الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلمّا سمع عمّه بذلك خرج من المدينة ومعه إبن أخيه علي باي ليجمعوا أمرهم، فهرجت البلاد، ثم رجع محرز من الكاف فهوّن الأمر عليهما، وهو خلاف ما في باطنه، فرجعا إلى البلد، ثم أرسلوا ستّة من أكابر الدّولة، ورجع محرز المذكور برسالة غير الأولى فزاد بكيده في الشّرّ، وترادفت الأخبار أن الباي أقسم أن لا يدخل البلد وعمّه فيها، وذلك برمضان المعظّم من السّنة المذكورة، فلمّا صحّ الخبر عند عمّه كره إراقة الدّماء بين الفريقين فعزم على الخروج من البلاد، فهيّأ مركبا [حمل] فيه ما يحتاجه وسلّم ملكه ومتاعه وركب البحر من جهة رادس، وتوجّه نحو الأعتاب الشّريفة العثمانية.
الفتنة بين محمد باي بن مراد وأخوه علي:
وأمّا محمّد باي فلمّا علم بخروج عمّه من تونس أقبل إلى البلد، فخرج غالب النّاس للقائه، وخرج أخوه علي باي للقائه أيضا مع من خرج، فأظهر التّنكّر والحقد في / باطنه أكثر، ونزل في منزله بباردو، فجاءه النّاس للتّهنئة، ثم وقع بينه وبين أخيه إتّفاق تراضوا عليه (187) أوّلا، ثمّ نقضوه، وألزم أخاه الإقامة ببعض قصورهم خارج البلد وأن لا يدخل الحضرة في غيبته.
وتهيّأ للمحلّة في شوّال سنة ستّ وثمانين وألف (188)، فسافر إلى بلاد الجريد، وفي غيبته تكاثر الوباء بتونس، ومات فيه عمّهما حسن باي، فحضر علي باي جنازته، وبعد زمان شاع الخبر أنّ علي باي توجّه نحو الغرب لخوف لحقه.
وبعد ما استخلص محمّد باي مجابيه من الجريد رجع إلى إفريقية بمحلّته فاضطرمت (189) نار الفتنة، وخرجت المحلّة الصّيفيّة سنة سبع وثمانين (190) للوطن الإفريقي لخلاص المجابي، وجاء الخبر أن محمّد الحفصي نال رتبة الباشوية، فرجع محمّد باي إلى الحضرة وإتفق مع أهل الحلّ والعقد على أنّهم لا يقبلون أحدا جاءهم من عمّه ولا من أخيه، فوافقه العسكر على ذلك، وعقدوا مجلسا بجامع الزّيتونة، واتفقوا على كلمة
(187) في ط: «تراضوه» وفي المؤنس: «رضوه أولا» .
(188)
ديسمبر - جانفي 1675 - 1676 م.
(189)
كذا في المؤنس وفي ط، وفي ش:«أضرمت» .
(190)
1676 - 1677 م.
واحدة، وفي أثناء ذلك جاء الخبر أنّ محلّة الصبايحية كانت قادمة من جبل عمدون أخذها من أتباع علي باي القائد مصطفى سبنيور ومن معه من الأعراب، فخرج محمّد باي من فوره من المسجد وجدّ في سيره، ومن الغد بعث برؤوس الأعراب لتسكين الفتنة، والأراجيف كل يوم تتزايد.
ولمّا تمّ من إفريقية توجّه نحو القيروان لأنّه بلغه نفاق وسلات، فسار إليه وحاصره من جميع الجهات وبعث / إليهم جماعة من المرابطين، فرضوا بأداء المال فلم يقبل منهم إلاّ أن ينزلوا على حكمه، فخافوا من ذلك ورضوا بالموت في منازلهم، ثم بعث إلى تونس فأمدّوه بعسكر ثان في شوّال سنة سبع وثمانين (191)، ورجع في أثناء ذلك إلى تونس، واستحكم من العسكر بما أراد، ورجع من فوره إلى محلّته، وتتابعت رسله إلى أهل الجبل، ولم يتم له ما أراد فعزم على إستئصال الجبل من أوّله إلى آخره، فهيّأ له جموعه بعد ترادف العساكر عليه من كلّ الجهات (192).
