الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المَبْحَثُ الأَوَّلُ: اقْتِدَاءُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بِالرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم
-:
لقد استجاب المسلمون الأوائل إلى قوله عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (1) فتفانوا في اتباع محمد صلى الله عليه وسلم، وساروا على هديه، وهذه صور سريعة عن تمسكهم بالسُنَّةِ النبوية، تتناول أحوال الرعية والرعاة في مختلف جوانب الحياة.
فها هو ذا أبو بكر الصدِّيق يعقد لواء أسامة بن زيد، ويأبى أنْ يحتفظ بجيشه وهو في أشد الحاجة إليه، ويقول:«مَا كَانَ لِي أَنْ أَحِلَّ لِوَاءً عَقَدَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم» ، ويعقد اللواء لخالد بن الوليد ليقاتل المُرْتَدِّينَ، وَيَقُولُ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «نِعْمَ عَبْدُ اللهِ وَأَخُو العَشَيرَةِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَسَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ عز وجل، سَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الكُفَّارِ وَالمُنَافِقِينَ» (2).
وتأتيه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، تطلب سهم رسول الله عليه الصلاة والسلام، فيقول لها: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ عز وجل إِذَا أَطْعَمَ نَبِيًّا طُعْمَةً، ثُمَّ قَبَضَهُ جَعَلَهُ لِلَّذِي يَقُومُ مِنْ بَعْدِهِ، فَرَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّهُ عَلَى المُسْلِمِينَ، فَقَالَتْ فَأَنْتَ وَمَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْلَمُ» (3) وقال: في رواية: «لَسْتُ تَارِكًا شَيْئًا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
(1)[سورة الأحزاب، الآية: 21].
(2)
" مسند الإمام أحمد ": ص 173 جـ 1 بإسناد صحيح عن أبي بكر.
(3)
" مسند الإمام أحمد ": ص 160 جـ 1 بإسناد صحيح ونحوه في ص 177 و 178 جـ 1.
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْمَلُ بِهِ إِلَاّ عَمِلْتُ بِهِ إِنِّي أَخْشَى إِنْ تَرَكْتُ شَيْئًا مِنْ أَمْرِهِ أَنْ أَزِيغَ» (1).
ولما ارْتَدَّ مسيلمة الكذاب وقومه قال عمر لأبي بكر رضي الله عنهما: «تُقَاتِلُهُمْ وَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَاّ بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى) -؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: " وَاللهِ لَا أُفَرِّقُ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، وَلأُقاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا ". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: " فَقَاتَلْنَا مَعَهُ فَرَأَيْنَا ذَلِكَ رُشْدًا "» (2).
وَعَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، ابْنُ أُخْتِ نَمِرٍ، أَنَّ حُوَيْطِبَ بْنَ عَبْدِ الْعُزَّى، أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ السَّعْدِىِّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ، قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ فِي خِلافَتِهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَلَمْ أُحَدَّثْ أَنَّكَ تَلِي مِنْ أَعْمَالِ النَّاسِ أَعْمَالاً، فَإِذَا أُعْطِيتَ العُمَالَةَ كَرِهْتَهَا؟ قَالَ: فَقُلْتُ: بَلَى. فَقَالَ عُمَرُ: فَمَا تُرِيدُ إِلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: إِنَّ لِي أَفْرَاسًا وَأَعْبُدًا، وَأَنَا بِخَيْرٍ، وَأُرِيدُ أَنْ تَكُونَ عَمَالَتِي صَدَقَةً عَلَى المُسْلِمِينَ، فَقَالَ عُمَرُ: فَلا تَفْعَلْ، فَإِنِّي قَدْ كُنْتُ أَرَدْتُ الذِي أَرَدْتَ، فَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعْطِينِي الْعَطَاءَ، فَأَقُولُ: أَعْطِهِ أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّي، حَتَّى أَعْطَانِي مَرَّةً مَالاً، فَقُلْتُ: أَعْطِهِ أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّي، قَالَ: فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «خُذْهُ فَتَمَوَّلْهُ، وَتَصَدَّقْ بِهِ، فَمَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ، وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلا سَائِلٍ، فَخُذْهُ وَمَا لَا، فَلا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ» (3).
