الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هناك يحرسها، فاتّفق أنّ امرأة جاءت من البادية فدخلت المقثاة وأخذت دلاّعة لقلّة صبرها على شهوتها، فبادر إليها صاحب المقثاة ولم يكفه أخذ الدلاّعة بل [انهال] على المرأة ضربا فخرّ صريعا لحينه، واسودّ جسمه، عفا (525) الله عنّا وعنه.
وأمّا هزم الجيوش الذين يقصدون حرمه فشيء مشهور حتّى يقاوم العشرة من أحفاده وخلفائهم أكبر الجيوش، فتقع الهزيمة على من انتهك حرم الشّيخ، ومن تجاسر على إخراج من التجأ إلى ضريح الشّيخ هلك في الحين، ومن كان راكبا سقط على جواده ميّتا، وتتبّع ذلك يطول.
ترجمة الشّيخ أبي بكر القرقوري مع التعرّض لشيخيه: الجديدي والشبيبي:
ومن أعيان أهل صفاقس الشّيخ العارف بالله تعالى سيدي أبو بكر القرقوري نسبة لقرقور (526) قرية من قرى صفاقس / الغربية منها وإلى صفاقس انتقل أهلها (527).
كان من تلاميذ الشّيخ الجديدي (528) وعنه أخذ الطّريقة، وتفقّه بالشّيخ الشبيبي بمدينة القيروان.
والشّيخ الجديدي هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد العزيز السبائي، كان يحفظ بعض القرآن، وقرأ البخاري على الشّيخ أبي عبد الله محمد بن فندار (529) شهر عظوم صاحب برنامج الشّامل (530).
(525) في ش: «عفى» .
(526)
القافان معقودتان كالجيم المصرية والأولى مفتوحة والثانية مضمومة وبينهما راء مهملة ساكنة.
(527)
ربّما كان ذلك في القرن الخامس أو قبله لأنّه مرّ بي في مطالعاتي أنّ الحافظ السّلفي روى عن القرقوري (محمّد محفوظ).
(528)
هو محمد بن عبد الله السّبائي عرف الجديدي، له زاوية في القيروان وأخرى في المهدية توفّي بمكة سنة 786/ 1384 - 1385. فحلّ محله بزاوية القيروان الشيخ عبيد بن يعيش الغرياني وأصبحت تسمى بالزاوية الغريانية: معالم الإيمان 4/ 26 (ط 1).
(529)
في الأصول: «قيدار» . الحقيقة التاريخيّة للتّصوّف الإسلامي، ص: 267، شجرة النّور، ص:226.
(530)
هو بلقاسم بن محمد بن مرزوق (ت.1013/ 1605) لا يمكن أن يأخذ عنه من كان من أهل أواخر القرن الثامن، وهناك من آل عظوم إثنان آخران عبد الجليل بن محمد (ت. سنة 960/ 1553) ومحمد بن أحمد (ت. حوالي 1009/ 1600). ويحمل لقب عظوم من رجال القرن الثامن محمد بن محمد بن عبد الجليل، ولي قضاء قفصة والقيروان (وتوفي في المحرم سنة 782/ 1380) شجرة النور ص:225.
والشّيخ الشبيبي (هو أبو محمد عبد الله بن محمد بن يوسف البلوي الشبيبي، قرأ على الشيخ أبي الحسن علي الشريف عرف العواني وعليه كان إعتماده، وعلى أبي عمران موسى المناري، وأبي محمد عبد الله الحجاري (531) وأبي عبد الله محمد القلال، وارتحل لتونس فقرأ بها زمنا يسيرا على الشيخ المفتي أبي عبد الله محمد السّكوني، وقرأ عليه خلق كثير، وانتفعوا به كالشيخ البرزلي شيخ إبن ناجي، وانتفع به أيضا) (532) أبو عبد الله محمّد بن أبي بكر الفاسي وأبو يوسف يعقوب الزعبي (533) وأبو العبّاس أحمد بن عفيف القمودي (534)، وأبو حفص عمر بن إبراهيم المسراتي، وأبو العبّاس أحمد الترهوني، وأبو محمد عبد الله بن علي الشريف عرف التكودي، وأبو عبد الله محمد بن محمد بن مسعود الكنائسي (535)، وأبو عبد الله محمد بن علي القيسي الرّماح، وأبو العبّاس أحمد بن محمد بن يونس الغساني، عرف بابن قطانية، وأبو العباس أحمد بن موسى المناري، وغيرهم كأبي محرز محفوظ الأبي، / صاحب شرح مسلم، تلميذ إبن عرفة (536).
