الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأحاديث في فضائلهم
…
وتارة يلفق أحاديث في فضائل الخليفتين نزولاً على رغائب معاوية وفئته الباغية» (1).
هكذا أراد أنْ يُصَوِّرَهُ عبد الحسين شرف الدين، وقد عرفنا في سيرته وأخلاقه ما يدفع هذا الافتراء.
3 - هَلْ وَضَعَ أَبُو هُرَيْرَةَ الأَحَادِيثَ كَذِبًا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم
-؟:
لقد اتهم عبد الحسين، وأبو رية أبا هريرة بالكذب على رسول الله إرضاء للأمويين ونكاية بالعلويين (2) وأبو هريرة من كل هذا براء. ولكنهما أَوْرَدَا أخبارًا ضعيفة وموضوعة لا أصل لها. من هذا ما ذكره عبد الحسين فقال:«قال الامام أبو جعفر الاسكافي: إنَّ معاوية حمل قَوْمًا من الصحابة وَقَوْمًا من التابعين على رواية أخبار قبيحة في عَلِىٍّ تقتضي الطعن فيه، والبراءة منه وجعل لهم على ذلك جَعْلاً يرغب في مثله، فاختلقوا له ما أرضاه، منهم أبو هريرة وعمرو بن العاص والمُغيرة بن شُعبة، ومن التابعين عُروة بن الزبير إلى آخر كلامه» (3).
وقال: «لما قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة جاء إلى مسجد الكوفة، فلما رأى كثرة من استقبله من الناس جثا على رُكبتيه ثم ضرب صلعته مِرَارًا!! وقال: " يا أهل العراق (4) أتزعمون أني أكذب على الله ورسوله
(1)" أبو هريرة " لعبد الحسين: ص 35 وما بعدها.
(2)
انظر " أبو هريرة " لعبد الحسين: ص 35 وما بعدها، و " أضواء على السنة المحمدية ": ص 190 وما بعدها.
(3)
انظر " أبو هريرة " لعبد الحسين: ص 35 وما بعدها، و " أضواء على السنة المحمدية ": ص 190 وما بعدها.
(4)
ساق مؤلف " أضواء على السنة " هذه الروايات في ص 190، 191 وعلق في =
وأحرق نفسي بالنار؟ والله لقد سمعت رسول الله يقول: " إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَرَمًا وَإِنَّ المَدِينَةُ حَرَمِي، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ". قال: " وأشهد بالله أنَّ عَلِيًّا أَحْدَثَ فيها "!! فلما بلغ معاوية قوله أجازه وأكرمه وولَاّهُ إمارة المدينة» (1).
هذه أخبار مختلفة استشهد بها عبد الحسين ليدعم زعمه أنَّ أبا هريرة كان عميلاً للأمويِّين، وَضَّاعًا للحديث. إلَاّ أنَّ هذه الأخبار مردودة سَنَدًا وَمَتْنًا.
1 -
أما من حيث السند. فإنَّ ابن أبي الحديد صاحب " شرح نهج البلاغة " نقل هذه الأخبار عن شيخه محمد بن عبد الله أبي جعفر الإسكافي (- 240 هـ) وهو من أئمة المعتزلة المُتَشَيِّعِينَ، والعداء مستحكم بين المعتزلة وأهل الحديث من أواخر القرن الأول الهجري وأصبح مُتَوَارَثًا بعد هذا القرن. وأترك التعريف بأبي جعفر وتزكيته لتلميذه ابن أبي الحديد فيقول:«ذكر شيخنا أبو جعفر الإسكافي - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - وكان من المُتَحَقِّّقِينَ بموالاة عَلِيٍّ عليه السلام والمُبالغين في تفضيله وإنْ كان القول بالتفضيل عَامًّا شَائِعًا في البغداديِّين من أصحابنا كافة، إلَاّ أنَّ أبا جعفر أَشَدُّهُمْ في ذلك قولاً، وأخلصهم فيه اعتقادًا (2)» .
