المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ترجمة الولي أبي عبد الله محمد أبو مغارة: - نزهة الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار - جـ ٢

[محمود مقديش]

فهرس الكتاب

- ‌المقالة الحادية عشرةفي ذكر دولة آل عثمان

- ‌الباب الأولفي ذكر سلاطينهم لوقت التاريخ

- ‌بداية الدولة العثمانية:

- ‌السّلطان أورخان:

- ‌السّلطان مراد خان الغازي:

- ‌السّلطان با يزيد خان الأول:

- ‌السّلطان محمّد خان:

- ‌السّلطان مراد خان الثاني:

- ‌السّلطان محمّد الثاني:

- ‌نبذة تاريخية عن القسطنطينية قبل الفتح العثماني:

- ‌فتح محمّد خان للقسطنطينية وغيرها:

- ‌السّلطان بايزيد خان الثّاني:

- ‌السّلطان سليم خان الأوّل الغازي:

- ‌حركة شاه اسماعيل ومقاومة السّلطان سليم له:

- ‌أخذ سليم الأوّل لبلاد الشّام ومصر:

- ‌أخذ سليم الأوّل لمصر:

- ‌السّلطان سليمان خان الأوّل القانوني:

- ‌سليم خان الثّاني:

- ‌بقيّة سلاطين آل عثمان:

- ‌فضائل العثمانيّين:

- ‌الباب الثّانيفي دخول العساكر العثمانية المنصورة لإفريقية لإنقاذها من أيدي أهل الكفر والضّلال

- ‌الباب الثّالثفي ذكر أمراء تونس من العساكر العثمانية بعد فتح الباشا سنان - رحمه الله تعالى

- ‌عهد الباشوات:

- ‌بداية عهد الدايات:

- ‌ابراهيم داي:

- ‌موسى داي:

- ‌عثمان داي:

- ‌يوسف داي:

- ‌الداي أسطى مراد:

- ‌الداي أحمد خوجة:

- ‌محمد لاز:

- ‌بداية البايات:

- ‌مراد باي وبداية الدولة المرادية:

- ‌الباي حمّودة باشا المرادي:

- ‌الدايات في عهد المراديين:

- ‌مراد باي:

- ‌محمد باي بن مراد:

- ‌محمّد باي الحفصي:

- ‌الفتنة بين محمد باي بن مراد وأخوه علي:

- ‌ علي باي

- ‌الداي أحمد شلبي ودوره فيالفتنة بين الأخوين محمّد باي وعلي باي:

- ‌فتنة أحمد شلبي وإتّفاق الأخوينمحمّد باي وعلي باي على قتاله:

- ‌نهاية علي باي:

- ‌عود إلى أخبار محمد باي:

- ‌فتنة محمّد بن شكر:

- ‌فتنة الداي محمّد طاطار:

- ‌عود إلى أخبار محمّد باي:

- ‌رمضان باي:

- ‌مراد باي بن علي:

- ‌ إبراهيم الشّريف

- ‌حسين بن علي وقيام الدّولة الحسينية:

- ‌الفتنة الحسينية الباشية:

- ‌علي باشا بن محمّد:

- ‌فتنة يونس باي:

- ‌محمد بن حسين بن علي:

- ‌علي باشا إبن حسين بن علي:

- ‌حمّودة باشا الحسيني:

- ‌الخاتمة:

- ‌الباب الأوّلفي ذكر وضعها وما يتعلّق بذلك

- ‌تأسيس سور صفاقس:

- ‌الجامع الكبير:

- ‌السّقاية:

- ‌الربض القبلي:

- ‌كسوف بالشمس:

- ‌الطّاعون وأثره:

- ‌صوف البحر:

- ‌آراء بعضهم في صفاقس:

- ‌الباب الثّانيفي ذكر ولاّتها

- ‌إستقلال حمّو بن مليل بصفاقس:

- ‌ولاّتها بعد فتح تميم بن المعز لها:

- ‌ولاّتها أيّام الموحّدين:

- ‌ولاّتها أيام الدّولة الحفصية:

- ‌إستقلال المكّني بها:

- ‌إبن عطية جلي:

- ‌إبن الإنكشاري:

- ‌الباب الثّالثفيما وقع لأهل صفاقس من الجهاد في هذه الأعصار المتأخّرة

- ‌حروب صفاقس مع مالطة:

- ‌حروب صفاقس مع البلنسيان:

- ‌الباب الرّابعفي ذكر بعض أهل الخير والصّلاح من العلماء والأولياء المتقدّمين بصفاقس ووطنها

- ‌مفهوم الولي والكرامة:

- ‌ترجمة أبو خارجة عنبسة:

- ‌ترجمة القاضي عيسى بن مسكين:

- ‌ترجمة الشّيخ أبي إسحاق الجبنياني ومناقبه:

- ‌ترجمة الأديب عبد الله الجبنياني:

- ‌ترجمة الفقيه أبي القاسم عبد الرّحمان اللبيدي:

- ‌ترجمة أبي عمرو عثمان الصّدفي المعروف بابن الضّابط:

- ‌ترجمة الشّيخ أبي حفص عمر القمّودي:

- ‌ترجمة الشّيخ أبي الحسن علي اللخمي:

- ‌ترجمة الشّيخ أبي القاسم عبد الخالق السّيوري:

- ‌ترجمة الشّيخ أبي يحيى زكرياء إبن الضابط:

- ‌ترجمة الشّيخ أبي بكر الفرياني:

- ‌ترجمة عبد الله الفرياني:

- ‌ترجمة الشّيخ عبد الرّحمان الطّبّاع:

- ‌ترجمة الشّيخ طاهر المزوغي:

- ‌ترجمة الشّيخ أبي مدين شعيب:

- ‌ترجمة الشّيخ أبي الحسن علي المزوغي:

- ‌ترجمة الشّيخ أبي الحسن علي المحجوب:

- ‌ترجمة الشّيخ طاهر بن عبد الواحد المزوغي:

- ‌ترجمة الشّيخ الولي عبّاس الجديدي:

- ‌ترجمة المرابطة السّتّ أم يحيى مريم وشيخها أبي يوسف الدّهماني:

- ‌ترجمة الشّيخ عبد الواحد إبن التّين:

- ‌ترجمة الشّيخ الولي سيدي جبلة:

- ‌ترجمة الشّيخ علي بن عبد النّاظر:

- ‌ترجمة الشّيخ أبي الحسن علي بن عبد الكافي:

- ‌ترجمة الولي إبراهيم بن يعقوب المعروف بصيد عقارب:

- ‌ترجمة الشّيخ أبي الحسن علي العبيدلي:

- ‌تتمّة ترجمة الولي إبراهيم بن يعقوب: صيد عقارب:

- ‌ترجمة الشّيخ نصير بن حامد، حفيد صيد عقارب:

- ‌ترجمة الشيخ سيدي عبد الله:

- ‌ترجمة الشّيخ أبي بكر القرقوري مع التعرّض لشيخيه: الجديدي والشبيبي:

- ‌ترجمة الشّيخ أبي عبد الله الأنصاري شهر الصّفّار:

- ‌ترجمة الشّيخ إبراهيم الصفاقسي:

- ‌ترجمة الشّيخ الولي علي الكرّاي:

- ‌تعريف بالسّادة الوفائية:

- ‌تتمّة ترجمة الشّيخ علي الكراي:

- ‌ترجمة الشّيخ عمر الكرّاي:

- ‌ترجمة الشيخ محمد الكراي:

- ‌ترجمة الشّيخ علي بن عمر ابن الشّيخ علي الكرّاي:

- ‌ترجمة الشّيخ أبي الحسن الكرّاي:

- ‌ترجمة الشّيخ أبي عبد الله محمّد المرّاكشي:

- ‌ترجمة الشّيخ الولي عيسى بن عمران البلوي:

- ‌ترجمة الشّيخ مخلوف الشّرياني:

- ‌ترجمة الولي محمّد الرّقيق أبي عكّازين:

- ‌ترجمة الشّيخ منصور بن عبد الله القرقوري:

- ‌ترجمة الشّيخ أبي محمّد عبد الله الأومي:

- ‌ترجمة الولي منصور الغلام:

- ‌ترجمة الشّيخ أبي الحسن علي الوحيشي:

- ‌ترجمة الولي سعيد بن منصور الوحيشي:

- ‌ترجمة الشّيخ علي بن سعيد بن منصور الوحيشي:

- ‌ترجمة الشّيخ أحمد الحكموني:

- ‌ترجمة الشّيخ أبي عبد الله محمّد الحكموني:

- ‌ترجمة الشّيخ أبي الحسن علي النّوري:

- ‌ترجمة الشّيخ أحمد النّوري:

- ‌ترجمة الشّيخ أبي الحسن علي المؤخّر:

- ‌الشّيخان: الجمل والحرقاني:

- ‌ترجمة الشّيخ أبي عبد الله محمّد الغراب:

- ‌ترجمة الشّيخ أبي عبد الله محمّد المكّي:

- ‌ترجمة الشّيخ رمضان أبو عصيدة:

- ‌ترجمة الشّيخ أبي إسحاق إبراهيم المزغنّي:

- ‌ترجمة الشّيخ أبي الحسن علي بن خليفة:

- ‌ترجمة الشّيخ أبي عبد الله محمّد كمّون:

- ‌ترجمة الشّيخ أبي عبد الله محمّد الفراتي:

- ‌ترجمة الشّيخ أبي عبد الله محمّد البجّار:

- ‌ترجمة الشّيخ محمّد الخميري:

- ‌ترجمة الشّيخ محمّد النّوري:

- ‌ترجمة الشّيخ محمّد حامد النّوري:

- ‌ترجمة الشّيخ عبد العزيز الفراتي:

- ‌ترجمة الشّيخ الولي عبد الله الجمّوسي:

- ‌ترجمة الشّيخ أحمد الفراتي:

- ‌ترجمة الشّيخ عبد العزيز الفراتي:

- ‌ترجمة الشّيخ عبد الرّحمان الفراتي:

- ‌ترجمة الشّيخ عبد السّلام الفراتي:

- ‌ترجمة الشّيخ محمّد بن المؤدّب الشّرفي:

- ‌ترجمة الشّيخ أحمد الشّرفي:

- ‌ترجمة الشّيخ أبي محمّد حسن الشّرفي:

- ‌ترجمة الشّيخ أحمد بن محمّد الشّرفي:

- ‌ترجمة الشّيخ طيّب الشّرفي:

- ‌ترجمة الشّيخ أحمد بن أحمد الشّرفي:

- ‌ترجمة الشّيخ أبي عبد الله محمّد بن حسن الشّرفي:

- ‌ترجمة الشّيخ محمّد المغربي:

- ‌ترجمة الشّيخ علي ذويب:

- ‌ترجمة الشّيخ محمّد الزّواري:

- ‌ترجمة الشّيخ أبي عبد الله محمّد المصمودي:

- ‌ترجمة الشّيخ عبد الرّحمان بكّار:

- ‌ترجمة الشّيخ إبراهيم الخرّاط:

- ‌ترجمة الشّيخ أبي الحسن علي الأومي:

- ‌ترجمة الشّيخ الأديب أبي الحسن علي الغراب:

- ‌ترجمة الشّيخ أبي الحسن علي المصمودي:

- ‌ترجمة الشّيخ أبي إسحاق إبراهيم الجمّني:

- ‌ترجمة الشّيخ عمر بن محمّد الجمّني:

- ‌ترجمة الشّيخ أبي إسحاق إبراهيم بن محمّد الجمّني:

- ‌ترجمة الشّيخ أحمد بن عليابن عبد الصّادق الطرابلسي الحامدي:

- ‌ترجمة الشّيخ علي بن الشّاهد المنيي:

- ‌ترجمة الشّيخ الولي محمّد عبّاس:

- ‌ترجمة الولي عمر كمّون:

- ‌ترجمة الولي شعبان زين الدّين:

- ‌ترجمة الولي أبي عبد الله محمّد المسدّي:

- ‌ترجمة الولي أبي الفوز سعيد حريز:

- ‌ترجمة الولي أبي الحسن علي الجراية:

- ‌ترجمة الولي أبي عبد الله محمّد أبو مغارة:

- ‌ترجمة الولي أبي العبّاس أحمد التّاجوري:

- ‌خاتمة النّاسخ:

- ‌فهرس‌‌ المصادر والمراجع

- ‌ ا

- ‌ ب

- ‌ت

- ‌ح

- ‌ج

- ‌خ

- ‌د

- ‌ر

- ‌س

- ‌ ذ

- ‌ ز

- ‌ ش

- ‌ ط

- ‌ ص:

- ‌ض:

- ‌غ

- ‌ ع

- ‌ ف

- ‌ ق

- ‌ل

- ‌م

- ‌ك

- ‌ ن

- ‌و

- ‌ه

الفصل: ‌ترجمة الولي أبي عبد الله محمد أبو مغارة:

فيستمع للتّلاوة ويبكي ويظهر الخشوع والبكاء / والتّضرّع، فإذا سمع آية رحمة فرح واستبشر وبسط يديه للسّؤال، وإذا سمع آية عذاب غلبه الفزع والرّعب وأشار بيده إلى الإستعاذة منها. وكان محبا لكثرة الصّلاة محافظا على الفرائض في أوقاتها، محبّا لسماع الصّلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان محبّا للشّيخ سيدي طيّب الشّرفي رحمه الله وللشّيخ فيه اعتقاد زائد، وكانا يتزاوران كثيرا، فإذا احتجب زاره الشّيخ في داره، وإذا خرج زار الشّيخ في مدرسته إن وجده وإلاّ ففي داره، وإذا كان يوم جمعة قرأ له الشّيخ دلائل الخيرات فيستمع له ويظهر السّرور عند سماع ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولمّا توفّي صار الشّيخ يذهب يوم الجمعة إلى ضريحه فيقرأ بإزاء قبره. وبعد وفاة الشّيخ رحمه الله قام ولده الشّيخ سيدي عبد الرّحمان رحمه الله مقام والده فيذهب لضريح الشّيخ الجرّاية فيقرأ دلائل الخيرات كوالده - رحمة الله على الجميع -

ولمّا حضرت وفاته توجّه إلى القبلة بنفسه وأطبق عينيه وفاه بنفسه بعد أن أوصى أن يتولّى غسله، وكفنه الشّيخ سيدي طيّب الشّرفي، وتشهّد كلمة الحقّ وفارق الدّنيا - رحمة الله عليه - سابع ربيع أوّل المشرّف بولادته صلى الله عليه وسلم سنة خمس وتسعين ومائة وألف (645) وله من العمر أربعون سنة. وكتب بعضهم على تابوته قوله:

[الطّويل]

فهذا الّذي قد كان يعبد ربّه

ويخشى إلى أن مات في خلواته /

حليف التّقى والصّوم والصّمت دهره

ففيها نجاة المرء من هفواته

لقد مات في تسعين مع خمس خلت

وألف ومائة قل ذاك عام وفاته

‌ترجمة الولي أبي عبد الله محمّد أبو مغارة:

وممّن رأيناه وعرفناه من مجاذيب الوقت الرّجل الصّالح العارف بالله تعالى أبو عبد الله سيدي محمّد أبو مغارة إبن الرّحّال السوسي.

كان في ابتداء أمره قدم من بلد السّوس إلى صفاقس فأقام بها وحفر مغارة في وسط المقابر فينزل إليها ويبيت بها ليلا وحده منفردا فيدخل البلد نهارا يطلب قوته، فإذا جنّ اللّيل خرج وبات بها، فمن ثمّ سمّي أبا مغارة. ثمّ أخذ يتعلّم الحروف حتّى تمرّن عليها

(645) 2 مارس 1781 م.

ص: 462

واستخرج الخطّ كما يتعلّم الأطفال من غير داع يدعوه بل سوق إلاهي، فلمّا استمرّ على الخطّ صار لا يسمع بآية من كتاب الله واعظة زاجرة إلاّ كتبها، وكتب سورة «يس» و «المفصل» ، وأضاف إلى ذلك مواعظ بعض الصّالحين ممّا يناسب تلك الآيات الكريمة كقوله:

[مجزوء الرمل]

إنّما الدّنيا كبيت

نسجتها (646) العنكبوت

إنّما يكفيك منها

أيّها الرّاحل قوت

ثمّ بعد مدّة إنتقل لجربة، فحفر بها مغارة تحت الأرض كما فعل بصفاقس، ونزل بحفرها حتّى وصل الماء فوجده عذبا فصار يملأ منها ويسقي النّاس مجانا.