وحكي عن الترهوني عمّن يوثق به أنّه رأى في منامه كأنّ قائلا يقول له: كلّ من قرأ على الشّيخ الشبيبي فهو من أهل الجنّة.
وقال (537) عن شيخه البرزلي ما رأيت بإفريقية ولا بالمشرق مثله، كان عالما عاملا ورعا واعظا فصيحا ثبتا ثقة سخيا على قدر حاله، له قبول حسن ووجه حسن، لا يمشي إلاّ من داره إلى المسجد أو إلى مهمّ كزيارة مريض من أصحابه، أو صلاة على جنازة استؤذن عليها. درس العلم نحو من خمس وثلاثين سنة. قال إبن ناجي: وصفة ميعاده أنّه كان يصلّي الصّبح في مسجد دار الشّيخ إبن أبي زيد وينوب عنه في الصّلاة بمسجده في هذا الوقت تلميذه الفقيه أبو عبد الله محمد الضريسي ويبكر بذلك، فإذا صلّى أتى جماعة من أصحابنا المجتهدين في تلاوة القرآن فيقرؤون نحو أربعة أحزاب أو خمسة، فإذا جاء الشّيخ سكتوا وقد امتلأ حينئذ المسجد بالعامّة، فيقرأ عليه عشرا من القرآن فينقل
(531) في ط وب: «الحجاب» .
(532)
ما بين القوسين ساقط من ت.
(533)
في ط وت: «الزعيبي» .
(534)
في ت: «المصمودي» ، وفي ط وب:«العمودي» .
(535)
نسبة إلى قرية الكنايس بإقليم الساحل.
(536)
صاحب شرح مسلم تلميذ إبن عرفة هو محمد بن خلفة الأبي لا أبي محرز محفوظ الأبي.
(537)
هو إبن ناجي.
عليه كلام إبن عطية وغيره كالثعالبي (538)، ويتكلّم عليه بالوعظ بما يليق بالمحل، ويجلب لذلك ما يليق من حكايات الصّالحين، ويطول الكلام جدّا وهو لا ينظر إلاّ أمامه، ويقرأ عليه دولة في مسلم وربما يعظ عليه، ودولة في سيرة إبن إسحاق، ودولتان في الرقائق، وربما يزيد ثالثة، وعند فراغ هذا يحضر الطلبة المبتدؤون أصحاب الرّسالة والجلاب وابن الحاجب فيقرؤون / متّصلا بما ذكر فيحصل وقت الظّهر، فيخرج الشّيخ لينال شيئا من الطّعام ليتقوّى به على الطّاعة (539) ويفتي بخطّه فيما سئل عنه وهو في الميعاد، ويتوضّأ ويصلّي بالنّاس في مسجده الظّهر قرب أذان العصر ويجلس لمن يجود عليه إلى أذان المغرب فإذا صلّى المغرب جلس للتّجويد إلى صلاة العشاء الأخيرة بعد تأخيرها وقتا ما، ويدخل حينئذ لداره، وكلّ سؤال يأتيه من بعد صلاة الظّهر يفتي فيه بالليل مع نظره دول الميعاد ويناوله بكرة، وكانت الفتوى سهلة عليه وموفّقا فيها على البديهة، من ذلك أنّه سئل: هل يجوز أن يؤمّ النّاس من يأخذ المال من الظلمة قراضا أم لا؟ فأجاب بأنّ منصب الإمامة عال، والإمام شفيع لمن خلفه، ولا يكون الإمام ذا وجاهة عند المشفوع إليه إلاّ إذا كان واقفا عند أمره ونهيه، وبسيرته في ميعاده ووعظه كبر تعظيم النّاس له فوق غيره، وكان لا يأخذ من السّلطان مرتّبا على قراءته بل كان يتقوّت من الفلاحة.
