الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثمّ إن الحاج منصور أعجلته منيّته وبقي ولده قائما بالزّاوية على غاية ما ينبغي، وكان رجلا صالحا فسار بسيرة الصّالحين من العفّة والورع وحسن السّمت والقيام على حقوق الشّريعة المطهّرة كما ينبغي، فقبلته القلوب ومال (710) إليه الخلق وطاعته الملوك، فما توجّه لمطلب إلاّ قبل ونال ما سأل، ثمّ لحظه الشّيخ سيدي علي وجذبه بهمّته، وأمره بامتثال أمر رجل عيّنه له، فقبل الحملة.
وسار سيدي علي - رحمه الله تعالى - إلى عفو الله يوم السّبت ثامن عشر محرّم فاتح سنة ستّ وسبعين وألف (711)، ودفن بزاويته.
ترجمة الولي سعيد بن منصور الوحيشي:
وصار سيدي سعيد إذا أخذه الحال لا يقدر أحد أن يقابله إلاّ ذلك الرّجل الذي عيّنه له الشّيخ، ثمّ إنّه أمره بالتّزوّج فامتثل، فأخذ له بنت محمّد خوجة من الأتراك، وكان ساكنا بالقيروان قرب المسجد الأعظم، فولدت له سيدي أحمد، وسيدي علي نزيل صفاقس، وصار ذلك الرّجل إذا أخذ سيدي سعيد الحال يقوم بشؤونه ويدخله الحمّام ويغسله كما تغسل الوالدة ولدها، وقد يشتدّ الحال بالشّيخ سيدي سعيد فيضرب النّاس بالعذرة، فمن اعتقد وجد ريحها طيّبا حتّى أنّ المرحوم مراد بن حمّودة باشا ضربه مرّة فأصاب ثيابه فحلف / لا يزيلها من ثيابه، وأمر بإدخالها في صندوقه بما فيها، فصار إذا فتح وجد لها طيبا لم يجد مثله.
ومن كراماته أنّه أتاه رجل من أولاد الهاني بامرأة في هودج طالبا للذّرّية، فتلقّاه الشّيخ خارج البلد، وأنزل المرأة فوقع عليها، وصار يدعكها بيديه ورجليه، فلمّا رأى زوجها ذلك أخذ ثوبا وألقاه عليهما، فاجتمع النّاس وصار من لا يعتقد يضحك ويقول لزوجها: رضيت به يفعل بزوجك ويضحكون منه استهزاء به، فلمّا قام الشّيخ كشف لهم عورته فإذا به لا ذكر فيه بل على صورة المرأة، والتفت لزوجها وقال له: سترتنا سترك الله في الدّنيا والآخرة، فارجع بأهلك ولا تدخل القيروان، فرجع وولدت له سبعة ذكور، وما زالت أعقابه إلى الآن مستورين.
(710) في الأصول: «ومالت» .
(711)
31 جويلية 1665 م.
ووقع مرّة بسوق القيروان على حمارة، وظهر لمن لا يعتقد أنّه يعالج الجماع، وأهل الإعتقاد علموا أنّه لأمر لله أعلم به منهم، فقيّدوا ذلك الوقت فإذا بابن صابر السّوسي قادما من الحجار بهدايا وتحف وبيارق وقال: كنا في البحر فانخرقت المركب وأشرفنا على الهلاك، فاستغثنا الله بسيدي سعيد الوحيشي فإذا به واقف على جانب المركب واضعا فرجه على محلّ الخرق منها فانسدّ الخرق، ونجّانا الله تعالى ببركته، فحسب ما مضى من ذلك الوقت إلى زمن الإخبار فإذا به وقت وقوعه على الحمارة.
ولمّا دخل / المرحومان محمّد باي وأخوه علي باي ولدا مراد باي قال سيدي سعيد لعلي باي: ائتني بولدك مراد، وكان في قماطه، فأحضروه فمسكه بيده وجعل يخاطبه ويقول له: يا مراد يكون خلاء القيروان على يديك، يكون قتل العواني الشريف على يديك، أبعد عن زاويتي، يا مراد تفسد في الأرض، وتقتل الناس ظلما وبغيا، وجعل يذكر شنائعه التي صدرت منه بعد في حال كبره (712)، فلمّا سمع أبوه بذلك، قال: لو نعلم يقع (713) هذا منه لقطعت عنقه، فقال له: أتردّ أمرا كان في الكتاب مسطورا؟ فلمّا كبر وقع جميع ما ذكر من شنائع أفعاله.
وروي عن الشيخ الخطيب أبي فارس عبد العزيز الفراتي - رحمه الله تعالى - أنّه كان مجتازا ببعض طرقات القيروان فوجد دكّانا عليه خلق كثير وسيدي سعيد الوحيشي في حال انجذابه، وهو يقرأ آيات من القرآن على غير وجهها، قال: فقلت هذا المجنون هكذا يكسّر كلام الله، فإذا به قد خرج من الحانوت وهو ينادي بأرفع صوته: يرفع كما أنزل يرفع كما أنزل على رغم أنف عبد العزيز الفراتي، قال: فتبت إلى الله ممّا وقع منّي من القول.
وكانت وفاته - رحمه الله تعالى - بمدينة القيروان ليلة الخميس لعشر بقت من شوّال سنة إحدى ومائة وألف (714).
ومات ولده سيدي أحمد بالقيروان ودفن مع أبيه.
(712) هو الظّلوم السّفّاك مراد أبو بالة آخر أمراء المراديين.
(713)
في الأصول: «يوقع» .
(714)
27 جويلية 1690 م راجع تكميل الصّلحاء والأعيان. . .