الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المَبْحَثُ الثَّانِي: اِنْتِشَارِ الحَدِيثِ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ:
انتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، بعد أن عم الإسلام الجزيرة العربية كلها، وأصبحت هذه البلاد قلعة حصينة للإسلام، وقاعدة تنبعث منها أضواء الهداية في العالم، وقد عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته لواء جيش الرسول صلى الله عليه وسلم أسامة لفتح الشام، ولكن المنية اخترمته قبل إنفاذه، وخلفه الصِدِّيقُ فوجه جيش الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بلاد الشام، واتسعت الفتوحات الإسلامية، وامتدت الدولة الإسلامية حول الجزيرة العربية، ففتحت بلاد الشام كلها (فلسطين والأردن وسوريا ولبنان) والعراق جميعها في سَنَةِ سبع عشرة هجرية (1)، وفتحت مصر سَنَةَ عشرين من الهجرة (2)، ووصل المسلمون إلى ما وراء النهر في خلافة عثمان بعد أن فتحوا (فارس) سَنَةَ إحدى وعشرين، ووصلوا سمرقند سَنَةَ ست وخمسين (3)، وما لبثت الرايات الإسلامية أن خفقت في ربوع الأندلس غربًا سَنَةَ ثلاث وتسعين (4) وارتفعت بنود الإسلام وأعلامه على ذرا جبال البرانس (5)(*) سَنَةَ ست وتسعين، وعلى حدود الصين شَرْقًا سَنَةَ ست وتسعين أَيْضًا (6).
كان في طليعة الجيوش الإسلامية صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(1) انظر " تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي " للدكتور حسن إبراهيم حسن: ص 299 جـ 1 وما بعدها.
(2)
انظر المرجع السابق: ص 236 جـ 1.
(3)
انظر المرجع السابق: ص 279 وما بعدها جـ 1.
(4)
انظر المرجع السابق: ص 313 جـ 1.
(5)
انظر المرجع السابق: ص 318 وما بعدها جـ 1.
(6)
انظر المرجع السابق: ص 305 جـ 1.
----------------------
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*) جبال البرانس، البيريني أو البرينيو (بالفرنسية: Atlantiques Pyrénées) ( بالإسبانية: Pirineos) سلسلة جبلية تقع جنوب غرب أوروبا، بين فرنسا وإسبانيا وتمثل الحدود الطبيعية بينهما. تمتد لمسافة قدرها 430 كلم من خليج بسكاي بالمحيط الاطلسي في الغرب إلى البحر المتوسط في الشرق. أعلى نقطة بها تسمى "بيكو دي أنيتو" وتعلو بارتفاع 3406.2 م. تفصل الجبال شبه جزيرة أيبيريا عن فرنسا. تقع إمارة أندورا بين قمم السلسلة. كما تقع ستة أقسام فرنسية وست مقاطعات إسبانية في السلسلة. توجد بعض الممرات التي تتخلل الجبال، ونشأ الممر الموجود في رونسافالز في القرن 12. مساحتها 55374 كم2. من أشهر المدن الواقعة في السلسلة: بربينيان وبايون وأورتيز بفرنسا، وجيرونا وواسكا وبامبلونا وإيرون بإسبانيا. (نقلاً عن " موسوعة ويكيبيديا ").
وكانوا كلما دخلوا بَلَدًا فيه أقاموا فيه المساجد (1)، ومكث فيه بعض الصحابة والتابعين يدبرون أموره، وينشرون فيه الإسلام، ويعلمون أبناءه القرآن الكريم وَسُنَّةَ رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكان الخلفاء يمدون البلاد الجديدة بالعلماء، وقد استوطن كثير من الصحابة - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ - تلك الأمصار، يرشدون أهلها، ويعلمون أبناءها، وقد دخل الناس في دين الله أفواجًا، والتفوا حول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ينهلون من الينابيع التي أخذت عن الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام وتخرج في حلقاتهم التابعون الذين حملوا لواء العلم بعدهم، وحفظوا السنة الشريفة، وهكذا أصبحت في الأقاليم والأمصار الإسلامية مراكز علمية عظيمة، تشع منها أنوار الإسلام وعلومه، إلى جانب مراكز الإشعاع الأولى التي أمدت هذه الأقطار بالأساتذة الأول.
