الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكلّه قرى متّصلة البعض بالبعض، وذكر من المنسوبين إليه من العلماء إسرائيل بن روح السّاحلي وأخبر أنّه لقي مالك / بن أنس وحدّث عنه، قال أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب (74): أخبرنا أبو الفرج أحمد الواعظ قال: حدّثنا عبد الله بن أحمد بن زياد قال: حدّثني إسماعيل بن حصن قال: حدّثنا إسرائيل بن روح السّاحلي قال:
سألت مالك إبن أنس فقلت له: يا أبا عبد الله ما تقول في إتيان النّساء في أدبارهن؟ فقال: أما أنتم قوم عرب؟ هل يكون الحرث إلاّ في موضع الزّرع؟ أما تسمعون الله يقول:
{نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ} (75) قائمة وقاعدة وعلى جنبها ولا تعدوا الفرج، فقلت له: يا أبا عبد الله إنهم يقولون أنك تخبرهم (76) بذلك، فقال: يكذبون عليّ وكرّرها ثلاثا اهـ (77).
ترجمة القاضي عيسى بن مسكين:
ومن فقهاء وطن صفاقس الشّيخ الإمام العالم العلاّم (78) الهمام القدوة المتقن المتفنن (79) العامل الورع الصالح القاضي سيدي عيسى بن مسكين (80) الإفريقي (81)، أصله من العجم، سمع من سحنون وابنه وغيرهما، وبالشّام ومصر، وكان محبّا لسحنون وإبنه ويثني عليهما كثيرا، فقال: سحنون راهب هذه الأمّة، لم يكن بين سحنون ومالك أفقه من سحنون، وقال: خير (82) من رأيت محمد بن سحنون، كان جامعا لخصال من الخير: العلم والورع ومعرفة الأثر، وكثرة الأخبار، والتّفقّد للإخوان، وقال
(74) هو الخطيب البغدادي، المحدّث المؤرّخ صاحب التّصانيف الكثيرة (ت. سنة 463/ 1070 - 1071) في السّنة التي توفّي فيها إبن عبد البر الأندلسي.
(75)
سورة البقرة: 223.
(76)
في الرّحلة: «تخبر» .
(77)
الرّحلة 65 - 66.
(78)
في ت وط وب: «العلم» .
(79)
في ط: «المفتي» .
(80)
ترجمته في ترتيب المدارك 3/ 212 - 228، الدّيباج 2/ 66 - 70 طبقات علماء إفريقية للخشني 193 - 195، المرقبة العليا للنباهي 30 - 32 مرآة الجنان لليافعي 2/ 224.
(81)
تطلق هذه الكلمة على من كان أصله بربريا أو رومانيا.
(82)
كذا في ط وب والمعالم، وفي ت:«خير ما» وفي ش: «خيرت» .
أيضا: ما رأيت بعد سحنون مثل إبنه، قال في المعالم: قال عيسى بن مسكين القاضي:
لمّا وصل كتاب الإمامة (83) الذي ألّفه (84) محمد بن سحنون إلى بغداد كتب بالذهب وأهدي للخليفة اهـ (85).
وأخذ عن عيسى رحمه الله جماعة / منهم الشّيخ الصّالح سيدي أبو إسحاق الجبنياني - نفعنا الله به - وأبو حفص عمر بن مثنى صاحب الشّيخ أبي إسحاق، قال الشّيخ أبو إسحاق: أهدى عيسى بن مسكين إلى سحنون عسالج خبّيز فقال سحنون: لو علمت لك للقيتك بموضع كذا وكذا، قال: وعلى مزبلة سحنون من الخبّيز كثير لأن فعل سحنون ذلك بعيسى فرحا به ومودة.