(1)" مسند الإمام أحمد ": ص 167 جـ 1 بإسناد صحيح من حديث طويل.
(2)
" مسند الإمام أحمد ": ص 181 جـ 1 بإسناد صحيح، وما بين القوسين الكبيرين نص الحديث الذي ذكره أبو هريرة أولاً ثم ذكر مناقشة عمر وأبي بكر رضي الله عنهما.
(3)
" مسند الإمام أحمد ": ص 197 جـ 1 بإسناد صحيح قال الحافظ ابن حجر في " التهذيب " =
وَعَنْ فَرُّوخَ، مَوْلَى عُثْمَانَ، أَنَّ عُمَرَ - وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ -، خَرَجَ إِلَى المَسْجِدِ فَرَأَى طَعَامًا مَنْثُورًا، فَقَالَ: مَا هَذَا الطَّعَامُ؟ فَقَالُوا: طَعَامٌ جُلِبَ إِلَيْنَا، قَالَ: بَارَكَ اللَّهُ فِيهِ، وَفِيمَنْ جَلَبَهُ، قِيلَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُ قَدِ احْتُكِرَ، قَالَ: وَمَنِ احْتَكَرَهُ؟ قَالُوا: فَرُّوخُ مَوْلَى عُثْمَانَ، وَفُلانٌ مَوْلَى عُمَرَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمَا فَدَعَاهُمَا، فَقَالَ: مَا حَمَلَكُمَا عَلَى احْتِكَارِ طَعَامِ المُسْلِمِينَ؟ قََالَا: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، نَشْتَرِي بِأَمْوَالِنَا، وَنَبِيعُ، فَقَالَ عُمَرُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنِ احْتَكَرَ عَلَى المُسْلِمِينَ طَعَامَهُمْ، ضَرَبَهُ اللَّهُ بِالإِفْلاسِ، أَوْ بِجُذَامٍ» ، فَقَالَ فَرُّوخُ عِنْدَ ذَلِكَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، أُعَاهِدُ اللَّهَ، وَأُعَاهِدُكَ، أَنْ لَا أَعُودَ فِي طَعَامٍ أَبَدًا، وَأَمَّا مَوْلَى عُمَرَ فَقَالَ: إِنَّمَا نَشْتَرِي بِأَمْوَالِنَا وَنَبِيعُ. قَالَ أَبُو يَحْيَى: فَلَقَدْ رَأَيْتُ مَوْلَى عُمَرَ مَجْذُومًا (1).
وفي وقعة اليرموك كتب القادة إلى عمر بن الخطاب: «إِنَّهُ قَدْ جَاشَ إِلَيْنَا المَوْتُ» يستمدونه، فكان فيما أجابهم:«إِنِّي أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ هُوَ أَعَزُّ نَصْرًا وَأَحْضَرُ جُنْدًا، اللَّهُ عز وجل فَاسْتَنْصِرُوهُ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم قَدْ نُصِرَ يَوْمَ بَدْرٍ فِي أَقَلَّ مِنْ عِدَّتِكُمْ، فَإِذَا أَتَاكُمْ كِتَابِي هَذَا فَقَاتِلُوهُمْ، وَلا تُرَاجِعُونِي» (2)!!
وهكذا كان الصحابة يَتَمَسَّكُونَ بِهُدَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
= جـ 3 ص 66 - 67 في ترجمة حُويطب (روى له الشيخان والنسائي حديثًا واحدًا في العمالة، وهو الذي اجتمع في إسناده أربعة من الصحابة) يريد هذا الحديث والصحابة الأربعة هم: السائب وحويطب وعبد الله بن السعدي وعمر) انظر هامش ص 197 جـ 1 من " مسند أحمد ". ومعنى مشرف في الحديث: متطلع إلى المال.
(1)
" مسند الإمام أحمد ": ص 214 حديث 135 جـ 1 بإسناد صحيح وأبو يحيى المكي هو راوي الحديث عن فروخ.