ويجدر بنا أن نذكر لمحة موجزة عن مراكز التعليم هذه فيما يخص بحثنا، فنتناول أهم تلك المراكز العلمية والقائمين عليها في الأمصار الإسلامية:
1 -
المَدِينَةُ المُنَوَّرَةُ:
--------------------
هي دار الهجرة، وحاضرة الدولة الإسلامية، التي آوت الرسول الكريم بعد هجرته، ومعه الصحابة - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ -، وشهدت الجانب التشريعي الأول في صدر الإسلام، وفي مساجدها التف المسلمون حول محمد عليه الصلاة والسلام، يتلقون القرآن العظيم، ويسمعون الحديث الشريف، وفيها شاهدوا قضاءه وقسمته للغنائم، واستنفاره للجيوش، وموادعته لخصومه، وإليها التجأ المسلمون المهاجرون بدينهم، تحت ضغط قريش والقبائل الأخرى في أطراف الجزيرة العربية، وتعلقت بها الأنظار، وعقدت عليها الآمال، حتى كان صلح الحديبية
(1) انظر " الخطط " للمقريزي: ص 246 جـ 2.
ثم الفتح الأعظم، فأصبحت مركز الحجاز السياسي، وعاصمة الدولة الإسلامية إلى أوائل خلافة عَلِيٍّ رضي الله عنه.
وقد يخطر ببالنا أن المهاجرين عادوا إلى مكة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، ولكن التاريخ يؤكد لنا أن الصحابة والخلفاء آثروا أن يجاوروا رسول الله صلى الله عليه وسلم (1)، ويقيموا حيث أقام. لذلك نرى في المدينة كبار الصحابة الذين رسخوا في العلم، وكانت لهم مكانة عظيمة في الحديث، ومن هؤلاء أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وأبو هريرة وعائشة أم المؤمنين، وعبد الله بن عمر وأبو سعيد الخُدري، وزيد بن ثابت الذي اشتهر بفهم القرآن والحديث والفرائض خاصة، وكانت له مكانة رفيعة عند الخلفاء الراشدين حتى إنهم ما كانوا يقدمون عليه أَحَدًا في القضاء أو الفتوى والفرائض والقراءة (2).
وقد تخرج في المدينة كبار التابعين، ومنهم سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وابن شهاب الزهري، وعبيد الله بن عتبة بن مسعود، وسالم بن عبد الله بن عمر، ومحمد بن المنكدر وغير هؤلاء ممن كانوا مرجع الأمة في السُنَّةِ والقضاء والفتوى.
2 -
مَكَّةُ المُكَرَّمَةُ:
------------------
لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، خلف فيها مُعَاذًا يعلم
(1) انظر " طبقات ابن سعد ": ص 328 جـ 5، وفيه كان يكره المسلمون المهاجرون أن يعود أحدهم إلى مكة بعد أن فارق الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة.
(2)
انظر " تاريخ دمشق ": ص 284 جـ 6، و" سير أعلام النبلاء ": ص 215 جـ 1 و" تذكرة الحفاظ ": ص 30 جـ 1.