قال الشّيخ أبو القاسم اللبيدي (86): أخبرني أبو حفص عمر بن مثنى عن أبي الحارث ليث بن محمد بن صفوان عن عيسى بن مسكين عن سحنون أنّه كان إذا رأى إعراض الجاهل عن العلماء يقول:
[الوافر]
لمنزلة الفقيه من السّفيه
…
كمنزلة السّفيه من الفقيه
فهذا زاهد في رأي هذا
…
وهذا أشدّ زهدا منه فيه (87)
إذا غلب الشّقاء على السّفيه
…
تقطع من مخالفة الفقيه
وممّن (88) أخذ عن عيسى محمّد بن أحمد بن تميم، وكذا أخذ عنه أبو العبّاس أحمد (89) بن تميم بن أبي العرب فإنه لقي عيسى وأخذ حديثه عن أبيه أبي العرب، وممّن أخذ عنه مروان إبن نصر بن حبيب، كما سمع منه أيضا أبو محمّد عبد الله إبن قاسم مسرور التّجيبي المشهور بالحجّام، وحدّث عنه بالإجازة أبو القاسم زياد بن يونس
(83) في الأصول: «ألف» .
(84)
في ت: «الأمة» .
(85)
معالم الإيمان 2/ 127.
(86)
في مناقب أبو إسحاق الجبنياني ص: 46. وأبو القاسم اللبيدي (360 - 440/ 971 - 1048) هو عبد الرّحمان بن محمد بن عبد الرّحمان الحضرمي اللبيدي نسبة إلى لبيدة كان له إعتقاد في الصّالحين يزورهم في السّاحل، ويبحث عن مناقبهم وأحوالهم، أنظر المراجع التي تخصّه في تراجم المؤلّفين التّونسيين 4/ 210.
(87)
في بعض نسخ المناقب «وهذا فيه أزهد من فيه» .
(88)
في ش: «من» .
(89)
ساقطة من ش وب.
اليحصبي السّدري (90)، ولي القضاء لإبراهيم إبن الأغلب فاشتهر بالقاضي، وكان كاتبه أيام قضائه محمّد بن الفرج (91) بن البنّاء البغدادي الفقيه، قال أبو بكر المالكي (92):
أودعه عيسى بن مسكين ودائع ثمّ طرأت شدّة عظيمة، فقيل لعيسى بن مسكين:
ذهبت / ودائع النّاس عند إبن البناء قال: ولم (93)؟ قيل: رأيناه يقطع الميتة، فوجّه إليه عيسى في إحضارها فأحضرها فقال له عيسى إبن مسكين: تأكل الميتة وهذه عندك، قال: نعم لأنّ الميتة حلّت لي مع (94) الإضطرار ولم يحل لي أن أخون أمانتي، فقال له:
أرجع بها، فقال: والله لا رجعت لي، وامتنع من قبولها.
وكان مشهورا بالصّلاح، وعظّمه الصّالحون، بل حتّى الشّيعة يعترفون بفضله.
ذكر في معالم الإيمان أنّ المنصور إبن الظّاهر العبيدي لمّا سار إلى السّاحل ومرّ بقرية عيسى بن مسكين (95) القاضي صلّى في مجلسه ركعتين تبرّكا به، وأوصى العامل بحفظ القرية.
ولم يزل أهل صفاقس عند القحط يذهبون لضريحه يستسقون به فيسقيهم الله.
وكان مولده ليلة الجمعة أوّل رمضان المعظّم قدره بالإنزال من سنة ثلاث عشرة ومائتين (96)، وتوفّي رحمه الله سنة خمس وتسعين ومائتين (97)، ودفن بقريته المشهورة به وقبره بها مشهور، وعليه قبّة، وهو على يسار الذّاهب لتونس من صفاقس، بعده من صفاقس يقرب من عشرين ميلا.
وممّا يستغرب أنّا لمّا أردنا تحقيق وفاته لم يحضرنا ما نعتمد عليه فسألت عن ذلك الأخ الأكمل ذا (98) الذّهن الثّاقب والفكر الصّائب، من فاق من صغره أهل عصره، فنال من كل فنّ عيونه، ومن كلّ علم فنونه، فشارك في العلوم النّقلية والعقلية والأصلية
(90) في ط: «السوري» .