(2)
" مسند الإمام أحمد ": ص 304 جـ 1.
وَسُنَّتِهِ، ولو كانوا يشرفون على الموت والهلاك.
وكان الصحابة جَمِيعًا يحرصون على سُنَنِ النبي عليه الصلاة والسلام، ويأمر بعضهم بعضًا باتباعها، مِنْ ذَلِكَ أََنَّ عُمَرَ بْنُ الخَطَّابِ رَأَى زَيْدَ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ يَرْكَعُ بَعْدَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ فَمَشَى إِلَيْهِ وَضَرَبَهُ بِالدِّرَّةِ، فَقَالَ لَهُ:«يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اضْرِبْ فَوَاللَّهِ لَا أَدَعْهُمَا بَعْدَ أَنْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّيهِمَا» ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ:«يَا زَيْدُ لَوْلَا أَنِّي أَخْشَى أَنْ [يَتَّخِذَهُمَا] النَّاسُ سُلَّمًا إِلَى الصَّلَاةِ حَتَّى اللَّيْلِ لَمْ أَضْرِبْ فِيهِمَا» (1).
ويرى عمر رضي الله عنه الناس قد أقبلوا على طيبات الدنيا مما أَحَلَّ لهم الله تعالى، فيُذكِّرهم برسولهم صلى الله عليه وسلم، فيقول:«لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَظَلُّ الْيَوْمَ يَلْتَوِي، مَا يَجِدُ دَقَلاً يَمْلأُ بِهِ بَطْنَهُ» . (2).
لقد كان عمر رضي الله عنه وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يَتَأَسَّوْنَ بالرسول الكريم ما استطاعوا في جميع أحوالهم، فلما طعن عمر رضي الله عنه قِيلَ لَهُ: أَلَا تَسْتَخْلِفُ؟ فَقَالَ: «إِنْ أَتْرُكْ فَقَدْ تَرَكَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَإِنْ أَسْتَخْلِفْ فَقَدِ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي أَبُو بَكْرٍ» (3).
حَدَّثَ مَالِكٌ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الزِّيَادِيَّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ جَاءَ يَسْتَأْذِنُ عَلَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانٍ، فَأَذِنَ لَهُ وَبِيَدِهِ عَصَاهُ، فَقَالَ عُثْمَانُ: يَا كَعْبُ، إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ مَالاً، فَمَا تَرَى فِيهِ؟ فَقَالَ: إِنْ كَانَ يَصِلُ فِيهِ حَقَّ اللهِ فَلا بَأْسَ عَلَيْهِ. فَرَفَعَ
(1) كتاب " الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة ": ص 92، وقد روى الإمام مسلم عن أنس قال:«كَانَ عُمَرُ يَضْرِبُ الأَيْدِي عَلَى صَلَاةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ» .
(2)
" مسند الإمام أحمد ": ص 307 و 324 جـ 1 بإسناد صحيح، والدقل هو رديء التمر ويابسه.
(3)
المرجع السابق: ص 284 جـ 1.
أَبُو ذَرٍّ عَصَاهُ فَضَرَبَ كَعْبًا، وَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَا أُحِبُّ لَوْ أَنَّ لِي هَذَا الجَبَلَ ذَهَبًا أُنْفِقُهُ وَيُتَقَبَّلُ مِنِّي، أَذَرُ خَلْفِي مِنْهُ سِتَّ أَوَاقٍ» أَنْشُدُكَ اللهَ يَا عُثْمَانُ، أَسَمِعْتَهُ - ثَلاثَ مَرَّاتٍ -؟ قَالَ: نَعَمْ (1).
عَطَاءٌ الخُرَاسَانِيَّ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: «رَأَيْتُ عُثْمَانَ قَاعِدًا فِي المَقَاعِدِ، فَدَعَا بِطَعَامٍ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ فَأَكَلَهُ، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلاةِ فَصَلَّى، ثُمَّ قَالَ عُثْمَانُ: " قَعَدْتُ مَقْعَدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَكَلْتُ طَعَامَ رَسُولِ اللهِ، وَصَلَّيْتُ صَلاةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم "» (2).
