الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ترجمة الولي محمّد الرّقيق أبي عكّازين:
ومن أعيان وطن صفاقس الغربي الشّيخ الولي الصّالح العارف بالله تعالى، المزار المتبرّك به، الإمام الخطيب، الحسيب النّسيب أبو عبد الله سيدي محمّد الرّقيق (658) أبو عكّازين المدفون بالمسعودة (659)، وهو من أولاد عنان من نسل مولاي إدريس، فيكون شريفا، أخذ الطريقة عن سيدي أبي يحيى القرقوري، مات أبوه وتركه صغيرا فسمّته أمّه محمّد اليتيم، وأسلمته للمعلّم، فلمّا ترعرع صار يذهب لقرية قرقور يقرأ على الشّيخ العارف بالله تعالى سيدي أبي يحيى القرقوري، وكان جميل الصّوت، حسنه رقيقه، فسمّاه الشّيخ بالرقيق، فاشتهر هذا اللقب، وكان شيخ من مشايخ العرب يتعرّض له في ذهابه للشّيخ القرقوري ويقول له: قل لأمّك تتزوجني، فأنكر ذلك ولم يخبر أمّه به، فجعل شيخ العرب يؤكّد عليه الوصيّة كلّ يوم حتى ضاق صدره من ذلك، وتغيّر حاله، فرآه الشّيخ القرقوري فسأله عن حاله، فعرّفه بما يقاسيه من مدافعة شيخ العرب، فقال له: خذ هذا القضيب واصحبه معك، فإذا لقيك فاستعذ بالله منه واسأله أن يعافيك من هذا القول، فإن رجع عن حاله فذلك المطلوب، وإن أبى فاضرب الأرض بهذا القضيب وقل: خذيه يا أرض، فإن أخذته كلّه وإلاّ فأعد عليها حتّى تأخذه أجمع، ففعل ما أمره به الشّيخ فأخذته الأرض، فعرّف الشّيخ، فقال:
إذهب / إلى قريتك وبث علمك فقد بلغت مبلغ الرّجال فقام بقرية أومة.
وكان خطيبا، فلمّا جاء العيد سأله أهل المحرس أن يخطب لهم ويصلّي بهم العيد فأبى أهل قريته وتشاجروا فأعطى أهل المحرس عكازا وهو القضيب الذي يعتمد عليه الخطيب، وأخذ أهل قريته العكّاز عندهم، فلمّا حضرت صلاة العيد هيّأ أهل كلّ قرية عكّازهم على منبرهم فإذا بالشيخ داخل عليهم فصلّى بهم وخطب لهم، فلمّا التقى أهل القريتين افتخر كلّ على الآخر بصلاة الشّيخ عندهم، فكذّب كلّ منهم الآخر فرجعوا إلى الشيخ، فقال: والله ما صلّيت إلاّ بالحرم الشّريف، ولكنّ الله كشف عن أبصاركم فرأيتموني، فكلّ فريق في بلاده يحسبني بإزائه كالشّمس في فلكها، وكلّ أحد يحسبها في
(658) وأبناء الرقيق ذكرهم العبدري في رحلته ص: 267 بعد رجوعه من الحج، قال:«ثم سافرنا منها (أي قابس) على طريق نقطة وهي موضع على البحر فيها ناس صالحون يعرفون بأولاد الرقيق» . وانتقل فريق من أولاد الرّقيق إلى صفاقس منذ قرون والبعض الآخر ما زال موجودا بنقّطة إلى الآن.
(659)
تقع شمالي بلد نقطة غربي صفاقس.
داره، فمن ثمّ سمّي بأبي عكّازين الرقيق، وتنوسي إسم محمد.
وممّا شاع عند أهل قرية نقّطة أنّ أحفاد الشّيخ لمّا نزلوا نقّطة على شاطئ البحر وسكنوا بها، وعمرت بهم القرية، رآهم النّصارى فهيّؤوا لهم عمارة ثلاثين مركبا وهجموا عليهم ليلا وقاتلوهم قتالا شديدا حتّى مات الرّجال وهم ستّون، وسبي الحريم، فمن جملة الحريم المسبي إمرأة من أحفاد الشّيخ فأوثقوها وأوثقوا عبدها كتافا، فلمّا أراد الكفّار إدخالهم إلى المركب صاحت بعبدها فقال لها: أنا موثوق بالقياد فلا حيلة عندي، فقالت: اجذب يديك ينقطع القياد، ففعل، فانقطع القياد، ثمّ تقدّم لأوّل كافر / فاحتمله وضرب به الأرض، وأخذ سلاحه، وضربت البنت طبلا فسمعه من أراد الله سعادته، ففزع (660) النّاس وبلغ صوته لبعض الصّالحين بأرض السّواسي، فأتى في الحين على جواده ومعه سلوقية (661) فأعان الله المسلمين، وقتلوا الكفّار أشدّ قتلة، ولم يفلت منهم إلاّ من بقي في السّفن، فأقلعوا لمّا أيسوا من رجالهم، ثمّ بعد ذلك أرادوا نقل الشّهداء لمقبرة الشّيخ بالمسعودة، فلم يكن عندهم ظهر للحمل غير ذلك الجواد الذي قدم عليه الرّجل الصّالح من أرض السواسي، فذهب منهم جماعة للحفر والدّفن، وبقي جماعة للتّحميل على الفرس، قيل إنّ الفرس يذهب بنفسه من غير سائق ولا قائد ويرجع كذلك، فكلّما أوصل جانبا رجع، فما فرغوا من الدّفن إلاّ وأتى بجانب إلى أن فرغوا، وكان من جملة القتلى (662) صاحب الجواد فدفن مع جملة القتلى، وماتت الفرس والسلوقية (661) فدفنا معهم.
ومن خاصية تربة هذا الشّيخ أبي عكّازين المشهورة الشّائعة إلى الآن أن من كان من نسله إذا دفنوه قبلته الأرض، ومن كان من غير نسله يصبح منبوذا، حتّى قيل إنّه جاء بعض الصّالحين زائرا فمات ولده فدفنه معهم، فرأى في النّوم قائلا: أنقله، فأبى، فأعيد عليه فأبى، فأصبح مطروحا بأرض قابس، فبعدها لم يتجاسر أحد على الدّفن من غير نسل الشّيخ.
ولم نقف للشّيخ على تاريخ وفاة إلاّ إنّه وجد على قبر من قبور أحفاده: هذا ضريح
(660) أي أنجدهم.
(661)
السلوقي هو الكلب المنسوب إلى سلوق وهي قرية باليمن تنسب إليها الكلاب الجياد السريعة العدو والضامرة البطن.
(662)
في الأصول: «القتلا» .