الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آراء بعضهم في صفاقس:
ثمّ قال التّجاني: ومرساها مرسى حسن ميّت المات والماء يمدّ به ويجزر عنه كلّ يوم، فإذا جزر استوت السفن على الحمأة، واذا مدّ طفت (141) على الماء، وفي المدّ والجزر يقول بعض المجيدين من شعرائها وهو علي بن حبيب التنوخي وسيأتي ذكره قريبا:
[مجزوء الكامل]
سقيا لأرض صفاقس
…
ذات المصانع والمصلّى
فحمى (142) القصير إلى الخليج
…
فقصرها (143) السّامي (144) المعلّى
بلد يكاد يقول حين
…
تزوره أهلا وسهلا
وكأنّه والبحر يجزر (145)
…
تارة عنه ويملا
صبّ يريد زيارة
…
فإذا رأى الرّقباء ولّى
وأين هذا من قول أبي عبد الله محمد إبن الشّيخ الصّالح أبي تميم المعز (146) بن سليمان يذمها ويخيل أنّ هذا الجزر هروب من البحر عنها لقبحها، وقد كان ولي إشرافها (147) سنة خمس وستين وستمائة (148) فقال فيها:
[البسيط]
صفاقس لا صفا عيش لساكنها
…
ولا سقى أرضها غيث إذا انسكبا
ناهيك من بلدة (149) من حلّ ساحتها
…
عانى (150) بها العاديين الرّوم والعربا
كم ظلّ (151) في البحر مسلوبا بضاعته
…
وبات في البحر يشكو الأسر والعطبا
(141) في الرّحلة: «عامت» .
(142)
في الأصول: «تحمي» والتّصويب من الرّحلة. وفي الحلل السّندسيّة 1/ 312: «يحمي» .
(143)
في ش وب وط: «بقصرها» وفي ت: «فقصرا» والتّصويب من الرّحلة.
(144)
كذا في ت وب والرّحلة، وفي ط وش:«اسامي» .
(145)
كذا بالأصول والحلل، وفي الرحلة:«يحسر» .
(146)
في ط: «المقرى» .
(147)
الإشراف هو رئاسة القمارق.
(148)
1266 - 1267 م.
(149)
في الأصول: «بلد» .
(150)
في الأصول: «عانا» .
(151)
في الأصول: «ضل» .
وليتها فتولتني الهموم وقد
…
لقيت من سفري (152) في أرضها نصبا
قد عاين البحر قبحا (153) من جوانبها
…
فكلّما همّ أن يدنو لها هربا (154)
قلت: من بلاغة الكلام مطابقته لمقتضى الحال، وكلّ شاعر يتكلم بمقتضى حاله، (فالأول كان صاحب بخت وسعد / فجاء في وقت سعيد ورأى ما يبسطه فنطق بمقتضى حاله)(155)(والثّاني كان منحوسا فنحست البلاد به فرأى ما يقبضه فنطق بمقتضى حاله)(156) والبلد على بخت أميره (157) فإن كان سعيدا سعد (158) به وإن كان نحيسا نحس (159) به وأمّا البلد (160) في حدّ ذاته فلا يقتضي سعدا ولا نحسا.
والرّوم والعرب لا تختصّ أذيّتهما (161) بصفاقس، فإن أمّ إفريقية وبلاد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هي مدينة القيروان بلا دفاع ولا نزاع، وقد أصابها من العرب وغيرهم ما يبكي الدّم بعد الدّمع - حسبما مرّ مفصّلا -، وهذه تونس كرسي إفريقية وقد أصابها من الأعراب والميورقي (162) والرّوم ما يذهل العقول - حسبما مرّ - وكلّ ذلك لا يوجب قدحا في القيروان وتونس، ولكن ما زالت الأخيار تمتليء بالأشرار من لدن آدم عليه السلام وقد قال جلّ قائلا {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ} الآية (163)، هذا إن صدق الشّاعر في شعره ونطق بمقتضى حاله، وإلاّ فكثير منهم يذمّ من لا يستحقّ ذمّا من كثرة هيمانهم فيتردّدون بين طرفي الإفراط والتّفريط في المدح والهجاء كما قال جلّ ثناؤه {أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ} (164) الآية، على أنّا لو عملنا بقول كلّ شاعر وتمسّكنا به وطعنا فيمن طعن فيه لطعنا في أهل تونس وسوسة لقول التّجاني: وممّن
(152) في ط: «سفرها» .
(153)
في ط: «في» .
(154)
أنظر رحلة التّجاني ص: 68 - 69.
(155)
ما بين القوسين ساقط من ط.
(156)
ما بين القوسين ساقط من ش وب.
(157)
في الأصول: «أميرها» والبلد مذكر.
(158)
في ش وط وب: «سعدت» ، وفي ت:«فسعدت» .
(159)
في الأصول: «نحست» .
(160)
في الأصول: «البلاد» .
(161)
في ط: «اذايتهما» .
(162)
هو ابن غانية.
(163)
سورة البقرة: 155.
(164)
سورة الشّعراء: 225.
ينسب إلى سوسة شيخ شيوخنا أبو عبد الله محمّد بن عبد الجبّار الرّعيني السوسي قال:
كان يداعب طلبته من أهل تونس بسؤاله عن قول الشّاعر: /
[الخفيف]
لا تلمني على الدّناءة إنّي
…
تونسي وجزت يوما بسوسة
أيّ البلدين يقتضي الشّعر أن يكون أعظم دناءة؟ فيقولون له سوسة (165) اهـ. مع أنّا لا يمكننا الطّعن في تونس وسوسة لتحقّقنا قطعا فضل أهلهما، وكفى حطّة في هذا الشّاعر أن جعل كلامه موردا للسّخرية والضّحك لا للموعظة والحكمة.
ثمّ قال التّجاني: وقد شاع في النّاس تسمية صفاقس بلعنة الله (166)، قلت: هذه التّسمية لموجب لا يقتضي طعنا في البلد، وسبب ذلك أنّ بعض الملوك (167) بتونس غضب على بعض النّاس فأمر بنفيه ولم يعيّن بلدا بل قال: أنفوه إلى لعنة الله، فاسترجع بتعيين بلد، فقال: إلى صفاقس، فلمّا سكن (168) غضبه، وأظهر البسط، سئل عن تسمية صفاقس بلعنة الله، قال: والله لا علم عندي بشيء إلاّ أنّ الكلام صدر منّي في حالة الغضب، وكثير من النّاس إذا غضب يقول إذهب إلى لعنة الله (169) أو إلى سخط الله والله أعلم.
(165) رحلة التّجاني ص: 52 - 53.
(166)
الرّحلة ص: 69.
(167)
نقل المعنى من رحلة التّجاني.
(168)
زيادة من عند المؤلّف عمّا في الرّحلة.
(169)
ساقطة من ش.