الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فتمكّن من علوم القراءات والتّجويد، والنّحو والفقه، وغير ذلك. ثمّ انتقل لجربة لطلب (مختصر الشّيخ خليل والفرائض والحساب، فأخذ عن الشيخ)(1) أبي إسحاق سيدي إبراهيم ابن الشيخ سيدي عمر (2) الجمني، ثمّ توجّه / لتونس فأخذ عن أبي عبد الله شيخنا سيدي محمد الشّحمي وغيره من أشياخ العصر بتونس، فكان فقيها مقرئا فرضيا حيسوبيا منطقيا متكلّما واعظا أصوليا متمكّنا من علوم العربية وفنون البلاغة، حسن الخلق والخلق والسّيرة، ذا عفّة وهمّة عالية، لا يرى إلاّ منبسطا مستبشرا متبسّما، ليس بالفظّ ولا بالغليظ الجافي.
وهو القائم بعمارة الزّاوية بعد وفاة أخيه أعانه الله على ما أولاه.
وكان معرضا عن الأمراء وأبوابهم وعن المناصب وعلائقها، يأكل من كسبه بالفلاحة فأغناه (3) الله بذلك.
ترجمة الشّيخ عبد العزيز الفراتي:
ومن أجلّ (4) أعيان فقهاء صفاقس المتأخّرين الشّيخ أبو فارس سيدي عبد العزيز الفراتي (5) - رحمه الله تعالى -.
تفقّه في صغره بتونس على فقهاء العصر، ثمّ ارتحل (6) إلى مصر فأقام بها خمسة أعوام يطلب العلم، فلقي الرّجال وأخذ عنهم كالشّيخ أبي العبّاس أحمد البشبيشي الشافعي، والشّيخ القاضي عمر فكرون الشّافعي، والشّيخ أبي عبد الله محمد البنوفري، والشيخ أبي البركات سيدي يحيى الشّاوي (7)، وذهب معهم إلى القسطنطينية لصدور أمر مطاع من الحضرة العثمانية لفقهاء الأزهر، بإشخاص شيخ فاضل، ولم يعيّن سبب
(1) في ط: «لطلب المختصر عن أبي إسحاق» .
(2)
في ط: «ابراهيم» .
(3)
في ط: «فأعانه» .
(4)
ساقطة من ط.
(5)
هو إبن محمد بن محمد بن أحمد كما في الحلل السّندسيّة 3/ 304.
(6)
في ط: «رحل» .
(7)
يحيى بن محمّد بن محمّد بن عبد الله بن عيسى النّائلي نسبة إلى قبيلة أولاد نائل بالقطر الجزائري وهي قبيلة عربية موجودة بليبيا أيضا، الملياني الشاوي تسمية لا نسبا. أنظر عنه فهرس الفهارس والأثبات 2/ 1132 - 1134، باعتناء د. إحسان عباس، دار الغرب الإسلامي، بيروت.
ذلك، فاجتمع أهل الحلّ والعقد من فقهاء الأزهر من جميع المذاهب وأرادوا تعيين رجل يوجّهونه إلى الحضرة، فكلّما طلبوا واحدا امتنع، وهابوا الأمر إذ لم يعرف / أحد (8) على ماذا يقدم، فاتّفق رأيهم على تعيين الشيخ الشّاوي، وقالوا فيما بينهم: إن أجاب السّلطان عمّا سأله فرجل من فقهاء الأزهر، وإن عجر فهو مغربي ولا نقص فينا، فإذا عرفنا السّبب أعددنا له من يمشي على بصيرة. وكان الشّيخ الشّاوي رحمه الله رجلا بارعا في الأصول والفروع وآداب البحث والصّناعات الخمس، من علم النّظر وعلوم العربية والحديث والتّفسير وغير ذلك ممّا يحتاج إليه النظّار. وكان سريع الجواب، حاد الذّهن والفطنة، يسلك من كلّ باب أراده، فانعقد عليه إجماعهم، فقبل وامتثل، فسار بتلاميذه ولم يفارق دروسه إلى أن بلغ الحضرة الخاقانية، فتلقّاه أهلها بالإجلال والإكرام، وتقدّم للسّلطان - رحمه الله تعالى - وصافحه على مقتضى السّنّة، وكانت العادة تقبيل اليد من السّلطان، فتكلّم بعض من حضر في ذلك وقال: هذا سوء أدب مع السّلطان، ففهم مرادهم وقال: يا سيدي السّلطان عاملتك بآداب الشّريعة المطهّرة، سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم والأدب مع السّلاطين هو المحافظة على السّنّة إذ هذا المقام هو الأحقّ بإظهار السّنّة وشعائر الإسلام، ولمّا حصلت السّنّة فشرّفني بمناولة يدك السّعيدة أقبّلها فإني لا أستنكف عن تعظيم من أقامه الله تعالى لحفظ ملّة الإسلام وإذلال أهل الكفر والطّغيان، فعلم السّلطان صدق قوله فعافاه / من تقبيل اليد، وأمره بالوقوف على (ما رسم الشّرع (9)، وقال: إنّي أحقّ منك بإعزاز هذا الدّين والمحافظة على) (10) رسوم الشّريعة (11) فلا تزيدك المحافظة على السّنّة إلاّ محبّة منّي إليك، ورغبة في لقائك، فأظهر الشّيخ يحيى الفرح والسّرور بمحبّة السّلطان لحماية الدّين وإظهار شعائره وأكثر من دعاء الخير للسّلطان وعساكر الإسلام، فحصل له في ذلك المقام رفعة مقامه، وظهرت (12) نباهة شأنه.
