الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أجمعت الأمة على الكتابة التي أصبحت من ضروريات حفظ الحديث لا يمكن الاستغناء عنها.
خَامِسًا - المُصَنِّفُونَ الأَوَائِلُ فِي الحَدِيثِ:
لم يلبث هذا التيار من النشاط العلمي وكتابة الحديث أن طالع العالم بمدونات حديثية مختلفة على يدي أبناء النصف الأول من القرن الثاني الهجري، وقد ظهرت تلك المصنفات والكتب في أوقات متقاربة، وفي مناطق مختلفة من الدولة الإسلامية، فبعد أن كان أهل الحديث يجمعون الأحاديث المختلفة في الصحف والكراريس، أصبحوا يرتبون الأحاديث على الأبواب، وكانت هذه المصنفات تشتمل على السنن وما يتعلق بها، وكان بعضها يُسَمَّى مُصَنَّفًا وبعضها يُسَمَّى جَامِعًا أو مَجْمُوعًا وغير ذلك. وقد اختلف في أول من صنف وَبَوَّبَ، فقيل عبد الملك بن عبد العزيز بن جُرَيْجٍ البصري (- 150 هـ) بمكة، ومالك بن أنس (93 - 179 هـ) أو محمد بن إسحاق (- 151 هـ) بالمدينة المنورة، وصنف بها محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب (80 - 158 هـ)" موطأ " أكبر من " موطأ مالك "، والربيع بن صُبيح (- 160 هـ) أو سعيد بن أبي عروبة (- 156 هـ) أو حماد بن سلمة (- 167 هـ) بالبصرة، وسفيان الثوري (97 - 161 هـ) بالكوفة، ومعمر بن راشد (95 - 153 هـ) باليمن، والإمام عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي (88 - 157 هـ) بالشام، وعبد الله بن المبارك (118 - 181 هـ) بخراسان، وهُشَيْمٍ بن بشير (104 - 183 هـ) بواسط (1)، وجرير بن عبد الحميد
(1) انظر " تاريخ بغداد ": ص 85 جـ 14، و" تذكرة الحفاظ ": ص 229 جـ 1.
(110 - 188 هـ) بالري، وعبد الله بن وهب (125 - 197 هـ) بمصر (1)، ثم تلاهم كثير من أهل عصرهم في النسج على منوالهم، وقد كان هذا التصنيف بالنسبة إلى جمع الأبواب وضمها إلى بعضها في مؤلف أو جامع، وأما جمع حديث إلى مثله في باب واحد، فقد سبق إليه التابعي الجليل عامر الشعبي (19 - 103 هـ)، الذي يُرْوَى عنه أنه قال:«هَذا بَابٌ مِنَ الطَّلَاقِ جَسِيمٌ، إِذَا اعْتَدَّتِ المَرْأَةُ وَرِثَتْ» (2)، وساق فيه أحاديث (3).
وكان معظم هذه المصنفات، والمجاميع بضم الحديث الشريف وفتاوى الصحابة والتابعين، كما يتجلى لنا هذا في " موطأ الإمام مالك بن أنس "(4)، ثم رأى بعضهم أن تفرد أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في مؤلفات خاصة، فألفت المسانيد، وهي كتب تضم أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسانيدها خالية من فتاوى الصحابة والتابعين، تجمع فيها أحاديث كل صحابي - ولو كانت في مواضيع مختلفة - تحت اسم مسند فلان، ومسند فلان، وهكذا.
(1) انظر " المحدث الفاصل ": ص 155: ب وما بعدها، و" تدريب الراوي ": ص 40، و" الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 186: ب - 187: آ، و" مقدمة فتح الباري ": ص 4، و" منهج ذوي النظر ": ص 518.
(2)
" المحدث الفاصل ": ص 155، و" الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع " نسخة الإسكندرية: ص 188: آ، و" مقدمة فتح الباري "، و" تدريب الراوي ": ص 40.
(3)
" تدريب الراوي ": ص 40، و" منهج ذوي النظر ": ص 18، وهناك أخبار كثيرة، تثبت أن جمع الأبواب بعضها إلى بعض كان بعد جمع الأحاديث في باب واحد. من ذلك ما رواه خَالِدُ بْنُ دِينَارٍ، قَالَ:«قُلْتُ لأَبِي العَالِيَةِ: أَعْطِنِي كِتَابَكَ» ، قَالَ:«مَا كَتَبْتُ إِلَاّ بَابَ الصَّلَاةِ، وَبَابَ الطَّلَاقِ» . وقال يحيى بن سعيد: «كَانَ سُفْيَانُ صَاحِبَ أَبْوَابٍ» . وقال سفيان الثوري: «كَمْ مِنْ أَحَادِيثَ طَنَّانَاتٍ لَا يُؤْبَهُ لَهَا قَدْ أَخْرَجْنَا عَنْ صَاحِبِ هَذَا القَبْرِ (ابْنُ جُرَيْجٍ) فِي أَبْوَابٍ» . انظر " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع " نسخة الإسكندرية: ص 188: آ - 188: ب وعن عاصم الأحول (- 142 هـ) قال: «قَرَأْتُ عَلَى الشَّعْبِيِّ أَحَادِيثَ فِي الفِقْهِ فَأَجَازَهَا لِي» . انظر " الكفاية ": ص 264.
(4)
في " موطأ مالك " ثلاثة آلاف مسألة وسبعمائة حديث. انظر " الرسالة المستطرفة ": ص 11.
وأول من ألف المسانيد أبو داود سليمان بن الجارود الطيالسي (133 - 204 هـ)(1) وتبعه من عاصره من أتباع التابعين وأتباعهم، فصنف أسد بن موسى الأموي (- 212 هـ)، وعبيد الله بن موسى العبسي (- 213 هـ)، ومسدد البصري (- 228) ونعيم بن حماد الخزاعي المصري (- 228)، واقتفى الائمة آثارهم، كأحمد بن حنبل (164 - 241 هـ)، وإسحاق بن راهويه (161 - 238 هـ)، وعثمان بن أبي شيبة (156 - 239 هـ) وغيرهم (2).
ويعتبر " مسند الإمام أحمد بن حنبل " - وهو من أتباع أتباع التابعين - أوفى تلك المسانيد وأوسعها.
جمع هؤلاء الحديث ودونوه بأسانيده، واجتنبوا الأحاديث الموضوعة، وذكروا طُرُقًا كثيرة لكل حديث، يتمكن بها جهابذة هذا العلم وصيارفته من معرفة الصحيح من الضعيف، والقوي من المعلول، مما لا يتيسر لكل طالب علم، فرأى بعض الأئمة أن يصنفوا في الحديث الصحيح فقط، فصنفوا كتبهم على الأبواب، واقتصروا فيها على الحديث الصحيح، وظهرت " الكتب الستة " في هذا العصر، عصر أتباع أتباع التابعين، وكان أول من صنف ذلك الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (194 - 256 هـ)، ثم الإمام مسلم بن الحجاج القشيري (204 - 261 هـ)، وأبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني (202 - 275 هـ) وأبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي
(1) انظر " الرسالة المستطرفة ": ص 46، وقد طبع هذا " المسند " طبعة جيدة في حيدر آباد بالهند سَنَةَ 1321 هـ.
(2)
انظر " منهج ذوي النظر ": ص 18، و" تدريب الراوي ": ص 40، و" الرسالة المستطرفة ": 36 - 47.