أهلها الحلال والحرام، ويفقههم في الدين، ويقرئهم القرآن الكريم، وكان معاذ من أفضل شباب الأنصار عِلْمًا وَحِلْمًا وَسَخَاءً، شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد كلها، وكان يُعَدُّ من أعلم الصحابة بالحلال والحرام. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه:«مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ أَعْلَمُ النَّاسِ بِحَرَامِ اللهِ وَحَلَالِهِ» (1) وقال عليه الصلاة والسلام: «خُذُوا القُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ، مِنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأُبَيِّ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ» (2). وقد روى عنه عدد كبير من الصحابة، منهم عبد الله بن عباس، الذي كانت له الصدارة بعد أن عاد من البصرة إلى مكة المكرمة، كما كان في مكة عتاب بن أسيد الذي أَمَّرَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة في أهلها (3)، وأخوه خالد بن أسيد، والحكم بن أبي العاص، وعثمان بن أبي طلحة وغيرهم (4).
وقد تخرج في مكة على أيدي الصحابة مجاهد بن جبر، وعطاء بن أبي رباح، وطاوس بن كيسان، وعكرمة مولى ابن عباس، وغيرهم (5).
ولا بد أن نذكر هنا علو منزلة مكة المكرمة، وأثرها في تبادل الثقافة ونشر الحديث النبوي في مواسم الحج، حيث يلتقي فيها المسلمون ويجتمع أكثرهم بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالتابعين، يحملون معهم الكثير الطيب من حديثه عليه الصلاة والسلام إلى بلادهم، ولا تزال لمكة والمدينة هذه المكانة إلى يومنا هذا، وستبقى ما بقي الإسلام إلى يوم الدين.
(1)" سير أعلام النبلاء ": ص 320 جـ 1.
(2)
" سير أعلام النبلاء ": ص 319 جـ 1.
(3)
المرجع السابق: ص 321 جـ 1.
(4)
انظر " معرفة علوم الحديث ": ص 192.
(5)
انظر " فجر الإسلام ": ص 174.
3 -
الكُوفَةَ:
------------
لقد نزل في الكوفة عدد كبير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي عهد عمر رضي الله عنه، حين فتحت العراق للمسلمين، وأصبحت الكوفة والبصرة قاعدتي الفتح الإسلامي في خراسان وفارس والهند، فقد هبط الكوفة ثلاثمائة من أصحاب الشجرة، وسبعون من أهل بدر (1) من أشهرهم علي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وعبد الله بن مسعود وغيرهم (2). وكان لعبد الله بن مسعود أثر كبير في رفع اسم الكوفة، لما بذله في سبيل تعليم أبنائها، وقد تخرج في هذه المدرسة كبار التابعين الذين حفظوا الشريعة وحافظوا على السنة المطهرة، فقد كان في الكوفة ستون شَيْخًا من أصحاب عبد الله بن مسعود، وكان في بني ثور الذين نزلوا الكوفة ثلاثون رجلاً، ما فيهم رجل دون الربيع بن خثيم (3) المشهور بعبادته وورعه وعلو مكانته في الحديث، وكان فيها كميل بن [زياد] النخعي، وعامر بن شراحيل الشعبي، وسعيد بن جبير الأسدي، وإبراهيم النخعي، وأبو إسحاق السبيعي، وعبد الملك بن عمير (4) وغيرهم.
4 -
البَصْرَةُ:
-------------
ونزل البصرة من الصحابة - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ - أنس بن مالك، وكان إمام البصرة في الحديث، وأبو موسى الأشعري، وعبد الله بن عباس الذي وَلَّى إمارتها لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ونزل فيها غير هؤلاء
(1) انظر " طبقات ابن سعد ": ص 4 جـ 6.
(2)
انظر " معرفة علوم الحديث ": ص 191.
(3)
انظر " طبقات ابن سعد ": ص 4 جـ 6.
(4)
انظر " معرفة علوم الحديث ": ص 243 - 248.
عتبة بن غزوان ن وعمران بن حصين، وأبو برزة الأسلمي، ومعقل بن يسار، وعبد الرحمن بن سمرة، وأبو زيد الأنصاري، وعبد الله بن الشِخِّيرْ، والحكم وعثمان ابنا أبي العاص وغيرهم (1).
