الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السّلطان محمّد الثاني:
فتولّى ولده السّلطان محمّد بن مراد خان سنة ست وخمسين وثمانمائة (98)، فجلس على التّخت / وقد استكمل عشرين سنة، وكانت مدة سلطنته إحدى وثلاثين سنة كأبيه (وكان من أعظم سلاطين آل عثمان، وهو الملك الأصيل، الفاضل النّبيل، الطاهر الجليل)(99) أعظم السّلاطين جهادا، وأقواهم إقداما واجتهادا، وأشدّهم بأسا، وأقواهم على الحرب إيرادا، وأكثرهم على الله توكّلا واعتمادا، وهو الذّي دعّم ملك بني عثمان، وشدّ أركانه وأعلى مناره، وشدّ (100) بنيانه، قنّن لهم قوانين صارت كالأطواق في جيد الزّمان، وله مناقب جميلة، ومزايا فاضلة جليلة، وآثار (101) باقية على صفحات اللّيالي والأيام، ومآثر لا يمحوها تعاقب السّنين والأعوام، وغزوات كسّر بها أصلاب (102) الصّلبان والأصنام، ورغم أنوف الكفرة اللئام، فمن أعظم غزواته، ولو لم يكن له سواها لكفت في علوّ شأنه وعزّة سلطانه، الغزوة العظمى التي فتح بها القسطنطينية الّتي كان بها افتخار الكفرة على الإسلام، ففتحها وبدّلها الله من رجس الكفر بطهارة الإسلام، فلما أراد غزوها رحمه الله ساق إليها السّفن بحرا تجري رخاء وسيرا، وجهّز إليها العساكر برّا، وهجم عليها بجنوده، فالتقى الجمعان على أمر قد قدّر وأقدم عليها بخيله ورجله (103) فكان على الكافرين يوم نحس مستمرّ وعلى المسلمين يوم ظفر ونصر، فحاصرها ستّين (104) يوما أشدّ حصار، حتّى أتاه الله بالفتح المبين، ونزلت بنصره جنود النّصر والتّمكين / ففتحها في اليوم الواحد (105) والسّتين من أيّام محاصرتها وهو يوم الأربعاء تمام العشرين من جمادى الآخرة من شهور سنة سبع وخمسين (106) أو ست وخمسين
(98) 1452 م.
(99)
ما بين القوسين ساقط من ط وب وت، وفي الإعلام نجد:«وكان من أعاظم سلاطين آل عثمان وهو الملك الضليل، الفاضل النبيل، العظيم الجليل» ص: 256 - 257.
(100)
كذا في ت وط وب، وفي ش:«شيد» .
(101)
في الأصول: «آثارا» .
(102)
في الأصول: «أصالب» والتّصويب من الإعلام ص: 257.
(103)
في الإعلام: «رجاله» .
(104)
في الإعلام: «خمسين يوما» ، وفي تاريخ الدولة العلية ص: 161 - 164: «بدأ الحصار في أوائل أفريل 1453 م، وانتهى في 29 ماي من السنة» . فيتفق معه مقديش في نفس مدة الحصار، وكذلك يتفق مع ما جاء بقصيدة الإمام البقاعي الآتي ذكرها.
(105)
في الإعلام: «الحادي والخمسين» .
(106)
28 جوان 1453 م وفي تاريخ الدولة العلية ص: 164 «20 جمادى الأول سنة 857/ 29 ماي 1453 م» .
وثمانمائة، وصلّى في أكبر كنائسها صلاة الجمعة بعد جعلها مسجدا وهي المسماة أيا صوفيا (107)، فأبدلها الله من من الظّلمات بالنّور، ولا زالت محلاّ للعبادة وسببا للحسنى وزيادة، ومقرّ عزّ وسعادة، وما أحسن ما أنشده (108) الإمام البقاعي رحمه الله في صورة هذا الفتح العظيم (109)، طالعها: سؤال جرى على لسان مراقب أمسى يخاطب بعض من سهرت عيناه يحرس في سبيل الله، وهي قصيدة من ثالث ضروب البحر الطويل وهو الضرب المحذوف والقافية متواترة (110) مطلقة (111) مردف فقال (112):
[الطويل]
أمن ذكر من تهوى اعتراك سهود (113)
…
أم القلب فيه للجحيم وقود
أراك لا تزال موكّلا
…
برعي الفيافي والأنام رقود
كأنك مهجور (114) وعدت (115) بزورة
…
فما يطرق العينين منك (116) هجود
تجيء وتمضي في السّلاح مسربلا
…
كأنك ليث للظباء (117) يصيد
أما تختشي أن الحبيب يروعه
…
لقاك فما ينفكّ (118) منه صدود
فضع عنك (119) هذا الزي والقه سالما
…
يذيقك طيبا للقاء وعود
لقد ضل عن قصدي (120) الرقيب ولم يقع
…
على حادث أمضي له وأعود
(107) في الأصول: «أيا صوفية» .
