الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ترجمة المرابطة السّتّ أم يحيى مريم وشيخها أبي يوسف الدّهماني:
ومن منازل صفاقس الرّاجعة إليها المنية (383) وهي قرية العابدة السّتّ أم يحيى مريم وهي معروفة مشهورة.
قال في فضلها سيدي علي بن أبي القاسم - نفعنا الله به -: السّتّ أمّ يحيى خير من ألف لحية من لحية علي بن أبي القاسم، أخذت الطّريقة عن العارف بالله سيدي أبو يوسف يعقوب بن ثابت الدّهماني (384).
ولا بدّ لنا من ذكر شيء من مآثره ليعلم علو الفرع بعلو أصله، ولتزداد لنا البركة بذكر هؤلاء الأخيار. قال / في معالم الإيمان (385): كان من أعلام طريق الإرادة وكبار مشايخها، سمع الفقه على الشّيخ أبي زكرياء بن عوانة، ولازم مجلسه وانتفع به، وسمع الحديث على أبي محمّد عبد الله بن حوط الله وغيره، ورحل إلى بجاية للقاء الشّيخ أبي مدين شعيب، ثمّ رحل إلى الحجّ سنة خمس وتسعين وخمسمائة (386)، ولقي الشّيخ أبا عبد الله القرشي - رضي الله تعالى عنه - ثمّ قال: ولد أبو يوسف بالبادية بقرب قرية تسمّى المسروقين (387) من حوز القيروان، ونشأ بالبادية والقيروان، وقرأ القرآن على أبي عبد الله محمّد بن عمر بن جابر رحمه الله.
وكان رحمه الله منذ مراهقته البلوغ محافظا على الصّلاة متنزها عن الفواحش، وكان محبّا في ركوب الخيل العتاق.
وكان سبب انقطاعه عن العرب (388) أنّه قال: سرت مرّة مع جماعة من بني عمّي من عمل القيروان إلى المهدية بنيّة الجهاد عند نزول الرّوم عليها في وقعة الجمعة المشهورة،
(383) قرب جبنيانة: الحقيقة التاريخية للتصوف الإسلامي ص: 223.
(384)
رحل إلى لقاء أبي مدين ببجانة سنة 570/ 1174 وله نحو 20 سنة، وهو قيرواني كانت له تنقلات وزيارات إلى المهدية وأحوازها، ومن مريديه أم يحيى، وله أشعار تنم على فكرة وحدة الوجود (توفي سنة 621/ 1224 - 1225) ودفن بالقيروان وقبره بجوار قبر أبي الحسن القابسي قرب باب تونس، أنظر: الحقيقة التاريخية للتصوف الإسلامي ص: 223، شجرة النّور: 168 - 169، ومعالم الإيمان 3/ 213 - 229.
(385)
3/ 213 - 229 م.
(386)
1198 - 1199 م.
(387)
كانت في المكان المعروف في وقتنا هذا بمركز «سيدي الهاني» ، قبلي الطّريق الرّابطة بين مدينتي سوسة والقيروان: الحقيقة التّاريخية للتّصوّف الإسلامي، هامش 1 ص:223.
(388)
المقصود بهم سكّان البادية.
وكان عليّ درع حسن وأنا راكب على فرس أدهم، فلقينا الشّيخ الصّالح الوليّ أبا (389) زكريّاء بن الأجباري، فنظر إلينا ثمّ كرّر إليّ النّظر دونهم، ثمّ قبض على ركابي وقال لي: ما اسمك يا فتى؟ فقلت له: يعقوب، فقال: إسأل الله يا فتى أن يفني شبابك في طاعة الله، فثار خاطري لذلك في الحين، وكأنّما رماني بسهم، فخرجت من المهدية وأنا على خلاف ما كنت عليه، ثمّ وصلت إلى القيروان، فتركت ركوب الخيل ومكاثرة أهلي، وانقطعت إلى عمارة مسجد كان هناك بقربنا / ثمّ قصدت إلى ميعاد الشّيخ الصّالح الزّاهد الفقيه أبي زكرياء بن عوانه - رحمه الله تعالى - ثمّ لم يزل ملازما لميعاده حتّى تعلّم كثيرا من العلم (390)، ثمّ لازم الخير والخدمة (391) في المسجد إلى أن وصل الشّيخ أبو عبد الله البسكري تلميذ أبي الفضل البسكري (392) القيروان، فصحبه مدّة وانتفع به، ثمّ ارتفعت أحواله، وأخذ في المجاهدة وسلوك سبيل الرّياضة، وصحب جماعة من كبار المشايخ فانتفع بصحبتهم.