ودخل إلى الجبل من طرق شتى، ودهمهم أهله بما لا طاقة لهم عليه ولا قبل لهم به، فلمّا توسّط جل العسكر في الجبل وانتشب الحرب بين الفريقين كادت الدائرة أن تكون على أهل الجبل إلاّ أنه من قضاء الله المقدور ما اتفق أن علي باي كان في الجبل بطائفة من جماعته، وكان قائده مصطفى بكمين خارج الجبل، فلمّا سمع توسّط العسكر بالجبل بادر إلى المحلّة، وأخذ عدّة من الخيل والجمال وكاد يأتي على آخر المحلّة، فحاربه من بها من العسكر، ورموا عليه بالمدافع، فلمّا سمع من في الجبل من العسكر حسّ المدافع علموا بحادثة وقعت بعدهم، فوجلت قلوبهم وداخلهم الرعب، فولّوا منهزمين لا يلوي أحد منهم على أحد، فركب أهل الجبل ظهورهم وقتلوا منهم مقتلة عظيمة ومات (193) جملة من رؤساء العسكر وخليفة الباي القائد محمد بن علي وجماعة من الأعيان، وكاد الباي / أن يقع في المكروه لولا أجله، فنجا بنفسه وترك المدافع في الجبل، ورجع إلى الأخبية بمن نجا (194) معه، ومن الغد رجع إلى المدافع وأتى بها ورحل إلى القيروان (195)، فمن هناك إتّسع الخرق على الرّاقع.
(191) ديسمبر 1676 - 1677 م.
(192)
في الأصول: «الجهاة» .
(193)
في الأصول: «وماة» .
(194)
في الأصول: «نجى» .
(195)
في ش: «ورحل القيروان» .
وفي ذي القعدة من سنة سبع وثمانين (196) وألف بعث إلى العسكر يستنجده فأمدّوه بعسكر ثالث ولكن لم يخرج (197) هو وبعث بمحلّة للجريد وسردارها محمّد رايس عرف طاباق المعدود في الدّايات، وقائده [القائد](198) مراد، وبقي هو بمحلّته الثّانية، وجاءه الخبر بأنّ أخاه رحل من الجبل، وأنّه في جمع قليل، فطمعت نفسه في لقائه فلحقه وجدّ في طلبه بالسّير إلى أن لحقه بمكان يعرف بسبيبة، وكان يوم عيد الأضحى وعلي باي مقيم، فلم يشعر إلاّ والخيل أقبلت وأخبرته بأنّ أخاه قادم (199) عليه، وكان ذا حزم وشدّة، فأصلح شأنه وتهيّأ بجموعه فأدركه أخوه بمن معه، وكان غالب من معه أدركهم التّعب لعنف السّير، والتحقوا إبلا كثيرة أخذوها وبدا النّهب من العرب، فلمّا أمعنوا في النّهب دهمهم علي باي بمن معه، وحملوا حملة منكرة، وممّن كان في نجدته ذلك اليوم صهره شيخ العرب سلطان بن منصر (200) بن خالد وجماعة من الصبايحية، فقابلوهم بنفوس أبية، فلم تمض ساعة إلاّ وهزموهم (201).
وكان عسكر المحلّة أدركه التّعب فما وصلوا وبهم قوة، فلمّا رأوا المنهزمين نصبوا خيمهم وتحصّنوا بها فبعث إليهم علي باي يأمرهم أن يدافعوا عن أنفسهم خوفا عليهم من العرب / وقتل من الفريقين من حضر أجله، وفرّ محمّد باي إلى الكاف بمن قدر معه.
