الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحفاظ، الجهابذة النحارير، والنقاد الأشداء! هل يعقل أن يضع ابن شهب حديثًا يُغَيِّرُ به مناسك الحج - كما يزعم جولدتسيهر - ثم يثق به العلماء وطلاب العلم، وتزدحم عليه الجموع لتأخذ عنه كلما جاء إلى المدينة، ويتركون كبار التابعين وشيوخ الصحابة؟؟ وهل خفي على الأمة كلها جيلاً بعد جيل، ما اقترفه ابن شهاب، ليكتشفه اليعقوبي ويؤيده جولدتسيهر؟؟؟ أم أن كل من أخذوا عنه، وتلقوا العلم في حلقاته لا يعقلون!!!؟؟ أم أن من ابتدأ هذا الخبر مفتر ومن أيده متحامل لا يتوخى الحقيقة العلمية!!؟.
لو صح شيء مما افتراه هؤلاء على الزهري لصرح به النقاد، وتركوا حديثه، وحذروا طلاب العلم منه، أو على أقل تقدير يثور عليه شيخه سعيد بن المسيب الذي روى الحديث المذكور عنه، ولكن شيئًا من هذا لم يكن، فظهر بطلان ما ادعوا وافتراء ما اقترفوا.
[4]- لَمْ يَكُنْ الزُّهْرِيُّ صَدِيقًا قَدِيمًا لَِعَبْدِ المَلِكِ، وَلَمْ يَتَفَرَّدْ وَحْدَهُ بِرِوَايَةِ الأَحَادِيثِ التِي وَرَدَتْ فِي فَضَائِلِ بَيْتِ المَقْدِسِ:
4 -
استدل جولدتسيهر على صحة ما ادعاه من أن الزهري هو الذي وضع أحاديث بيت المقدس، بأنه كان صديقًا لعبد الملك، وأنه كان يتردد عليه، وأن الأحاديث التي وردت في فضائل بيت المقدس مروية من طريق الزهري فقط، وهذا مردود تنفيه الآثار، وتدحضه الأخبار التاريخية، فالزهري عندما قدم دمشق أدخله قبيصة بن ذؤيب على عبد الملك، ليروي له (قضاء عمر في أمهات الأولاد)، فسأله عبد الملك عن نسبه، وذكره بأن أباه اشترك في الثورة مع ابن الزبير، وأمره بطلب العلم
…
فلو كان صديقًا لعبد الملك لا يحتاج إلى من يدخله عليه. كما لا يحتاج إلى أن يسأله عن نسبه، ويوصيه بطلب العلم. ثم كيف نصدق نشوء صداقة بين عبد الملك والزهري؟ إذا كان مولد عبد الملك سَنَةَ (26هـ) ست وعشرين من الهجرة، وانتقاله مع أبيه إلى الشام سَنَةَ (64 هـ) أربع وستين،
حين لم يجاوز الزهري آنذاك أربعة عشر عامًا، فهل يعقل أن تنشأ صداقة بين رجل في الثامنة والثلاثين من عمره مع غلام في الرابعة عشرة؟ فاتفق العقل والنقل على عدم صحة قيام صداقة بين عبد الملك وابن شهاب قبل قدومه إلى دمشق.
ثم إن حديث «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَاّ إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ
…
» روي من طرق مختلفة كثيرة غير طريق الزهري، فلم ينفرد به ابن شهاب، وَرَوَتْهُ كُتُبُ السُنَّةِ كلها.
فقد أخرجه الإمام البخاري من غير طريق الزهري عن أبي الوليد عن شعبة بن الحجاج عن عبد الملك عن قزعة مولى زياد عن أبي سعيد الخدري (1).
وأخرجه مسلم من ثلاث طرق، إحداها من طريق الزهري، والثانية عن قتيبة بن سعيد وعثمان بن أبي شيبة جَمِيعًا عن جرير عن عبد الملك بن عمير، عن قزعة، عن أبي سعيد الخدري (2)، والثالثة عن هارون بن سعيد الأيلي عن ابن وهب عن عبد الحميد بن جعفر عن عمران بن أبي أنس، عن سلمان الأغر، عن أبي هريرة (3).
وأخرجه الإمام أحمد والإمام مالك، والترمذي وأبو داود والدارمي والنسائي وابن ماجه (4).
فالزهري لم ينفرد بهذا الحديث، كما زعم جولدتسيهر، ولم يضعه إرضاء
(1)" صحيح البخاري بحاشية السندي ": ص 207 و 341 جـ 1.
(2)
" صحيح مسلم ": ص 975، 976 حديث 415 جـ 2.
(3)
المرجع السابق: ص 1015 حديث 513 جـ 2.
(4)
انظر " مفتاح كنوز السنة ": مادة (المدينة) ص 461.
لعبد الملك، بل شاركه في روايته غيره من كبار الصحابة والتابعين ومن تبعهم، فالحديث صحيح لا ريب فيه، وزعم اليعقوبي وجولدتسيهر باطل لا أصل له.
وهكذا خرج الإمام الزهري مما أحيط به من افتراءات واتهامات مرفوع الرأس، يكلله غار النصر، يتمتع بالثقة التامة عند جميع المسلمين، ورواد البحث العلمي النزيه. ويكفيه فَخْرًا أَنْ حَفِظَ السُنَّةَ سَبْعِينَ عَامًا، وساهم في تدوينها ونشرها وتعليمها. وقد خَلَّدَ التاريخ ذكره في مصاف العلماء العاملين، والحفاظ المتقنين.
* * *