(108)
كذا في ط، وفي ش وب وت:«نشده» .
(109)
ولذلك يلقب: «محمد الفاتح» . وانظر الإعلام للنهروالي ص: 156 - 158، شذرات الذهب 7/ 341 - 345 نقلا عن الإعلام للنهروالي باختصار، الضّوء اللاّمع 10/ 147، نظم العقيان ص: 547، أخبار الدول للإسحاقي ص:140.
(110)
في الأصول: «متواتر» .
(111)
في الأصول: «مطلق» .
(112)
هذه القصيدة لم يذكرها النّهروالي.
(113)
في ب: «شهود» .
(114)
في ب: «مجهور» .
(115)
في ش: «عدة» .
(116)
في ط: «منا» .
(117)
في الأصول: «الضباء» .
(118)
كذا في ش وب، وفي ط وت:«ينفعك» .
(119)
في ط: «عند» .
(120)
في ط: «قصد» .
وسفّه في رأي رماني (121) برجمه
…
فما لي شغل عنه ثمّ سديد (122)
ألم يدر هذا العمر أنّي إنّما
…
أنافس في العلياء وهي جدود /
وإنّي لعمري لا أحبّ سوى (123) اللّقا
…
بجيش العدا لا ضمّ منه عديد
أردّهم بالسّيف ضربا وإنهم
…
ليقتل منهم بالزّحام جنود
كأنهم هيم وسيفي بأثرهم
…
بروق وزجري في القلوب رعود
(ولم لا وقد سنّ النبيء محمد
…
جهاد الأعادي فالجهاد حميد
وسار ابن عثمان المليك محمد
…
بذا العصر هذا السير فهو فريد) (124)
ليهنك يا نجل الأكابر ما يرى
…
من الشّرف الأعلى لأنت سعيد
قصدت لأسطنبول وهي شهيرة
…
فحقّق أن الرأي منك سديد
بنيت عليها وهي بكر فأصبحت
…
ووطؤك فيها للبرية عيد (125)
أقمت عليها نحو ستّين ليلة
…
وطير المنايا ما لهن ركود
نصبت لرفع الدين أعلام جرهم
…
فكم خرّ جزما في الهياج عمود
وكم أغرقت روحا عيون دمائهم
…
وحرّق من شهب السّهام مريد
وكم مرّ من عيش حلي بربعها
…
لهم وتغنت في المحافل غيد
وكم أرشفتهم قهوة في كنيسة (126)
…
مزخرفة (127) حسنا (128) الشمائل رود
وكم ضحكت فيها كواعب (129) كنّس
…
وطاب لتلك الغانيات نشيد
فبدل (130) ذاك الضحك همّا وحسرة
…
وضرّج فيها بالبكاء خدود
(121) في ت: «في رأي زمامي» وفي ب: «في أي زماني» .
(122)
في ت وب: «سويد» .
(123)
في الأصول: «سوا» .
(124)
ما بين القوسين مختصر في ت، وب، وط. في ط:«ولم لا وقد سن النبيء محمدا بذا العصر ذا لسيد فهو فريد» في ب: «ولم لا وقد سن النبيء محمدا بذا العصر هذا السير فهو فريد» في ت: «ولولا وقد سن النبيء محمدا فذا العصر هذا السير فهو فريد» .
(125)
في ت: «محيد» .
(126)
في ط وت: «كنية» ، وفي ب:«كنية» .
(127)
في ب: «خوفة» .
(128)
في ط: «حسن» .
(129)
في ت: «كواكب» .
(130)
في ب: «فبذل» .