وأشهر من تخرج من مدرسة البصرة الحسن البصري الذي أدرك خمسمائة من الصحابة، ومحمد بن سيرين، وأيوب السختياني، وبهز بن حكيم القشيري، ويونس بن عبيد، وخالد بن مهران الحذاء، وعبد الله بن عون، وعاصم بن سليمان الأحول، وقتادة بن دعامة السدوسي، وهشام بن حسان (2) وغيرهم.
وأما بغداد فلم تشتهر إلا منذ عهد المنصور العباسي.
5 -
الشَّامُ:
-----------
نزل الشام من الصحابة عدد كبير كانوا في جيش الفتح الإسلامي، وقد استوطن أكثرهم المدن الكبرى بادئ الأمر، ثم ما لبث سكان القرى أن تمسكوا ببعضهم عندما شعروا بالفائدة العلمية الكبرى التي حملها إليهم المسلمون، ومن الصعب حصر عدد الصحابة الذين حلوا في بلاد الشام، ولكن الوليد بن مسلم يقرب هذا لنا فيقول:«دَخَلَتْ الشَّامَ عَشْرَةُ آلَافِ عَيْنٍ رَأَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم» (3). وكان يزيد بن أبي سفيان قد كتب إلى عمر بن الخطاب ليعينه بالعلماء، ليفقهوا أهل الشام (4)، فأرسل إليه معاذ بن جبل، وعبادة بن الصامت، وأبا الدرداء - الذين توزعوا في بلاد الشام، فأقام عبادة
(1) انظر " معرفة علوم الحديث ": ص 192.
(2)
انظر " معرفة علوم الحديث ": ص 248.
(3)
" التاريخ الكبير ": ص 169 جـ 1.
(4)
انظر " غوطة دمشق ": ص 131.
في حمص، وأبو الدرداء في دمشق، ومعاذ في فلسطين، ثم أرسل عمر بعد هؤلاء عبد الرحمن بن غنم (1).
ونشطت الحركة العلمية في بلاد الشام وخاصة في دمشق أيام الأمويين، وما زال بها فقهاء ومحدثون ومقرئون (2)، وانتشر فيها العلماء حتى أضحت قرية داريا حاضرة العلم والأدب في غوطة دمشق، ويقول السمعاني:«إِنَّهُ كَانَ فِي دَارْيَا جماعَةٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمُحَدِّثِينَ قَدِيمًا وَحَديثًا، وَمِمَّنْ نَبَغَ فِيهَا مِنَ الصَّحَابَةِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدٍ الأَزْدِيَّ الدَّارَانِيَّ، وَيُعَدُّ فِي الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ فُقَهَاءِ الشَّامِ» (3).
وقد نزل بلاد الشام غير الصحابة المذكورين أبو عبيدة بن الجراح، وبلال بن رباح وشرحبيل بن حسنة، وخالد بن الوليد، وعياض بن غنم، والفضل بن العباس بن عبد المطلب - وهو مدفون بالأردن -، وعوف بن مالك الأشجعي، والعرباض بن سارية (4) وغيرهم.
وتخرج على أيدي الصحابة في هذه المدرسة كبار علماء الشام من التابعين منهم سالم بن عبد الله المحاربي قاضي دمشق، وأبو إدريس الخولاني (عائذ بن عبد الله) الذي تولى القضاء بدمشق لمعاوية وابنه يزيد، ومنهم أبو سليمان الداراني، قاضي دمشق لعمر بن عبد العزيز، وليزيد وهشام ابني عبد الملك، قضى لهم ثلاثين سَنَةً، ومنهم عُمير بن هانئ العنسي الداراني المُحَدِّثُ (5).
(1) انظر " فجر الإسلام ": ص 188، 189.
(2)
انظر " الإعلام بالتوبيخ لمن ذم التاريخ ": ص 138.
(3)
انظر " غوطة دمشق ": ص 134.
(4)
انظر " معرفة علوم الحديث ": ص 193.
