الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 -
أن يخبر عن نفسه بأنه صحابي بعد ثبوت عدالته ومعاصرته للرسول صلى الله عليه وسلم (1).
5 -
أن يخبر أحد التابعين بأنه صحابي بناء على قبول التزكية من واحد وهو الراجح (2). ويمكن ضم الثالث والخامس أحدهما إلى الآخر فنقول أن يخبر بذلك من تقبل شهادته، فالصحبة رتبة ومكانة لا تثبت لأحد إلا بدليل أو بينة توافرت فيها جميع الشروط والأركان التي يجب أن تتوافر في كل بيئة، فإذا قامت البينة المقبولة لأحد في ذلك نال شرف الصحبة.
4 - عَدَالَةُ الصَّحَابَةِ:
إن للصحبة شرفًا عظيمًا، يمنح صاحبها ميزة خاصة، وهي أن جميع الصحابة عند من يعتد به من أهل السُنة عدول، سواء من لابس منهم الفتن ومن لم يلابس (3)، وهو قول الجمهور.
وقال قوم: إن حكمهم في العدالة حكم من بعدهم في لزوم البحث عن عدالتهم عند الرواية.
ومنهم من قال: إنهم لم يزالوا عُدُولاً إلى أن وقع الاختلاف والفتن بينهم أبعد ذلك لا بد من البحث في عدالتهم.
(1) راجع تفصيل ذلك في " فتح المغيث ": ص 34 جـ 4، و" تدريب الراوي ": ص 400، و" الباعث الحثيث ": ص 215، و" الروض الباسم ": ص 128 - 130.
(2)
انظر " تدريب الراوي ": ص 400 وهذا ما زاده ابن حجر على ما ذكره غيره من طرق معرفة الصحابي، وقد استخرجت هذه الطرق من المراجع السابقة:" فتح المغيث ": ص 34 جـ 4، و" تدريب الراوي ": ص 399، و" الباعث الحثيث ": ص 215، و" الكفاية ": ص 51.
(3)
انظر " الكفاية ": ص 46 - 49، و" الباعث الحثيث ": ص 205، و" فتح المغيث ": ص 35 جـ 4، و" تدريب الراوي ": ص 400.
ومنهم من قال - وهم المعتزلة - (1) إن كل من قاتل عَلِيًّا عالمًا فهو فاسق مردود الرواية والشهادة، لخروجهم على الإمام الحق.
ومنهم من قال برد رواية الكل وشهادتهم، لأن أحد الفريقين فاسق وهو غير معلوم ولا معين.
ومنهم من قال بقبول رواية كل واحد منهم وشهاته إذا انفرد، لأن الأصل فيه العدالة، وقد شككنا في فسقه، ولا يقبل ذلك منه مع مخالفه، لتحقق فسق أحدهما من غير تعيين.
والمختار إنما هو مذهب الجمهور من الأئمة، وذلك بالأدلة على عدالتهم ونزاهتهم وتميزهم على من بعدهم (2).
قال ابن حزم: «نقول بفضل المهاجرين الأولين بعد عمر بن الخطاب
…
ثم بعد هؤلاء أهل العقبة " الأنصار الذين بايعوه بيعة العقبة "، ثم أهل بدر ثم أهل المشاهد مشهدًا مشهدًا، وأهل كل مشهد أفضل من المشهد الذي بعده حتى يبلغ الأمر إلى الحديبية، فكل من تقدم ذكره من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم إلى تمام بيعة الرضوان فإنا نقطع على غيب قلوبهم أنهم كلهم مؤمنون صالحون (3)، ماتوا كلهم على الإيمان والهدى والبر،
(1) صرح بذلك ابن كثير في " الباعث الحثيث ": ص 305.
(2)
انظر " الإحكام في أصول الأحكام " للآمدي: ص 128 جـ 2 ونحوه في " فتح المغيث ": ص 36 جـ 4.
(3)
بالرغم من مكانة الصحابة، وبذلهم وتفانيهم من أجل الدعوة، (طعن النَظَّامُ في أكثر الصحابة، وأسقط عدالة ابن مسعود، ونسبه إلى الضلال من أجل روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم: «السَّعِيدُ مَنْ سَعِدَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَالشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ
…
» وما ذاك منه إلا لإنكاره معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، وطعن في فتاوى عمر رضي الله عنه من أجل أنه حَدَّ في الخمر ثمانين، ونفى نصر بن الحجاج حين خاف فتنة نساء المدينة به
…
طعن في فتاوى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ =
كلهم من أهل الجنة، لا يلج أحد منهم النار» (1).
= عَنْهُ -، لقوله في أمهات الأولاد
…
وثلب عثمان رضي الله عنه. ونسب أبا هريرة إلى الكذب من أجل أن الكثير من رواياته على خلاف مذهب القدرية، وطعن في فتاوى كل من أفتى من الصحابة بالاجتهاد
…
ونسب أخبار الصحابة إلى الجهل والنفاق
…
).