وعادت على تلك الوجوه كباوة
…
وحلّ بها بعد الرّفاهة دود
وكم قهروا من لوذعي سميدع
…
وساعدهم دهر هناك مديد
لقيتهم يوم الثلاثاء بكرة
…
وقد قارئتكم للإله سعود
وخضت إليهم غمرة البحر في الضّحى
…
بحرب له شمّ (131) الجبال تميد
وجللت وجه البر بالخيل فوقها
…
ليوث ترى (132) منها الليوث تحيد
وكنت أشد الناس حزما (133) وجرأة
…
وكم لك في حوض الحروب ورود /
أتوا وكأنّ اللّيل أكناف جيشهم (134)
…
دروعهم مثل البصائر سود
فكنت إليهم أوّل الناس راقيا (135)
…
وجرّدت (136) سيفا والصّقال جديد
فكان كنجم والمحارب قادر (137)
…
عنيد إليه بالنّكال يريد
وثبّت (138) ذاك الجيش رجلا تجلّدا
…
فطارت بريش النّبل منه (139) جلود
بعثت إليهم عسكر الموت أسهما
…
فأمسى به للعاويات (140) يجود
وعادوا كلمح الطرف جلدا ممزّقا
…
وما منهم إلاّ لديك (141) حصيد
ولم تغن شيئا كثرة الجمع عنهم
…
وزاد نوح منهم وعديد
ولما تولّوا مدبرين وللضنا
…
انبساط إلى تلك الظّهور مديد
أقمت عليهم قائم السيف حاكما
…
فكلّ قضاء جار فيه سديد
فصيرتهم قسمين وهو بوسطهم
…
يقول: هم قتلى لكم وعبيد
فدونكم أبناءهم ونساءهم
…
وأموالهم ما دون ذاك عنيد
ولمّا اصطففتم والخيول صواهل
…
ترجّع في نغماتها فتجيد
وعنفت سيفا قط لم يأل فاعتدى
…
وحمرة خديه لديك تزيد
فحكّمته فيهم وكان مطاوعا
…
فقدّت رؤوس منهم وقدود
رآى البيض من فوق الرّؤوس فظنّها
…
لآلي تهويها (142) وحقك غيد
(131) كذا في ط وت وب، وفي ش:«بشم» .
(132)
في ط وت وب: «شرا» .
(133)
في ط وت وب: «عزما» .
(134)
في ط: «جيبهم» ، وفي ب وت:«جيهم» .
(135)
في ت: «رايقا» .
(136)
في ب: «وجروت» .
(137)
في ط: «مارد» .
(138)
في ت: «وكبت» ، وفي ب:«وكتب» .
(139)
في ط: «منهم» .
(140)
في ط: «للعاريات» .
(141)
في ط: «لديه» .
(142)
في ت وب: «تهوها» ، وفي ط:«تهواها» .
فصيرها منشورة (143) في جيوشكم
…
تنظم منها في الجبال (144) عقود
وكانوا على خيل يروع ضجيجها (145)
…
فأضحوا وهم فوق التراب همود
وكانوا وقوفا للضروب (146) فأصبحوا
…
وهم في الرّبى لا للصّلاة سجود
وقتّل أبطال جلاد وفرّقت
…
جموع وكم جزّت هنا لك جيد
وقدّت قلوب (147) بالمظالم أظلمت
…
وطارت بماضي الشفرتين زنود
وحلّق من فوق الرؤوس سلاسل
…
ودارت على سوق الرّجال قيود /
وكنتم ضحى تحت العجاج كأنكم
…
ليوث عرين في الغمام ترود
يحامون للشيطان (148) وهو عدوّهم
…
وتحمي حمى الرّحمان وهو ودود
وغودر منكم فتية (149) أحمدية
…
تداعوا إلى دار السلام فنودوا
فشتّان ما بين الفريقين حيّهم
…
جحد (150) وأمّا ميتكم (151) فشهيد
وأحياؤكم خير العباد وميتهم
…
له في لظى بعد الممات خلود
وعدت وسيف الدّين قد طال متنه
…
وجلّد (152) حدّ الكفر وهو حديد
كذاك سميّ (153) المصطفى كان بطشه
…
فلله بطش منه لهو شديد
علا في مراقي العز حقا بحزمه
…
وعزم له فوق النّجوم صعود
حليم بصير بالأمور مجرّب
…
صبور على ريب الزمان جليد
لقد سار في الآفاق سؤدد مجده
…
وطارت له في الخافقين بنود
له عزمات ترعب البحر عند ما
…
يصول ألم تنظر إليه يميد
تقصّر عاد عن علاها وتنثني
…
لها خضّعا من بعد ذاك ثمود
وحزم توقّيه كيدها
…
وتدفع عن أنصاره وتذود
يحيّر من أحكامه كل معجب (154)
…
وتبهر يونان (155) له وهنود
هو المتّقي (156) بأس الإلاه وبأسه
…
لكم ذاب منه جلمد وحديد
(143) في ت وب وط: «منثورة» .