(5)
انظر " غوطة دمشق ": ص 134، 135. وانظر " تاريخ داريا " للقاضي عبد الجبار الخولاني: ص 29 - 72.
وتخرج في هذه المدرسة عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، الذي يقرن بمالك وأبي حنيفة ويلقب بإمام أهل الشام، ومكحول الدمشقي، وعمر بن عبد العزيز، ورجاء بن حيوة (1)، وبحير بن سعد الكلاعي، وثور بن يزيد الكلاعي، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر (2) وغيرهم.
6 -
مِصْرُ:
-----------
دخل المسلمون مصر في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان معه من الصحابة عدد كبير منهم الزبير بن العوام، وعبادة بن الصامت، ومسلمة بن مخلد، والمقداد بن الأسود، كانوا على رأس المدد الذي أرسله عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص (3)، كما كان معه عبد الله بن عمرو: أحد الصحابة المكثرين عن رسول الله عليه الصلاة والسلام والذي كان يُدَوِّنُ الحديث بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد مكث بمصر إلى ما بعد وفاة والده، وعنه روى كثير من مُحَدِّثِيهَا.
ونزل مصر من الصحابة عقبة بن عامر الجهني، وخارجة بن حذافة وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وَمَحْمِيَّةُ بْنُ جَزْءٍ، وعبد الله بن الحارث بن جزء، وأبو بصرة الغفاري، وأبوسعد الخير، ومعاذ بن أنس الجهني، ومعاوية بن حُديج، وزياد بن الحارث الصدائي وغيرهم (4).
وتخرج على أيدي هؤلاء في هذه المدرسة، يزيد بن أبي حبيب مُحَدِّثُ
(1) انظر " فجر الإسلام ": ص 189.
(2)
انظر " معرفة علوم الحديث ": ص 242.
(3)
انظر " تاريخ الإسلام السياسي ": ص 236 جـ 1.
(4)
انظر " معرفة علوم الحديث ": ص 193، وانظر " فتوح مصر " لابن عبد الحكم: ص 248 - 319، وانظر " حسن المحاضرة ": ص 72 وما بعدها جـ 1.
الديار المصرية، وعمر بن الحارث، وخير بن نعيم الحضرمي، وعبد الله بن سليمان الطويل، وعبد الرحمن بن شريح الغافقي، وحيوة بن شريح التجيبي، وغيرهم، وقد كان ليزيد بن أبي حبيب أثر بعيد في نشر الحديث في مصر، فقد تتلمذ عليه الليث بن سعد، وعبد الله بن لهيعة (1) اللذان تتلمذ عليهما خلق كثير، وكانا في عصرهما مُحَدِّثِي الديار المصرية.
7 -
المَغْرِبُ وَالأَنْدَلُسَ:
----------------------
كان عمرو بن العاص قد وصل إلى برقة وطرابلس سَنَةَ (21 هـ) في عهد عمر بن الخطاب، فاستأذن عمرو الخليفة بفتح إفريقية فلم يأذن له، فاستجاب لأمر أمير المؤمنين وعاد إلى مصر، فكان عمرو وأصحابه أول المسلمين الذين دخلوا أطراف المغرب، وعندما تولى عثمان رضي الله عنه الخلافة أذن لأمير مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح بغزو إفريقية، وكان ذلك سَنَةَ (25 هـ) ثم أمده بجيش من المدينة فيه جماعة من الصحابة، منهم عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن جعفر، والحسن والحسين، وعبد الله بن الزبير، ولقيهم عقبة بن نافع ببرقة، فتابعوا فتح البلاد (2)، ثم خرج لفتح المغرب مُعَاوِيَةُ بْنُ حُدَيْجٍ سَنَةَ (34 هـ) وكان في غزاته هذه جماعة من المهاجرين والأنصار (3)، وقال سليمان بن يسار:«غَزَوْنَا إِفْرِيقِيَّةَ مَعَ ابْنِ حُدَيْجٍ وَمَعَنَا مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ بَشَرٌ كَثِيرٌ» (4). ثم ولي عقبة بن نافع المغرب، وكان في جيشه كثير من الصحابة والتابعين وهو الذي فتح المغرب الأقصى ووطد أركان الإسلام في شمال إفريقية (5).