وَعَنْ مَيْسَرَةَ بْنَ يَعْقُوبٍ الطُّهَوِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا، يَشْرَبُ قَائِمًا قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ تَشْرَبُ قَائِمًا؟ فَقَالَ: «إِنْ أَشْرَبْ قَائِمًا، فَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَشْرَبُ قَائِمًا، وَإِنْ أَشْرَبْ قَاعِدًا، فَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَشْرَبُ قَاعِدًا» (3).
وَعَن عَبْدِ خَيْرٍ بن يَزِيدٍ الخَيْوَانِىِّ الهَمَدَاني (تابعي) عَنْ عَلِىِّ رضي الله عنه قَالَ: «كُنْتُ أُرَى أَنَّ بَاطِنَ الْقَدَمَيْنِ أَحَقُّ بِالمَسْحِ مِنْ ظَاهِرِهِمَا حَتَّى رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ ظَاهِرَهُمَا» (4).
وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا أُتِيَ بِدَابَّةٍ لِيَرْكَبَهَا، فَلَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الرِّكَابِ قَالَ: بِسْمِ اللهِ، فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَيْهَا قَالَ: «الحَمْدُ لِلَّهِ، سُبْحَانَ الَّذِي
(1)" مسند الإمام أحمد ": ص 357 جـ 1 بإسناد صحيح.
(2)
المرجع السابق: ص 378 جـ 1 بإسناد صحيح. ويظهر أنَّ المقاعد مكان في المسجد كانوا يتوضَّؤون عنده، وقد ورد ذكره في حديث رواية عثمان لوضوء الرسول صلى الله عليه وسلم.
(3)
" مسند الإمام أحمد ": ص 179 حديث 916 جـ 2 بإسناد حسن ومن طريق زَاذَان، أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، شَرِبَ قَائِمًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ النَّاسُ كَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوهُ، فَقَالَ:«مَا تَنْظُرُونَ؟ إِنْ أَشْرَبْ قَائِمًا» ، الحديث بإسناد صحيح، نفس المرجع: ص 130 جـ 2 حديث 795.
(4)
" مسند الإمام أحمد ": ص 103 حديث 737 و 917 جـ 2 بإسناد صحيح.
سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ، وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ»، ثُمَّ حَمِدَ اللهَ ثَلاثًا، وَكَبَّرَ ثَلاثًا، ثُمَّ قَالَ:«سُبْحَانَكَ لَا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، قَدْ ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي» . ثُمَّ ضَحِكَ، فَقُلْتُ: مِمَّ ضَحِكْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلْتُ، ثُمَّ ضَحِكَ، فَقُلْتُ: مِمَّ ضَحِكْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «يَعْجَبُ الرَّبُّ مِنْ عَبْدِهِ إِذَا قَالَ: رَبِّ اغْفِرْ لِي، وَيَقُولُ: عَلِمَ عَبْدِي أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ غَيْرِي» (1).
وكان الصحابة يَتَأَسَّوْنَ بالرسول الكريم، ويحافظون على سُنَّتِهِ، سواء أعرفوا علة ذلك أم لم يعرفوا عِلَّةَ ذلك أم لم يعرفوا، وسواء أَتَوَقَّعُوا حكمة لما يفعلون أم لم يَتَوَقَّعُوا، وقد اشتهر عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما بمحافظته الشديدة على سُنَنِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان الرسول أسوته في كل شيء، في صلاته وَحَجِّهِ وصيامه، حتى في قضاء حاجته (2) وكان كثيراً ما يقول:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (3)، وكان إذا سمع من الرسول صلى الله عليه وسلم شيئًا، أو شهد معه مشهدًا، لم يُقَصِّرْ دُونَهُ أَوْ يَعْدُوهُ (4)، كان يقف عند الحد الوارد في الحديث أو الفعل النبوي من غير إفراط ولا تفريط.
عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ ابْنِ عُمَرَ فِي سَفَرٍ، فَمَرَّ بِمَكَانٍ فَحَادَ عَنْهُ، فَسُئِلَ لِمَ فَعَلْتَ؟ فَقَالَ:«رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَعَلَ هَذَا فَفَعَلْتُ» (5)، وَكَانَ يَأْتِي
(1)" مسند الإمام أحمد ": ص 109 حديث 753 جـ 2.
(2)
راجع " مسند الإمام أحمد " ص 191 حديث 6391 و 6151 جـ 9.
(3)
[سورة الأحزاب، الآية: 21].
(4)
انظر " مسند الإمام أحمد ": ص 297 حديث 5546 جـ 7 بإسناد صحيح، و " سنن ابن ماجه ": ص 3 جـ 1.
(5)
" مسند الإمام أحمد ": ص 54 حديث 4870 جـ 7 بإسناد صحيح.
شَجَرَةً بَيْنَ مَكَّةَ وَالمَدِينَةَ فَيَقِيلُ تَحْتَهَا، وَيُخْبِرُ أَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ (1).
ووقف عمر بن الخطاب على الركن قائلاً: «إِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ، وَلَوْ لَمْ أَرَ حَبِيبِي صلى الله عليه وسلم قَبَّلَكَ أَوْ اسْتَلَمَكَ مَا اسْتَلَمْتُكَ وَلَا قَبَّلْتُكَ {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}» (2).
وكان ينهى أن يزيد إنسان على ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ،: طُفْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَلَمَّا كُنْتُ عِنْدَ الرُّكْنِ الَّذِي يَلِي البَابَ مِمَّا يَلِي الحَجَرَ، أَخَذْتُ بِيَدِهِ لِيَسْتَلِمَ، فَقَالَ:«أَمَا طُفْتَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟» ، قُلْتُ:«بَلَى» ، قَالَ:«فَهَلْ رَأَيْتَهُ يَسْتَلِمُهُ؟» ، قُلْتُ:«لَا» ، قَالَ:«فَانْفُذْ عَنْكَ فَإِنَّ لَكَ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةً حَسَنَةً» (3).
وَقَالَ عليٍّ رضي الله عنه في القيام للجنازة: «قَدْ رَأَيْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ فَقُمْنَا، وَقَعَدَ فَقَعَدْنَا» (4).
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر الصحابة ومن معه يوم الفتح بِأَنْ يكشفوا عن مناكبهم، ويهرولوا في الطواف، ليرى المشركون قُوَّتَهُمْ وَجَلَدَهُمْ، وقويت دولة الإسلام ورأى عمر أَنَّ هذا الأمر قد ذهبت عِلَّتُهُ، ولكنه قال: «فِيمَ الرَّمَلانُ (5) الآنَ، وَالكَشْفُ عَنِ المَنَاكِبِ، وَقَدْ أَطَّأَ اللهُ الإِسْلامَ، وَنَفَى الكُفْرَ
(1)" نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي ": ص 126 وقد أخرجه البزار.
(2)
" مسند الإمام أحمد ": ص 213 و 197 جـ 1 بإسناد صحيح.
(3)
المرجع السابق: ص 265 جـ 1 بإسناد صحيح.
(4)
" مسند الإمام أحمد ": ص 52 جـ 2 بإسناد صحيح.
(5)
في الأصل (فيما) وانظر الهامش التالي.
وَأَهْلَهُ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا نَدَعُ شَيْئًا كُنَّا نَفْعَلُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم» (1).
وَقِيلَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: لَا نَجِدُ صَلَاةَ السَّفَرِ فِي الْقُرْآنِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ:«إِنَّ اللهَ عز وجل بَعَثَ إِلَيْنَا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم، وَلَا نَعْلَمُ شَيْئًا، فَإِنَّمَا نَفْعَلُ كَمَا رَأَيْنَا مُحَمَّدًا يَفْعَلُ» (2). وفي رواية «وَكُنَّا ضُلَاّلاً فَهَدَانَا اللهُ بِهِ، فَبِهِ نَقْتَدِي» (3).
