الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصَلَاةُ وَالسَّلَامُ - مُهِمَّة صعبة جليلة، يبلغ الناس آيات الله - جَلَّ وَعَلَا -، وَيُفقِّهَهُمْ في الدين، ويطهرهم وينقذهم مما كانوا فيه، لذلك كله كان - صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - يتمتع بصفات خُلُقِيَّةٍ سامية، وَيَتَمَيَّزُ بشخصية تربوية عالية، تتجلَّى فيها الآداب الكريمة، التي تتدفق من خصاله الحميدة الكثيرة، ويكفينا في ذلك كله شهادة الله سبحانه وتعالى له إذْ يقول:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (1).
أما من الناحية العلمية فقد شرح الله صدره وعلمه ما لم يكن يعلم، فبلغ صلى الله عليه وسلم من العلم غاية لم يبلغها بشر سواه، فكان المرجع الأول للمسلمين في أحكام القرآن، وتعاليم الإسلام، وعرف سير الأمم الغابرة، وجمع إلى ذلك علم أهل الكتاب، وأُتِيَ جوامع الكلم، إلى جانب معرفته بالعلوم الأخرى التي تتصل بالحياة الإنسانية، يدرك ذلك من تتبع أخباره صلى الله عليه وسلم وسيرته، قال تعالى: {
…
وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا
…
} (2) فعلم دقائق أحكام القرآن فحمله إلى الناس، وَبَيَّنَهُ بِسُنَّتِهِ الطاهرة وسلوكه المستقيم، فكان المعلم الأول، والمُرشد الصادق الأمين إلى الطريق القويم، وكان بحق رحمة للعالمين.
…
[ب] تَجَاوُبُهُ مَعَ دَعْوَتِهِ:
لما كان لتجاوب المُرَبِّي مع مادته أثر بعيد في إفادة طلابه، وبقاء المادة العلمية ثابتة راسخة في أذهانهم، أحببت أنْ أُنَبِّهَ إلى تجاوب الرسول الكريم مع رسالته ودعوته، لندرك فيما بعد أثر ذلك في حفظ السُنَّةِ الشَّرِيفَةِ.
(1)[سورة القلم، الآية: 4].
(2)
[سورة النساء، الآية: 113].
إنه لا يشك إنسان في أنَّ رسول الله عليه الصلاة والسلام، قد اندفع من صميم فؤاده وبجميع قواه في سبيل تبليغ رسالته، وقد تَحَمَّلَ الكثير من الأذى وَقَاسَى الصعاب وصبر الصبر الجميل لتدعيم أركان الحنيفية السمحة، واضطهد كثيرًا حتى غادر مسقط رأسه. ومع هذا كان يَتَمَنَّى لقومه الهداية والرشاد، فَيُطَيِّبُ اللهُ خاطره، ويُخفِّفُ عنه، مُبيِّنًا أنَّ هدايتهم بيده عز وجل فيقول:{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (1).
وَيُصَوِّرُ الله تعالى ضيقه صلى الله عليه وسلم في سبيل هداية قومه فيقول: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} (2).
حتى إذا مَا رَسَتْ دَعَائِمُ الإسلام وقويت شوكته، وقامت دولته كان الرسول عليه الصلاة والسلام، القائد المُوجِّهَ والرئيس المشرف، والفقيه المعلم، والمُفتي الصادق يمارس كل هذا بنفسه الصافية، وروحه العالية مندفعًا في أداء الأمانة فقضى عمره داعيًا إلى الله مُعَلِّمًا وَمُرْشِدًا، يُحِبُّ أصحابه حُبًّا جَمًّا، يشاركهم آلامهم وأفراحهم، وفي هذا كله كان منسجمًا انسجامًا تَامًّا مع رسالته سعيدًا بدعوته، خير من يهتدي بسيرته في مختلف مظاهر الحياة، وقد كان الأسوة الحسنة لأصحابه الذين خالطوه ورأوه وسمعوا منه وعرفوا عنه كل دقيق وجليل، فنقلوه إلينا بإخلاص ودقة.
…
(1)[سورة القصص، الآية: 56].
(2)
[سورة الكهف، الآية: 6].