وغنم أصحاب علي باي ما خلفه أخوه وعجز عن حمله، وكان شيئا مستكثرا لاستصحابه (202) في هذه الوجهة (203) من الذّخائر ما لا يوصف، فامتلأت أيدي العرب من المال والأمتعة.
ولمّا انفصل الحرب بعث إلى أكابر العسكر وأمّنهم وسكّن روعتهم، ثم بعث جماعة من أصحابه إلى المحلّة الّتي توجّهت نحو الجريد، فاستوثقوا بها وجبيت المجابي
(196) جانفي 1677 م.
(197)
«لم يخرج إلاّ والفشل دبّ في أكثرهم وخامرهم الرّعب ولم تطمع نفوسهم بالنّجاة إلى القيروان فلمّا وصلوا إلى من تبقى من إخوانهم من العسكر إنتخب منهم جماعة مستفيضة وبعث إلى الجريد محلّة مشحونة. . .» . المؤنس 254، وهو ينقل منه باختصار.
(198)
إضافة من المؤنس.
(199)
في الأصول: «قادما» .
(200)
في الأصول: «سلطان بن نصر» والتّصويب من المؤنس.
(201)
في ش: «هزمهم» .
(202)
في ت وب وط: «لأصحابه» .
(203)
كذا في المؤنس ص: 255، وفي ش:«الوجه» ، وفي ت:«الرجعة» .
باسمه، ولما تيسّر له هذا الواقع بعث بالخبر إلى تونس، فوصل الخبر ثالث العيد، فاشتدّ الأمر على أهل الدّولة، واختلف رأيهم، ولم يفتح لهم من الرّأي إلاّ أن بعثوا جماعة من أكابر العسكر إلى المحلّة مع جماعة من العلماء ليقضوا بما فيه الصّلاح، فلمّا وصلوا خلعوا الحاج علي مامي جمل الدّاي، وولّوا الحاج محمّد بيشارة.
واحتوى علي باي على منصب أخيه، وتصرّفت الأمور عن إذنه، وهذه آخر محلّة خرجت في تصرّف محمّد باي، (وأوّل محلّة دخلت في طاعة علي باي)(204).
ثمّ إنّه رحل من هناك فكانت له وقعة القرويين فكانت سببا لنفاقهم، فنزل بالفحص وأقام به أيّاما إلى أن تلاحق به العسكر، وأجمع رأيه أن يتوجّه إلى الكاف، فنزل قريبا منها، وبعث إلى تونس طالبا (205) للمدافع، فسيّروا له ما أراد، وهناك جمع جموعه وقصد محاربة البلد، فنزل عليها ورمى المدافع وجعل العساكر [نوبا](206) في المتاريس فأصابت / المدافع أماكن من الحصار فتصدّعت ولم تقع.
وكان في العسكر جماعة لهم ميل إلى محمّد باي فبعثوا إليه يستنجدونه، وكان في ناحية الغرب، فجدّ في سيره راجعا ودخل الكاف ليلا، ومشت بينه وبين العسكر عدّة رسل، فاتّفقوا معه ومكّنوه من المحلّة، فاستشعر علي باي بذلك وكان منعزلا بمحلّته خارج العسكر، فلم يشعر إلاّ والمدافع مالت إليه، والعسكر الّذي كان معه صار عليه فسقط في يده، ورحل من ساعته للجريد حثيث السّير خوفا أن تصل الأخبار إلى من هناك فوصل قفصة، ولم يخبر المحلّة الّتي هناك فأمر برحيلها، ورجع كعادته على الطّريق الجادة، فلمّا تسامع أهل المحلّة هرب بعضهم، وأقبل عليه أهل الفساد من الأعراب أولاد سعيد وأتاه الشّيخ أحمد بن نوير وجماعة من المحاميد وجمع عظيم من دريد، وجاءت الأجناد من كلّ فجّ عميق، فأقبل بجمع لا يعلمه إلاّ الله، ولمّا قرب من القيروان أظهروا (207) له الشّرّ، فلم يعرّج عليهم فنزل بالفحص وترادفت عليه النّجوع من كلّ بلاد.