كان الصحابة رضي الله عنهم لا يرضون ترك سُنَّةٍ كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يقبلون مع السُنَّةِ رأي أحد مهما كان شأنه، ومهما علت مكانته بل كانوا يغضبون عضبًا شديدًا وينكرون إنكارًا قَوِيًّا على من لا يستجيب لِسُنَّةٍ سَنَّهَا الرسول الكريم، أو لِخُلُقٍ تَخَلَّقَ بِهِ، ولو كان من ينكرون ذلك عليهم ولدهم أو أقرب الناس إليهم.
ومن ذلك ما رواه سعيد بن جُبير عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ (4) أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا إِلَى جَنْبِهِ ابْنُ أَخٍ لَهُ فَخَذَفَ (5) فَنَهَاهُ وَقَالَ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْهَا وَقَالَ: إِنَّهَا لَا تَصِيدُ صَيْدًا وَلَا تَنْكِي عَدُوًّا، وَإِنَّهَا تَكْسِرُ السِّنَّ،
(1)" مسند الإمام أحمد ": ص 293 حديث 317 جـ 1 بإسناد صحيح. أطَّأ: ثَبَّتَ وَأَرْسَى والهمزة فيه بدل واو (وطأ). فيما: استفهامية وظاهر كلام النحويين وجوب حذف ألفها إذا دخل عليها حرف الجر، ولكن قرأ عبد الله وأُبيْ وعكرمة وعيسى {عَمَّا يَتَسَأَلُونَ} بالألف.
(2)
" مسند الإمام أحمد ": ص 68 حديث 5683 جـ 8 وص 209 حديث 5333 جـ 7 والسائل في الحديث المذكور هو خالد بن أسيد.
(3)
المرجع نفسه: ص 77 حديث 5698 جـ 8.
(4)
عبد الله بن مغفل صحابي جليل من أصحاب الشجرة روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي بكر وعثمان وغيرهم، وعنه روى ثابت البناني. سكن المدينة ثم تحوَّل إلى البصرة وتوفي فيها سنة (57 هـ)، وقيل 61 وقيل 60. انظر " تهذيب التهذيب ": جـ 6 ص 42.
(5)
خَذَفَ: من الخذف وهو أَنْ يجعل الحصاة أو النواة بين سبَّابتيه ويرمي بها.
وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ قَالَ: فَعَادَ ابْنُ أَخِيهِ فَخَذَفَ فَقَالَ: أُحَدِّثُكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْهَا ثُمَّ عُدْتَ تَخْذِفُ لَا أُكَلِّمُكَ أَبَدًا!!» (1).
وَعَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ أَنْ يُصَلِّينَ فِي المَسْجِدِ» فَقَالَ ابْنٌ لَهُ: إِنَّا لَنَمْنَعُهُنَّ، فَغَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا وَقَالَ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتَقُولُ: إِنَّا لَنَمْنَعُهُنَّ (2). وفي رواية: «فَانْتَهَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: أُفٍّ لَكَ!! أَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتَقُولُ: لَا أَفْعَلُ» (3).
وَعَنْ سَعِيدٍ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: تَمَتَّعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَنْ المُتْعَةِ!! فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا يَقُولُ عُرَيَّةُ؟ قَالَ: يَقُولُ نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَنْ الْمُتْعَةِ!! فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أُرَاهُمْ سَيَهْلِكُونَ! أَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَيَقُولُ نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ!! (4).
وهذا عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ الأَنْصَارِيَّ، النَّقِيبَ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، غَزَا مَعَ مُعَاوِيَةَ أَرْضَ الرُّومِ، فَنَظَرَ إِلَى النَّاسِ وَهُمْ يَتَبَايَعُونَ كِسَرَ الذَّهَبِ بِالدَّنَانِيرِ، وَكِسَرَ الْفِضَّةِ بِالدَّرَاهِمِ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَأْكُلُونَ الرِّبَا، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا تَبْتَاعُوا الذَّهَبَ
(1)" سنن ابن ماجه ": ص 6 جـ 1.
