الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مانع من أن يخصّ الله من يشاء من أوليائه بالتّصرف في بدنين أو أكثر، فيكون جسمه الأوّل بحاله ثمّ يتغيّر ويقيم له شبحا آخر وروحه تتصرّف فيهما معا في وقت واحد.
واعلم أنّ الأولياء على طبقات ومقامات مختلفة، نقل في سيرة الخميس عن أبي بكر الكناني - قدّس الله سره - أنّ النقباء ثلاثمائة، والنّجباء سبعون، والأبدال أربعون، والأخيار سبعة، والعمداء أربعة، والغوث واحد، ثم مسكن النقباء المغرب، ومسكن النّجباء مصر، ومسكن الأبدال الشّام، والأخيار سيّاحون في الأرض، والعمد في زوايا الأرض، ومسكن الغوث مكّة، فإذا عرضت الحاجة من أمر العامة إبتهل فيها النّقباء، ثمّ النّجباء، ثمّ الأبدال، ثمّ الأخيار، ثمّ العمد، فإن أجيبوا وإلاّ ابتهل فيها الغوث، فلا تتمّ مسألة حتّى تجاب دعوته اهـ.
وزاد بعضهم بعد الأبدال الرجال وهم عشرة، وسمى الأخيار وهم السبعة الأقطاب، ورتبهم هكذا: نجباء فنقباء فأبدال / فرجال فأقطاب فأوتاد فغوث، وفي هذا القدر كفاية لمن كان له قلب أو ألقى السّمع وهو شهيد.
ولنرجع إلى ذكر ما قصدنا إيراده من ذكر بعض العلماء والصّالحين من صفاقس ووطنها بقدر الإمكان، وهم - رضي الله تعالى عنهم - متفاوتون بحسب الزّمان، فمنهم السّابق واللاّحق، فلنورد ما تيسّر بحسب ترتيبهم في الزّمان.
ترجمة أبو خارجة عنبسة:
فنقول: أوّلهم من اجتمع بإمامنا مالك - رضي الله تعالى عنه - وأخذ عنه من أهل الوطن، وهو أبو خارجة عنبسة بن خارجة الغافقي (65)، سمع من مالك والثّوري والليث وابن عيينة وإبن وهب والمغيرة المخزومي وغيرهم، وله سماع من مالك فدوّنه كسماع إبن القاسم وأشهب، وكان سحنون يجلّه ويعرف حقّه، وإذا سئل بحضرته أحال عليه، وكان أسنّ من سحنون، وكان ساكنا بحصن من جهة صفاقس غربا منها، ويسمّى ذلك الحصن يونقا - بالياء التّحتّيّة المضمومة بعدها واو ساكنة ثم نون ساكنة فقاف مفتوحة بعدها
(65) له ترجمة في ترتيب المدارك 2/ 486 - 489، الدّيباج 2/ 45 - 46، رياض النّفوس للمالكي (ط.2) 241 - 249، طبقات أبي العرب 172، وللشّيخ محمود السّيالة تأليف في مناقبه إعتمد فيه على هذا التّاريخ لشيخه، وزاد زيادات ليست ذات بال.
ألف - وكانت تسمّى قصر تليدة، بينها وبين صفاقس ثمانية وعشرون ميلا، وخرّب ذلك الحصن (66) اليوم لأنّه استولى عليه البحر، وضريح الشّيخ إلى الآن مشهور مزار، وله كرامات في حياته وبعد مماته، فيحكى عنه عجائب من الأخبار والوصف لما (67) لم يكن، فيكون كذلك مثل ما يحكى بالأندلس عن بقي بن مخلد.
ويحكى أنّه وقعت في زمنه شدّة فطلبوا منه الإستسقاء فأمر النّاس بالصّوم والصّلاة وإصلاح (68) ذات البين وخرج / بهم إلى الصحراء ومعه سائر الحيوانات ففرّق بينها وبين أولادها، ووقع البكاء والضّجيج، فأقام على ذلك إلى منتصف النّهار، ثم صلّى وخطب بالنّاس فسقوا، وهذا نظير ما وقع لموسى بن نصير - حسبما مرّ -.
وممّا وقع في هذه الأعصار أنّ بعض النّاس كانوا مسافرين في البحر فنزلوا لزيارته، فقال بعضهم: وددنا لو وجدنا من يبيع لنا شاة نتعشّى منها، فنظروا فلم يجدوا أحدا من العرب (69) ولا من غيرهم، فدخلوا ضريح الشّيخ وخرجوا فإذا بصوت شاة فتبعوا صوتها، فإذا بشاة مكتوفة على عادة العرب ينذرون ويضعون (70) نذورهم حذو الشّيخ إذا لم يجدوا زائرا، فأخذوها وأكلوها وعدّوها من كرامات الشّيخ - رحمه الله تعالى ونفعنا به -.
وكانت وفاته رحمه الله بشهر ربيع سنة عشرين (71) ومائتين.
وممّن إجتمع بامامنا مالك - رضي الله تعالى عنه - وأخذ عنه إسرائيل بن روح.
قال التّجاني (72): وارتحلنا عن الجم ففارقنا بمفارقته أرض حكيم وطرود، ودخلنا في أرض أخوتهم حصن، وكان مسيرنا منذ فارقنا الجم في الزّيتون القديم المتّصل بالمعروف بزيتون السّاحل، قال الرشاطي (73) في كتابه المسمّى «باقتباس الأنوار»: إنما سمّي هذا الموضع بالسّاحل وليس بساحل بحر لكثرة ما فيه من سواد الزّيتون والشّجر والكرم، قال:
(66) من الحصون البيزنطية السّاحلية، وما تزال بقاياه قائمة بجانب مقام هذا الشّيخ المعروف عاميا بسيدي أحمد عبسة.
(67)
في ط: «ما» .
(68)
في ط وت: «صلاح» ، وفي ب:«صلاح ذلك» .
(69)
يقصد أهل البادية.
(70)
في ش: «يصنعون» ، وفي ت:«يعطون» .
(71)
ربيع الآخر سنة 210/ 825 - 826 وسنه 86 سنة، فيكون ميلاده سنة 124/ 741 - 742.
(72)
الرّحلة ص: 65.
(73)
الرّحلة ص: 66.