ولمّا وصل السّلطان أبو العبّاس أحمد إلى القيروان في أوّل سفرة سافرها من تونس قاصدا بلاد الجريد أسرع النّاس في السّلام عليه خارج القيروان، وكان الشّيخ إذا قيل له:
تخرج للسّلام عليه يقول: إنّا ندعو له حتى قيل له: إنه بجامع القيروان، فخرج له، فلمّا مشى يسيرا وجد السّلطان آتيا إليه فأراد أن يزيل إحرامه (540) من فوق عمامته عملا بالعادة، فحلف له لا فعلت، فقال له: / أين نجلس؟ فقال له: بدار الشيخ أبي (541) محمد بن أبي زيد، وكان مسجده قريبا منها، فدخل هو وأخوه شقيقه زكرياء وطالبان إثنان وغلقوا الباب، فقال السّلطان: يا سيدي طلبت منك أن تكون قاضيا،
(538) ويقال الثعلبي أيضا.
(539)
في ط: «على طاعة الله» .
(540)
لفظة عامية لكساء الصّوف استعملت منذ العصر الحفصي، والاحرام بقي لباس الطّبقات العالية إلى القرن الثالث عشر، ويؤثر عن الشّيخ محمّد الطّاهر بن عاشور (الجد) أنّه قال لمن عذله في لبس الاحرام:«هذا حولي فدونك وقولي» .
(541)
ساقطة من ط.
فأبيت وقبلت عذرك، وعملت لك بعد ذلك ربيعة فلم تقبل، فأنا أعمل لك نصف دينار كلّ يوم لأنّ عندك عيالا كثيرة، وقد سمعت أنّك تخرج تحرث وللعرب، فقال الشّيخ: أمّا خروجي للعرب فلا بدّ منه ولو لم يكن لي زرع لأنّي نذبّ عن النّاس، وأما كوني نأخذ منك فلا أفعل، ولو كان عندي مال لأعنتك به، ولو كان فيّ شجاعة لقاتلت معك المحاربين، فأنا لا أعطيك مالا ولا أقاتل معك بنفسي وآخذ منك وبركة هذا الشيخ لا أفعل، فلمّا خرج السّلطان قال: هذا الشّيخ ما رأيت مثله، كنت جاهلا به.
مات - رحمه الله تعالى - يوم السّبت الثّاني عشر من صفر سنة إثنتين وثمانين وسبعمائة (542)، ودفن صبيحة يوم الأحد من الغد بدار الشّيخ أبي محمّد بن أبي زيد في مقصورته قدّام بابها (543).
وكان الشّيخ أبو بكر القرقوري رحمه الله ممّن قرأ بزاوية الشّيخ الجديدي وهي المشهورة الآن بزاوية الشّيخ سيدي عبيد [بن] يعيش الغرياني، لأنّ الشّيخ الجديدي لمّا توجّه إلى الحجّ أقامه بها.
ومات الشّيخ الجديدي بالحرم الشّريف بمكّة أواخر سنة ستّ وثمانين وسبعمائة (544) ودفن بباب المعلى.
ونقل إبن ناجي أنّ كلّ بلدة من عمالة القيروان فغالب الحال أنّ فقيهها قرأ بالزّاوية، ويصل النّاس إليها / من أقصى المغرب يقرؤون بها.
والشّيخ الفقيه الصّالح أبو عبد الله محمّد بن زيد (545) صاحب قصر المنستير هو من أصحابه قديما، يعني أصحاب الشّيخ الجديدي، وسلك في قصر المنستير طريق الشيخ إبتداء وانتهاء، فعنده من الفقراء نحو المائة، وزاد أنّه جمع لهم من الرّبع ما يقوم بهم أو يقارب، وكذلك الشّيخ الصّالح أبو فارس عبد العزيز إبن الشّيخ الصّالح عياش (546) من
(542) 17 ماي 1380 م.