وله إشارات كثيرة، فمنها أنّه إذا ملأ الماء وصبّه على وجه الأرض إستبشر النّاس بقرب نزول الغيث، فإن صبّ كثيرا نزل الغيث الكثير، وإن صبّ قليلا نزل القليل، وإذا صرخ في الأسواق دلّ على نزول بلاء بالمسلمين / جرّب مرارا فصحّ، وكان يكثر الغلث (647) في إشاراته ولا يفهمها إلاّ من مارسه، وربّما لا تفهم إشاراته إلاّ بعد وقوع ما أشار به، فمن إشاراته أنّه وقعت قرّة شديدة بالشّتاء بات النّاس منها في كرب فأصبح الشّيخ مصفرّ الوجه من شدّة البرد لأنّه كثيرا ما يدخل البحر لغسل ما يلحقه من الوسخ والقمل، فيأتي المحاويج (648) فيأخذون ثيابه ولا يتركون منها إلاّ ما يواري السّوءة فيلبسه ويدخل الأسواق فيكسوه أهل الخير، فلما نزلت القرّة أذاه البرد أذى شديدا، فجاء وجلس بجانبي واشتكى البرد وتمنّى ما يقي به مهجته من الثّياب، وكنت في شغل، فخطر في بالي أنّي إذا أفضيت (649) أذهب إلى محلّي أعطيه برنسا قديما كان عندي، فما استتممت الخاطر إلاّ وهو ينادي، وكان يسمّيني بسيدي عبد العزيز التّبّاع، وقال لي: هل تعرف مناسك الحج؟ فقلت: نعم! فقال: كم أركانه؟ فقلت: قل نسمع، وقلت: لعلّه يتكلّم بكلام غير ما يقوله (650) الفقهاء، فقال: هي أربعة، فقلت: نعم، وهي كذلك، فقال:

أوّلها الإحرام، والإحرام يمنع المخيط بالعضو، فقلت: نعم، ثمّ دخل وخرج وزاد في

(646) في الأصول: «أنسجتها» .

(647)

أي التخليط.

(648)

ج محتاج.

(649)

أي صار لي من الوقت فراغ.

(650)

في الأصول: «يقله» .

ص: 463

الكلام لغوا ثمّ رجع وقال: الجديد يحبّه الرّبّ، ويفرح به القلب، ثمّ دخل في كلامه وخرج وجعل يكرر الإحرام وممنوعاته فسرى ذهني للبشارة بحجّ جديد، ثمّ فكرت في مقتضى الحال الموجب لكلامه فإذا هو البرد / وأنّي خطر ببالي أنّي نكسوه برنسا قديما فهذه إشارة منه لترك هذا البرنس لأنّه مخيط قديم، وأنّه يطلب عباءة جديدة كما يلبسه المحرم، فلمّا استقر في ذهني هذا المعنى التفتّ إليه وقلت له: أركان الإحرام أربعة نشير إليه أنّي قد فهمت إشارته، فأعرض عنّي وكأنّه لم يصدر منه ما قال، ثمّ خاطب نفسه مكنيا عني بقوله: هذا ما بقي يفوته شيء، قاع، ولفظة قاع (651) يستعملها أهل السّوس (652) لمعنى الإحاطة والشّمول فكأنّه يقول: لا يفوته شيء من الأشياء كلّها، فلمّا فهمت مراده إشتريت عدّة عبائن (653) وخيّرته في جميعها فاختار واحدة تليق بحاله فأخذها ودعا بخير وانصرف.

