الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إبن الإنكشاري:
قال الشّيخ - رحمه الله تعالى - وأصل إبن الإنكشاري أنّه كان في صفاقس قائدا في زمن مراد باي، وكان ظلوما جهولا، مدمن خمر، قليل خير، فسلّط الله عليه الجذام، وكان متزوّجا بامرأة لها ولد من غيره يقال له «إبن الإنكشاري» نشأ في حجر هذا الظّلوم، فغذّي بالظّلم والفجور ونشأ عليه، فتمكّن من أبواب المخزن والظّلم والشؤم.
فلمّا وقعت الفتنة بين محمّد باي وأخيه علي باي تعلّق الإنكشاري بمحمّد باي حسبما مرّ (119)، ولمّا اختلفت الأحوال بين البايين، وتردّدت البلاد بينهما إتفق (120) أن قيد محمّد باي الحاج قاسم القفال، وجعل رايس أتباعه إبن الإنكشاري، وأرسل علي باي قائده محمّد صبّاح، فلمّا أتى البلاد (121) وجد البلاد (121) قد إحتوى عليها القفال والإنكشاري، فخاف صبّاح على نفسه ففرّ لزاوية الشّيخ أبي الحسن رحمه الله، فأقام بها مدة طويلة، فاتّفق رأي القفّال والإنكشاري على قتل محمّد صبّاح (122) بالزّاوية، فجمعوا نحو سبعين رجلا مسلّحين فتقدّموا بعد صلاة الظّهر للزّاوية فواجههم الشّيخ ونهاهم ووعظهم فلم يتّعظوا إلى قرب العشاء الأخيرة وهو يناشدهم الله تعالى، فأبوا
= والبادي أظلم، كما تدين تدان، والعبد يجازى بمثل ما صنع فأخرج من الزاوية هو وأتباعه ومماليكه وقتلا معا بالحديد الخ، نسئل الله السلامة والعافية ورأى بعض الناس الشيخ في تلك الليلة وهو يشيرها بهذا اهـ. قال الشيخ أبو الحسن: وقد أتى ابن ميلاد إلى صفاقس بسفينة بقصد أخذ الناس وقتلهم، أرسله ابن الشوك فتعرض له جماعة من أهل البلد في سفينة فظفروا به وقتلوه صبيحة يوم الرأيا وأراح الله المسلمين منه، وخرج وصيفه هاربا بها اذ كان حاضرا بزاوية أبي بغيلة بعد أن قتل سيده وكان دقّه رجل من أهل صفاقس بمخلب».
(119)
(120)
في الأصول: «فاتفق» .
(121)
يقصد المدينة (مدينة صفاقس) طبقا للهجة صفاقس السائدة آنذاك التي سارت عليها العقود والمراسلات الرسمية. والرحالون الأجانب أيضا، وما تزال كلمة «بلاد» مستعملة في الوقت الحاضر لنفس الغرض، وقد استعملها المؤلف تارة، واستعمل «بلد» مرة أخرى لنفس المعنى. وقد عوضنا «بلاد» «ببلد» تفاديا للخلط بين مدينة صفاقس وكامل التراب التونسي دون الإشارة إلى ذلك.
(122)
في بقية الأصول: «إبن صباح» .
إلاّ كسر حرم الزّاوية فكسّروا الأبواب، قال الشّيخ أبو الحسن - رحمه الله تعالى - دخل الشّيطان الخبيث هو وبعض شياطينه على الرجل الهارب، فضربه الخبيث برصاصة فخرج فارا بنفسه فتلقاه من كان بوسط الزّاوية من الأشقياء، وهو عمر سعادة، فرموه بالرّصاص حتى وقع ميتا لوقته، ولم يكفهم ذلك حتّى احتزّوا رأسه / وكان الذي اشلاهم صاحب المكر الاسرائيلي قاسم القفّال (123) واشترط لهم هو وأمّه، إن حضروا برأسه بين يديه، مالا كثيرا.
قال بعض تلاميذ الشّيخ أبي الحسن: إنّ الشّيخ بعث مقدّم الزّاوية للقفّال يستنجده ويقول له: سيّدك واقف بين الرّصاص في باب البيت ربّما انقلبت بعض البندقيات فيصيبه لظنّه أنّه لا يخالف (124) لأنّه ربّاه بزاويته وتعلم عليه جملة وافرة من العلم، (فلم يلتفت لقوله وأرسل بعض أعوانه وهو يحضّهم على عدم الخروج حتّى يقتلوا إبن صبّاح)(125).