(2)
" سنن ابن ماجه ": ص 6 جـ 1 ونحوه في " مسند الإمام أحمد ": ص 266 حديث 5468 جـ 7 بإسناد صحيح. وابن عبد الله بن عمر هذا هو بلال: كما ذكره في الحديث رقم 5640 من " المسند " ص 43 جـ 8.
(3)
" مسند الإمام أحمد ": ص 290 حديث 6101 جـ 8 وص 132 حديث 6296 جـ 9 بإسناد صحيح وانظر نحوه في " جامع بيان العلم ": ص 195 جـ 2.
(4)
" مسند الإمام أحمد ": ص 48 حديث 3121 جـ 5 بإسناد صحيح.
بِالذَّهَبِ إِلَاّ مِثْلاً بِمِثْلٍ، لَا زِيَادَةَ بَيْنَهُمَا وَلاً نَظِرَةً»، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ:«يَا أَبَا الوَلِيدِ لَا أَرَى الرِّبَا فِي هَذَا إِلَاّ مَا كَانَ مِنْ نَظِرَةٍ» ، فَقَالَ عُبَادَةُ:«أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتُحَدِّثُنِي عَنْ رَأْيِكَ، لَئِنْ أَخْرَجَنِي اللَّهُ لَا أُسَاكِنُكَ بِأَرْضٍ لَكَ عَلَيَّ فِيهَا إِمْرَةٌ، فَلَمَّا قَفَلَ لَحِقَ بِالمَدِينَةِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: مَا أَقْدَمَكَ يَا أَبَا الوَلِيدِ؟ فَقَصَّ عَلَيْهِ القِصَّةَ، وَمَا قَالَ مِنْ مُسَاكَنَتِهِ. فَقَالَ: ارْجِعْ يَا أَبَا الوَلِيدِ إِلَى أَرْضِكَ، فَقَبَحَ اللَّهُ أَرْضًا لَسْتَ فِيهَا وَأَمْثَالُكَ، وَكَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ، لَا إِمْرَةَ لَكَ عَلَيْهِ، وَاحْمِلْ النَّاسَ عَلَى مَا قَالَ، فَإِنَّهُ هُوَ الأَمْرُُُ» (1).
أولئك صحابة رسول الله الذين حفظوا سُنَّتَهُ، وَوَجَّهُوا الأُمَّةَ إلى السبيل القويم، وحملوا الأمراء على تطبيق أحكام الشريعة، وَأَبَوْا أَنْ يماروا في دين الله صَادِعِينَ بِالحَقِّ، لا يخافون لومة لائم.
وَعَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَرَبِيٍّ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلاً يَسْأَلُ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ اسْتِلَامِ الحَجَرِ فَقَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَلِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ» ، فَقَالَ رَجُلٌ: أَرَأَيْتَ إِنْ زُحِمْتُ؟»، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ:«اجْعَلْ (أَرَأَيْتَ) بِاليَمَنِ!! رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَلِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ» (2).
وَعَنْ وَبَرَة بنُ عَبْدِ الرَحْمَنِ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ إِلَى ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ: أَيَصْلُحُ أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَأَنَا مُحْرِمٌ؟ قَالَ: «مَا يَمْنَعُكَ مِنْ ذَلِكَ؟» ، قَالَ: إِنَّ فُلَانًا يَنْهَانَا عَنْ
(1)" سنن ابن ماجه ": ص 7 جـ 1. كَسِرَةُ الذهب كالقطعة لفظاً ومعنى، وجمعها كِسَرٌ كقطع. نَظِرَةٌ: انتظار أي أجل.
(2)
" مسند الإمام أحمد ": ص 194 جـ 9 بإسناد صحيح وقد أخرجه " البخاري ". ومن الخطأ أَنْ يَظُنَّ ظان من قول ابن عمر أَنَّ اليمن كانت تعتمد على الرأي إنما ضرب اليمن مثلاً لجهة قاصية يرمي إليها هذا الاعتراض أَدَبًا مَعَ السُنَّةِ النَّبَوِيَّةِ، مُبيِّنًا أنه لا مجال للسؤال والجواب إذا ما وجدت السُنَّةُ في أمر ما، ويدل على، ذلك رواية " الطيالسي " وفيها:«اجْعَلْ (أَرَأَيْتَ) مَعَ [ذَلِكَ] الكَوْكَبِ» .