ومن إشاراته أنّي كنت خائفا فوات شيء يترتّب عليه ضرر كثير في الدّين والدّنيا، وتحيّرت من ذلك كثيرا مدّة، وارتقبته فأبطأ مجيئه ولحقني من ذلك حرج في الصّدر، وفكّرت في شأنه ليلا ونهارا حتّى أقلقني وطلبت من الله الخلاص وتطمين السّرّ، ولم يطلع على سرّي إلاّ علاّم الغيوب، فبينما أنا جالس ذات يوم وإذا به ينادي: من يكسوني قميصا يرى الآية الكبرى، فنادى بذلك فلم يجبه أحد ولا فهم له أحد مقصودا، فألهمني الله إلى مراده وقلت: هذا رجل من رجال الله ساقه الله وكانت ليلة عيد الفطر، وهذا عريان يطلب سترا، ولعلّ الله / يجعل على يديه الفرج وهذا بشارة من الله بحصول المقصود، فلا بدّ من جبره لعلّ الله يجبرنا، فناديته وقلت له: أحقّا ما تقول؟ فقال:

نعم، نعم، نعم، فأكّدت عليه، فقال: جرّب ترى، فناولته قميصا جديدا يليق به وأكملت (654) بقيّة يومي ونمت وأنا بين اليأس والرجاء، فو الله ما أصبح الصّبح إلاّ وقد أتى البشير بحصول المقصود فكان يوم سرور بعيد الإسلام وبحصول ما كنت خائفا فواته.

ومنها أنّه دخل عليّ خارجي (655) حال قراءتي مختصر الشّيخ خليل (656) وباحثني في

(651) القاف المعقدة كالجيم المصرية والذي سمعناه من المغاربة «قع» بدون ألف.

(652)

يستعملها أهل المغرب الأقصى قاطبة لا خصوص أهل السّوس.

(653)

عباءة، وفي ط:«عبيان» .

(654)

في ط: «كملت» .

(655)

أي إباضي.

(656)

بالزّاوية المرادية بجربة.

ص: 464

مسألة الكلام، وقال: كيف تقولون بقدم كلام الله، والله يقول: ذكر محدث (657) فأجبته بأن الحدوث في تنزيله ولا يلزم منه حدوثه في نفسه فإنّ المعنى القائم بالذّات الأقدس باق على ما هو عليه من القدم، والحادث هو التّنزيل على أنّ النّازل اللّفظ الدّال عليه، ونزول اللّفظ الدّال نزول المعنى من حيث الدّلالة، فالحادث والنّازل هو اللفظ، ثمّ أكثر من تخليطاتهم، وأجبته عمّا سأل فخرج وانصرف وبقيت كالمتفكّر في هذا المذهب وفي حال أهله، وتعجّبت من قوم يرغبون بأنفسهم عن المنهج القويم ويرضون لأنفسهم بشنائع البدع، فما مضت ساعة أو ساعتان فإذا به قادم من السّوق كأنّه طالب لأمر أو كأنّ سائقا يسوقه وهو يتلو قوله تعالى {قُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} (658){وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ} (659) فحمدت الله وازددت يقينا وتحقّقت أنّ مذهب السّنّة لا يعلمه إلاّ خواص خلق الله، ورسخت مسائل السّنّة في قلبي رسوخا أغنى عن الدّليل من حيث أنّ الله أطلع هذا الشّيخ عن هذا الخاطر وألهمه للنّطق بهذه الآية الكريمة المناسبة لحال ما كنّا فيه، وتبيّن لي أنّه من الرّجال العارفين بالله، القائمين على الحقّ ومذهب السّنّة.

ومنها أنّي كنت متوجّها لبرّ المشرق (660) فجاء بعض الإخوان وقال لي: قم لنأخذ خاطر الشّيخ وتحصل لنا بركة زيارته، ومن عادته أنّه لا يحب من يأتيه لمكانه مخافة كثرة النّاس عليه، ولأنّه إذا كشف الله له عن شيء من حال أحد وسخّره الله للإعلام به قصده وأشار إليه من غير أن يتعرّض له السائل وإن لم يطلعه أو لم يسخّره فلا فائدة في السّؤال، فلمّا رآنا قادمين عليه أظهر الإعراض عنّا وكأنّه ما رآنا ولا عرفنا قطّ، وكان كثيرا ما ينشد كلام العارفين بالله ويتواجد بذلك، وكان رفيقي يعرف من ذلك الكلام الّذي يقوله الشّيخ ويتواجد به، فلمّا رآى إعراض الشّيخ تكلّم صاحبي بذلك الكلام على الصّناعة الّتي يقول الشّيخ بها فإذا بالشّيخ تلقّف ذلك الكلام وصار يقول هو بنفسه واعتراه حال وتمادى في كلامه وحاله، فلمّا فرغ وسكن ما به إنبسط لنا بعض انبساط فعند ذلك قال له / زوّد أخانا هذا صالح دعائك، فإنه متوجّه للسّفر، فقال: أعطاه