وله كرامات كثيرة، فمنها أنّ الشّيخ أبا عبد الله القرشي (393) كان قد هجر السّماع وحضوره فقيل له: لم منعته وهجرته؟ قال: لما حدث فيه من المقاصد لغير الله، ولمّا قدم عليه الشّيخ أبو يوسف سأله الاذن فيه، وحضوره معه قال: هذا باب سددناه ومنعناه فقال: أنا قادم ولي عليكم كرامة القدوم، فأجابه إلى ذلك، فجعل مجلس سماع حضر فيه إثنا (394) عشر رجلا من الأكابر، وجمع من الطلبة والمحبّين، فلمّا أخذوا في السّماع تواجد الشّيخ أبو يوسف وارتفع من موضعه في الهواء (395) فقام الشّيخ أبو عبد الله القرشي على قدميه وكان زمنا مقعدا منذ أعوام تقدّمت، قال أبو عبد الله القرطبي:
فجعلت أمدّ يدي وأنا قائم على صدور قدمي لعلّي ألحق قدم الشّيخ أبي يوسف وهو في الهواء (395) فلم أستطع، فدار ذلك البيت جميعه ثمّ عاد إلى موضعه وأنا أنظر إلى بياض
(389) في الأصول والمعالم: «أبو» .
(390)
في المعالم: «العمل» 3/ 216.
(391)
في المعالم: «الخلوة» .
(392)
أبو الفضل ابن النحوي إبن الشّيخ أبي الفضل البسكري (ت.513/ 1119) الوفيات لابن قنفد ص: 40.
(393)
هو محمد بن أحمد بن إبراهيم، أصله من بلاد الأندلس وسكن مصر ثمّ القدس وبه مات في سنة 599/ 1203، ودفن به: أنظر جامع كرامات الأولياء 1/ 190 - 195، الطبقات الكبرى للشعراني 1/ 159 - 160.
(394)
في ش: «اثنى» .
(395)
في ش: «الهوى» .
قدميه وهو في الهواء (395)، فكان الشّيخ أبو عبد الله يقول: تقولون ذهب الرّجال؟ أنظروا إلى هذا البدوي.
قال وعمي في آخر عمره وكان إذا أخذ / المصحف نظر فيه.
ورأت أم يحيى مريم بالمنية من قطر صفاقس في منامها قائلا يقول لها: سر إلى الشّيخ أبي زكرياء المعروف بابن هناص بالمهدية وبايعه، قالت: فاستيقظت واستعذت بالله من الشّيطان الرّجيم ونمت، فعاد إليّ ثانية وثالثة فقال لي في الثالثة: ما أنا شيطان وإنّما أنا ملك. قالت: فسرت من بلدي إلى المهدية في طلب من ذكر لي، فلمّا دخلت البلد بقيت حائرة أتوسّم من أسأله يدلّني على موضعه، فبينما أنا كذلك إذ فتح باب دار فخرج رجل عليه ثوب وعلى رأسه قلنسوة دون عمّة، فقال لي على البديهة: أهلا ومرحبا بالمرابطة مريم على عدد ما مشيت من منزلك إلى هنا، والذي يخاطبك يعقوب الدّهماني، والذي خوطبت به في منزلك هو عندي في منزلي، قالت: فبقيت متعجبة لكشفه ما خوطبت به في منامي في بلدي ومخاطبته لي باسمي من غير سابق معرفة، فدخلت الدّار فوجدت بها زوجه أمّ يوسف ولم يكن عنده إذ ذاك غيرها، ووجدت الشّيخ أبا زكرياء عنده في خدمته، فأقمت عنده وقتا، فقال لي الشّيخ أبو زكرياء:
عليك بخدمة الشّيخ أبي يوسف فيما أمرت وحسبك ما خاطبك به أول ما رآك وكاشف بما رأيته في المنام وعن السؤال أغناك، قالت: فألزمت نفسي لطاعته من ذلك الزّمان إلى الآن، وكان عندها للشّيخ أبي يوسف زيادة تعظيم وهيبة واحترام لا ينحصر / طول حياته وبعد مماته، وكان لها قرب التّسعين أو الثّمانين، فكانت لا تجلس دون لحاف ولا تستطيع رفع الكلام عنده ولا النّظر إليه، ولا تقرب منه هيبة واحتراما.
