الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثمّ رحل محمّد باي بمحلّة الجزائر وقدم نحو تونس، ونزل بهم في الحريرية أواسط رمضان سنة خمس وتسعين وألف (322)، وهي أوّل نزلة نزلوها (323) في الحريرية على تونس، ومنها انفتحت لهم أبواب الجسارة على تونس وعلى وطن إفريقية.
ثمّ وقعت بينهم وبين أحمد شلبي ملاحّاة (324) أوجبت وحشة بعد ما كانوا عازمين على محاصرة سوسة وبها علي، وراودوا محمد باي على محاربة أحمد شلبي فأبى إلاّ العافية والنّهي عن التجري.
ثمّ إنّه وقعت بينه وبين محمّد باي وحشة، وآخر الأمر أظهر الصّلح وطلب من محمّد باي مرتب العسكر فأجابه ووقع الإتفاق بينهما وما ازداد أهل الجزائر إلاّ حقدا.
ورحل محمّد باي من الحريرية ونزل مرناق آخر شهر رمضان المذكور وبعد / رحيله بيومين رحلت محلّة الجزائر تجاه بلدهم، ورحل محمّد باي إلى القنطرة بقرب طبربة وأقام (325) ثلاثة أيّام، ثمّ كرّ راجعا لمرناق لأمر أراده، وأظهر أحمد شلبي أنّه يجهّز العسكر لمحاربة علي باي بسوسة، ولم يزل كذلك إلى أن تحقّق ذهاب محلّة الجزائر فدبّت مبادئ العداوة بين أحمد شلبي ومحمّد باي، فالتفت عن التّجهيز لسوسة ومنع خروج العسكر لها.
فتنة أحمد شلبي وإتّفاق الأخوين
محمّد باي وعلي باي على قتاله:
هذا ومحمّد باي ماكث بمرناق إلى أن استهلّ عليه هلال شوّال وهو يكرّر على أحمد شلبي الرّسل في التّجهيز فلم يلتفت لذلك، ولمّا ظهرت مخايل العدواة مسك شعبان كاهية ومحمّد بن شكر خليفة محمّد باي وسجنهما، فلمّا رآى محمّد باي هذه الأمور لم يجد (326) محيصا عن صلح أخيه علي باي وأخبره أنّ ما بيننا من الفتن موجب (327) لتكسير
(322) أواخر أوت 1684 م.
(323)
في ط: «نزلهما» .
(324)
في الأصول: «ملاحات» .
(325)
في ط: «وأقام بها» .
(326)
في ط: «لم يظهر» .
(327)
ساقطة من ش.
واحد منّا بالآخر [وتتغلّب علينا أيدي الغير](328) وإذا تمادى هذا الحال يظفر أحمد شلبي بالبلاد، ومن جميل الرّأي أن نصطلح ونقسّم البلاد بيننا نصفين [ونتظاهر عليه](329) فطابت نفساهما (330) بذلك وأرسل محمّد باي أخاه رمضان ومراد إبن أخيه وجميع الحريم الّتي (331) كان إتصل بها (332) من قلعة الكاف مع هدايا وثياب وخيم، والتقى الفريقان بين سوسة والقيروان وصارا يفكّران في حيلة للوصول إلى غرضهما من أحمد شلبي، وبقيا كذلك إلى صفر من سنة ستّ وتسعين وألف (333) فأمر محمّد باي أخاه عليّا بتجهيز مائة خباء، فادّعى علي عدم ما يقوم به من الخرج فلامه محمّد باي (334) / ثمّ قيّد محمّد باي جميع ما أخرجه على المحلّة من أمواله ممّا يقوم بها كلّها.
ونزل علي باي نحو الدّخلة القبلية (335) من تونس ونزل محمّد باي بغدير السّلطان (336) وتأهّبوا لقتال أحمد شلبي وجهز هو أيضا جيشا عظيما وركب نحو الألف من صبايحية الترك عدا (337) ما انضاف إليه من أولاد سعيد والمسعي، وتربّص ينصب شباك مكره لأنّه كان ذا حيل ومكر فجمع جندا عظيما وأخرجهم ليلا على محمّد باي فأحاطوا به وهاجموا (338) محلّته على حين غفلة، وهرب محمّد باي في نفر قليل من توابعه، ورجع أحمد شلبي بما غنمه، وأحاط بحريم محمّد باي وجواريه، فسرّ بذلك سرورا عظيما وذلك في إثنين وعشرين من رجب سنة ستّ وتسعين وألف (339).
