الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَدِيثًا فاستفهمه الرجل إياه، فقال أبو بكر:«هُوَ كَمَا حَدَّثْتُكَ، أََيُّ أَرْضٍ تَقِلُنِي إِذَا أَنَا قُلْتُ مَا لَمْ أُعْلَمْ!؟» .
وَصَحَّ أنَّ الصِدِّيقَ خَطَبَهُمْ فَقَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالكَذِبَ، فَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ، والفُجُورُ يَهْدِي إِلَى النَّارِ» (1). فأبو بكر يُبَيِّنُ للناس جَمِيعًا أنه لا يُحَدِّثُ إلَاّ بما يعلم ويثق منه، ثم إنه لم يكتف بالحيطة لنفسه، بل أمر الناس بذلك أَيْضًا، وَحَثّهُمْ على التثبت فيما يُحَدِّثُونَ به أو يستمعونه، ومن ذلك ما رواه الذهبي من مراسيل ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ:«أَنَّ الصِدِّيقَ جَمَعَ النَّاسَ بَعْدَ وَفَاةِ نَبِيِّهِمْ فَقَالَ: إِنَّكُم تُحَدِّثُونَ عَنْ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَحَادِيثَ تَخْتَلِفُونَ فِيهَا وَالنَّاسُ بَعْدَكُمْ أَشَدُّ اخْتِلَافًا فَلَا تُحَدِّثُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ شَيْئًا فَمَنْ سَأَلَكُمْ فَقُولُوا: بَيْنَنَا وَبَيْنكُمْ كِتَابُ اللهِ فَاسْتَحِلُّوا حَلَالَهُ وَحَرِّمُوا حَرَامَهُ» . ثم قال الذهبي: «يَدُلُّكَ (هَذَا) أَنَّ مُرَادَ الصِدِّيقِ التَثَبُّتَ فِي الأَخْبَارِ وَالتَحَرِّي، لَا سَدَّ بَابَ الرِّوَايَةِ، أَلَا تَرَاهُ لَمَّا نَزَلَ بِهِ أَمْرُ الجَدَّةِ وَلَمْ يَجِدْهُ فِي الكِتَابِ كَيْفَ سَأَلَ عَنْهُ فِي السُّنَنِ، فلَمَّا أَخَبَرَهُ مَا اكْتَفَى حَتَّى اسْتَظْهَرَ بِثِقَةٍ آخَرَ، وَلَمْ يَقُلْ حَسْبُنَا كِتَابَ اللهِ كَمَا تَقُولُهُ الخَوَارِجُ» (2).
[ب] تَثَبًّتُ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ فِي قَبُولِ الأَخْبَارِ:
1 -
روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: «كُنْتُ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الأَنْصَارِ إِذْ جَاءَ أَبُو مُوسَى كَأَنَّهُ مَذْعُورٌ، فَقَالَ اسْتَأْذَنْتُ عَلَى عُمَرَ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي فَرَجَعْتُ فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ؟ قُلْتُ: اسْتَأْذَنْتُ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي
(1)" تذكرة الحفاظ ": ص 4 جـ 1، وفي مقدمة " التمهيد ": ص 11: قال أبو بكر الصِدِّيق رضي الله عنه: «إِيَّاكُمْ وَالكَذِبَ، فَإِنَّهُ مُجَانِبُ الإِيمَانِ» .
(2)
" تذكرة الحفاظ ": ص 3، 4، جـ 1.
فَرَجَعْتُ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ» . فَقَالَ: «وَاللَّهِ لَتُقِيمَنَّ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ» (1) أَمِنْكُمْ أَحَدٌ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: «وَاللَّهِ لَا يَقُومُ مَعَكَ إِلَاّ أَصْغَرُ القَوْمِ، فَكُنْتُ أَصْغَرَ القَوْمِ، فَقُمْتُ مَعَهُ فَأَخْبَرْتُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ذَلِكَ» (2). فَقَالَ عُمَرُ: «أَمَا إِنِّي لَمْ أَتَّهِمْكَ، وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَتَقَوَّلَ النَّاسُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم» (3).