(657) مستوحاة من الآية 2، سورة الأنبياء، أو من الآية 5، سورة الشّعراء.

(658)

سورة لقمان: 25.

(659)

سورة يوسف: 21.

(660)

في ش: «إلى المشرق» .

ص: 465

الصّالحون إثنتي عشرة خبزة، وبسط يديه للدّعاء والفاتحة، وبسطنا أيدينا لذلك، فدعا ما تيسّر وقرأنا فاتحة الكتاب وانصرفنا، فلم ندر هذه الإثنتي عشرة ما هي، بل ولم نلتفت إليها كبير التفات، فلمّا عملنا على السّفر إستعمل الأهل خبزا للسّفر فلمّا أحضروه عدّوه من غير وعد ولا سؤال وأنا أنظر فإذا هو إثنتا (661) عشرة خبزة. فلمّا شرعنا في السّفر جعلنا نأكل كلّ يوم واحدة فما فرغت الإثنا (661) عشرة خبزة إلاّ وإسكندريّة أمامنا في إثني عشر يوما، وكان ربح المال إثني عشرة مائة، ومدّة الغيبة عن الأهل إثني (662) عشر شهرا.

ومن إشاراته أنّي تزوّجت بصفاقس، ودخلت جربة بعد ذلك فجلست بإزاء بعض الإخوان فإذا بالشّيخ وارد علينا، وسأل الأخ: أين كان هذا؟ فقال له: تزوّج بصفاقس، فقال له الشّيخ: أعطوه ناصريا وموزونتين فلم نلتفت لقوله ولم نفهم مراده، فقال ذلك الأخ: لا تلد لك هذه المرأة إلاّ ولدا ذكرا وبنتين، فو الله ما وقع إلاّ ما أشار إليه، وانتقلت لرحمة الله بالطّاعون.

ولقيته يوما في مكان خال فوقف وقال: كانت شينة وتعود إن شاء الله زينة، وكرّر ذلك فعلمت أنّ الله ساقه لي وأنّ هذه بشارة بالهداية في ساعة إجابة، فسألته الدّعاء الصّالح زيادة على ما قال، فزادني / فمن تلك السّاعة والحمد لله أقبل الله بقلبي للخير ولم نزل (663) نجد بركة ذلك الدّعاء وإنّا نتوسّل إلى الله العظيم بنور وجهه الكريم، وبنبيّه الرّحيم، وبملائكته المقرّبين، والشّهداء والصّالحين أن نقبل (664) بقلوبنا لما يحبّه ويرضاه.

وكان - رحمه الله تعالى - يطلب قوته من النّاس، وقد يسأل شيئا معيّنا فتارة يعين قليلا وتارة يعين كثيرا، وعادة النّفس أن تسمح بالقليل وتبخل بالكثير، فيقول: لا عليك، القليل بالمكسب القليل، والكثير بالكثير، فو الله ما يكون إلاّ ما يقول، فلمّا جربنا ذلك صرنا نتمنى أن يسأل الكثير لأنّ النفس تحبّ المال حبّا جمّا ولا يرغب أحد عن فضل الله. هذا بعض ما شاهدت من إشاراته ولو تتبّعنا جميعها لطال بنا الحال، وفي هذا القدر كفاية.

ومن أغرب ما وقع أنّه قدم أبناء جلود قيادا على جربة، وسعوا في قطع أعيان أهل

(661) في الأصول: «إثني» .

(662)

في ش: «إثنتي» .

(663)

ساقطة من بقية الأصول.

(664)

في الأصول: «يقبل» .

ص: 466