(1) انظر " معرفة علوم الحديث ": ص 241.
(2)
انظر " الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى ": ص 67 - 70 جـ 1.
(3)
" فتوح مصر وأخبارها " لابن عبد الحكم: ص 193.
(4)
" فتوح مصر وأخبارها " لابن عبد الحكم: ص 193.
(5)
انظر " فتوح مصر وأخبارها ": ص 193 وما بعدها، و " الاستقصا ": ص 69، 70 جـ 1.
وقد نزل إفريقية من الصحابة غير الذين ذكرناهم مسعود بن الأسود البلوي أحد الصحابة الذين بايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، والمسور بن مخرمة، والمقداد بن الأسود الكِنْدِي أحد الصحابة السابقين (1)، وبلال بن الحارث بن عاصم المُزَنِيِّ صاحب لواء مزينة يوم الفتح، وجبلة بن عمرو بن ثعلبة أخو أبي مسعود البدري، كان فاضلاً من فقهاء الصحابة، وسلمة بن الأكوع الصحابي المشهور وغيرهم كثير (2).
ودخل إفريقية من التابعين خلق كثير منهم السائب بن عامر بن هشام ومعبد أخو عبد الله بن عباس، وعبد الرحمن بن الأسود، وعاصم بن عمر بن الخطاب، وعبد الملك بن مروان، وعبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، وسليمان بن يسار فقيه المدينة، وعكرمة مولى ابن عباس (3)، وأبو منصور والد يزيد بن منصور من كبار التابعين، كما أرسل عمر بن عبد العزيز عشرة من التابعين يفقهون أهل إفريقية منهم: حبان بن أبي جبلة، وإسماعيل بن عبيد الله الأعور، وإسماعيل بن عبيد (4)، وعبد الرحمن بن رافع التنوخي الذي ولي قضاء إفريقية، وسعيد بن مسعود التجيبي وغيرهم (5) ممن ساهموا في نشر الإسلام وتعليم أبناء البلاد وتفقيههم.
(1) انظر " الاستقصا ": ص 75 - 80 جـ 1.
(2)
انظر " فتوح مصر وأخبارها ": ص 248 - 319. و" طبقات علماء إفريقية ": ص 16، 17.
(3)
لم يدخل عكرمة غازيًا، وكان له مجلس في مؤخر مسجد الجامع في غربي المنارة، الموضع الذي يسمى بِالرَّكِيبِيَّةِ. انظر " طبقات علماء إفريقية ": ص 19.
(4)
هو صاحب سوق مسجد إسماعيل والأحباس، وهو الذي يقال له تاجر الله. أنظر " طبقات علماء إفريقية ": ص 20.
(5)
انظر " طبقات علماء إفريقية ": ص 19 - 21.
وقد تخرج على أيدي هؤلاء من أهل إفريقية خلق كثير منهم: زياد بن أنعم المعافري، وعبد الرحمن بن زياد، ويزيد بن أبي منصور، والمغيرة بن أبي بردة، ورفاعة بن رافع، وعمرو بن راشد بن مسلم الكناني، وعمران بن عبد المعافري، والمغيرة بن سلمة، ومسلم بن يسار الإفريقي، وغيرهم ممن حمل لواء العلم (1).
وما لبثت مدينة القيروان أن أضحت محط أنظار أهل المغرب فكان فيها سحنون بن سعيد، وسعيد بن محمد الحداد (2). كما لمعت قرطبة وإشبيلية وغرناطة وبلنسية، من بلدان الأندلس في مطلع القرن الثالث الهجري بيحيى بن يحيى وابن حبيب، وببقي بن مخلد وغيرهم (3).
