الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فضائل العثمانيّين:
ثمّ تولّى بعده سلطاننا السّعيد السّلطان سليم خان (583) سنة ثلاث ومائتين وألف (584) بارك الله في حياته، وقرن النّصر براياته، ونكس أعلام الكفر تحت أقدام جيوشه ومقدماته، وجعله محفوظا مؤيّدا معززا منصورا بالقرآن العزيز وآياته، وخلّد السّلطنة في عقبه وأهل بيته إلى يوم الحقّ وعلاماته، والله تعالى يتولّى أسلافه الكرام البررة بالروح والرّيحان وتمام المغفرة، ويبوّء الجميع وإيانا فردوسا مع نبيّنا صاحب الشّفاعة المنتظرة، ويديم على الأمّة المحمّدية هذه الدّولة السّعيدة على توالي الأيام، ويحمي بحمايتها كافّة الإسلام، ويبقي سلطنتها القاهرة على الدّوام (إلى يوم القيام)(585) فكم لأسلافها الغزاة المجاهدين في نصرة الملّة المحمّديّة الغرّاء من يد بيضاء للنّاظرين، وكم فتحوا من أقاليم للكفر فصارت دار إسلام على رغم أنوف الكافرين، فالتحقت فتوحاتهم بفتوحات الصّحابة - رضي الله تعالى عنهم أجمعين - وقلّدوا / هذه الأمّة مننا تعظم عن الحصر والإحصاء (586) وتجلّ عن التكييف والإستقصاء (587)، فهم رضي الله عنهم في هذه الأعصار حماة هذا الدّين بالسّيف والقلم، وحجّته الواضحة بالكلام (588) والكلم.
ولقد حكمت علماء أئمّة الإسلام واتّفقت كلمتهم - رضي الله تعالى عنهم - على أنّ سيوف الحقّ أربعة وما عداها للنّار، سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المشركين، وسيف أبي بكر - رضي الله تعالى عنه - في المرتدّين، وسيف علي - رضي الله تعالى عنه - في الباغين، وسيف القصاص بين المسلمين، فسيوف آل عثمان رضي الله عنهم إذا سبرت لم تخرج عن هذه السّيوف الأربعة، فإنهم ما زالوا منذ كانت أسلافهم إلى نشأة أخلافهم - بارك الله فيهم - يجاهدون الكفّار والمرتدّين، ويقاتلون الباغين والمارقين،
(583) هو سليم خان الثّالث وعزل عن السّلطنة في 21 ربيع الثّاني سنة 1222/ 28 جوان 1807، ومدّة حكمه 19 سنة، وبقي إلى أن توفّي في 4 جمادى الأولى سنة 1223/ 28 جوان 1808 وعمره 48 سنة تقريبا، أنظر عنه تاريخ الدّولة العليّة ص: 363 - 393، وإشارته إلى كونه سلطان زمانه، هل يفهم منها بداية تاريخ تأليف كتابه؟
(584)
1788 م.
(585)
ما بين القوسين ساقط من ط.
(586)
كذا في ط، وفي ش وت:«الاحصار» .
(587)
في ش: «الاستقصار» .
(588)
كذا في ط، وفي ش وب وت:«الكلم» .
ويقيمون حدود شرائع الدّين، فالله تعالى يمدّ ظلال سلطنتهم على المسلمين ويؤيّد بهم أهل السّنّة والدّين، ويقمع بهم أهل الكفر والأهواء والمخالفين، من قال آمين أبقى الله مهجته فإن هذا دعاء ينفع البشر.
