابلس، بأنه يكون له في تونس شأن عظيم إلى أن يكون الحاكم بها، فقال له يوسف داي: إن ثبت ذلك لأكرمنّك غاية وبعد أن نزل يوسف بدفتر العسكر وترقى في العسكرية أحوجه الحال إلى شراء فرس، فوجد فرسا عظيما عند رجل يتّجر في الخيل فتأمله فإذا هو الرّمال السّالف، وأخبره بما تقدّم ذكره وجدّد العهد. الحلل السّندسيّة 2/ 350.
(52)
في ش: «اطلعوا» .
(53)
يقصد نصخه.
(54)
في الأصول: «بتزويج» .
في البحر، وبلغت عدّتها خمسة عشر مركبا من الكبار، فكثرت رؤساء البحر، وكان لمراكبه في البحر صيت وشهرة، ومن أعظم رؤسائه أولا قبطان صمصوم وقبطان وردية، كانا نصرانيين فأسلما، وكانا مسعودين فصار لهما صيت في البحر فساعدت (55) المقادير بغنائم البحر واطمئنان البرّ.
وكان مغرما بالأبنية الفاخرة كسوق الترك بتونس، فنمّقه على أبدع نظام ومسجده المشهور براس سوق (56) الترك المذكور / ومدرسته الملاصقة للمسجد المذكور، وجعل للطّلبة مرتّبات وأرغفة وغير ذلك، وبنى بالسّوق المذكور ميضاة، وبنى سوق الجرابة والحمّام القريب منه وعدة فنادق لسكنى طائفة اللّوند، والبركة لبيع العبيد والحلي، وفتح باب البنات في شهر ربيع الأوّل سنة عشرين وألف (57)، بعد ما كان مسدودا، وجعل عليه مصراعين وعدة حوانيت وسوقا قربه لبيع الغزل وعمرت في أيامه تلك الجهات بعد ما كانت خرابا والمار منها يخاف على نفسه نهارا.
وكان إبتداء الصّلاة في المسجد المذكور يوم الجمعة في شهر رمضان المعظم سنة خمس وعشرين وألف (58).
ومن خيراته جلب الماء العذب على الحنايا (59) المشتهرة به، وفرّق ماءها في المدينة في عدّة أماكن منها القبّة المرخّمة الّتي تحت صومعة جامع الزيتونة، لكنّ تلك المياه تارة تجري وتارة تتعطّل بحسب أمراء الوقت، فمنهم من يجريها بعنايته، ومنهم من يعطّلها باعراضه.
ومن خيراته بناء قنطرة مجردة من ناحية طبرية، فكانت من أجلّ القناطر منظرا وإتقانا ومتنزّها، وكان عليها برج في حياته، ثم زاد فيه (60) بعده مولاه نصر آغة، ثم تولّع به ولد الداي المذكور أحمد شلبي فضخّمه، ثم صار بعده لحفيده أبي الحسن علي باي، فزاده ضخامة حتى ضرب به المثل.
ومن خيراته بناء / المواجل في الأماكن المعطشة، وجلب الماء من أماكن بعيدة لنفع المسافرين، وله صدقات عديدة (61).
(55) كذا في ت، وفي ش وط:«فساعدة» .
(56)
عن هذا المسجد أنظر ج مارسي G. Marcais : Manuel d' art musulman،Paris 1927، 2/ 847 - 849.
(57)
ماي - جوان 1611 م.
(58)
سبتمبر - أكتوبر 1616 م.
(59)
في الأصول: «الحناية» .
(60)
كذا في ط وت والمؤنس، وفي ش:«عليه» .
(61)
إنتهى نقله من المؤنس.
وفي سنة عشرين (62) عركوا جبل مطماطة تسعة أيام.
وفي سنة إحدى وعشرين (63) عركوا تيفاش والحملاجي باب عجم.
وفي سنة إثنتين وعشرين (64) عركوا سدّادة (65) فأخذوها، وهدّموا قلعتها يوم الخميس والحملاجي باب مصطفى.
وفي السّنة المذكورة كانت محلّة الجزائر الأولى ولم يكن فيها قتال وكان آغة المحلّة رتاز آغة في ثلاث من رجب.
وفي السّنة المذكورة كان ابتداء بناية المسجد - المقدّم الذّكر -.
وفي سنة خمس وعشرين (66) عركوا مطماطة خمسة عشر يوما والحملاجي باب عجم وهدموها سنة سبع وعشرين (67).
وجاء الطّاعون (68) لتونس سنة إحدى (69) وثلاثين وألف (70)، فيها مات الشّيخ سيدي أبو الغيث القشّاش رحمه الله ومات فيها خلق كثير.