(91)
في الأصول: «بن فرج» ، وجاء في رياض النفوس: أبو علي عبد الله بن محمد بن الفرج المعروف بابن البناء، 2/ 156 وفي المدارك والبيان «بن المفرج» .
(92)
رياض النّفوس ص: 157 ومعالم الإيمان 2/ 318 - 319.
(93)
في ب وت وش وفي المعالم: «لم» ، وفي ط:«لما» .
(94)
في ط: «عند» .
(95)
هذه القرية ما زالت معروفة بإقليم السّاحل إلى الآن.
(96)
13 نوفمبر 828، وفي غيره سنة 314/ 829.
(97)
907 - 908 م.
(98)
في الأصول: «ذي» .
والفرعية، الحسيب النسيب، الشريف النجيب العفيف، أبا عبد الله سيدي محمّد حمزة، وفّقنا الله وإيّاه لما يحبّه ويرضاه / فقال لي: كنت منذ عشر سنين رأيت عند رجل يصنع أسفار الكتب حجرا مكتوبا فيه تاريخ وفاة الشّيخ سيدي عيسى بن مسكين، فكان يبسط الأسفار على ذلك الحجر، قال: فنهيته عن ذلك، فلمّا قال لي ذلك طلبت منه البحث عن ذلك، فقال: الرّجل الذي رأيته عنده مات ولكن عليّ بالطّلب وعلى الله الهداية، فذهب وسأل إبن عمّ الرّجل الذي كان عنده فقال: ليس عندنا من آلته شيء، ثمّ إن إبن عمّ المسفّر كان ذاهبا في الطّريق فرأى رجلا بيده حجر مكتوب ولا درى (99) ما فيه فرجع لسيدي محمّد حمزة فأخبره، فقال: وأين الرّجل؟ قال: ذهب، قال: فبينما نحن في الحديث والتّلفّت فإذا بالرّجل جالس بالقرب منهما فسألناه فقال: نعم هو حجر وجدته عند رجل يخصف عليه النّعال، فقلت له: هذا فيه إسم الله لا ينبغي أن يهان، فأخذته منه، فاذهبا معي أعرفكم به، فذهبنا معه فقال:
صدق وأنا اشتريته، ولمّا طلبه منّي أعطيته له، ثمّ أمرناه بإحضاره فأحضره، فسألناه عن سبب حمله ذلك اليوم الذي رأيناه في يده، قال: كنت ساكنا في دار فانتقلت منها (100) منذ شهر (101) وأبقيت بعض مصالحي ومن جملتها هذا الحجر، فسألني من سكن الدّار بعدي نقل ما أبقيته من المصالح فنقلتها، وأخرجت الحجر في ذلك الوقت الذي لقيتني فيه، فأتاني (102) به، فحمدنا الله تعالى ودعوت له بخير، وعلمنا أنّ هذا الأمر من بركات الشّيخ - رحمه الله تعالى ونفعنا به -.
(99) في ش وت وب: «درا» .
(100)
في الأصول: «منه» .
(101)
في ط: «أشهر» .
(102)
جولة قلمية طويلة للتّعرف على وفاة عيسى بن مسكين، وما ذكره يبدو غريبا ولكنّه ممكن فمثل هذه الأحجار التي ذكرها كانت تستعمل لشتّى الأغراض في البناء والصّناعة كما أشار وكما دلّتنا عليه الأعمال الأثرية داخل المدينة، وقد جاء تاريخ وفاة عيسى بن مسكين في الدّيباج لابن فرحون وفي أصله: ترتيب المدارك للقاضي عياض، ولو كان مطّلعا عليهما لما احتاج إلى هذا اللّفّ والدوران.