(543)
للشيخ الشّبيبي مؤلفات وله ترجمة في تراجم المؤلفين التونسيين 3/ 143 - 147، ويبدو أن المؤلف نقل ترجمته عن تذييل ابن ناجي لمعالم الإيمان 4/ 203 - 206 وسبق أن ترجم له في 1/ 235، (النسخة المطبوعة).
(544)
1384 م.
(545)
محمد بن أبي زيد المنستيري الإمام الفقيه العمدة الصالح القدوة، واحد كابن عرفة وطبقته، وقبره بقصر المنستير معروف وتاريخ وفاته غير معروف: أنظر شجرة النور ص: 246.
(546)
راجع عنه معالم الإيمان 4/ 240 (ط.1).
خواص الشيخ ومن فقراء زاويته، وهو بزاويته بطبلبة من عمل المهدية (547) في بحر كبير، وناس يأكلون عليه (548) ويقرؤون القرآن، وكثيرا ما يعين زاوية شيخه الجديدي بالطعام الكثير وخصوصا عند الحاجة، وكلّ من يرد عليه من جميع الناس يضيّفه ويعلّف (549) له، ولو ضافته محلّة السّلطان وعربها لقام بها، وكلّما يكتب للسّلطان في حاجة فغالب الحال أنّها تقضى، وكلّ من (550) يهرب (551) إليه من قوّاد السّلطان وشيوخ العرب وصل للأمان ويكتب فيهم فيجيبه الجواب بما يريد.
وكذلك الشّيخ أبو بكر القرقوري بصفاقس كان من تلامذته، وقرأ العلم بالقيروان على الشّيخ الشبيبي، وسلك طريق الشّيخ الجديدي في زاويته قال: ففيها خلق من النّاس، وزاد بأنّه يعمل الميعاد في مسجد الشّيخ أبي الحسن علي الربعي المعروف باللّخمي، لأنّه فقيه عارف موفّق للجواب، فجميع تلك الأوطان والعمالات عامرة بفقرائهم وطلبتهم، والجميع حسنة من حسنات الشّيخ الجديدي نفع الله / الجميع به.
قال: وحدّثني الشّيخ الصّالح أبو علي سالم بن أبي القاسم القرشي يعرف بالقاسمي عمّن حدّثه قال: خرج أبو بكر القرقوري هذا وعبد العزيز بن عيّاش ومحمّد بن زيد وغيرهم في حال صغرهم خارج القيروان لتفريج خواطرهم، وكان معهم الشّيخ الجديدي، فأخذوا يمزحون ويلعبون، فقال لهم الشّيخ الجديدي: أنا نحكم بينكم، فأنت يا أبا بكر ولّيتك قيادة صفاقس وعملها فقف بمن معك، وأنت يا عبد العزيز فقد ولّيتك المهدية (552) وعملها فقف بمن معك، (وأنت يا محمّد بن زيد فقد ولّيتك قيادة المنستير وعملها فقف بمن معك)(553) ولم يتفطّنوا حينئذ لما قال، فتبيّن بعد أنّ كلّ واحد منهم هو شيخ ما حوله.
ولم نقف للشيخ أبي بكر القرقوري (554) على وفاة لكن تؤخذ تقريبا وفاته من وفاة أشياخه، وقد كانوا أواخر القرن الثّامن.
(547) هي الآن من ولاية المنستير.
(548)
تعبير عامي يريد به: «يأكلون على نفقته» .
(549)
دابّته.
(550)
في ش: «كلما» .
(551)
في ب: «يعرف» .
(552)
في بقيّة الأصول: «المنستير» .
(553)
ما بين القوسين ساقط من بقية الأصول.
(554)
الشّيخ أبو بكر القرقوري له ترجمة قصيرة في معالم الإيمان ضمن ترجمة أبي الحسن اللخمي.