ثمّ إنّه حصلت له مناظرة مع بعض فقهاء الحنفيّة في عدّة مسائل، ومن جملتها طهارة الكلب التي يقول بها إمامنا مالك رحمه الله ورضي عنه - فقال: كيف تقولون
(8) ساقطة من ط.
(9)
في ط وت: «رسوم الشريعة» .
(10)
ما بين القوسين ساقط من ت وب وط.
(11)
بعدها في ط: «وقال له» .
(12)
في الأصول: «وظهر» .
بطهارته مع أنّه صلى الله عليه وسلم أمر بغسل الإناء سبعا من ولوغ الكلب فيه (13) وما ذلك إلاّ لنجاسته، فأجاب الشّيخ يحيى على مقتضى أصول المذهب من أنّ علّة الطّهارة الحياة وهي حاصلة، والغسل سبعا إنّما هو تعبّد (14) إذ ريقه لا يكون أقذر وأنجس من البول والغائط مع أنّه يكفي في طهارة مصابهما زوال اللّون والطّعم والرّيح (غير ما تعسّر من اللون والرّيح)(15) ولو زال ما يطلب زواله بغسلة (16) واحدة، وطال الكلام في ذلك على (17) قواعد الجدل فقطعهم بالحجّة، ووقف (18) كلّ مع (19) مقتضى قواعد مذهبه.
ثمّ إنّ السّلطان رحمه الله عرّفه أن السّبب الذي أشخصه له هو أنّ والدته أخرجت صدقة من مالها على فقهاء الجامع الأزهر، [فقال له] فخذها / واصحبها معك للفقهاء ليفرّقوها بينهم، فقال: السّمع والطّاعة، ثمّ قال للشّيخ يحيى: تمنّ (20) ما شئت من الدّنيا لتستعن به على طلب العلم، فقال: لا حاجة لي بشيء إذ يكفيني ما أنا عليه، وكان رجلا زاهدا متقلّلا من الدّنيا غاية، وكانت عليه أثواب المغاربة، وقال: لا أقدر على تغيير ما أنا عليه من أثواب وقوت، وقد ترى في أثوابي بقية فلا أدري أبليها أم أموت قبل ذلك، وعندي (21) من القوت ما يسدّ رمقي وما زاد على ذلك فهو فضول يقطعني عن العلم بالله تعالى، فألزم بطلب شيء ولو قلّ إذ في عدم الطّلب من السّلطان مع (إنعامه بالإقبال)(22) الأمر بالتّمنّي إظهار تعاظم وسوء أدب معه بحسب جاري العادة، فقال:
إن كان ولا بدّ فاجعلني شيخ (23) الجامع الأزهر، فكتب له بذلك ظهيرا، ورجع لمصر
(13) إشارة لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرفه ثمّ ليغسله سبع مرات» : أخرجه البخاري ومسلم ومالك في الموطأ والترمذي وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - وله روايات أخرى فيها تغيير بعض الألفاظ مع اتحاد المعنى، والرواية التي فيها زيادة هي:«طهور اناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب» .
(14)
في ت: «تعبر» .
(15)
ما بين القوسين ساقط من ط.
(16)
في ت: «يغسله» .
(17)
في ط: «مع» .
(18)
ساقطة من ب.
(19)
في بقية الأصول: «على» .
(20)
في بقية الأصول: «تمنى» .
(21)
في بقية الأصول: «وكان عندي» .
(22)
ما بين القوسين ساقط من ط.
(23)
هذا ممّا انفرد به المؤلف ولا يعرف أنّه تولى مشيخة الأزهر، قال الشّيخ عبد الحي الكتاني، وللمترجم ترجمة نفيسة في «نزهة الأنظار في عجايب التواريخ والأخبار» للشيخ محمود بن سعيد مقديش الصفاقسي، أغرب ما فيها أنه تولى مشيخة الأزهر، فهرس الفهارس والأثبات 2/ 1134.
بما معه، فأوصله للفقهاء ورضوا بما والاه (24) السلطان عليه من مشيخة الجامع الأزهر، فكان كذلك إلى وفاته - رحمه الله تعالى -.