كما أن واصل بن عطاء زعيم المعتزلة يشك في عدالة عَلِيٍّ وَبَنِيهِ، وابن عباس وطلحة والزبير وعائشة، وكل من شهد حرب الجمل من الفريقين، ولذلك قال:«لو شهد عندي عَلِيٌّ وطلحة على باقة بقل لم أحكم بشهادتهما، لعلمي بأن أحدهما فاسق ولا أعرفه بعينه» ، فشك في عدالة عَلِيٍّ وطلحة، والزبير، مع شهادة النبي عليه الصلاة والسلام لهؤلاء الثلاثة بالجنة، ومع دخولهم في بيعة الرضوان، وفي جملة الذين قال الله تعالى فيهم:{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [سورة الفتح، الآية: 18].
وقد كان أبو الهذيل العلاف والجاحظ، وأكثر القدرية في هذا الباب على رأي واصل بن عطاء فيهم. انظر " الفرق بين الفرق " لعبد القاهر بن طاهر البغدادي: ص 304 - 307 وانظر [" تأويل مختلف الحديث "]: ص 21 - 37 وما بعدها.
وأما الخوارج فقد كَفَّرُوا عَلِيًّا وابنيه، وابن عباس، وأبا أيوب الأنصاري، وَكَفَّرُوا عثمان وعائشة وطلحة والزبير، وَكَفَّرُوا كل من لم يفارق عَلِيًّا ومعاوية بعد التحكيم.
وأما الزيدية منهم، فالجارودية منهم يُكَفِّرُونَ أبا بكر وعمر وعثمان وأكثر الصحابة، وكذلك السليمانية والبشرية.
وأما الإمامية منهم فقد زعم أكثرهم أن الصحابة ارتدت بعد النبي صلى الله عليه وسلم سوى عَلِيٍّ وابنيه ومقدار ثلاثة عشر منهم.
وزعمت الكاملية منهم أن عَلِيًّا أَيْضًا ارتد وكفر بترك قتالهم. (" الفرق بين الفرق ": ص 307، 308).
أقول: «هذا وهم واتباع لهوى فاسد لا يقول به من عرف للصحابة قدرهم وبذلهم ومكانتهم وإن كل ما جرى بينهم في الفتنة من باب الاجتهاد، وإن لمن اجتهد وأصاب أجرين ولمن أخطأ أجر، فلا سبيل لأحد أن يحط من قدرهم، ويطعن في عدالتهم» . ثم نقول: «كيف يكون الرافضة والخوارج والقدرية والجهمية، والنجارية، والبكرية، والضرارية موافقين للصحابة؟ وهم بأجمعهم لا يقبلون شيئًا مما رُوِيَ عن الصحابة في أحكام الشريعة لامتناعهم من قبول روايات الحديث والسير والمغازي، من أجل تكفيرهم لأصحاب الحديث الذين هم نقلة الأخبار والآثار ورواة التواريخ والسير
…
ولم يكن بحمد الله وَمَنِّهِ في الخوارج ولا في الروافض ولا في الجهمية ولا في القدرية ولا في المجسمة ولا في سائر أهل الأهواء الضالة قط إمام في الفقه، ولا إمام في رواية الحديث». (" الفرق بين الفرق ": ص 308).
(1)
" ابن حزم: حياته وعصره وآراؤه الفقهية " لأبي زهرة: ص 259.
ويتبين لنا من كلام ابن حزم أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بيعة الرضوان في غزوة الحديبية كلهم من أهل الجنة، معتمدًا في ذلك على ما ورد من نصوص في القرآن وَالسُنَّةِ، وأما من جاؤوا بعد هؤلاء فلم يقطع بأنهم من أهل الجنة.
وقال شارح " مُسَلَّمَ الثُّبُوتِ ": «إن عدالة الصحابة مقطوعة لا سيما أصحاب بدر وبيعة الرضوان، كيف لا وقد أثنى عليهم الله تعالى في مواضع عديدة من كتابه، وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فضائلهم غير مرة» (1).
ويقول في موضع آخر: «واعلم أن عدالة [الصحابة] الداخلين في بيعة الرضوان والبدريين كلهم مقطوع العدالة، لا يليق المؤمن أن يمتري فيها، بل الذين آمنوا قبل فتح مكة أَيْضًا عادلون قطعًا، داخلون في المهاجرين والأنصار، وإنما الاشتباه في مسلمي فتح مكة، فإن بعضهم من مؤلفة القلوب، وهم موضع الخلاف، والواجب علينا أن نكف عن ذكرهم إلا بخير فافهم» (2). فمسلمو الفتح لم ينص على عدالتهم ومع هذا يوجد ما يدل على عدالتهم، وسنتعرض لهذا بعد قليل.
وقد ورد في الصحابة ما يوجب لهم العدالة، ويجعلهم في ذروة الثقة والائتمان، فقد زكاهم الله تعالى ورسوله، وتقبلت الأمة ذلك بالإجماع، فلا سبيل إلى الطعن في أكابرهم كما يفعل بعض أهل الأهواء قديمًا وحديثًا (3).
(1)" شرح مسلم الثبوت ": ص 401 جـ 2.
(2)
" المنهج الحديث في علوم الحديث ": ص 62 عن " شرح مسلم الثبوت ".
(3)
سبق أن بَيَّنَّا طعن بعض المنحرفين قديمًا في الصحابة، ومن الطاعنين المُحْدَثِينَ عبد الحُسين شرف الدين في كتابه " أبو هريرة " وَأَبُو رَيَّةَ في كتابه " أضواء على السنة المحمدية "، وقد تصدى لهما أكابر علماء العصر، وبعد قليل نفند ذلك في بحثنا عن بعض أعلام الرواة.