الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفَصْلُ الأَوَّلُ: حَوْلَ تَدْوِينِ الحَدِيثِ
…
:
1 - الكِتَابَةُ عِنْدَ العَرَبِ قَبْلَ الإِسْلَامِ:
تدل الدراسات العلمية على أن العرب كانوا يعرفون الكتابة قبل الإسلام، فكانوا يؤرخون أهم حوادثهم على الحجارة، وقد أثبتت الأبحاث الأثرية ذلك بأدلة قاطعة، تعود إلى القرن الثالث الميلادي، وأكثر الآثار التي تحمل كتابات العرب كانت في الأطراف الشمالية للجزيرة العربية (1) حيث كان الاتصال وثيقًا بالحضارة الفارسية والرومية، ومما يذكر أن عدي بن زيد العبادي (- 35 ق هـ) حين نما وأيفع طرحه أبوه في الكُتَّابِ حتى حذق العربية، ثم دخل ديوان كسرى، وهو أول من كتب بالعربية في ديوان كسرى (2).
وهذا يدل على وجود بعض الكتاتيب في الجاهلية، يتعلم فيها الصبيان الكتابة والشعر وأيام العرب، ويشرف على هذه الكتاتيب معلمون ذَوُو مكانة رفيعة، أمثال أبي سفيان بن أمية بن عبد شمس، وبشر بن عبد الملك السكوني، وأبي قيس بن عبد مناف بن زهرة، وعمرو بن زرارة المسمى بـ (الكاتب) وغيرهم (3)، وقد اسْتُقْدِمَ أبو جفينة إلى المدينة ليعلم الكتابة (4)، وَ «كَانَ بَعْضُ اليَهُودِ قَدْ عَلِمَ كِتَابَ العَرَبِيَّةِ، وَكَانَ يُعَلِّمُهُ الصِّبْيَانَ بِالمَدِينَةِ فِي الزَّمَنِ الأَوَّلِ،
(1) انظر " مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية ": ص 24 - 32 وقد فصل القول في هذا.
(2)
انظر " الأغاني ": ص 101، 102 جـ 2.
(3)
انظر كتاب " المحبر ": ص 475. وقد ذكرهم تحت عنوان (أشراف المعلمين).
(4)
انظر " تاريخ الأمم والملوك " للطبري: ص 42 جـ 5.
فَجَاءَ الإِسْلَامُ وَفِي الأَوْسِ وَالخَزْرَجِ عِدَّةٌ يَكْتُبُونَ» (1).
وكان العرب يطلقون اسم (الكامل) على كل رجل يكتب، ويحسن الرمي، ويجيد السباحة (2)، ولكن كثيرًا من الشعراء كانوا يفخرون بحفظهم، وقوة ذاكرتهم، بل إن بعضهم كان يخفي على الناس معرفته بالكتابة، ويخشى أن يكشف أحد أمره، وإذا ما كشف أمر أحدهم قال:«اُكْتُمْ عَلَيَّ فَإِنَّهُ عِنْدَنَا عَيْبٌ» (3).
بعد هذا نستبعد أن يكون قول بعض المؤرخين: «دَخَلَ الإِسْلَامُ وَبِمَكَّةَ بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً يَكْتُبُ» (4) - صورة دقيقة لحقيقة معرفة العرب بالكتابة قبيل الإسلام، ونستبعد أن يكون هذا على وجه الإحصاء والضبط، ومع هذا لا يباح لنا أن نغالي في معرفة العرب للكتابة، ونذهب مذهب من ادعى كثرة الكتابة عند العرب في الجاهلية، وكثرة الكاتبين القارئين، وقد حاول بعض المستشرقين وبعض الكاتبين العرب أن يدعموا رأيهم هذا بتأويل وصف الله تعالى للعرب (بِالأُمِّيِّينَ) - في قوله عز وجل:{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (5) - بأنه «لَا يَعْنِي بِالأُمِيَّةِ الكِتَابِيَّةِ
(1)" فتوح البلدان ": ص 459.
(2)
انظر " طبقات " ابن سعد: ص 136 قسم 2 جـ 2.و" عيون الأخبار ": ص 168 جـ 2. و" فتوح البلدان ": ص 459.
(3)
" الأغاني ": ص 116 جـ 16 هذا ما روي عن ذِي الرُمَّةِ.
(4)
انظر مثالاً على هذا ما جاء في " قبول الأخبار ": ص 64، وانظر عبارة المؤرخين التي يُرَدِّدُونَهَا:«وَكَانَتْ الكِتَابَةُ فِي العَرَبِ قَلِيلَةً» . ومثال هذا في " طبقات " ابن سعد: ص 83 قسم 2 جـ 2 وص: 77 قسم 2 جـ 3.
(5)
[سورة الجمعة، الآية: 2].
وَلَا العِلْمِيَّةِ، وَإِنَّمَا الأُمِّيَّةُ الدِّينِيَّةُ، أَيْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ قَبْلِ القُرْآنِ الكَرِيمِ كِتَابٌ دِينِيٌّ، وَمِنْ هُنَا كَانُوا أُمِّيِّينَ دِينِيًّا، وَلَمْ يَكُونُوا مِثْلَ (أَهْلِ الكِتَابِ) مِنَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى الذِينَ كَانَ لَهُمْ التَّوْرَاةُ وَالإِنْجِيلَ» (1). وَحَمْلُ هذا اللفظ على هذا المعنى من غير قرينة لا مسوغ له، لأنه يقتضي التفريق بين تفسير الأميين وهم العرب (جهلة الشريعة) وتفسير ما وصف به الرسول صلى الله عليه وسلم من الأمية - في قوله تعالى:{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ} (2). بأنه الذي لا يعرف القراءة والكتابة، ولا داعي لهذا التفريق في المعنى، ولا مؤيد له فلا بد من حمل اللفظ على أحد المعنيين، والأصل فيه عدم معرفة القراءة والكتابة (3)، على أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بَيَّنَ الأُمِّيَّةَ المعنية بما لا يرقى إليه الشك، فقد أخرج الشيخان وأصحاب السنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ، لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ. الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا
…
» (4).
(1)" مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية ": ص 45.
(2)
[سورة الأعراف، الآية: 157].
(3)
لقد اختار الدكتور [ناصر] الدين الأسد تفسير (الأُمِّيِّينَ) بمعنى جهلة الشريعة، أي الأمية الدينية لا الأمية المتعلقة بالقراءة والكتابة، ودعم رأيه هذا بشواهد فصل فيها، انظر ذلك في كتابه " مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية ": ص 45. وتعرض الدكتور صبحي الصالح في كتابه " علوم الحديث ومصطلحه " لهذا التفسير الذي اعتمد عليه المستشرقون في زعمهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان كاتبًا قارئًا، وأن وصفه بالأمية - كوصف العرب بها - لا ينافي معرفة القراءة والكتابة. انظر كتابه الصفحة: 2 - 4 وهوامشها، وقد رد عليهم رَدًّا جليلاً.
(4)
وتتمة الحديث «وَهَكَذَا يَعْنِي مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ، وَمَرَّةً ثَلَاثِينَ» انظر " فتح الباري ": ص 28، 29 جـ 5 و " صحيح مسلم ": ص 761 حديث 15 جـ 2 وقد رُوِيَ من طرق كثيرة، قال هذا صلى الله عليه وسلم بمناسبة رؤية هلال رمضان، ورأى جمهور المحدثين على أن المراد بالأمة الأمة العربية آنذاك، والمراد من الأمية، أمية القراءة والكتابة، وقد قيل للعرب أميون لأن =