وقام أولاد سعيد على علي باي وهو بالدّخلة القبليّة فنهبوه ومحلّته، ومال النّاس كلّ الميل لأحمد شلبي عند ما بلغهم هذا الواقع بعد ما كان أولاد سعيد مع علي باي
(328) إضافة من الحلل 2/ 514.
(329)
إضافة من الحلل.
(330)
في الأصول: «نفوسهما» .
(331)
في الأصول: «الذي» .
(332)
في الأصول: «به» .
(333)
جانفي 1685 م.
(334)
«من حيث أنّه كان تصرّف في البلاد سبع سنين وتمزّقت أمواله في مرضاة توابعه وأبقوه مثلة عند الشّدائد» . الحلل السّندسيّة 2/ 515.
(335)
هي دخلة المعاوين: أنظر الإتحاف 2/ 59، النّقل مستمرّ من الحلل السّندسيّة 2/ 515.
(336)
أنظر أيضا الإتحاف 2/ 59.
(337)
في الأصول: «عدى» .
(338)
في الأصول: «هزموا» ، والتّصويب من الحلل 2/ 515.
(339)
24 جوان 1685 م.
فانقلبوا عنه مع الدّهر، واجتمع لأحمد شلبي من ذلك جمع عظيم، فعظم أمره وقوي أزره.
وكان في أثناء ذلك نشر أعلام الولاية على مملوكه الخزنادار (340) محمد منيوط ولقبه بالباي وأولاه ولاية الوطن وجاءه الخبر أن الأخوين جمعا جمعا ثانيا واستنفر النّاس للقتال، ووردت عليهما الوفود أفواجا.
وكان محمّد باي وضع قناطر على وادي العلم، فلمّا عبرت جيوشه عليها أمر بنقضها لئلاّ يحدّث أحد نفسه بالفرار، فكانت ضررا عليه، فتهيّأ أحمد / شلبي إذ ذاك ووجه عساكره مع جنود العربان، فالتقى الجمعان بوادي العلم دون القيروان فظفر بهم أحمد شلبي، وانهزمت جيوش الأخوين، ففرّا للقيروان بعد ما مات منهم جمع كثير، وبلغ البشير لأحمد شلبي في يومه، وجيء لتونس بعشرة أحمال (341) من رؤوس القتلى (342)، فألقيت ببطحاء القصبة من تونس.
وبعد ما دخلا للقيروان كتبا للجزائر مع محمد بن شكر يستنجدونهم بنصرة أبيه (343) فلم يكن إلاّ يسيرا وقد أتتهم النّصرة، وحصل إجتماع بين الأخوين وتظافرا على محاربة أحمد شلبي [وفي أثناء مجيئهم عزم أحمد المسعي على القدوم نصرة لأحمد شلبي فلمّا ثبت مجيء الجزيريين](344)، أرسل أبو حوش للمسعي يحذّره (345) من القدوم لأحمد شلبي فقلبه (346) عنه، وهرب أحمد المسعي لناحية الغرب، وكان هروبه من السّرس في ثلاثة من رجب من السّنة المذكورة، ثم هرب من محلّة تونس أبو حوش ولحقته (347) خيل محمّد منيوط ليمسكوه فوقع بينهم حرب شديد، ومات من الفريقين خلق كثير، وأتوا بنساء أبي حوش إلى محلّة تونس.
(340) في الأصول: «مملوك خزنادار» ، والتّصويب من الحلل والإتحاف 2/ 59. قال إبن أبي الضّياف:«وكان له مولى من نجباء الأفراد إسمه محمّد منيوط» .
(341)
كذا في ش وت وب، وفي ط والحلل:«جمال» .
(342)
في الأصول: «القتلا» .
(343)
ساقطة من ش وت وب.
(344)
إضافة من الحلل يقتضيها السّياق.
(345)
في الأصول: «يحذرهم» .
(346)
في ش وب: «فغلبه» ، وفي ت:«فقابله» .
(347)
في الأصول: «لحقه» .