وفي سنة أربع وثلاثين وألف يوم عشرين من رمضان (71) أخذوا زوج أغربة للمالطيين، وزيّنت لهما البلاد، وكان القبطان مراد داي قبل تولّيه دايا كانت ستة أغربة عمّرها من تونس، وخرجت خمسة أغربة مالطية من صقلية فجاءت في طلبهم، ووقع الحرب العظيم بينهم، ومات من الجانبين خلق كثير، فنصر الله المسلمين، وأخذ من الكفّار الغرابين، الكبير منهما يسمى ببطرونة الّذي ينوب عن غراب القبطانة، والآخر كان إسمه برانسيشق (72) وفر الّذي كان فيه قبطان / النّصارى بعد أن أشرف على الأخذ، ووجد في الغرابين نحو خمسمائة مسلم.
(62) 1611 م.
(63)
1612 م.
(64)
1613 م.
(65)
في الأصول: «سدارة» والتّصويب من الحلل 2/ 349.
(66)
1616 م.
(67)
1618 م.
(68)
هو المعروف عند أهل تونس (العاصمة) بوباء سيدي أبي الغيث، أنظر المؤنس ص:207.
(69)
في الأصول: «واحد» .
(70)
1622 م.
(71)
26 جوان 1625 م.
(72)
في ط: «فرانشيشق» .
وفي سنة سبع وثلاثين وألف (73) كانت (74) الواقعة العظمى (75) بين عساكر الجزائر وعساكر تونس (76) مات فيها خلق كثير، وكانت لثلاث عشرة خلت من رمضان يوم السبت، وكان السّبب في إستجلابهم الشّيخ ثابت بن شنّوف (77)، وكان شيخا على نجعه، وكانوا متغلّبين على بلد الكاف ورعيّته، وهم أصل الفتنة بين العسكرين، فكانت البايات (78) تهابهم، ولا يحوم أحد حول حماهم ولا يطرق دارهم، فاستجلبوا عسكر الجزائر بإطماعهم إياهم في البلاد، ولمّا التقى الجمعان كانت الدّائرة أوّل يوم على أهل الجزائر حتّى طلبوا الأمان لأنفسهم، ثم خانت أولاد سعيد وأشباههم فاختلّت مصاف العساكر التّونسية (79) فتسارع الأعراب إلى نهب المحلّة والوطق، ولم تسكن الفتنة حتّى ذهب الشّيخ تاج العارفين العثماني والشّيخ إبراهيم الغرياني والشّيخ مصطفى شيخ الأندلس وغيرهم فصالحوا ما بين العسكرين.
وفي السّنة الّتي تلتها كانت محلّة الكاف لقيام ابن شنّوف (77) بها، وكابد هذه الأهوال مراد باي - رحمه الله تعالى - وكان صاحب دهاء.
وفي سنة ثمان وثلاثين وألف (80) أخذ النّصارى زوج غلايط لأهل تونس.
وفي سنة إحدى (81) وأربعين (82) توفّي الحاج علي ثابت، وجاء منصب الباشوية لمراد باي.
وفي سنة سبع وأربعين / وألف مات يوسف داي رحمه الله ليلة الجمعة الثالث والعشرين من رجب (83) عن سنّ عالية، ودفن بتربة أعدّها مجاورة لمسجده (84).
(73) 1627 - 1628 م.
(74)
في الأصول: «كان» .
(75)
رجع إلى النّقل من المؤنس ص: 208.
(76)
وسببها الإختلاف في الحدّ بين المملكتين.
(77)
كذا في ت والمؤنس، وفي ش:«سنوب» ، وفي ط:«شنوب» .
(78)
في الأصول: «البيات» .
(79)
كان تغلّب الجزائريين في واقعة تعرف بواقعة السطارة، وغنم الجيش الجزائري من الجيش التونسي 22 مدفعا، وأنظر أيضا تاريخ الجزائر العام لعبد الرّحمان محمّد الجيلالي، الجزائر 1375/ 1955، 2/ 371 - 372، الحلل السّندسيّة 2/ 360 - 364.
(80)
1628 - 1629 م.
(81)
في الأصول: «أحد» .
(82)
1631 - 1632 م.
(83)
11 ديسمبر 1637 م.
(84)
يبدو أنّ المؤلف إعتمد في أخبار يوسف على المؤنس 205 - 208، ينقل عنه بتصرّف بدون إشارة كما أنّه فيه تفصيلات أخرى غير موجودة في المؤنس، ولم يذكر المصدر الّذي رجع إليه.