الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
11 - أَبُو هُرَيْرَةَ وَالفَتْوَى:
لم يكن أبو هريرة راوية للحديث فقط، بل كان من رؤوس العلم في زمانه، في القرآن وَالسُنَّةِ والاجتهاد، فَإِنَّ صُحبته وملازمته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أتاحت له أَنْ يَتَفَقَّهَ في الدين، ويشاهد السُنَّةَ العَمَلِيَّةَ، عظيمها ودقيقها، فَتَكَوَّنَتْ عنده حصيلة كثيرة من الحديث الشريف، وقد اطَّلَعَ على حلول أكثر المسائل الشرعية، التي كانت تُعْرَضُ للمسلمين في عهده عليه الصلاة والسلام.
كل ذلك هَيَّأَ أبا هريرة، لأنْ يفتي المسلمين في دينهم نَيِّفًا وَعِشْرِينَ سَنَةُ، والصحابة كثيرون آنذاك. ويذكر لنا عَنْ زِيَادِ بنِ مِينَا، قَالَ:«كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَأَبُو سَعِيدٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَجَابِرٌ مَعَ أَشْبَاهٍ لَهُم، يُفْتُونَ بِالمَدِينَةِ، وَيُحَدِّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ لَدُنْ تُوُفِّيَ عُثْمَانُ إِلَى أَنْ تُوُفُّوا. قَالَ: وَهَؤُلَاءِ الخَمْسَةُ إِلَيْهِمْ صَارَتِ الفَتْوَى» (1).
وولي البحرين لعمر، وأفتى الناس فيها، وكانت فتاواه تتلاقى وفتاوى عمر بن الخطاب (2) وكان يفتي بحضور ابن عباس (3). وإن المقام يضيق بنا عن حصر فتاواه، ولن نفرط في القول فَنَدَّعِي أنه كان من المكثرين في الفتيا، بل كان من المتوسطين في ذلك، كما ذكر الإمام أبو محمد بن حزم إذ قال: «وَالمُتَوَسِّطُونَ مِنْهُمْ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُمْ مِنَ الفُتْيَا: أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَأُمُّ سَلَمَةَ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَأَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ،
…
فَهَؤُلَاءِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يُمْكِنُ أَنْ يُجْمَعَ مِنْ فُتْيَا كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ صَغِيرٌ جِدًّا» (4).
(1)" تاريخ الإسلام ": ص 337 جـ 2، و" سير أعلام النبلاء ": ص 437 جـ 2.
(2)
انظر " سير أعلام النبلاء ": ص 445 و 446 جـ 2.
(3)
انظر " سير أعلام النبلاء ": ص 437 و 445 جـ 2.
(4)
" إعلام الموقعين ": ص 12 جـ 1، و " سير أعلام النبلاء " عن " الإحكام في أصول الأحكام ": ص 451 جـ 2.