الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان عفيف البطن منزّها عن المسكرات، عفيف الفرج إلاّ ما أباحه الله، ولا عيب فيه، إلاّ أنّه كان يلبس خشن الثيّاب تحت ثياب الملك ليذوق مع فقراء المساكين ما هم فيه ويتذكّرهم ولا يغفل عنهم، وكان رحيم القلب ليس بفظّ ولا غليظ ولا سخّاب في الأسواق، ولا يجزي بالسّيّئة السّيّئة ولكن يعفو ويصفح، وهذه من أخلاق النبوة، وكل من خرج عن طاعته رجع إليه باختياره لما يعلم من حلمه فيأتيه ويعترف بذنوبه، فيعفو عنه ويكرمه ولا يوبّخه ولا يعاتبه سجيّة طبعه الله عليها وطوّع له بها جميع رعاياه.
وفي سنة أربع وثمانين (606) قدمت (607) مراكب الفرنسيس محاربين (608) فرموا على بنزرت بالبونبة شيئا كثيرا، ورموا على سوسة كذلك، فأضرّوا بالبلدين، ثمّ قمع الله شرّهم وقطع ضررهم بوقوع الصّلح.
حمّودة باشا الحسيني:
وفي سنة ستّ وتسعين ومائة وألف (609) حضرت وفاة سيدي علي باشا باي - رحمه الله تعالى - على فراشه، آمنا مطمئنّا على سنّ عالية، قرير العين، ودفن بتربته المعدّة لدفنه بمدرسته، فحزن النّاس لموته، ولكن قلوبهم آمنة مطمئنة بنجله الأسعد سيدي حمّودة باشا / - دام (610) علاه -، فجدّد النّاس له البيعة، فكانت تعزيته مقرونة بتهنئة البيعة العامّة، ولم يتخلّف عنها أحد، وأتت الوفود، وقصده النّاس من كلّ فجّ عميق، فأحسن وفادتهم وأكرم نزلهم، فهو سلطان وقتنا أقرّ الله به أعيننا، وأمّن به أوطاننا
(606) 1770 - 1771 م.
(607)
في الأصول: «قدم» .
(608)
يرجع سبب التّنافر الحاصل بين تونس وفرنسا إلى إحتلال فرنسا لجزيرة كورسيكا ممّا أضرّ بالمصالح التّونسيّة والإخلال بالعقد المتعلّق بصيد المرجان بطبرقة، كما ترجع إلى قضيّة فرعيّة تتعلّق بعدم إحترام مركب فرنسي لمركب تونسي في عرض البحر خلافا لما تقتضيه العادات الجارية. أنظر مثلا الإتحاف 2/ 166 - 170. وشارل جوليان:
(Ch. A. Julien: Histoire . . . ،2/ 300) .
(609)
يوم السبت 13 جمادى الثّانية / 26 ماي 1782 م، ومدّة ولايته 24 سنة وكانت ولادته في شوّال سنة 1126 / نوفمبر 1714 م (أنظر إتحاف أهل الزمان 2/ 178).
(610)
في ش: «أدام» .
وأرضنا، أدام الله علاه، ونصره على من ناواه، فسار سيرة (611) آبائه الكرام، وقام بالأمر أحسن قيام، فأمنت البلاد واطمأنّت العباد، وساسهم بلطف، واجتنب الشدّة والعنف، وفّقنا الله وإيّاه لما يحبّه ويرضاه، وأدام الله في أمن وعافية أيّامه، وثبّت على نهج الهدى والتّقوى أقدامه.
ومن مزاياه الجليلة وأخلاقه الجميلة أنّه جمع شمل عترته من إخوته وبني أعمامه وكلّ من ينتمي لنسبه الكريم، وأنزلهم في المقام الأعظم والمبرّة والإحترام، والتّشريف والإكرام، فاتّحدت الكلمة، وتمّت عليهم وعلى الرّعيّة النّعمة، وماتت شياطين الإنس والجنّة، وانقطعت المظالم والظّلمة، وانطفأت (612) نيران الفتنة، ولله الحمد والمنّة، والصّلاة والسّلام على نبيء الرّحمة، وعلى آله وأصحابه هداة هذه الأمّة، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم القيامة والرّحمة (613). /
(611) في ط: «سريرة» .
(612)
في الأصول: «انطفت» .
(613)
[ثمّ أدركته منيّته فانتقل إلى رحمة الله تعالى رحمه الله تعالى برحمته الواسعة فكانت وفاته رحمه الله أوّل يوم من شوّال المبارك سنة تسع وعشرين ومائتين وألف، فكان رحمه الله من يوم توليته دار الملك إلى يوم وفاته ثلاثة وثلاثين سنة إلاّ ثمانية أشهر. تولّى الملك بعده سيدي عثمان باشا باي فأقام في الملك ثلاثة أشهر وإثني عشر يوما من السّنة المذكورة فأدركته منيته فتولّى الملك بعده سيدي محمود باشا باي ابن سيدي محمد باي وهو أمير عصرنا سنة ثلاثة وثلاثين ومائتين وألف، نصره الله وأدام أيّامه وأيّد بالعدل أحكامه، فهو حليم كريم، أقرّ الله به أعيننا، وأمّن به أوطاننا، فسار على سيرة آبائه الكرام، وأقام بالأمر أحسن القيام، فأمنت البلاد واطمأنّت العباد، وساسهم بلطف، واجتنب الشّدّة والعنف، وفّقنا الله وإيّاه لما يحبّه ويرضاه وهذا آخر ما قصدناه في هذا الكتاب من الكلام في هذا الباب والحمد لله وكفا بالله وكيلا].
هذه الزّيادة موجودة في ط وت وب، وفي مكانها في ش بياض، وقد جعلناها بالهامش لأنّنا أثبتنا في مقدّمة الكتاب أنّ المؤلّف توفّي قبل وفاة حمّودة باشا، وقد تكون هذه الزيادة من ناسخ إعتمدته النّسخ المشار إليها.