الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيها وحملوهم لبلدهم، وكانوا فقراء، فلمّا قدموا على النّصرانية ورأت حالهم / قالت هؤلاء ما يجيء من فدائهم لا يساوي ثمن الخلّ والبشماط الذي صرفت على الأسطول.
وفي قصّتهم أنشأ شاعرهم (642) شلّوف قصيدة مشهورة يحفظها غالب أهل قرقنة تركناها خوف الطول.
وكان الرّئيس عمر الزّواري له مركب يسافر به (643) لإسكندرية في وقت معلوم من السّنة، ويأتي في وقت معلوم، فتخلّف في بعض السّنين عن وقته الذي يأتي فيه، ففقد وأيّس منه أهله، فطلع سيدي علي شايب الأذرعة فوق سور البلد، قرب باب البحر، فوجد النّاس ينظرون لناحية قدوم المراكب رجاء أن يظهر لهم مركب الرئيس عمر الزواري، فقال لهم: هو الآن أقلع من إسكندرية، فقيّد الحاضرون ما قاله، فلمّا قدم الرئيس عمر المذكور سئل عن وقت إقلاعه فطابق ما قيّده الحاضرون، وقال: لما نشرت القلوع مسافرا نزل طائر أبيض على المركب فما فارقني حتّى وصلت للبلد.
وتزوّج الشّيخ إبنة الرئيس عمر المذكور، فولدت له ولدا سمّاه عمر، وعاش الشّيخ شايب الأذرعة خمسا وتسعين سنة، وكذا ولده المذكور، ودفن في تربة جدّه سيدي علي أبي بغيلة.
ترجمة الشّيخ أبي الحسن الكرّاي:
ومن أحفاد (644) سيدي علي أبي بغيلة الشّيخ سيدي أبو الحسن بن أبي بكر بن أحمد بن محمد بن عمر بن علي بن ميمون صاحب الموشّحات التي عدّتها ستّ وخمسون على طريقة السّادة الوفائية في تعظيم جانب الحق جلّ ثناؤه، وإمداح للمصطفى صلى الله عليه وسلم وتشويق للكعبة المشرّفة وغير ذلك، وشرح معظمها بشرح يتكلّم فيه على طريقة القوم.
وأنشأ وظيفة أرسلها إلى مصر فشرحها له الشّيخ عبد الوهاب / الأزهري ومدحه أيضا الشّيخ عبد الوهاب بقصيدة أرسلها له مع الشّرح المذكور.
وكان الشّيخ فقيها عارفا بالطّريقة والحقيقة، أخذ علوم الظّاهر عن والده الشّيخ
سيدي أبي بكر الكراي، وعن الشيخ المفتي سيدي عبيد اللومي (645)، ومن كان بعصره من فقهاء البلد.
وحصل له الجذب على يد الشيخ سيدي سعيد الوحيشي رحمه الله وذلك أنّ والده كان رجلا متّبعا للشّريعة متمسّكا بالحقيقة محبّا للصّالحين، ويكثر من زيارتهم. ففي كلّ سنة يخرج بتلاميذه لزيارة الصّالحين بوطن صفاقس، ويحثّ ولده أبا الحسن على الذّهاب للزّيارة، فأبى ذلك، فلمّا آن الأوان قال لوالده: أريد أن أخرج هذه السّنة للزّيارة ففرح والده بذلك، فلمّا تهيّأ التّلاميذ للخروج تجهّز وخرج معهم وقال لهم:
لا بدّ من الذّهاب لزيارة الأشياخ بمدينة القيروان فامتنعوا من ذلك أوّلا لبعدها عنهم، ولم تجر العادة بمجاوزة الوطن، فأبى عليهم إلاّ المسير إليها، فلمّا رأوا جدّه في ذلك طاوعوه، فلمّا قربوا من القيروان نزل عن دابّته وذهب ودخل القيروان وحده ولم يكن قبل يعرفها، فلم يزل سائرا حتّى دخل الزّاوية الوحيشية، وكان سيدي سعيد إذ ذاك في خلوته ولا يدخل عليه أحد إلاّ بإذن، ولم يعلم ذلك الشّيخ أبو الحسن فدخل من غير استئذان فقبله الشّيخ سيدي سعيد الوحيشي، ولحظه وجذبه بهمّته، فخرج من هناك هائما لزيارة الصّالحين، وبقي على ذلك مدّة، ثمّ رجع إلى صفاقس وقد أخذه الحال وانجذب لطريق القوم، فأنشأ له / زاويته المشهورة به، واشتغل بنشر العلم واحتجب وشرع في إنشاء الموشحات على طريق السّادة الوفائية، وأكثر فيها من المواعظ والحظّ على الآخرة، فانتفع بها من هداه الله تعالى.
وأقام في حجبته خمسين عاما، وقد تقدّم ما وقع له من محنة إبن عطية وابن الإنكشاري. وعند وفاته رثاه تلميذه الشّيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن علي المراكشي بقصيدة طويلة من جملتها قوله:
[الطّويل]
محقّق علم ثابت متلطّف
…
عكوف على الطّاعات بالعلم عامل
فخمسين عاما قد ثوى (646) في اعتكافه
…
مكبّا على التّعليم من غير شاغل
وحقّق أيضا في اعتقاد لطالب
…
عقائد في التّوحيد للشكّ زائل
(645) الأصحّ الأومي نسبة لهنشير أومة الكائن شمالي قرية نقّطة غربي صفاقس وآثاره باقية إلى الآن، وسينرجم له المؤلّف.
(646)
في ت: «توافي» .