ثمّ إنّ الشّيخ الفراتي بعد انقضاء خمس سنين أخذ الإجازات من مشايخه وحجّ حجّة الفريضة وجاور بالحرم الشّريف يقرأ الحديث بالمسجد النّبوي مدّة، ثمّ رجع إلى صفاقس فوجد الشّيخ النّوري سبقه فيها بأربعة عشر عاما، فوجده مجتهدا في طلب العلم، فأعانه على ذلك، وكثرت دروسه حتّى بلغت ثمانية عشر دولة، واشتغل بالعلم في ابن صيّود المقام المشهور. /
ولمّا قدم إبراهيم الشّريف لصفاقس عند توجّهه (25) لقتال طرابلس - حسبما مرّ - قصد إلى زيارة (26) الشّيخ النّوري بزاويته، فزار الشّيخ والتمس صالح دعائه فدعا له بالتّوفيق والهداية، ولمّا سمع الشّيخ الفراتي جاء إلى زاوية الشّيخ النّوري، فقام له الشّيخ (27) إجلالا وقام السّلطان لقيامه وسلّم عليه، فقال الشّيخ النّوري للسّلطان: هذا رجل صالح من طلبة العلم، إغتنم بركة دعائه فدعا له الشّيخ الفراتي، ثمّ قال إبراهيم الشّريف للشّيخ النوري: تمنّ ما شئت، فامتنع، فألحّ عليه، فقال: إن كان ولا بدّ فتولية (28) هذا الشّيخ إمامة المسجد الأعظم لأنّ إمامه عجز لكبر سنّه، وكان أئمته قبل ذلك المشايخ الشّرفيين، فقال له السّلطان: إن كان ولا بدّ فلتكن (29) أنت إماما، فاعتذر بعدم القدرة على ذلك، فكتب للشّيخ الفراتي ظهيرا بذلك مشتملا على القيام بمصالح المسجد وولاّه الفتوى، فصار خطيبا إماما مدرّسا بالمسجد الأعظم مفتيا.
وتفقّه عليه جماعة فأخذوا عنه كما أخذوا عن الشّيخ النّوري، فمن أعظمهم الشّيخ سيدي محمد إبن المؤدّب [الشرفي] وكان محبّا له غاية فجعله خليفة عنه في الإمامة والخطبة وامتدحه بقصيدة وهي هذه:
(24) في ط: «أولاه» .
(25)
في بقية الأصول: «لتوجهه» .
(26)
في بقية الأصول: «قصد زيارة» .
(27)
في بقية الأصول: «الشيخ النوري» .
(28)
في ط: «فتولى» ، وفي ب:«فولى» .
(29)
في بقية الأصول: «فكن» .
[الطويل]
أيا لائمي فيم (30) الملامة والعذل
…
وقلبي (31) من لوع الصّبابة لا يخل [و]
دع اللوم واذكر لي حديث (32) أحبتي
…
فذكرهم عندي - وحق الهوى يحل [و]-
إذا ذكروا يوما طربت لذكرهم
…
واهتزّ مثل الغصن يعتاده (33) ميل /
أهيم بهم شوقا إذا الصّبح قد بدا
…
ويزداد بي شوق إذا جنّني الليل
سقوني حميّا حبهم غير مرّة
…
ثملت بها سكرا، وما عاد لي عقل
حرام على قلبي السّلوّ وإن أبى
…
عذول يرى أن السلوّ له حلّ
لئن كان يسلو الحبّ من يدّعي الهوى
…
فعن حبّ من أهوى - وحقك لا أسل [و](34) -
فلي فيك - يا عين عين الزّمان - محبة
…
لها في فمي فرع، وفي مهجتي أصل
سميري سامرني (35)، وكرّر حديث من
…
بذكرهم يحيا (36) الفؤاد ويبتل
أبي فارس عبد العزيز الذي غدا (37)
…
له بالفراتي نسبة ذكرها يحل [و]
إمام له بين الأئمة منصب وقدر رفيع
…
فوق نسر السما يعل [و](38)
حليم، سليم الصدر، لا يستفزه
…
سفيه، ولا يغريه من جاهل جهل
علا قدره، والعلم يرفع أهله
…
ولم لا، وذا يقضي به العقل والنقل (39)
فلو أن أهل المجد (40) كانوا فريضة
…
لكان لها من أجل عليائه عول
(30) في ط: «كف» . أنظر ديوان الشرفي ص: 62.
(31)
في بقية الأصول: «فقلبي» .
(32)
في ت: «من حديث» .
(33)
في ب وط: «يقتاده» ، وفي ت:«بقتادة» .
(34)
بعد هذا بيت في الديوان أسقطه المؤلف وهو: أو إن كان قوم بالأماكن قد سلوا وكان لهم في ذاك عن حبهم شغل
(35)
في ديوان الشرفي: «يسامرني» .
(36)
في الأصول: «يحيى» .
(37)
في الديوان: «ومن غدا» .
(38)
بعد هذا بيت في الديوان أسقطه المؤلف وهو: أمين، كريم، منصف، ذو أناءة له بين أرباب العلا بالعلا كفل
(39)
بعد هذا بيت في الديوان أسقطه المؤلف وهو: له بين أرباب النهى المجد والعلا وبين ذوي الآراء له الرأي والعقل
(40)
في الديوان: «العلم» .