الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 - تَعْرِيفُ الصَّحَابِي:
الصحابي لغة: مشتق من الصحبة، وليس مشتقًا من قدر خاص منها، بل هو جار على كل من صحب غيره قليلاً كان أو كثيرًا، كما أن القول: مكلم ومخاطب وضارب مشتق من المكالمة، والمخاطبة والضرب، وجار على كل من وقع منه ذلك قليلاً كان أو كثيرًا، وكذلك جميع الأسماء المشتقة من الأفعال.
وكذلك يقال صحب فلان حَوْلاً وَدَهْرًا وَسَنَةً وَيَوْمًا وَسَاعَةًً فيوقع اسم المصاحبة بقليل ما يقع منها وكثيره (1).
والصحابي عند المحدثين:
هو كل مسلم رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم (2)، قال البخاري في " صحيحه ":«وَمَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، أَوْ رَآهُ مِنَ المُسْلِمِينَ، فَهُوَ مِنْ أَصْحَابِهِ» ، وَذَكَرَ الإِمَامُ أَحْمَدُ «مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَهْلَ بَدْرٍ، ثُمَّ قَالَ: أَفْضَلُ النَّاسِ بَعْدَ هَؤُلَاءِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم القَرْنُ الذِي بُعِثَ فِيهِمْ ، كُلُّ مَنْ صَحِبَهُ سَنَةً أَوْ شَهْرًا أَوْ يَوْمًا أَوْ سَاعَةً أَوْ رَآهُ فَهُوَ مِنْ أَصْحَابِهِ ، لَهُ مِنَ الصُّحْبَةُ عَلَى قَدْرِ مَا صَحِبَهُ ، وَكَانَتْ سَابِقَتُهُ مَعَهُ ، وَسَمِعَ مِنْهُ ، وَنَظَرَ إِلَيْهِ» (3).
(1) انظر " الكفاية في علم الرواية ": ص 51، و" فتح المغيث ": ص 31 جـ 4 عن أبي بكر الباقلاني، وانظر " لسان العرب ": ص 7 جـ 2.
(2)
انظر " مقدمة ابن الصلاح ": ص 118، و" الباعث الحثيث ": ص 201، و " تدريب الراوي ": ص 396، و" فتح المغيث ": ص 29 جـ 4.
(3)
" الكفاية في علم الرواية ": ص 51، و" تلقيح فهوم أهل [الأثر] " [لابن الجوزي]: ص 27: ب.
وقال آخرون: لا بد في إطلاق الصحبة مع الرؤية أن يروى حديثًا أو حديثين (2).
قَالَ الوَاقِدِيُّ: «وَرَأَيْتُ أَهْلَ العِلْمِ يَقُولُونَ: كُلُّ مَنْ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ أَدْرَكَ الحُلُمَ فَأَسْلَمَ وَعَقَلَ أَمْرَ الدِّينِ وَرَضِيَهُ فَهُوَ عِنْدَنَا مِمَّنْ صَحِبَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَلَوْ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ» (3). إلا أن تعريف الواقدي هذا يخرج بعض الصحابة الذين رأوا رسول الله وهم دون الحُلُمِ وَرَوَوْا عنه، كعبد الله بن عباس والحسن والحسين وابن الزبير وغيرهم رضي الله عنهم، ولذلك قال العراقي:«وَالتَّقْيِيدُ بِالبُلُوغِ [- كَمَا قَالَ الْمُؤَلِّفُ -] شَاذٌّ» (4).
قَالَ إِمَامُ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: «الصَّحَابَةُ لَا نَعُدُّهُمْ إِلَاّ مَنْ أَقَامَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ ، وَغَزَا مَعَهُ غَزْوَةً أَوْ غَزْوَتَيْنِ» (5).
قال ابن الصلاح: «وَكَأَنَّ المُرَادَ بِهَذَا - إِنْ صَحَّ عَنْهُ - رَاجِعٌ إِلَى المَحْكِيِّ عَنْ
(1)" مقدمة ابن الصلاح ": ص 118، و" فتح المغيث ": ص 30، 31 جـ 4.
(2)
انظر " الباعث الحثيث ": ص 203، و" فتح المغيث ": ص 32 جـ 4.
(3)
" تلقيح فهوم أهل الأثر ": ص 27: ب ونحوه في " فتح المغيث ": ص 32 جـ 4، و" الكفاية ": ص 51.
(4)
" فتح المغيث ": ص 32 جـ 4.
(5)
" الكفاية ": ص 50، 51، و" الباعث الحثيث ": ص 203، و" تلقيح فهوم أهل الأثر ": ص 27: ب، و" تدريب الراوي ": ص 398.
----------------------
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*) ورد في المطبوع (الصحابة) والصواب (الصُّحْبَةِ) انظر " مقدمة ابن الصلاح "، تحقيق وشرح الشيخ نور الدين عتر، ص 293، طبعة سنة: 1406هـ - 1986م، نشر: دار الفكر للطباعة والتوزيع والنشر بدمشق - سوريا.
الأُصُولِيِّينَ، وَلَكِنْ فِي عِبَارَتِهِ ضِيقٌ يُوجِبُ أَلَاّ يُعَدَّ مِنَ الصَّحَابَةِ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ البَجَلِيُّ وَمَنْ شَارَكَهُ
…
» (1).