وفي أحد عشر من شعبان (348) دخلت محلّة تونس لتونس على عادتها، وفي ذلك اليوم جاء الخبر لتونس أنّ بعض رؤساء علي باي (349) دخل باجة وهربت النّوبة منه في الحصار ووقع بينهم القتال، ومحال الأخوين إذ ذاك بالكاف، ومن الغد أرسل أحمد شلبي خلف الحاج حسين آغة الّذي كان بالمحلّة فقتله وقتل معه جماعة كبيرة منهم مصطفى سبنيور وكان شاويش الدّيوان، قيل كانت أحواله غير مرضيّة حتّى إنّه لمّا أراد طاباق [وضع](350) الرّمية / على أهل تونس وهربوا لجامع الزّيتونة دخل عليهم بنعله إلى المحراب.
وفي منتصف شعبان (351) أخذ أحمد شلبي كاهية باجة وفيّأ دورها وأسواقها وقتل منها جماعة، ثمّ إنقلب هاربا لتونس.
وفي عشرين منه (352) ورد الأخوان لباجة وحازوها وأنزلوا الترك الّذين كانوا بحصارها على الأمان، وهم خمسمائة رجل، وعيّنوا لهم أخبية وأضافوهم إلى عسكرهم، وعقدوا ديوانا على أنّ بقطاش [خوجة](353) يكون دايا، فلمّا سمع أحمد شلبي عقد ديوانا بباب القصبة ومعه الباشا والعلماء والعسكر بجميع طبقات الدّيوان وأهل المدينة والرّبطين (354)، وقام أحمد شلبي وخاطب النّاس خطابا عامّا وقال لهم: إنّ هؤلاء القائمين عليكم وعلى أولادكم وأموالكم (355) لا يخفاكم ما هم عليه من الجور فما نظركم؟ فكان الجواب من الخاص والعام على كلمة واحدة: أنا نحارب على بلادنا وأولادنا وطاعتك إلى أن نفنى جميعا، وقرأوا فاتحة الكتاب، وحضر ذلك الموطن ثلاثة شوّاش كانوا قدموا من الباب العالي - حفظه الله -.
وفي ذلك اليوم بنوا باب سيدي قاسم الجليزي، وباب سيدي علي القرجاني، وباب البنات، وباب قرطاجنة، وباب أبي سعدون، ورتّبوا على كلّ باب نوبة من الترك
(348) أي من سنة 1096/ 13 جويلية 1685 م.
(349)
ساقطة من الأصول.
(350)
إضافة من الحلل.
(351)
17 جويلية 1685 م.
(352)
أي شعبان 1096/ 22 جويلية 1685 م.
(353)
إضافة من الحلل 2/ 519.
(354)
كلمة دارجة للرّبضين وهما بتونس يطلقان على باب السويقة وباب الجزيرة.
(355)
ساقطة من ط.
والزواوة، وركّبوا عليها المدافع، ثم نصبوا ديوانا آخر بجامع الزيتونة واجتمع فيه ضعف ما كان اجتمع بباب القصبة، ووقع الإجماع من جميع الناس بالتّصريح بالقتال والحرب.
ومن جملة ما كان بذلك اليوم / أن قرأوا الأوامر العثمانية مضمونها تقرير البلاد لأحمد شلبي ورفع يد الأخوين، ولمّا تقوى أمر أحمد شلبي وضبط الجنود تزاحمت عليه الوفود.
وفي أواسط رمضان من السّنة المذكورة (356) نزل الأخوان والنّصرة بالقنطرة ثم وقعت محاربة بينهم وبين أهل تونس، ومات من الفريقين جمع كثير.
وفي ذلك اليوم ازداد المدد من الجزائر، وميّز أحمد شلبي رجاله بسانية الجربي، وقبل ذلك بيسير رحل (357) أولاد سعيد ونزلوا سيدي حسن السيجومي، فأرسل خلفهم أحمد شلبي الصبايحية تركا وعربا ليأخذوهم، فلمّا رآى (358) أولاد سعيد الإحاطة بهم أذعنوا وانقلبوا للجبل الأخضر، وخرج لهم الطرابلسيون والجباليون وعقدوا لهم عهودا وتحالفوا على ذلك.
ثمّ رحل أولاد سعيد من الجبل الأخضر فنزلوا على ساحل البحيرة من جهة الزّلاّج (359)، إلى محلّ القصّارين من باب البحر، واستباحوا غابة الزيتون وثمر البساتين، ولم يبق لأهل الأملاك تصرّف في أملاكهم.