ذَلِكَ حَتَّى يَرْجِعَ النَّاسُ مِنْ المَوْقِفِ وَرَأَيْتُهُ كَأَنَّهُ مَالَتْ بِهِ الدُّنْيَا وَأَنْتَ أَعْجَبُ إِلَيْنَا مِنْهُ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: «حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَطَافَ بِالبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ وَسُنَّةُ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ أَحَقُّ أَنْ تُتَّبَعَ مِنْ سُنَّةِ ابْنِ فُلَانٍ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا» (1). وفي رواية أخرى: صَرَّحَ بِأَنَّ الذِي كُنِّيَ عَنْهُ بِفُلَانٍ هُوَ ابْنُ عَبَّاسٍ».
وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ يُفْتِي بِالذِي أَنْزَلَ اللهُ عز وجل مِنْ الرُّخْصَةِ بِالتَّمَتُّعِ، وَبِمَا سَنَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِ، فَيَقُولُ نَاسٌ لابْنِ عُمَرَ: كَيْفَ تُخَالِفُ أَبَاكَ وَقَدْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ لَهُمْ عَبْدُ اللهِ: «وَيْلَكُمْ، أَلَا تَتَّقُونَ اللهَ، إِنْ كَانَ عُمَرُ نَهَى عَنْ ذَلِكَ فَيَبْتَغِي فِيهِ الخَيْرَ يَلْتَمِسُ بِهِ تَمَامَ الْعُمْرَةِ، فَلِمَ تُحَرِّمُونَ ذَلِكَ وَقَدْ أَحَلَّهُ اللهُ وَعَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟!، أَفَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَحَقُّ أَنْ تَتَّبِعُوا سُنَّتَهُ، أَمْ سُنَّةَ عُمَرَ؟ إِنَّ عُمَرَ لَمْ يَقُلْ لَكُمْ إِنَّ العُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الحَجِّ» (2).
وفي ختام ذلك أسوق تمسك عبد الله بن عمرو بن العاص بعبادته التي فارق عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان عبد الله بن عمرو من أعبد الصحابة وأورعهم وأزهدهم، كثير الصيام والقيام، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)" مسند الإمام أحمد ": ص 169 حديث 5194 جـ 7 بإسناد صحيح.
(2)
" مسند الإمام أحمد ": ص 77 حديث 5200 جـ 8 وإسناده صحيح. وفي " الموطأ " كما رواه محمد: مالك عن نافع، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ:«افْصِلُوا بَيْنَ حَجِّكُمْ وَعُمْرَتِكُمْ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَتَمُّ لِحَجِّ أَحَدِكُمْ، وَأَتَمُّ لِعُمْرَتِهِ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الحَجِّ» انظر هامش صفحة 78 في الجزء الثامن.
وقد رَخَّصَ له أن يصوم أَيَّامًا من كل شهر إلَاّ أنه وجد في نفسه القوة على الصيام وأراد أَنْ يصوم الدهر كله، وفي آخر أيامه ضعف عن ذلك فقال:«لأََنْ أَكُونَ قَبِلْتُ رُخْصَةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا عُدِلَ بِهِ أَوْ عَدَلَ، لَكِنِّي فَارَقْتُهُ عَلَى أَمْرٍ أَكْرَهُ أَنْ أُخَالِفَهُ إِلَى غَيْرِهِ» (1).
…
(1)" مسند الإمام أحمد ": ص 240 حديث 6477 جـ 9.
عدل به: أي وزن. أي من كل شيء يقابل ذلك من الدنيويات، أو عدل أي ساوى والمعنى مقارب في الحرفين.
وانظر " الرسالة ": ص 446 فيها أخبار عن تمسك بعض الصحابة بِالسُنَّةِ وعدم قبول رأي لأحد مع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.