= الهامش على هذا الخبر فقال: يدل هذا القول على أن كذب أبي هريرة على النبي قد اشتهر حتى [عَمَّ] الآفاق، لأنه قال ذلك وهو بالعراق وأن الناس جَمِيعًا كانوا يتحدثون عن هذا الكذب في كل مكان. (هامش الصفحة 190 من " أضواء على السنة "). انظر إلى هذا المؤلف الذي أخذ من أستاذه وتفوق عليه بالاستنباطات الخيالية، من غير أن يتثبت من صحة الرواية، ولكن له وقفة بين يدي الله تعالى.
(1)
" أبو هريرة " لعبد الحسين: ص 38، 39.
(2)
" شرح نهج البلاغة ": ص 467 جـ 1 طبعة بيروت، وانظر ترجمته في " لسان الميزان ": ص 221 جـ 5.
هذه شهادة تليمذ لأستاذه لا يرقى إليها الشك، ولا يعتريها الظن والتأويل، فالأستاذ من أهل الأهواء، دَاعٍ إلى هَوَاهُ، بل من المُتَعَصِّبِينَ في ذلك، بشهادة أقرب الناس إليه وأعرفهم به، فإذا سبق لأمثاله أنْ كَذَّبُوا الصحابة في الحديث بل في نقل القرآن فليس بَعِيدًا أَنْ يَكْذِبُوا على أبي هريرة ويفتروا عليه وعلى بعض الصحابة والتابعين. لكن روايته مردودة لسببين:
الأول: ضعف الإسكافي لعاملين:
العامل الأول: إنه معتزلي يناصب أهل الحديث العداء.
والعامل الثاني: أنه شيعي محترق. فقد اجتمع فيه عاملان يكفي أحدهما لِرَدِّ روايته.
الثاني: لم تذكر هذه الروايات في مصدر موثوق بسند صحيح. عِلْمًا بِأَنَّ الإسكافي لم يذكر لها سَنَدًا، وهذا يُرَجِّحُ أنها موضوعة، أو هي على الأقل ضعيفة لا يُحْتَجُّ بها.
2 -
وأما من حيث المتن - فلم يثبت أنَّ معاوية حمل أحدًا على الطعن في أمير المؤمنين عَلِيٍّ رضي الله عنه، ولم يثبت عن أحد من الصحابة أنه تطوع بذلك، أو أخذ أجرًا مقابل وضع الحديث، والصحابة جَمِيعًا أسمى وأرفع من أنْ يَنْحَطُّوا إلى هذا الحضيض، ومعاذ الله أنْ يفعل هذا إنسان صاحب رسول الله وسمع حديثه وزجره عن الكذب، وإنَّ جميع ما جاءنا من هذه الأخبار الباطلة، إنما كان عن طريق أهل الأهواء الداعين إلى أهوائهم المُتَعَصِّبِينَ لمذاهبهم، فَتَجَرَّؤُوا على الحق، ولم يعرفوا لِلْصُحْبَةِ حرمتها، فَتَكَلَّمُوا في خيار الصحابة وَاتَّهَمُوا بعضهم بالضلال والفسق، وقذفوا بعضهم بالكفر، وافتروا على أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم (1).
(1) انظر " العواصم من القواصم ": ص 182، 183.
وقد كشف أهل الحديث عن هؤلاء الكذبة، لذلك ناصبت أكثر الفرق أصحاب الحديث العداء، فتتبعوا أحوالهم واخترعوا الأباطيل، لتفقد الأُمَّة الثقة بهم، من ذلك ما فعله المعتزلة والروافض وبعض فرق الشيعة، ومن أراد الاطلاع على بعض هذا فليراجع كتاب " قبول الأخبار " للبلخي.
ولكن الله أبى إلَاّ أنْ يكشف أمر هذه الفرق، ويميط اللثام عن وجوه المُتَسَتِّرِينَ وراءها، فكان أصحاب الحديث هم جنود الله عز وجل، بَيَّنُوا حقيقة هؤلاء، وأظهروا نواياهم وميولهم، فما من حديث، أو خبر يطعن في صحابي، أو يُشَكِّكُ في عقيدة، أو يخالف مبادئ الدين الحنيف إلَاّ بَيَّنَ جهابذة هذا الفن يد صانعه، وكشفوا عن علَّته.