وفي أربعة وعشرين من شوّال سنة ستّ وتسعين وألف (360) نزل الأخوان بمحالهم ونصرتهم بسانية الجربي، وانتصبت المحال من باردو لسيدي حسن السّيجومي، وتقاتل (361) ذلك اليوم الفريقان من الضحى إلى العصر، وماتت أمم من الفريقين، ومكثوا كذلك حينا من الزّمان والحرب بين الفريقين سجال فيوم لقوم ويوم لآخرين إلى أن دخلت السّنة السّابعة بعد التّسعين والألف.
ففي ربيع الثّاني (362) وردت مكاتيب من أكابر الجزائر يخاطبون أحمد شلبي /
(356) 15 أوت 1685 م.
(357)
في الأصول: «دخل» والتّصويب من الحلل 2/ 520.
(358)
في الأصول: «رأووا» .
(359)
في الأصول: «الجلاز» .
(360)
23 سبتمبر 1685 م.
(361)
في ش: «تقاتلا» .
(362)
في 22 منه / 18 مارس 1686 م.
بالصّلح مع الأخوين فخرقهما وعزم على إخراج النّاس للقتال فتقاتلوا، فكان عدّة ما رمى به أهل تونس من المدافع سبعمائة.
وفي خامس (363) جمادى الأولى (364) رمى المحال على تونس بالبونبة من بعد العشاء أربعة وأربعين، ثم تمادوا على ذلك ليالي متعدّدة، فعظم الأمر في تقليد السّلاح بين الأزقّة والأسواق.
وفي ستّة عشر من الشّهر المذكور أخذ أمر تونس في الإنحلال، ومال النّاس للأخوين وأخذوا في الهروب، وشرع الأخوان في حفر الألغام من جهة سيدي عبد السلام، وفي إثر (365) ذلك جاءت أوامر من الأعتاب العثمانية لتونس، فلم يقدر أحمد شلبي على إدخالهم (366) لضيق الحال، فعقد أحمد شلبي ديوانا بجامع الزيتونة بالخاص والعام، وأظهر أوامر قرئت على رؤوس الإشهاد مضمونها الإذن باستقرار إفريقية تحت نظر أحمد شلبي ورفع يد الأخوين.
وفي أربع وعشرين (367) من جمادى الأولى أرسل أحمد شلبي الشّوّاش الواردة من الأعتاب العالية إلى المحال ليكفّوهم عمّا هم عليه، فلمّا وصلوا تلقّاهم قاره عبد الله من الأتراك وقال لهم: أرجعوا قد علمنا ما جئتم به، فرجعوا إلى تونس، ثم تزايد المدد من الجزائر بحرا (368) وبرا فهرب من تونس خلق كثير ووردت لتونس مراكب بالقمح فتلقّاها الأخوان وأخذا ما فيها فضاق حال تونس.
وفي ثمانية من رجب هرب أولاد سعيد فنهب النّاس بيوتهم، ثم تتابع النّاس بالهروب وتسارعوا لتلقّي الأخوين من ربط بني حمّاد ووضعوا لهم السلالم (369) وأدخلوهم الرّبط ووقع الإختلال / في مواضع كثيرة وإنحل العقد واتسع الخرق وأدخلوا أصحاب
(363) في الأصول: «أول» ، والتّصويب من الحلل 2/ 531.
(364)
30 مارس 1686 م.
(365)
19 جمادى الأولى 1097/ 12 أفريل 1686 م، والّذي يفهم من الحلل السّندسيّة 2/ 532 أنّه ورد شاوش من تركيا في التّاريخ السّابق، وورد آخر ضحوة يوم الأربعاء 21 جمادى الأولى، وكان ورود الثّاني للجزائر إلاّ أنّ أحمد شلبي أراد أن ينزله للمدينة ليشاهد ما هم فيه هؤلاء المؤمنون.
(366)
الّذي يفهم من الحلل السّندسيّة أنّه دخل وشاهد الأحوال كما يفهم من كلام المؤلّف الآتي.
(367)
في الأصول: «إثنين وعشرين» والتّصويب من الحلل 2/ 533.
(368)
في 29 جمادى أولى 1097/ 24 أفريل 1686 م.
(369)
في ش وط: «السلاح» ، والتّصويب من الحلل.