قيل في سبب عصمة العثمانية من الفتن وتغلب الأمراء والوزراء الّتي وقع فيها غيرهم من الدّول بعد عصمة الله السّابقة في سابق قضائه وقدره أنّ ملوكهم في أعصارهم منعوا أن يبايعوا غيرهم في تصرف الملك والإمارة والمناصب الجليلة والإشتراك / في الخطبة والسّكّة والإستقلال بزمام (589) المناصب واتخاذ الحصون والقلاع، وتسيير الأغربة البحرية فخصّوا بذلك أنفسهم، وميّزوا ألقابهم عن ألقاب الوزراء، فما شاركهم في أسباب القوة والعدّة وجمع الخزائن الجهادية وغيرها أحد، وقطعوا رأس من تسمّى بالسّلطان والملك، وقطعوا ولاية العهد بتقديم البيعة، وفهموا الإشارة النبوّية في إشتراك (590) البيعة إذا بويع الخليفتان فاقتلوا الآخر أو كما قال اهـ. من محاضرة الأوائل لعلي ددة، ثمّ (591) قال: سمعت بعض الأولياء نقلا عن الجفر (592) الجامع أنه تمتد دولتهم إلى زمان المهدي، ويسلّمون الخلافة إليه ويكونون من شيعته وناصري دولته، وسمعت ممن أثق بقوله أنه ذكر ذلك عند حضرة السّلطان سليمان الغازي - رحمه الله تعالى - فقيل له: إن خرج المهدي في عصرك هل تسلّم له الخلافة بلا منازعة؟ فقال:
أرى نفسي تنازعني في رياسة الخلافة لأنّه قيل آخر ما يخرج من قلوب الصّدّيقين حبّ الرياسة، فأنظر إلى كمال معرفته رحمه الله بحقيقة النّفس الإنسانيّة حسبما قال الصّدّيق (593):{وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمّارَةٌ بِالسُّوءِ} (594) الآية، اهـ.
وقال الشّيخ أحمد بن قاسم بن أحمد ابن الفقيه قاسم إبن الشّيخ الحجري الأندلسي (595)، وأنا أدعو للسّلطان مراد إبن السّلاطين العثمانيين الّذين أشهر الله /
(589) كذا في ط، وفي ش وب وت:«زمامة» .
(590)
في ش: «إشراء» .
(591)
ساقطة من بقية الأصول.
(592)
كذا في ت، وفي ب:«الحبر» ، وفي ط:«الحفر» ، وفي ش:«الخبر» .
(593)
هو سيّدنا يوسف عليه السلام.
(594)
سورة يوسف: 53.
(595)
هذا الشّيخ كان حيّا بعد 1042/ 1632 وهو باحث مترجم عن الإسبانية، أصله من إشبيلية، إنتقل إليها من قرية الحجر (إحدى قرى غرناطة) ثم هاجر إلى المغرب بعد أن عكف سنين على درس الإسبانية حتى ظنّ أنه إسباني، وتمكّن بهذا من السفر إلى المغرب سنة (1007 هـ ) وأقام بمراكش إلى 1046، فكان ترجمانا للسّلطان =
بركاتهم في أرضه وبلاده، حتّى حصلت الرّوعة الموروثة خوفا منهم في قلوب النّصارى المشركين الكفّار، أهلكهم الله وأخزاهم وخذلهم ودمّرهم أشدّ الدّمار، وقد شاهدت في كثير من بلادهم وكتبهم وتحققت من خاصّتهم وعامّتهم أنّ الخوف الّذي في قلوبهم منهم لم يفارقهم في اللّيل والنّهار، وانقطع رجاؤهم الّذي كانوا يرجونه أن الدّولة العثمانيّة يكون إنقراضها عند السّادس عشر من سلاطينهم، واستدلّوا على ذلك من قول (596) يوحنّا الحواري الّذي كتب رابع الأناجيل، ثم كتب كتابا مرموزا يسمّى ببقلبش (597)، فتأوّلوا بعض رموزه على مقتضى غرضهم الفاسد، ومرادهم الخاسر، فأظهر الله بالبرهان أنّ قولهم كان باطلا وزورا، إذ هذا السّلطان الموجود الآن الثّامن عشر من السّلاطين، فزاد الحساب وظهر الغلط فيما تأوّلوه من الكتاب، وقال علماؤهم: إنّ من بركات (598) الإنجيل الظّاهرة الآن أن يشغل السّلاطين العثمانيين عنهم وقد كذبوا، بل من بركات الإنجيل الظّاهرة أن نصر الله سلاطين الإسلام على النّصارى، حتّى يهينهم (599) الله ويهلكهم لعدم إيمانهم بما أمرهم بالإيمان به (600) لأن من جملة ما أمرهم به تصديق أحمد محمّد صلى الله عليه وسلم لأنّ عيسى عليه السلام (601) بشّر به وأمر بالإيمان به، قال تعالى:
{وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اِسْمُهُ أَحْمَدُ} (602) وقال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ / لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} (603) الآية.
قلت: هذا ما كان في زمنه، وأمّا الآن فإن الله قد أظهر بركته في هذا النّسل السّعيد، وزاد عدده زيادة واضحة، فانقطع آمال الكافرين، وفرح بذلك المؤمنون،
= زيدان بن أحمد المنصور السعدي كما كان كاتبه باللّغة الإسبانية، وحجّ سنة 1046، وفي إيابه زار مصر، وصنّف كتابا في مناظراته مع بعض علماء النّصارى واليهود في أوربا سمّاه «ناصر الدّين على القوم الكافرين» ، وقصد تونس فترجم فيها عن الإسبانية كتاب «العز والمنافع للمجاهدين بالمدافع» وله غير ذلك. الإعلام 1/ 198 - 199، ط.5.
(596)
في ط: «بقول» ، ولعلّ المقصود «رؤيا يوحنا» .
(597)
Apocalypse المنشور مع رسائل الرّسل بعد الأناجيل.
(598)
في ش: «بركاة» .
(599)
في ط: «يفنيهم» .
(600)
في ط: «من الإيمان» .
(601)
ساقطة من ط.
(602)
سورة الصّف: 6.
(603)
سورة آل عمران: 187.
كما (604) قال تعالى {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (605)} ، وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ (606)!
وممّا نقل من تاريخ آل عثمان أنّ السّلطان عثمان خان أوّل السّلاطين العثمانيّة كان - رحمه الله تعالى - محبّا للمشايخ، ومستمدّا منهم، وكان في زمنه شيخ شهر «باده بالي» (607) بات ليلة في زاويته وكان مجاب الدّعوة، وله كرامات مشهورة، فرآى رؤيا كأنّ القمر طلع من حرم الشيخ ودخل في حضنه فاستضاءت منه الأطراف، وعند ذلك نبت من سرّته شجرة قد سدّت الآفاق أغصانها، والأنهار تجري من تحتها، والنّاس ينتفعون بما حولها، فقصّ رؤياه على الشّيخ فقال الشيخ - قدّس الله سرّه - معبّرا للرّؤيا الدّولة المنصورة المؤبّدة (608) بالقوّة القدسيّة، فزوّج الشّيخ إبنته من السّلطان عثمان، فكان من أمرهما ما كان - عليه وعلى أجداده وأعقابه الرّحمة والرّضوان - وأيّد دولتهم، وأصلح سريرتهم وسيرتهم (609) إلى انقضاء الدّوران، والله المستعين المستعان، وقد كان إسم الزوجة المذكورة مال خاتون (610)، وهي والدة السّلطان أورخان، وهو أوّل من افتتح بورصة (611)، وعثمان غازي أوّل من / دفن بها بعد الفتح لأنّها فتحت بعد وفاته بأيّام اهـ.
(604) ساقطة من ط وت.
(605)
سورة التّوبة: 124.
(606)
سورة التّوبة: 125.
(607)
هو من أهل العلم صوفي، ترجم له طاش كبرى زاده في الشّقائق النّعمانيّة ص: 6 - 7، وقصّ الرؤيا الّتي رآها السّلطان عثمان، وهذا الشّيخ مات عن سنّ عالية إذ بلغ 120 سنة، ومات في سنة 726/ 1325 - 1326، وماتت إبنته بعد شهر وهي زوجة السّلطان عثمان وأمّ ولده السّلطان أورخان، وبعد مضي ثلاثة أشهر من وفاتها مات زوجها السّلطان عثمان، وهذا المنام ذكره صاحب الدّولة العلية ص: 116، وقال عقب ذكره له:«ومع اعتقادنا أنّ هذا المنام لا بدّ أن يكون موضوعا كما يضع المؤرّخون مثل هذه الأحلام لتعليل ظهور وتقدّم كل دولة سواء كان في ممالك الشرق أو الغرب، فقد ذكرناه تتميما للفائدة» .
(608)
ساقطة من ت.
(609)
ساقطة من بقية الأصول.
(610)
لفظ خاتون يطلق غالبا على المرأة ذات الشأن أي السيدة كما يطلق على زوجات العظماء، تاريخ الدّولة العليّة ص: 118 هامش 1.
(611)
هي أوّل عاصمة للسّلطنة العثمانية ثم انتقلت العاصمة إلى أدرنة ثم إلى إستانبول، وهي مدينة بآسيا الصّغرى شهيرة بجودة هوائها وجمال مناظرها الطّبيعية وبها مياه معدنية شافية لكثير من الأمراض، تاريخ الدّولة العليّة ص: 119 هامش 1 بتصرّف قليل.