الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ترجمة الشّيخ علي بن سعيد بن منصور الوحيشي:
وأمّا سيدي علي الوحيشي إبن سيدي سعيد الوحيشي فإنه أقام بالقيروان ما شاء الله، وتروّج بها، وكان يكثر التّردّد على صفاقس، وكان / منجمعا عن (715) النّاس لا يحبّ ملاقاة الأمراء بل محبّا للخلوة ودرس (716) العلم وسماع القرآن، وإذا سمع بالسّلطان أتى للقيروان يخرج كلّ يوم لظاهر البلد صبحا ولا يرجع إلاّ ليلا. ولمّا وقعت فتنة (717) الباشا وسيدي حسين رحمه الله وعمل أهل القيروان على غلق الأبواب خرج شيخنا سيدي عبد الله السّوسي لتونس، وخرج سيدي علي الوحيشي لصفاقس، فكان ملازما لدروس سيدي أحمد النوري من فقه وحديث وتفسير وصلاة جماعة ووعظ جمعة وغير ذلك، وكان محبّبا للخلق، فاتّفق أن اجتمع بعض الطّلبة يوما وقالوا: سيدي علي الوحيشي ما رأينا عليه شيئا من أمور الولاية، فلقي بعضهم من غير علم بما وقع بينهم، فقال: تسأل عن علي الوحيشي وهو من أهل الجنّة، فقال: ومن أعلمك بذلك؟ قال:
لأنّ الخلق كلّهم يثنون علي بخير، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من أثنيتم عليه خيرا فقد وجبت، يعني الجنّة» (718).
وركب يوما على حمارته وسار معه خديمه، رجل يقال له: الرّخيص (719) فقال:
تحرّكت جوف الشّيخ وخرج منه ريح (720)، فقال: يا رخيص (719) ما بقيت تسمع خيرا من فوق ولا من تحت، قال: فما مضت إلاّ مدّة قليلة واشتدّت الفتنة وكثرت فيها (721) الأقوال المرعبة فما تسمع إلاّ الهتك والفتك والهرج والمرج.
وحضرته الوفاة بصفاقس سنة نيف وخمسين ومائة وألف (722)، واختلف النّاس في موضع دفنه، فبعضهم يقول: نحمله للقيروان فيدفن مع آبائه، وبعضهم يقول: ندفنه /
(715) في بقية الأصول: «مجتمعا على» .
(716)
في ط وت: «دروس» .
(717)
علي باشا مع عمه حسين بن علي رئيس الدولة.
(718)
نصّ الحديث: «من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنّة ومن أثنيتم عليه شرّا وجبت له النّار، أنتم شهداء الله في الأرض» . رواه الإمام أحمد في المسند، والبخاري ومسلم والنسائي عن أنس بن مالك رضي الله عنهم وهو حديث صحيح، أنظر فيض القدير 5/ 28.
(719)
في الأصول: «الرخيس» .
(720)
ساقطة من ط.
(721)
في ش: «كثر فيه» .
(722)
بعد 1737 - 1738 م.
بالجهة الغربية من المقبرة، وبعضهم يقول: بالجهة الشرقية، فجاء الرخيص (719) خديمه وقال: كنت يوما مع الشّيخ بسانيته التي أحدثها قرب سور البلد وقال: ههنا إن شاء الله (723) التّربة، فأراهم المكان الذي عيّنه له الشّيخ فدفنوه به، ثمّ جمع أهل الفضل ما تيسّر من الدّراهم وبنوا عليه قبّة، فالنّاس يتبرّكون به.
وكان شيخا نقيّ الثّياب، حسن الهيئة، جميل الذات، حسن الخلق، من رآه أحبّه، لا يفتر عن ذكر الله - رحمه الله تعالى -.
ومن أعجب ما رأيت من بركاته فكمل فيه اعتقادي، أنّي كنت زمن المصيف بالحريم في البساتين (724) على عادة أهل البلد، فلمّا فرغ المصيف عملنا على الرّجوع إلى المدينة فقلنا: ننزل ليلا نبيت عند الشّيخ الوحيشي وندخل صبحا محافظة على ستر الحريم، فأخذنا مفتاح الرّوضة من حفيظها ونزلنا بالحريم ليلا، فلمّا وصلنا للرّوضة فتحنا الباب الأوّل وأدخلنا المفتاح في الباب الثّاني وحاولنا انفتاحه فلم ينفتح، وعالجناه نحو ساعة، فلمّا لم يتيسّر فتحه تركنا (725) المفتاح في الباب، وقلنا: لعلّ الشّيخ لم يرد دخولنا، وانكسرت قلوبنا، وحصل لنا حزن، فبينما نحن كذلك وإذا بطائر لطيف دار على المفتاح مرّتين أو ثلاث، فلمّا رأينا ذلك استبشرنا وقلنا: قد حصل الإذن من الشّيخ بالدّخول، فتقدّمت (726) للمفتاح فأدرناه مرّة واحدة فانفتح الباب، فعلمنا أنّ العسر مقرون باليسر كما قال جلّ ثناؤه {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} (727) الآية، فدخلنا وحصل لنا بذلك غاية / السّرور والفرح لحصول العناية من الشّيخ.
ولمّا كان ثامن عشر ربيع الثاني بعد صلاة الجمعة من سنة ثمان وألف ومائتين (728) إجتمعت بالشّيخ أبي العبّاس أحمد بن أبي إسحاق إبراهيم بن أبي العباس أحمد بن سيدي سعيد الوحيشي وبيده كم (729) من (730) ظهير من سلاطين تونس من العساكر
(723) ساقطة من ط وش.
(724)
ما يعرف بين أهل صفاقس بالجنان، وبه المسكن الصّيفي الذي يسمّى البرج، والجنان يتكوّن من شتّى أنواع الأشجار المثمرة، وقد تطوّر البرج خلال القرن التّاسع عشر، فأصبح مسكنا لطيلة السّنة وأخذت الأجنّة والأبراج تضمحلّ في الوقت الحاضر نتيجة التضخّم العمراني وايثار الناس السكنى في مساكن من نوع الفيلا.
(725)
في بقية الأصول: «فلم يتيسر لنا فتحه فتركنا» .
(726)
في بقية الأصول: «فتقدمنا» .
(727)
سورة الشرح: 6.
(728)
23 نوفمبر 1793 م.
(729)
ساقطة من ب.
(730)
ساقطة من ط.