الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولسنا بصدد إحصاء آيات العلم والتعليم والعلماء في القرآن الكريم، فإنَّ المقام لا يتسع لذلك، وإنما الغاية أنْ نعرف موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من العلم والحث على طلبه، وتشجيعه للعلماء وطلاب العلم على ممارسة التعليم والتعلم، فنطَّلع على سُنَّته عليه الصلاة والسلام في ذلك، لأنَّ لهذا أثرًا بعيدًا في حفظ «السُنَّةِ» إلى جانب القرآن الكريم. وإنَّ ما سنعرضه الآن إنما هو غيض من فيض.
1 - حَضُّ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم عَلَى طَلَبِ العِلْمِ:
بيَّنَ الرسول صلى الله عليه وسلم منزلة العلم وحض على طلبه فقال: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» (1) وقال صلى الله عليه وسلم: «فَقِيهٌ وَاحِدٌ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ» (2)، وجعل العلم ركنا من أركان الخير وَمَيَّزَ الناس به فقال:«النَّاسُ مَعَادِنُ، خِيَارُهُمْ في الجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ في الإسْلَامِ إِذَا فَقهُوا» (3).
وجعل طلب العلم الشرعي الذي يحتاج إليه المسلم ليقيم أمور دينه فريضة على المسلم فقال عليه الصلاة والسلام: «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» (4).
(1) رواه الإمام أحمد عن أبي هريرة في " مسنده ": ص 180 حديث 7193 جـ 12، إسناده صحيح. ورواه الطبراني في " الصغير " ورجاله رجال الصحيح، انظر " مجمع الزوائد ": ص 121 جـ 1 و" سنن ابن ماجه ": ص 49 جـ 1، وأخرجه البخاري في " صحيحه " في غير موضع مسندًا ومعلقًا على صيغة الجزم فهي في حكم المسند.
(2)
رواه ابن ماجه: ص 50 جـ 1 وذكره ابن عبد البر في " جامع بيان العلم ": ص 26 جـ 1 كما أخرجه الترمذي.
(3)
رواه الإمام أحمد عن جابر بن عبد الله، انظر " مجمع الزوائد ": ص 121 جـ 1 وقال: رجاله رجال الصحيح، وانظر " جامع بيان العلم ": ص 18 جـ 1.
(4)
" سنن ابن ماجه ": ص 50 جـ 1، رواه أنس عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
وأما العلوم الأخرى التي يحتاج إليها المسلمون في حياتهم فهي من باب فرض الكفاية، يأثم جميع المسلمين إذا احتاجوا إلى علم ولم يوجد بينهم من يكفيهم إياه، ثم لَا يَتَحلَّلُونَ من ذلك حتى يَسُدُّوا ذلك النقص.
وجعل العلم من الأمور التي يغتبط فيها ويتنافس في مضمارها فقال صلى الله عليه وسلم: «لَا حَسَدَ إِلَاّ فِى اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ أَتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِى الْحَقِّ، وَآخَرُ أَتَاهُ اللَّهُ حِكْمَةً، فَهُوَ يَقْضِى بِهَا وَيُعَلِّمُهَا» (1).
وحثَّ صلى الله عليه وسلم المسلمين على أنْ يكون لكل منهم نصيب مِنَ العلم فقال: «اغْدُ عَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا أَوْ مُسْتَمِعًا أَوْ مُحِبًّا، وَلَا تَكُنِ الْخَامِسَةَ فَتَهْلَكَ» (2)، قَالَ عَطَاءٌ: قَالَ لِي مِسْعَرُ: «زِدْتَنَا خَامِسَةً لَمْ تَكِنْ عِنْدَنَا، وَالخَامِسَةَ أَنْ تَبْغَضَ العِلْمَ وَأَهْلَهُ» .
وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يحض أصحابه على تفهم أمور دينهم، ويأمرهم أَنْ يسألوا عما يجهلونه، ويمنعهم أنْ يفتوا من غير علم، ومن ذلك ما رواه عبد الله بن عباس: أَنَّ رَجُلاً أَصَابَهُ جُرْحٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَدْ أَصَابَهُ اِحْتِلَامٌ، فَأُمِرَ بِالاِغْتِسَالِ فَمَاتِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فقال:«قَتَلُوهُ!! قَتَلَهُمُ اللَّهُ!! أَلَمْ يَكُنْ شِفَاءُ الْعِىِّ السُّؤَالَ؟!» (3).
(1)" مسند الإمام أحمد " عن عبد الله بن عباس: ص 78 حديث 4109 جـ 6، إسناده صحيح. ورواه البخاري ومسلم، وانظر " جامع بيان العلم ": ص 17 جـ 1. والمراد بالحسد هنا الغِبْطة وهي أنْ يتمنَّى المرءُ مثل ما عند غيره من غير أن يتمنَّى زواله عنه، وأما الحسد فهو أنْ يتمنَّى زوال النعمة عن غيره لتكون له وهو مُحَرَّمٌ في الإسلام ونهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(2)
" مجمع الزوائد ": ص 122 جـ 1 ورجاله موثوق بهم، وقد رواه الطبراني في " معاجمه الثلاثة "، والبزار.
(3)
" مسند الإمام أحمد: ص 22 حديث 3057 جـ 5 بإسناد صحيح. وأخرج أبو داود عَنْ جَابِرٍ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: «خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ فَأَصَابَ رَجُلاً مِنَّا حَجَرٌ فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ ثُمَّ احْتَلَمَ، فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ: " هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ؟ " فقالوا: " فَقَالُوا: مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى المَاءِ، =
ولم يقتصر حض رسول الله لأصحابه على طلب العلم الشرعي من خلال القرآن والسُنَّةِ الطاهرة، بل دعاهم إلى كل علم يفيد المسلمين، حتى إنه أول ما قدم المدينة، وسمع من زيد بن ثابت بضع عشرة سورة من القرآن، وهو صغير السن أعجب به، وأمره أن يتعلَّم لغة اليهود، فقال:«يَا زَيْدُ تَعَلَّمْ لِي كِتَابَ يَهُودَ، فَإِنِّي وَاللَّهِ مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابِي» وفي رواية: «إِنِّي أَكْتُبُ إِلَى قَوْمٍ فَأَخَافُ أَنْ يَزِيدُوا عَلّيَّ أَوْيُنْقِصُوا، فَتَعَلَّمَ السُّرْيَانِيَّةَ» قَالَ زَيْدٌ: «فَتَعَلَّمْتُهَا فِي سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا» (1).
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يدعو الله عز وجل فيقول: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ دُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ (2)» .
وذكر عليه الصلاة والسلام العلم النافع في ثلاثة لا ينقطع أجرها بعد الموت، فقال:«إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَاّ مِنْ ثَلاثَةِ أَشْيَاءَ: صَدَقَةٍ جَارِية، أوَ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ بَعْدَهُ، أو وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» (3).
هكذا بَيَّنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانة العلم وحض أصحابه
= فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أُخْبِرَ بِذَلِكَ فَقَالَ: «قَتَلُوهُ، قَتَلَهُمُ اللهُ، أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا؟ فَإِنَّمَا شِفَاءُ العِيِّ السُّؤَالُ، إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ
…
يَعْصِبَ - عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً ثُمّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا، وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ» انظر " سنن أبي داود ": ص 82 جـ 1.
(1)
" تاريخ دمشق " لابن عساكر: ص 280 و 281 جـ 6، و" طبقات ابن سعد ": ص 115 قسم 2 جـ 2، وللاستزادة راجع كتابنا " زيد بن ثابت ": ص 4 و 17.
(2)
" سنن ابن ماجه ": ص 56 جـ 1 عن أبي هريرة وأخرج نحوه زهير بن حرب في كتاب "العلم "، انظر: كتاب "العلم ": ص 194.
(3)
" جامع بيان العلم ": ص 15 جـ 1 عن أبي هريرة، ورواه البخاري في (الأدب) ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي.