الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وألف (54) بعد ما تفقّه به خلق كثير، وقبره مزار متبرّك به - رحمه الله تعالى -.
ومن جملة من أخذ عن الشّيخ الفراتي ثلاثة من أولاده: أبو العبّاس أحمد، وأبو فارس عبد العزيز، وأبو زيد عبد الرّحمان، فأخذوا عنه في حياته، وقام مقامه في الخطبة والإمامة والتّدريس الأوّلان شركة بينهما.
ترجمة الشّيخ أحمد الفراتي:
فأمّا الشّيخ أبو العبّاس سيدي أحمد الفراتي كان رجلا صالحا تقيّا عفيفا فقيها محدّثا خطيبا واعظا مفتيا، / وكان حسن الخطبة والوعظ. قال الشّيخ أبو عبد الله سيدي محمد السعداوي - وكان من الصّالحين المتصوّفين -: والله ما أحبّ الإقامة بصفاقس إلاّ لخطبة سيدي أحمد الفراتي، ووعظ أبي عبد الله محمّد المراكشي.
توفي - رحمه الله تعالى - سنة سبع وأربعين ومائة وألف (55).
ترجمة الشّيخ عبد العزيز الفراتي:
فاستقلّ أخوه الشّيخ أبو فارس عبد العزيز الفراتي بالإمامة والخطبة والتّدريس وتولّى الفتوى، وكان محدّثا مقرئا مؤقّتا ذا حظّ من علوم الدّين فصيحا في خطبته، ذا قدرة على إنشاء الخطب، متقلّلا من الدّنيا لا يأخذ شيئا على فتواه، ليّن الجانب محبّبا معظّما عند النّاس، وكان ملازما لمقصورة المسجد الأعظم، فدخل عليه يوما الشّيخ سيدي إبراهيم ابن حمامة القروي، وكان جزّارا له مكاشفات وإشارات فقال له: السّلام عليك يا منديل، فتغيّر الشّيخ من ذلك وانقبض، فقال له: يمسح الناس فيك أوساخهم وينسبون إليك أشياء كثيرة يوسّخونك بها.
فلمّا كانت سنة خمس وستين ومائة وألف (56) قدم الحاج محمّد السيالة (57) من طرابلس، وكان القائد بصفاقس إبن أخيه محمد السيالة (57)، فلم يقم بحقّ عمّه،
(54) بعد قليل من سنة 1728 م.
(55)
1734 - 1735 م.
(56)
1752 م.
(57)
في ش: «السيالا» .
فاغتاظ عليه، فلمّا وصل لتونس دخل على الباشا (58) رحمه الله فذكر له أشياء من قبائح إبن أخيه إخترقها خارجة عن مجاري السّنّة والسّياسة، وأنّ النّاس منه في مقاساة (59) شدائد (60) ولا يقدرون على رفع الشكوى فاستشاط غضبا، فكتب لقاضي / البلد أبي العبّاس الشيخ أحمد لولو رحمه الله وللشّيخ الخطيب، وأمرهم بإحضار الخاص والعام وسؤالهم عن محمّد السيالة وإرسال ما انفصل عنه أمر النّاس، فاجتمع النّاس، فأمّا أصحاب النّعمة فسكتوا وخافوا من العواقب، وأمّا الفقراء فأظهروا الشّكوى بالقائد وعدم لياقته وطلبوا عزله، وأمّا جماعة القائد ومن ينتمي إليه فقالوا: لا بأس به وإنّه مصلح، وانفصل المجلس على اختلاف الكلمة وعدم اتّفاق، فتحيّر الخطيب والقاضي وعلموا أن الحقّ مع الفقراء وعامّة النّاس، فطلب القائد منهما جوابا على مقتضى ما قاله جماعته من حسن سيرته، فازداد الشيخان تحيّرا وقالا له: نذهب بأنفسنا ونعرّف الباشا مشافهة بما وقع ونظره أوسع، فأيس منهما، وكتب وسيّر بريدا للكاتب أبي زيد الشّيخ عبد الرّحمان البقلوطي، وكان نافذ القول عند الباشا، فوقف على الكتاب وعلم ما فيه، وعيّن رجلا من رجاله يقف بباب تونس ليأتيه بالشّيخين إذا قدما قبل وصولهما للباشا، ففعل، فلمّا اجتمعا بالكاتب أمرهما الكاتب بالرّجوع لبلدهما، فاعتذرا إليه بالخوف من الباشا، فقال: أنا أكفيكما، فرجعا فنهض من له عداوة عليهما وقال: قد أصبت مقتلهما، فتجهّز لتونس وعرّف الباشا ولم يذكر الكاتب خوفا منه، فطار الباشا غضبا وذكر أمورا لا ينبغي نسبة مثلها (لأقلّ حال منهما فضلا عن مثلهما)(61) ولكن جفّ القلم ومضى الحكم / لأمور قدرها (62) بديع السّماوات والأرض، فأحضر الشّيخان وعنّفهما فلم يقدرا على ردّ الجواب خوفا من ضرب الرقاب فلمّا سكن بعض غضبه أمر بهما لبيت الحانية سجن خفيف رفعا لمقامهما عن مقام غيرهما لنسبتهما للعلم الشريف، ولقد ذهبت إليهما أسلّيهما فرأيت الشيخ الخطيب صابرا معتمدا على الله، ورأيت على الشيخ القاضي آثار الخوف فصبّرتهما، ودعوت لهما بحسن العاقبة والصّبر الجميل والإستغاثة بالله، ثمّ عزل الشيخ (63) القاضي من جميع مرتّباته ومن العدالة حتى من مرتّب التّجويد بالمدرسة، كما عزل الخطيب (64) عن الجامع وجميع وظائفه، فبقيا بتونس معزولين، فلم تمض أشهر
(58) علي باشا الأول.
(59)
في الأصول: «مقاسات» .
(60)
في ط: «الشدائد» .
(61)
ما بين القوسين ساقط من ط.
(62)
في ط: «قدرها الله» .
(63)
ساقطة من بقية الأصول.
(64)
في ط: «الشيخ الخطيب» .