ثمّ إنّ محمّد باي لمّا احتوى على المحلّة جدّد عهده مع أكابرها، وبعث إلى
(204) ما بين القوسين ساقط من ط.
(205)
في ش: «طلبا» .
(206)
إضافة من المؤنس.
(207)
في الأصول: «أظهر» .
تونس، فقام العسكر على ساق ومضوا للحاج مامي جمل داي وكان مختفيا بزاوية الشّيخ القشّاش، فأخرجوه وطلعوا به إلى القصبة وأعادوه (إلى منصبه وخلع بيشارة)(208)، وبعد أيام قتل، ومن هناك ظهر التخالف، وعظم الإرجاف (209) واشتدّ الخطب.
فخرج من تونس / جماعة من أهل الفضل والصّلاح وأكابر الدّيوان لإصلاح ذات بين الأخوين فلم يقض الله ما أرادوه لطلب كلّ واحد من الأخوين ما لا يرضى (210) به أخوه، ففشا (211) النّفاق في الأوطان، وتقاسمت النّاس، وسدّت (212) الطّرقات.
ثمّ جاءت الأخبار لتونس أن علي باي فارق الفحص بجموعه وأنّه قادم لتونس، فلم يقبلوه وأمروا من معه من العساكر بمفارقته بالهروب إن أمكن فهرب منهم جماعة.
ولمّا سمع محمد باي تثاقل عن المجيء لتونس، وجمع ما قدر عليه من الأعراب، فجاءه الشّيخ الحاج إبن نصر (213) وجماعته، فأضاف من انحاز إليه إلى محلّته وأقبل في عدد لا يعلمه إلاّ الله فجدّ في السّير إلى أن التقيا في الفحص، وتنازلا الحرب، فكانت الدّائرة لعلي على أخيه وغنموا ما معه، وكان الحرب بين أهل الخيل دون العسكر.
والمحلّة الّتي كانت قدمت من الجريد بعثها علي باي لزغوان، وقال لهم: أقيموا هنا لك فإن كنتم معي رجعتم إليّ وإلاّ رجعتم إلى صاحبكم فأعطوه عهدهم فلم يقبل، وكان سردارها محمّد رايس طاباق، والمحلّة الّتي جاءت من الكاف انحازت بنفسها على ربوة ومترسوا على أنفسهم، ومنع علي باي من التّعرّض لها.
فلمّا همدت (214) نار الحرب بعث إلى أكابر المحلّة فعدّد عليهم ذنوبهم، وكان آخر العهد بهم / واستقدم محلّة الجريد (215) فقدمت عليه، وبعث قائده مصطفى سبنيور
(208) في ش وب وط: «وأعادوه لمنصب بيشارة» ، وفي ت:«وأعادوه لمنصبه فباشره» والتّصويب من المؤنس ص: 261.
(209)
في الأصول: «وعظمت الأراجيف» .
(210)
في ش: «يرض» .
(211)
في الأصول: «في ت: «فغشى» .
(212)
في المؤنس: «وقطعت» ص: 262.
(213)
في الأصول: «أبو النصر» والتّصويب من المؤنس.
(214)
في ت: «أخمدت» وفي المؤنس: «ارتفع الحرب» ص: 263.
(215)
في المؤنس: «زغوان» وهي في الحقيقة محلّة الجريد وكانت نازلة بزغوان».
[وبلوك باشية](216) إلى تونس ليخبروا (217) بالواقع، وكانت الواقعة آخر ربيع أوّل سنة ثمان وثمانين وألف (218).