فَادِّعَاءُ المؤلف مردود حتى يثبت زعمه بِحُجَّةٍ صحيحة مقبولة. وكيف نَتَصَوَّرُ معاوية يُحَرِّضُ الصحابة على وضع الحديث كَذِبًا وَبُهْتَانًا وَزُورًا، ليطعنوا في أمير المؤمنين عَلِيٍّ رضي الله عنه، وقد شهد ابن عباس رضي الله عنهما لمعاوية بالفضل والعقل والفقه (1) وقد ذكر ذلك البخاري في " صحيحه "، فهل لهؤلاء أنْ يَتَّهِمُوا حبر الأُمَّة وعالمها بالكذب، أو بالتشيُّع لمعاوية؟!! (2) هذا لا يمكن، وشهادة ترجمان القرآن صحيحة، وبذلك ننفي تُهمة عبد الحسين.
وقد افترى الإسكافي على الصحابة الذين ذكرهم، وَبَيَّنَ ابن العربي في " العواصم من القواصم " جَانِبًا من أمرهم ومكانتهم وورعهم، كما بَيَّنَتْ كُتُبُ التراجم
(1) انظر " فتح الباري ": ص 104، 105 جـ 8.
(2)
انظر " أضواء على التاريخ ": ص 191 وما بعدها. فللأستاذ محب الدين الخطيب كلمة قيمة في معاوية يجدر الاطلاع عليها
…
سيرتهم. ثم إنَّ روايات أهل الأهواء تسرَّبتْ إلى التاريخ الإسلامي، وخاصة ما يتعلَّق بأخبار الأمويِّين، لأَنَّ كُتُبَ التاريخ كتبت بعد بني أمية، فشوَّهتْ سيرتهم (1)، ومع هذا لم يعدم التاريخ الرجال الأمناء المُخْلِصِينَ، الذين دَوَّنُوا حوادثه بأسانيدها حتى يَتَبَيَّنَ المُطَّلِعُ الصَّحِيحَ من الباطلِ، فليس كل خبر في كتاب يقبل ويؤخذ به، فلا بد من دراسته دراسة عِلْمِيَّةٍ حسب منهج المُحَدِّثِينَ الدقيق - سَنَدًا وَمَتْنًا.
ثم إنا نستبعد صحة هذا الخبر، فإنَّ عُرْوَةَ ولد سَنَةَ (22 هـ) فكان عمره في فتنة عثمان رضي الله عنه (13 سَنَةً)، وعندما استشهد أمير المؤمنين عَلِيٌّ رضي الله عنه (18 سَنَةً)، فكيف يحمل خليفة كمعاوية يحمل عروة بن الزبير على وضع أحاديث تطعن في عَلِيٍّ رضي الله عنه؟ ولا يزال عروة يَافِعًا على عَتَبَةِ العلم لم يشتهر بعد!؟ فكان أحرى بمعاوية - لو صَحَّ الخبر - أنْ يُغري من هو أشهر منه وأعلم من كبار الصحابة والتابعين،
وإن قال قائل إنما استعان به أيام خلافته بعد استشهاد الخليفة الراشد الرابع، فالجواب بَدَهِيٌّ في أنَّ كلمة المسلمين اجتمعت سَنَةَ (40 هـ) عام الجماعة، حين بايع الحسن معاوية بالخلافة وثبتت دعائم الحكم، فلم تبق أية ضرورة للدعاية للأمويِّين وهم الحكام وبيدهم الزمام.
ولو سلَّمنا جدلاً أنَّ عروة قد قام بما ادَّعَاهُ المؤلف - فهل يسكت عنه علماء الأُمَّة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وبينهم الأبطال الشُجعان، وفيهم الأقوياء الأفذاذ؟؟ لقد كانت الأُمَّةُ الإسلامية واعية في ذلك العصر، عرف أبناؤها الحوادث جميعها وعاصروها واختبروها فلم تعد تخفى دقائقها
(1) انظر " العواصم من القواصم ": ص 177.