ولمّا رجعت إلى موضعها ومرض الشّيخ أبو يوسف مرضا شديدا نقل إليها أنّه مات، فدهشت وأقعدت وسكنت دهرا لا تستطيع القيام، فلمّا برئ الشّيخ من ذلك المرض الذي قال فيه: سررت (396) بولدين يزدادان لي، وأعيش إثني عشر عاما، فكان كذلك، فعند تمام عافيته وصحّته، وسمع بخبرها سافر لها، فلمّا قرب من موضعها قال: لا يخبرها أحد بي حتى أدخل عليها المنزل، فلمّا دخل قيل لها: الشّيخ طالع إليك! فقامت من زمانتها في ساعتها وتلقّته خارج باب البيت، وقالت: يا سيدي، قيل
(396) في المعالم ص: 222: «بشرت» .
لي أنّك متّ فدخلت علي حسرة، فقال لها: يا مريم لا شيء يحيي ويميت إلاّ الله تعالى، فكان لها في الشّيخ قصد عظيم ونيّة حسنة، واتّخاذ صحبة.
قال بعضهم: نزل الشّيخ عندنا بقصر وكنت بالقصر الآخر، فسرت إليه وقلت في نفسي: تمنّيت لو أطعمني الشّيخ ثلاث لقم بيده في فمي! فلمّا دخلت عليه وجدته في جماعة يتناولون طعاما، والمرابطة مريم جالسة، فلمّا رأتني قالت للشّيخ: إدفع لصاحب الأمنية ما طلب، فأعطاني ثلاث لقم كما خطر في سرّي فتعجّبت من مطابقتهما لذلك.
ومن كراماتها ما حدّث به / بعضهم قال: كنا ليلة عند المرابطة في البيت فضربت بيدها، فبقينا ننظر، فقالت: محمد البرزلي أتي من قصر زياد والأسد بالجابية أخشى أن يروعه، وإلاّ فما يرى منه بأسا! ثمّ سكتت ساعة وقالت: قوموا افتحوا له الباب، فقمنا فوجدناه قرب الباب، آتيا، ونظرنا الأسد بالموضع الذي ذكرت لم يتحرك.
وقال بعض أصحابها: خرجت من المهدية ومعي شيء من السريس (397) برسمها، فلمّا وصلت الغيضة (398) وحان الليل سمعت خلفي حسّا، فوقفت أتحسّس إليه، فانقطع عنّي، فلم أزل كذلك حتّى وصلت ولا رأيت شيئا، فلمّا ضربت الباب وفتح لي أخرجت لي رأسها من الطّاق، وقالت: قد (399) وصل! فقلت لها: من هو؟ قالت:
الأسد كان خلفك يشيعك، فنظرت فإذا هو كما قالت، وكانت أمّ يحيى هذه من أصحاب الشّيخ الأوّلين، وخواصه، وكان يقول: أصحابي الأوّل دخلوا من الباب الذي دخلت منه وحصل لهم مثل ما حصل لي وزيادة.
قال (400): ومن كرامات الشّيخ أبي يوسف ما حدّثني به أبو علي فضل الصّفاقسي قال: عطشت ليلة عطشا شديدا ولم أجد ماء ولم أطق صبرا، فأخذت الإناء ومددت يدي وقلت: يا ربّ بحرمة سيدي أبي يوسف إلاّ ما أسقيتني السّاعة، والسّماء مصحية، والنّجوم تزهر، ويدي ممدودة بالإناء، ثمّ غلب عليّ غالب حال غيّبني عن حسّي، فلم أدخل يدي إلاّ وقد قيّض الله بمطر غزير / في الوقت فوجدت الماجل (401) قد امتلأ حتّى ارتفع الغطاء.
(397) في ط: «السريس» ، وفي المعالم ص: 222: «السرجس» ، وفي نسخ أخرى منه:«الموبس» .
(398)
في ت: «الغيظمة» .
(399)
في الأصول: «من» ، وفي المعالم:«قد وصل وصل» ص: 223.
(400)
المعالم 226.
(401)
في الأصول: «الماجن» .