ولمّا جاءت الأخبار اشتدّ كرب أهل تونس لميلهم إلى محمّد باي، وبعث علي باي لقائده مصطفى فحاصر المدينة إلى أن أذعنت له البلاد بالطّاعة، وبعث لها الدّولاتلي محمّد طاباق داي بعد ما بايعوه بالمحلّة، وطلع لإفريقية لاستخلاص وطنها، فكانت له وقعة أخرى مع جموع أخيه كابن الحاج شيخ الحنانشة وأولاد أبي زيّان وجماعة من دريد، فكانت الطّامّة الكبرى، ومات الشّيخ سلطان الحنّاشي لأنّهم دهموه على غفلة عشيّة نهار فطعن ومات، وبات النّاس على عسس (219)، ومن الغد جدّد الحرب فمات خلق كثير، ووقعت الدّائرة لعلي باي (على أولاد الشابي ومن معهم، فغنم ما معهم (220)، ثمّ استوفى علي باي) (221) مجابيه ورجع إلى وطنه وأحسن إلى الشّيخ أحمد بن نوير (222) ورده إلى وطنه فمات قبل أن يصل قرب الحامة في معركة مع جنود محمد باي، وأخذ غالب نجعه هنا لك.
ودخل علي باي تونس وصام بعض رمضان بها، وخرج بمحلّة الشّتاء فنزل القيروان أواخر رمضان، فرمى عليها بالمدافع ولو اتفقت كلمة عساكره لاستأصلها، فعيّد عليها.
ثمّ رحل حين بلغه أنّ أخاه طرق البلاد الجريدية، فلمّا وصلها وجد / أخاه قد إحتوى على معظمها، وحصّن حصار قفصة وشحنه وفرّ إلى الزّاب عند قدوم علي باي فتبعه عدّة مراحل فلم يلحقه، ثمّ رجع فحاصر حصار قفصة (223) فاستأمنه من به، فأمّنهم واحتوى على الحصار وما فيه (وجعل فيه)(224) نوبة من رجاله.
ثمّ بعد استكمال مجابيه رجع قاصدا تونس، فاتّصل به الخبر أن أخاه قد قصد تونس فبعث قائده مصطفى في عسكر صبايحية لحراستها فلم يغن شيئا لمحاربتهم إيّاه
(216) إضافة من المؤنس ص: 263.
(217)
في الأصول: «ليخبر» .
(218)
2 جوان 1677 م.
(219)
«على إحتراس» : المؤنس ص: 263.
(220)
«وملئت أيدي الأعراب ومن سواهم من الإبل والمتاع وكانت بمكان يقال له وادي تاسة» . المؤنس: 263.
(221)
ما بين القوسين ساقط من ط.
(222)
في الأصول: «بن نويرة» .
(223)
«وعمل له لغما» المؤنس.
(224)
ما بين القوسين ساقط من ط.
فأحرقت الأبواب ونهبت الأسواق، وحاصر من بالقصبة، وحضر جميع عساكر تونس لقتال علي باي، وخرج في ذلك العسكر الدّاي الجديد ساقصلي، وخرجوا بأموالهم وأولادهم فبلغ علي باي الخبر قبل الوصول فجدّ في سيره، وبعث إلى أكابر المحلّة وأخبرهم بالقصّة فأعطوه عهودهم فوعدهم بزيادة (225) خمسة نواصر [ترقيا] لكلّ واحد، ورحل إلى الفحص، فالتقى هناك بالمحلّة الخارجة من تونس ومعها محلّة من القيروان وغيرها من الكاف وصفاقس وعربان (226) في أوائل محرّم سنة تسع وثمانين (227) وألف، فلمّا التقى الجمعان صار النّاس على كلمة واحدة، فلمّا تحقّق علي باي خدعتهم رجع على عقبيه بمن معه من الصبايحية والزمول واجتمع العسكران، وبعثوا إلى محمّد باي وملّكوه أمرهم فرحل بهم في أثر أخيه وقد تمسّح (228) أمامهم إلى مكان يعرف / بالمنزل، فلمّا توسّطوا كرّ علي بمن معه وصدقوا (229) الحملة فبدّد شملهم، ومات خلق كثير وغنم كثيرا وقطع رؤوس القتلى وحملها على الجمال وبعث بها إلى تونس فوضعها بباب القصبة، ومات ساقصلي أكبرهم.