(144)
في ت وب وط: «في الحبال» .
(145)
في ت وب وط: «ضجيجهم» .
(146)
في ت وب وط: «للضراب» .
(147)
في ط: «قلوبا» .
(148)
في ب: «للسلطان» .
(149)
في ط وت وب: «فتنة» .
(150)
في ط وت: «جحود وأما» .
(151)
في ت: «جيبتكم» ، وفي ب:«بيتكم» .
(152)
في ب وت وط: «وجلل» .
(153)
في ط: «سما» .
(154)
في ط: «معجز» .
(155)
في ت وب: «يوقان» .
(156)
في ط وب: «ملتقى» .
يجود ليحمي (157) بيضة الدين إن رآى
…
وبالسيف للباغي تقام حدود
فلا زال هذا الملك معتليا به
…
يجدد أركان الهدى ويشيد
ويصقل سيف الغزو في كل حجة
…
فيبدئ نهج المصطفى ويعيد
ويورثه ذرّية دام سعدها
…
تبيد العدا بالقهر وهي تزيد
وتعزى إلى عثمان جدّا وجدّها
…
له دائما في العالمين جدود
وتبقى على كرّ الدّهور يزينها
…
عفاف وعدل في البلاد وجود /
وتحفظ للمهدي الهدى فإذا أتى
…
تؤدي إليه أمره فتسود.
ولمّا تمكّن - رحمه الله تعالى - من القسطنطينية (158)، وتمّ أمر فتحها أسّس بها قواعد العدل والإحسان والخيرات، فمن جملة ذلك تأسيس العلم فيها بقدم راسخ لا يخشى عليه فيها الأفول، وبنى بها سنة خمس وستين وثمانمائة (159) وفرغ سنة خمس وسبعين وثمانمائة (160) جامعا معروفا الآن باسمه ومدرسة (161) كالجنان لها ثمانية أبواب، وقنّن بها قوانين تطابق المعقول والمنقول، وترغب في طلب العلم الشّريف، وتكسو (162) للطالبين حلل (163) القبول، فجزاه الله خيرا عن المسلمين، وذلك أنه جعل لطلبة العلم أيام الطلب ما يسدّ فاقتهم قوتا ولباسا، وجعل لهم بعد ذلك مراقي (164) يرقون إليها إلى أن يصلوا إلى سعادة الدّنيا ويتوصلون بها إلى سعادة العقبى إن وفّق الله بفضله، وإنه - رحمه الله تعالى - إستجلب العلماء الأكابر من أقاصي البلاد، وأنعم عليهم، كالعلاّمة مولانا علي قوشجي (165) والفاضل الطوسي (166) والعلاّمة الكوراني وغيرهم من
(157) في ط وب وت: «ليحيى» .
(158)
في ط: «من فتح القسطنطينية» .
(159)
1460 - 1461 م.
(160)
1470 - 1471 م.
(161)
وبنى بها مدارس كالجنان لها ثمانية أبواب، الإعلام للنهروالي ص: 258، والمدارس الثماني المنسوبة إليه معروفة في استانبول إذ نجد في تراجم كثير من العلماء: وتولّى التّدريس بإحدى المدارس الثمان.
(162)
في الأصول: «تكسوه» .
(163)
كذا في ط والإعلام، وفي ش وب:«حلال» ، وفي ت:«جلال» .
(164)
في ط وب: «مراقين» ، وفي ت:«راقين» .
(165)
هو علاء الدين علي بن محمد، والقوشجي هو حافظ البازي عند أتراك أقصى الشرق، وكان أبو حافظ البازي لدى الأمير ألوع بك حفيد تيمور لنك ملك ما وراء النهر، وكان عالما كبيرا رياضيا (ت.870/ 1465). أنظر الإعلام 5/ 9.
(166)
هو ابراهيم بن عبد الكريم الطوسي المعروف بحلمي له مؤلفات في النحو، أنظر الإعلام، معجم المؤلفين 1/ 50.