2 -
روى مسلم عن المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ: اسْتَشَارَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه النَّاسَ فِي إِمْلَاصِ المَرْأَةِ (4)، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ:«شَهِدْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى فِيهِ بِغُرَّةٍ (5) عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ» ، قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: ائْتِنِي بِمَنْ يَشْهَدُ مَعَكَ، قَالَ: فَشَهِدَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلمَةَ (6).
3 -
وَرَوَى صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى: أَخَبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمَّارِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالِ: كَانَ لِلْعباسِ بَيْتٌ فِي قِبْلَةِ المَسْجِدِ، فَضَاقَ المَسْجِدُ عَلَى النَّاسِ فَطَلَبَ إِلَيْهِ
(1) وفي رواية " مسلم ": فقال عمر: «أَقِمْ عَلَيْهِ البَيِّنَةَ، وَإِلَاّ أَوْجَعْتُكَ» .
(2)
" صحيح البخاري بحاشية السندي ": ص 88، جـ 4، وأخرجه الإمام مسلم في " صحيحه ": ص 1694، جـ 3. كما أخرجه الإمام مالك في " الموطأ ": ص 964 جـ 2، وانظره مُوجَزًا في " الرسالة " للإمام الشافعي: ص 435.
(3)
" موطأ الإمام مالك ": ص 964 جـ 2، و" الرسالة ": ص 435.
(4)
مَلَاصٌ: هو جنين المرأة، والمعروف في اللغة إِمْلَاصُ المَرْأَةِ .. يُقَالُ أَمْلَصَتْ بِهِ إِذَا وَضَعَتْهُ قَبْلَ أَوَانِهِ. انظر هامش ص 1311 جـ 3 من " صحيح مسلم ".
(5)
الغُرَّةُ بضم الغين وراء مشددة مفتوحة: العَبْدُ وَالأَمَةُ، فكأنه عَبَّرَ في الحديث عن الجسم كله، كقوله رقبة، وأصل الغرة بياض في جبهة الفرس، وَغُرَّةُ كل شيء أوله وأكرمه. انظر هامش ص 1311 جـ 3 من " صحيح مسلم "، و" لسان العرب " مادة (غَرَرَ).
(6)
" صحيح مسلم ": ص 1311 جـ 3.
عُمَرُ البَيْعَ فَأَبَى فَذَكَرَ الحَدِيثَ (1) وَفِيهِ: فَقَالَ عُمَرُ لأُبَيٍّ: «لِتَأْتِينِي عَلَى مَا تَقُولُ بِبَيِّنَةٍ، فَخَرَجَا فَإِذَا نَاسٌ مِنَ الأَنْصَارِ، قَالَ: فَذَكَرَهُمْ، قَالُوا: قَدْ سَمِعْنَا هَذَا (2) مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ عُمَرُ: «أَمَا إِنِّي لَمْ أَتَّهِمْكَ، وَلَكِنْ أَحْبَبْتُ أَنْ أَتَثَبَّتَ» (3).