ثمّ جاءته رسل القيروان لطلب العفو فعفا (230) عنهم ورحل ونزل قريبا منهم وأمّنهم ما عدا إبن الشاطر الّذي دعاهم (231) إلى النفاق، فلم يعف عنه فمات في سجنه، ثمّ كرّ راجعا إلى تونس.
وبعد استراحته خرج بمحلّة الصّيف المذكورة فخلّص مجباها ورجع لتونس قبل إبّانه ليلتقي بعمّه محمّد الحفصي لمّا أتى من أعتاب الحضرة العليّة العثمانيّة مستنصبا بالباشوية (232) وصام رمضان بتونس، وعيّد وتوجّه إلى المنستير وقد استنفر لها [جمعا](233) من كلّ مكان، فنزل قريبا منها وحاصرها، وقطع ما قدر عليه من
(225) في الأصول: «بطاراق» والتّصويب من المؤنس ص: 265.
(226)
بعدها في المؤنس: «اجتمعت معهم من الاقليم لا يعلم قدرهم إلاّ الله» .
(227)
23 فيفري 1678 م.
(228)
في المؤنس: «انسحب» .
(229)
في المؤنس: «وصادق بعضهم بعضا في القتال» ص: 265.
(230)
في الأصول: «فعفى» .
(231)
في المؤنس: «الذي دعم أساس النفاق» ص: 266.
(232)
في المؤنس: «مستوليا على منصب الباشوية» .
(233)
إضافة من المؤنس ص: 267.
أشجارها، وكاد أن يستولي عليها. فأتاه الخبر أن أخاه في جمع بازاء جربة، فاستدركه خوفا من دخوله الجريد، فتوجّه نحوه ففرّ أمامه ودخل الرّمل وفاته لحوقه فخلّص مجباه وأخذ في رجعته على طريق صفاقس، فشنّ غارته عليها، فرعب أهلها، وأخذ جماعة منهم وقد خرجوا لبساتينهم على غفلة، ثمّ عفا (234) عنهم ولم يهرق منهم دما.
ثمّ أرسل محلّته لتونس سنة تسعين وألف (235)، وسار هو بمن معه من الأعراب والصبايحية إلى ناحية الغرب لمّا بلغه / رجوع أخيه إلى هنا لك، وخرجت طائفته وامتدت في البلاد [لخلاص](236) مجباها وهو مقيم [بعساكره](236) من ناحية الحدادة لئلاّ يأتيه من قبل أخيه شيء.
وأتاه الخبر أنّ أهل توزر اختلفوا عليه وأنّ أخاه ابتنى بها حصارا عظيما، فبعث إليهم جماعة من الصّبايحية، ثمّ وجّه لهم محلّة الشّتاء مع خليفته القائد مراد، وانتصر القائد مراد، ونزل العسكر على البرج (237) وجعلوا متاريس، وحفروا لغما فهدّموا منه جانبا ودخله العسكر بالسّيف، فجاءت الأخبار [بأخذه](236) لتونس فرحل علي باي إلى الجريد فكمّل مجباها، ورحل (238) لناحية المغرب بعساكره أوّل سنة إحدى وتسعين وألف (239)، فأقام مقابلا لأخيه لئلاّ يحدث شيئا في البلاد، وأقام (240) بمن معه من العرب ومحلّة الترك في ناحية الزوارين (241) وبعث إلى محلّة الصّيف، فخرجت له قبل أوانها، والتقت (242) المحلّتان هنا لك، ودفع لهم مرتّباتهم في المحلّة لمّا اشتكوا الضعف.
وعزم في وجهته هذه هلى منازعة بلد الكاف، فبعث إلى تونس في طلب المدافع، ثم قرب إلى بلد الكاف بجموعه فوقعت الحرب بينهم أيّاما.
وفي أوّل ربيع الثّاني (243) من السّنة المذكورة استنفر الدّاي العسكر بالأمر الشّديد وبعث إلى الكاف نصرة، وجاء الخبر إلى تونس أنّ الحرب وقع بين أهل الكاف وعلي باي يوم الجمعة في ستة وعشرين من ربيع الثّاني، وأنّه غزا (244) على أخيه يوم الأحد
(234) في الأصول: «عفى» .
(235)
في آخر صفر / 10 أفريل 1679 م.
(236)
إضافة من المؤنس ص: 267.
(237)
في المؤنس: «البرج المذكور» .
(238)
كذا في ط وت، وفي ش:«دخل» .
(239)
فيفري 1680 م.
(240)
في الأصول: «قام» .
(241)
في الأصول: «الزواريين» .
(242)
في الأصول: «التقى» .
(243)
1 ماي 1680.
(244)
في الأصول: «غزى» .
فاحتوى على ما / كان معه ولم يفلت من جمعه إلاّ القليل، ووقع الحرب بينه وبين أهل الكاف، فوقعت الهزيمة على عسكره.
ويوم إحدى (245) وعشرين [منه] نادى المنادي [في الحضرة](246): من أراد مرتّبه فليخرج إلى الكاف نجدة للعسكر (247)، وحدّد لهم الدّاي أن لا رجوع للمرتّب إلاّ لمن بيده تسكرة (248) بها طابع الباي، فخرجت النّاس ووقع الحرب بينهم وبين أهل (249) الكاف، ورحلوا عنه في تسعة من جمادى الأولى.
وفي إثنين وعشرين منه جاء الخبر لتونس من قبل أهل الجزائر طلبا للصّلح، فالتقوا بالباي ثمّ أرسلهم لتونس فأكرم الدّاي نزلهم، وبلغ الخبر إلى الباي أنّ أولاد سعيد أهلكوا الحرث والنّسل بعد ما كانت نارهم طافئة، وهم مجتمعون على عمّه وأخيه، فبعث إلى تونس فعيّنوا له عسكرا وارتحل بزموله ومن معه إلى القيروان فالتقى بهم، ووقع الحرب ساعة من نهار، فانهزم ذلك الجمع وهرب أولاد سعيد إلى ناحية المنستير ودخل الباشا للقيروان، ورحل علي من القيروان فنزل قريبا من المنستير وقد تحصّن به أخوه وأولاد سعيد، ولمّا طال الحال بأولاد سعيد رجعوا إلى خداعهم وبعثوا إلى الباي يطلبون منه أن يرحل عنهم يسيرا لكي يخرجوا له وينزلوا على حكمه، فرحل عنهم ونزل قريبا من سوسة، وأرسل إلى جماعة من فضلاء تونس يتوجهوا إليه ويحادثهم بمراده.
وفي إقامته هنا لك بعث أهل صفاقس وطلبوا الأمان / منه، وأن يسلّموا له مقاليدهم، فأجابهم لما طلبوه وبعث معهم جماعة من أصحابه ليسلموا له البلد وهرب من كان فيها من قبل أخيه.
وجاءت الأخبار لتونس، فامتنع الدّاي من إطلاق المدافع على جاري العادة لأنّه لم يأت كتاب من عند الباي، ثم جاء الخبر بعد أيام، ثم بعد العيد رحل إلى القيروان فغلقوا الأبواب ولم يخرج إليه أحد، فلم يتعرّض لهم، ونزل تحت وسلات.
وفي خامس شوّال جاءت رسل الجزائر إلى تونس ثانية، وأظهروا قصد الصّلح بين الأخوين، فتبيّن أنّ قصدهم غير ذلك، فبعث الداي إلى أشياخ البلد واستخبر أحوالهم
(245) في الأصول: «وأحد» .
(246)
إضافة من المؤنس ص: 268.
(247)
في ش: «نجدة العسكر» ، وفي ب:«نجدة إلى العسكر» .
(248)
أي تذكرة، وتسكرة كلمة عامية شاعت في العصر العثماني.
(249)
ساقطة من ط.