الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفرق كبير بين أن يعتني عبد الملك ببيت المقدس، ويطهره ويجعل له مظهرًا أروع مما كان له - وبين أن يجعله كعبة المسلمين، وهذا ما اعترف به (فلهوزن) وعقب به على رأي (أوتيخيوس) الذي يتفق مع رأي جولدتسيهر.
فلو صح نسبة بناء القبة إلى عبد الملك - وهو رأي يخالف المصادر الإسلامية الموثوق بها ومبني على مجرد التخمين والاستنتاج - لكان قد بناها واعتنى بالمسجد الأقصى لمكانته عند المسلمين، وهو أقدس الأماكن التي كانت تقع تحت سلطان عبد الملك آنذاك.
ومما يؤكد لنا أنه لم يحمل أحدًا على الحج إليه، بل كان عمله مجرد احترام لذلك المسجد - ما قام به بعد انتصاره على ابن الزبير سَنَةَ (73 هـ) حين أمر بإعادة بناء الكعبة كما كانت عليه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وإزالة ما أدخله ابن الزبير في بنائها سَنَةَ (64 هـ)، فمن الواجب أن يفرق بين اعتنائه بالمسجد الأقصى وجعله مَحَجًّا للمسلمين.
[3]- لَمْ يَحْمِلْ عَبْدُ المَلِكِ النَّاسَ عَلَى الحَجِّ إِلَى المَسْجِدِ الأَْقْصَى وَالزُّهْرِيُّ أَرْفَعُ مِنْ أَنْ يَكْذِبَ عَلَى الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم
-:
أما أنه حاول أن يحمل الناس على الحج إلى المسجد الأقصى بمساعدة الزهري الذي وضع له الأحاديث في ذلك فغير صحيح قطعًا، وَسَنُثْبِتُ هذا من طريقين: الأول في بيان صلة الزهري بالأمويين، والثاني في استحالة هذا تاريخيًا.
(أ) صِلَةُ الزُّهْرِيِّ بِالأُمَوِيِّينَ:
----------------------------
صحيح أن الزهري كان يتردد بين الحجاز والشام، وكان يدخل على خلفاء بني أمية، ولكنه لم يكن ذلك الرجل الذي يستجدي أكفهم، أو الذي يبيع دنياه بدينه، فالزهري أرفع بكثير مما يتصوره أعداء الإسلام والزهري أسمى مما يراه اليعقوبي، و (جولدتسيهر) وغيرهما، فقد كان الإمام
الزهري رجل صلاح واستقامة، يبين للخلفاء الحق مهما كان مُرًّا، وكان يحملهم على سواء السبيل ولا يداهنهم أو يمالئهم، ومن هذا ما رواه ابن عساكر بسنده إلى الإمام الشافعي عن عمه قال: دَخَلَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ عَلَى هِشَامٍ فَقَالَ: «يَا سُلَيْمَانُ، مَنْ الذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ؟» فَقَالَ لَهُ: «عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ بْنِ سَلُولٍ» ، فَقَالَ لَهُ:«كَذَبْتَ هُوَ عَلِيٌّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ» ، قَالَ:«أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُ» ، فَدَخَلَ ابْنُ شِهَابٍ، فَقَالَ لَهُ:«مَنْ الذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ؟» فَقَالَ لَهُ: «عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ بْنِ سَلُولٍ» ، فَقَالَ لَهُ:«كَذَبْتَ هُوَ عَلِيٌّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ» ، فَقَالَ لَهُ:«أَنَا أَكْذِبُ، لَا أَبًا لَكَ؟ فَوَاللهِ لَوْ نَادَانِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنَّ اللهَ أَحَلَّ الكَذِبَ مَا كَذَبْتُ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الوَلِيدِ وَسََعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، وَعَلْقَمَةُ بْنَ وَقَّاصٍ كُلُّهُمْ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ الذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ هُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ» ، فَلَمْ يَزَلْ القَوْمُ يُغِرُّونَ بِهِ، فَقَالَ لَهُ هِشَامٌ:«ارْحَلْ فَوَاللهِ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَحْمِلَ عَنْ مِثْلِكَ» ، فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ:«وَلِمَ ذَاكَ؟ أَنَا اغْتَصَبْتُكَ عَلَى نَفْسِي، أَوْ أَنْتَ اغْتَصَبْتَنِي عَلَى نفسي؟ فَخَلِّ عَنِّي» ، فَقَالَ لَهُ:«لَا، وَلَكِنَّكَ اسْتَدَنْتَ أَلْفَيْ أَلْفٍ» ، فَقَالَ:«قَدْ عَلِمتَ وَأَبُوكَ قَبْلَكَ أَنِّي مَا اسْتَدَنْتُ هَذَا المَالَ عَلَيْكَ وَلَا عَلَى أَبِيكَ» ، فَقَالَ:«إِنَّا نُهِيِّجَ الشَّيْخَ فَيَهْتَمَّ (1) الشَّيْخُ» ، ثُمَّ أَمَرَ (2) فَقَضَى عَنْهُ مِنْ دَيْنِهِ أَلْفَ أَلْفٍ. وَأُخْبِرَ (3) بِذَلِكَ، فَقَالَ:«الحَمْدُ للهِ الَّذِي هَذَا هُوَ مِنْ عِنْدِهِ» (4)، (5).
(1) في الأصل يهتم، وما أثبتناه أصوب لغة.
(2)
في الأصل (فَآمَرَ). في الأصل (فَأُخْبِرَ) وآثرنا تصحيحه كما أثبتناه لتستقيم العبارة.
(3)
في الأصل (فَآمَرَ). في الأصل (فَأُخْبِرَ) وآثرنا تصحيحه كما أثبتناه لتستقيم العبارة.
(4)
هكذا النص.
(5)
" تاريخ دمشق ": ص 594، 595 جـ 31.
هذا ابن شهاب، وهكذا كانت صلته بالأمويين، فهل يعقل أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم!! وهو الذي أبى أن يداهن الخليفة هشام بن عبد الملك، بل قال له - حين كانت السلطة بيده - «لَا أَبًا لَكَ. فَوَاللهِ لَوْ نَادَانِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنَّ اللهَ أَحَلَّ الكَذِبَ مَا كَذَبْتُ» ، ابن شهاب يخاطب أمير المؤمنين، بل يشتمه عندما يخالف الحق، وهل أقسى من عبارة «لَا أَبًا لَكَ» ، وهل أجرأ من ابن شهاب بعد هذا؟ وهل صدق - بعد هذا - دعوى أعداء الإسلام وافتراءاتهم على إمام عصره وحافظ زمانه؟.
قال الإمام الأوزاعي: «مَا أَدْهَنَ ابْنُ شِهَابٍ قَطُّ لِمَلِكٍ دَخَلَ عَلَيْهِ» (1).
وأما ما روي عن يزيد بن يحيى أنه قال: «قَلَّ قَلِيلُهُ أَيُّ رَجُلٍ هُوَ لَوْلَا أَنَّهُ أَفسَدَ نَفْسَه بِصُحبَةِ المُلُوْكِ» (3)، فهذا الخبر ضعيف وَاهٍ لا يعتمد عليه، ففي إسناده مجهولون، وفي إسناده العباس بن الوليد بن صبيح الخلال الدمشقي، قال الآجري:«سَأَلْتُ أَبَا دَاوُدَ عَنْهُ فَقَالَ: كَانَ عَالِمًا بِالرِّجَالِ وَالأَخْبَارِ لَا أُحَدِّثُ عَنْهُ» (4).
ويزيد بن يحيى بن الصباح نفسه لا يعرف، وقال أبو حاتم:«لَيْسَ بِالقَوِيِّ» (5).
(1)" تاريخ دمشق ": ص 593 جـ 31.
(2)
" تاريخ دمشق ": ص 593 جـ 31.
(3)
" تاريخ دمشق ": ص 593 جـ 31.
(4)
" ميزان الاعتدال ": ص 20 ترجمة 145 جـ 2.
(5)
المرجع السابق: ص 318 ترجمة 2739 جـ 3.