الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سيدي قاسم المحجوب، والشّيخ المؤقت أبو زيد عبد الرّحمان الغنّوشي السّوسي، وشيخ زاوية أبي إسحاق الجبنياني رحمه الله الشّيخ حسين الحلواني، والشّيخ القاضي أحمد بن لطيف، إلى غير ذلك (878).
ولمّا كان الثاني عشر من ربيع أوّل سنة ثمان ومائتين (879) وألف إجتمعت بصفاقس بالشّيخ الحسيب النّسيب الشّريف سيدي عبد الكريم بن أحمد إبن الشّيخ سيدي علي بن خليفة، فوجدته رجلا حسن الصّورة والهيئة والخلق والخلق، آثار الصّلاح عليه لائحة، ليّن الجانب، محبا للعلم وأهله، وله اعتقاد زائد في أهل الخير، وهو ساعة التاريخ شيخ زاوية جدّه، وهي إلى الآن لم تزل عامرة بطلبة الكتاب والسّنّة - جعلها الله آهلة عامرة بأهل الخير والصّلاح، وأعانه / على ما أولاه من نفع العباد، وأجرى الصّالحات على يديه بفضله وكرمه -.
ترجمة الشّيخ أبي عبد الله محمّد كمّون:
وأما تلاميذ الشّيخ سيدي أحمد النّوري المقدّمي (880) الذّكر، فقد نشروا العلم في حياته وبعد وفاته.
فأمّا الشّيخ أبو عبد الله محمّد كمّون، فكان عدلا ثقة عمدة، أخذ عن عدة مشايخ من بلده، وكان في ابتداء أمره من صيادي (881) السّمك، فمنّ الله عليه بالعلم في كبر سنّه، وليس له رحلة، فنال في بلده أفضل ما ناله غيره في رحلته، نقل عنه أنّه قال: كنت ملازما لمقام الشّيخ السّبتي وتعسّر علي طلب العلم، فقدم علينا رجل مغربي صالح فأسكناه بخلوة الشّيخ السّبتي، فقال يوما: هلى عندكم شيء من قدّيد التّين (882)؟ فقلت: نعم، فأتيته منه بما تيسّر، فجعل كلّ يوم يناولني منه ثلاثا، فعل بي ذلك عدّة أيام، ثمّ غاب عنّا فلم يتبيّن (883) لنا خبره بعد ذلك، فمن ذلك الوقت
(878) لم يذكر المؤلف تاريخ وفاة المترجم وكانت وفاته سنة 1172/ 1758 - 1759 عن سنّ عالية، راجع تراجم المؤلّفين التّونسيين 2/ 223 - 235.
(879)
1793 - 1794 م.
(880)
في ش وب: «المتقدّمين الذكر» ، وفي ت:«المتقدمين» ، وفي ط:«المقدموا» .
(881)
في ش وب وت: «صيادين» .
(882)
هو الشريح عند أهل صفاقس.
(883)
في ش وب وت: «يبين» ،
يسّر الله عليّ ما تعسّر. فكان غاية فيما يتعاطاه من العلوم كالعربية، والفقه، والحديث، والفرائض، والحساب. وكان عارفا بالنّوازل (884) والأحكام، ماهرا في التّوثيق، ذا نباهة زائدة، وفطنة وقّادة، وهمّة علية لا يعتريه طيش ولا انزعاج.
ثمّ (885) طلبه أهل بلده بتولّي القضاء بعد ما أيسوا من شيخنا أبي الحسن سيدي علي الأومي - رحمه الله تعالى - فألزموا الشّيخ كمّون وولوه مكرها، فلقيه شيخنا الأومي بعد تولّيه فبارك له (886) ودعا له الإعانة والتّسديد، فرد عليه متحسّرا بقوله: / مصائب قوم عند قوم فوائد (887)، فكان في أحكامه ذا رزانة وهيبة وشهامة ودهاء، إذا انتصب للقضاء هابه الخصوم، وانقاد النّاس للحقّ بأيسر الأمر. ومن كراهته للقضاء أنّه خرج يوما من مجلس حكمه، فخرج النّاس من أعوان وأصحاب دعاوي حتّى امتلأ الطّريق، فلقيتهم إمرأة فحسبتهم كانوا في جنازة، فقالت لهم: من مات؟ فأجابها الشّيخ القاضي بقوله: مات محمّد كمّون، يعني نفسه (888)، فكان فيه إشارة لطيفة لقوله عليه الصلاة والسلام:«من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكّين» (889)، أو كما قال: غريبة اتفاقية.
ثمّ إنّه رحمه الله كان واقفا مع الشّرع لا تأخذه في الله لومة لائم، فاتّفق أن تولى حمّودة الغزالي قائدا على البلد، وكان رجلا ظلوما غشوما ذا شدّة وعسف (890)، فسعى بالقاضي إلى السّلطان، ولبّس عليه فأشخصه لتونس، وكان الكاتب أبو عبد الله الشّيخ محمّد أبو عتّور إبن خالة الشّيخ كمّون وقرينه من صغره، وتعلّم العلم معه، ونشأ على محبّة أكيدة بينهما، فدافع عنه عند السّلطان، وعرّفه مقامه فعفا (891) عنه وعافاه (892) من القضاء وولاّه الفتوى، ورجع لبلده وقد أثّر فيه الخوف وأصابه رعب باطني نشأ منه أمراض عسر علاجها، فمات سنة نيف وسبعين ومائة وألف (893).
(884) النوازل في الإصطلاح التّونسي هي القضايا.
(885)
في بقية الأصول: «فمن ثم» .
(886)
في ط: «الله» .
(887)
إقتباس من عجز بيت للمتنبّي صدره: «بذا قضت الأيام ما بين أهلها» .
(888)
في ش: «يعني عن نفسه» .
(889)
رواه داود والترمذي عن أبي هريرة، ورمز لحسنه السيوطي في الجامع الصّغير، قال شارحه: المناوي هو أعلى رتبة من ذلك فقد قال الحافظ العراقي: سنده صحيح. فيض القدير 6/ 238.
(890)
في ط وت: «عبسة» .
(891)
في ش وب وت: «فعفى» .
(892)
في الأصول: «عفاه» .
(893)
بعد قليل من سنة 1757 م.