4 -
عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ، يَقُولُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ
(1) وَفِيهِ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ سَالِمِ أَبِي النَّضْرَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لَهُ: «اخْتَرْ مِنِّي إِحْدَى ثَلاثٍ. إِمَّا أَنْ تَبِيعَنِيهَا بِمَا شِئْتَ مِنْ بَيْتِ مَالِ المُسْلِمِينَ، وَإِمَّا أَنْ أَخْطُطَكَ حَيْثُ شِئْتَ مِنَ المَدِينَةِ وَأَبْنِيَهَا لَكَ مِنْ بَيْتِ مَالِ المُسْلِمِينَ، وَإِمَّا أَنْ تَصَّدَّقَ بِهَا عَلَى المُسْلِمِينَ فَنُوَسِّعَ بِهَا فِي مَسْجِدِهِمْ» فَقَالَ: «لَا، وَلا وَاحِدَةً مِنْهَا» ، فَقَالَ عُمَرُ:«اجْعَلْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ مَنْ شِئْتَ» ، فَقَالَ:«أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ» ، فَانْطَلَقَا إِلَى أُبَيٍّ، فَقَصَّا عَلَيْهِ القِصَّةَ فَقَالَ أُبَيٌّ:«إِنْ شِئْتُمَا حَدَّثْتُكُمَا بِحَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم» ، فَقَالَا:«حَدِّثْنَا» ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَى دَاوُدَ أَنِْ ابْنِ لِي بَيْتًا أُذْكَرُ فِيهِ» . فَخَطَّ لَهُ هَذِهِ الخِطَّةَ، خِطَّةَ بَيْتِ المَقْدِسِ فَإِذَا تُرْبِيعُهَا بَيْتُ رَجُلٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَسَأَلَهُ دَاوُدُ أَنْ يَبِيعَهُ إِيَّاهُ، فَأَبَى. فَحَدَّثَ دَاوُدُ نَفْسَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ يَا دَاوُدُ أَمَرْتُكَ أَنْ تَبْنِيَ لِي بَيْتًا أُذْكَرُ فِيهِ فَأَرَدْتَ أَنْ تُدْخِلَ فِي بَيْتِيَ الْغَصْبَ، وَلَيْسَ مِنْ شَأْنِيَ الْغَصْبُ. وَإِنَّ عُقُوبَتَكَ أَنْ لا تَبْنِيَهُ. قَالَ: يَا رَبِّ فَمِنْ وَلَدِي؟ قَالَ: مِنْ وَلَدِكَ». قَالَ: فَأَخَذَ عُمَرُ بِمَجَامِعِ ثِيَابِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَقَالَ: «جِئْتُكَ بِشَيْءٍ فَجِئْتَ بِمَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ» . لِتَخْرُجَنَّ مِمَّا قُلْتَ. فَجَاءَ يَقُودُهُ حَتَّى أَدْخَلَهُ الْمَسْجِدَ فَأَوْقَفَهُ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِمْ أَبُو ذَرٍّ فَقَالَ: «إِنِّي نَشَدْتُ اللَّهَ رَجُلاً سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ حَدِيثَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ حِينَ أَمَرَ اللَّهُ دَاوُدَ أَنْ يَبْنِيَهُ إِلَاّ ذَكَرَهُ» . فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: «أَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» وقَاَلَ آخَرٌ: «أَنَا سَمِعْتُهُ» . وقَاَلَ آخَرٌ: «أَنَا سَمِعْتُهُ» . يَعْنِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَأَرْسَلَ عُمَرُ أُبَيًّا.
قَالَ: وَأَقْبَلَ أُبَيٌّ عَلَى عُمَرَ فَقَالَ: «يَا عُمَرُ أَتَتَّهِمُنِي عَلَى حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟» ، فَقَالَ عُمَرُ:«يَا أَبَا المُنْذِرِ، لَا وَاللَّهِ مَا أَتَّهَمْتُكَ عَلَيْهِ، وَلَكِنِّي كَرِهْتُ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ظَاهِرًا» . قَالَ: وَقَالَ عُمَرُ لِلْعَبَّاسِ: «اذْهَبْ فََلَا أَعْرِضُ لَكَ فِي دَارِكَ» . فَقَالَ الْعَبَّاسُ: «أَمَّا إِذْ فَعَلْتَ هَذَا فَإِنِّي قَدْ تَصَدَّقْتُ بِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ أُوَسِّعُ بِهَا عَلَيْهِمْ فِي مَسْجِدِهِمْ، فَأَمَّا وَأَنْتَ تُخَاصِمُنِي فَلَا» . قَالَ: فَخَطَّ عُمَرُ لَهُمْ دَارَهُمْ التِي هِيَ لَهُمْ اليَوْمُ وَبَنَاهَا مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ.
(انظر " طبقات ابن سعد ": ص 13، 14. قسم 1، جـ 4 وص 203. قسم 1، جـ 3.
(2)
أي حديث بناء بيت المقدس الذي ذكره أُبَيُّ بن كعب.
(3)
" تذكرة الحفاظ ": ص 8 جـ 1 وانظر " طبقات ابن سعد ": ص 13، 14. قسم 1 جـ 4.