قال الشّيخ أبو الحسن: فبعد أيّام يسيرة أتاهم الخبر أنّ علي باي قادم عليهم بجيوشه ففروا بأنفسهم وأموالهم وحريمهم إلى طرابلس، قال: فأمّا المتجرّي الأكبر صاحب المكر الإسرائيلي والغدر أخذ جميع ما كان معه من المال وطلب وعذّب بالعصا ولم يظفر بصفاقس، وأما الفاسق خليفته - يعني إبن الإنكشاري - فرجع إلى البلد بعد ما أخذ العدوّ أهله وماله وجمعا من أصحابه وناله من الذّلّ (والإهانة ما علمه الله، وبقيت أمّه وأخوه وأخته وزوجها وعمّه وزوجه)(126) وبنوه ببلاد الكفار فلم يتعظ الفاسق بذلك حتّى فعل من الشّيطنة في البلد وتعدّي الحدود والفجور وارتكاب كل قبيح ما يقصر عنه الوصف، وحاز حصار البلد ولم يبق لأهل البلد شفاعة ولا نجدة، فسلّط الله عليه من اعتزّ به فقتله أشر قتلة بالحديد وغيره كما فعل هو بالمسلمين، وأراح الخلق منه، وتبدّد جمعه فمنهم من مات مقتولا / ومنهم من أسّر ومنهم من نفي، ولم يبق من أعوانه أحد إلاّ عوقب على قدر فعله اهـ.
وهذه إشارة إلى ما فعله إبن الإنكشاري، وذلك أنّه لما طالت الفتنة بين علي باي وأخيه محمّد باي - رحمهما الله تعالى - (وعفا (127) عنهما) (128) واشتغل كل منهما بنفسه
(123) ساقطة من ط.
(124)
في ت وط: «يخاف» .
(125)
في مكانها في بقية الأصول: «فلم يقتلوا صباحا» .
(126)
ما بين القوسين ساقط من ط.
(127)
في ش: «عفى» .
(128)
ما بين القوسين ساقط من ت.
انتهز إبن الإنكشاري الفرصة فاستأثر بالبلد وخرج عن طاعة الأخوين ونهب أموال الخلق، وتحكّم بظلمه وشؤمه فلا خاف من الله ورسوله ولا من سلطان يزجره، فمن أقبح صنائعه أن أنشأ له مركبا وجعل له (129) مقاذيف، وجمع جماعة من شبان البلد وشجعانهم، ومن عرف فيه أهلية أدخله طوعا أو كرها، وصار يقطع طريق البحر على المسافرين من النّصارى والمسلمين، فينهب الأموال ويقتل النّفوس إن نازعوه، وإذا (130) انتصف النّهار يركب بجمعه ويقصد جربة بحيث يكون موافاتها ليلا، فينزل على النّاس في منازلهم في زي النصارى فيأخذ أموالهم، ومن تكلّم منهم قتلوه، ويسافر ليلا فيصبح داخلا للبلد، فيظنّ أهل جربة أنّهم أخذتهم النّصارى ليلا وهربوا، وكذا يفعل بكل بلد قدر عليه، ويظهر لأهل صفاقس أنّه يحرس البلد ويحميهم من عدوّهم، وكلّ من أذنب ذنبا وهو أهل للسّفر معه لا يخلّصه إلاّ الدّخول معه وإلاّ عذّبه عذاب الهدهد، وخندق على البلد الخنادق، وسكن بالقصبة وطغى وبغى وحسب أنّ الشّر يدوم له.
فلمّا استقلّ محمّد باي - رحمه الله تعالى - بالأمر بعد وفاة عمّه وأخيه وموت إبن شكر / أرسل لصفاقس من قتل هذا الخبيث الفاجر، وطهّر الله الأرض من شؤمه وبغيه، وتفصيل ذلك يطول ولا فائدة فيه.
قال الشّيخ أبو الحسن رحمه الله: ولمّا وقع ما وقع من الأشقياء غلقت باب زاويتي وصرت أنتحب ليلا ونهارا، قال بعض تلاميذه: ولمّا صدر منهم ما صدر في الزّاوية غلق الشّيخ باب الزّاوية ولا بقي أحد يدخلها لا لقراءة ولا لزيارة ولا لصلاة ولا لغيرها، وفقدنا درسه (131) واشتقنا فيه نظرة، وتكدّر علينا زماننا وهاج شوقنا إليه بسببهم، وربّما عرضت له حاجة فيخبرنا بها بكتابة ورقة (132) يرسلها لنا اهـ.
وفي هذه الأزمان منذ تولي سيدي حسين رحمه الله وعترته - طهّر الله البلاد والعباد من أهل البغي والفساد، وتوالت الولاة من الحضرة داخلين تحت الأمر والنّهي أدام الله هذه النّعمة على عباده ولا أراهم ما يسوءهم بفضله وكرمه.
(129) في الأصول: «لها» .
(130)
في بقية الأصول: «ان» .
(131)
كان رحمه الله يعمل الميعاد (مجلس الوعظ) يوم الجمعة بقراءة كتب الوعظ والسير والمغازي على عادة أهل صفاقس في ذلك التّاريخ، ويعلّم التلاميذ علوم الطّريقة والحقيقة.
(132)
بسبب هذه المحنة بقي سيدي أبي الحسن معتكفا بزاويته مدّة خمسين سنة بين ذكر وعبادة ونسخ وتآليف إلى أن وافاه أجله. نفس المرجع.