قال العراقي: «وَلَا يَصِحُّ هَذَا عَنْ ابْنِ المُسَيِّبِ، فَفِي الإِسْنَادِ إِلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الوَاقِدِيُّ ضَعِيفٌ فِي الحَدِيثِ» (2).
والرؤية عند أنس بن مالك رضي الله عنه لا تكفي لجعل الرائي صحابيًا.
رَوَى شُعْبَةُ عَنْ مُوسَى السَّبْلَانِيَّ وَأَثْنَى عَلَيْهِ خَيْرًا، قُلْتُ لأَنَسٍ بْنِ مَالِكَ: «"هَلْ بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَحَدٌ غَيْرُكَ؟ " قَالَ: " نَاسٌ مِنَ
(1)" فتح المغيث ": ص 32 جـ 4.
(2)
" فتح المغيث ": ص 32 جـ 4.
(3)
" تلقيح فهوم أهل الأثر ": ص 27: ب.
(4)
" الإصابة ": ص 4 جـ 1، وهكذا ليس من عاصر الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يره صحابيًا كما قاله بعضهم، انظر جميع المراجع السابقة.
الأَعْرَابِ رَأَوْهُ، فَأَمَّا مَنْ صَحِبَهُ فَلَا ". رواه مسلم بحضرة أبي زرعة» (1).
قَالَ أَبُو بَكْرٍالبَاقِلَاّنِيُّ (338 - 403 هـ) بَعْدَ أَنْ عَرَّفَ الصَّحَابِيَّ لُغَةً: «وَكَذَلِكَ يُقَالُ: صَحِبْتُ فُلَانًا حَوْلاً وَدَهْرًا وَسَنَةً وَشَهْرًا وَيَوْمًا وَسَاعَةً ، فَيُوقَعُ اسْمُ المُصَاحَبَةِ بِقَلِيلِ مَا يَقَعُ مِنْهَا وَكَثِيرِهِ ، وَذَلِكَ يُوجِبُ فِي حُكْمِ اللُّغَةِ إِجْرَاءَ هَذَا عَلَى مَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَلَوْ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ، هَذَا هُوَ الأَصْلُ فِي اشْتِقَاقِ الاسْمِ ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ تَقَرَّرَ لِلأُمَّةِ (2) عُرْفٌ فِي أَنَّهُمْ لَا يَسْتَعْمِلُونَ هَذِهِ التَّسْمِيَةِ إِلَاّ فِيمَنْ كَثُرَتْ صُحْبَتُهُ وَاتَّصَلَ لِقَاؤُهُ ، وَلَا يُجْرُونَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ لَقِيَ المَرْءَ سَاعَةً ، وَمَشَى مَعَهُ خُطًى ، وَسَمِعَ مِنْهُ حَدِيثًا ، فَوَجَبَ لِذَلِكَ أَنْ لَا يُجْرَى هَذَا الاسْمُ فِي عُرْفِ الاِسْتِعْمَالِ إِلَاّ عَلَى مَنْ هَذِهِ حَالُهُ» (3).
ومع هذا فإن خبر الثقة الأمين عنه مقبول ومعمول به وإن لم تطل صحبته، ولا سمع منه إلا حديثًا واحدًا. فقول أنس رضي الله عنه لا يخالف عرف الأمة، ومما لا شك فيه أن الصحابة على درجات بحسب تقدمهم وبلائهم في الإسلام.
وإلى رأي الجمهور أميل وبه أقول، لأنه في الحقيقة لَمْ يَرْوِ صحابي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا إلا قد ثبتت عدالته عند جهابذة هذا العلم، بتطبيق قواعد النقد العلمي الصحيحة، التي طبقوها في علم الحديث على سائر الرواة، وسيتجلى لنا ما ذهبت إليه عندما نتكلم عن عدالة الصحابة.
(1)" الباعث الحثيث ": ص 203، قال ابن الصلاح:«إسْنادُهُ جيِّدٌ، حدَّثَ بهِ مُسْلِمٌ بِحَضْرَةِ أَبِي زُرْعَةَ» . وانظر " فتح المغيث ": ص 31 جـ 4. وقال في كلام أبي زرعة الرازي وأبي داود ما يقتضي أن الصحبة أخص من الرؤية: «فَإِنَّهُمَا قَالَا فِي طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ: لَهُ رُؤْيَةٌ وَلَيْسَتْ لَهُ صُحْبَةٌ. وَقَالَ عَاصِمٌ الأَحْوَلُ: قَدْ رَأَى عَبْدُ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ صُحْبَةٌ
…
»
وقال ابن كثير: «وَهَذَا إِنَّمَا نَفَى فِيه الصُّحْبَةَ الخَاصَّةَ، وَلَا يَنْفِي مَا اِصْطَلَحَ عَلَيه الجُمْهُورُ مِنْ أَنَّ مُجَرَّدَ الرُّؤًيَةِ كَافٍ فِي إِطْلَاقِ الصُّحْبَةِ» . " الباعث الحثيث ": ص 203، وانظر " الكفاية ": ص 50.
(2)
في " الكفاية ": ص 51 «لِلأُمَّةِ» وفي " فتح المغيث ": «لِلأَئِمَّةِ» .
(3)
" الكفاية ": ص 51. و" فتح المغيث ": ص 31 جـ 4.