8 -
اليَمَنُ:
------------
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وجه معاذ بن جبل وأبا موسى الأشعري إلى اليمن، كما نزل غيرهما من الصحابة فيها، وتخرج في اليمن علماء من ألمع التابعين، منهم همام ووهب بنا منبه، وطاوس وابنه، ثم معمر بن راشد، ثم عبد الرزاق بن همام وأصحابه (4).
9 -
خُرَاسَانُ:
-------------
نزل خراسان من الصحابة وتوفي بها بُرَيْدَةُ بن الحصيب الأسلمي وهو مدفون بمرو، وأبو برزة الأسلمي، والحكم بن عمرو الغفاري، وعبد الله بن
(1) انظر " طبقات علماء إفريقية ": ص 21 - 24.
(2)
انظر " إعلام الموقعين ": ص 27 جـ 1.
(3)
انظر " الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ ": ص 140، وانظر " إعلام الموقعين ": ص 27 جـ 1.
(4)
انظر " الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ ": ص 139، 140.
حازم الأسلمي المدفون بنيسابور، وقثم بن العباس المدفون بسمرقند (1)، وفي هذه البلاد ظهر كبار المحدثين.
في (بخارى) كان عيسى بن موسى غنجار، وأحمد بن حفص الفقيه، ومحمد بن سلام البيكندي، وعبد الله بن محمد السندي، ثم أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري.
وفي (سمرقند) أبو عبد الله بن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، ثم محمد بن نصر المروزي.
كما ظهر في [الشاش] فيما بعد الحسن بن الحاجب والهيثم بن كليب.
وفي (فرياب) تخرج جماعة من العلماء أقدمهم محمد بن يوسف الفريابي صاحب الثوري، ثم القاضي جعفر بن محمد الفريابي صاحب التصانيف المُتَوَفَّى سَنَةَ (226 هـ)(2).
من كل ما تقدم يتبين لنا أن المسلمين عندما ساروا إلى البلاد المجاورة، لم يسيروا وراء دنيا يصيبونها، ولا خلف تجارة يربحون منها، وإنما انطلقوا ليحرروا الأمم من الظلم والطغيان، وينشروا بين أبناء البلاد الجديدة تعاليم الإسلام، ويأخذوا بأيديهم إلى جادة الصواب، ويفتحوا عيونهم على نور الهداية والحق. وبهذا، تتميز الفتوحات الإسلامية عن جميع الفتوحات التي عرفها التاريخ، إلى جانب ميزات كثيرة يضيق المقام بذكرها، ومن أجل تحقيق تلك الغاية المذكورة، استقر علماء الصحابة في الأقطار المختلفة، وأمد الخلفاء الأمصار
(1) انظر " معرفة علوم الحديث ": ص 194.
(2)
انظر " الإعلان بالتوبيخ لم ذم التاريخ: ص 143.
بالعلماء ليسرعوا في حركة التحرير والهداية والتعليم، وقد التف المسلمون الجدد حول من عندهم من الصحابة.
وكان الصحابة يتفاوتون في العلم، ولم يكن عند كل واحد منهم جميع ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم وشرعه، ولهذا بدأت الرحلات العلمية في سبيل جمع الحديث وتلقيه، وقد ظهرت هذه أَيْضًا بين الصحابة، وكثرت الرحلات من التابعين وأتباعهم ليسمعوا ما فاتهم، أو ليتأكدوا مما سمعوا، ولهذا نرى كثيرًا من التابعين يقصدون الصحابة في أقاصي البلاد يسافرون الليالي والأيام في طلب حديث أو حديثين كما سيظهر لنا بعد قليل. وقد رأينا بروز بعض الصحابة ولمعانهم في الأقطار المختلفة، فانطبع تلامذتهم بطابعهم وساروا على نهجهم، ثم حلوا محلهم وحملوا لواء العلم ونشره.
***