المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الرابع: كيف روي الحديث في ذلك العصر .. باللفظ أم بالمعنى - السنة قبل التدوين - جـ ١

[محمد عجاج الخطيب]

فهرس الكتاب

- ‌المُقَدِّمَةُ:

- ‌تَمْهِيدٌ:

- ‌أَوَّلاً - التَّعْرِيفُ بِالسُنَّةِ:

- ‌ثَانِيًا - مَوْضُوعُ السُنَّةِ وَمَكَانَتُهَا مِنَ القُرْآنِ الكَرِيمِ:

- ‌البَابُ الأَوَّلُ: السُنَّةُ فِي العَهْدِ النَّبَوِيِّ:

- ‌تَمْهِيدٌ:

- ‌1 - الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم

- ‌[أ] مُعَلِّمٌ وَمُرَبٍّ:

- ‌[ب] تَجَاوُبُهُ مَعَ دَعْوَتِهِ:

- ‌[ج] مَوْقِفُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم مِنَ العِلْمِ:

- ‌1 - حَضُّ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم عَلَى طَلَبِ العِلْمِ:

- ‌2 - حَضُّهُ عَلَى تَبْلِيغِ العِلْمِ:

- ‌3 - مَنْزِلَةُ العُلَمَاءِ (المُعَلِّمِينَ):

- ‌4 - مَنْزِلَةُ طُلَاّبِ العِلْمِ:

- ‌5 - وَصِيَّةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِطُلَاّبِ العِلْمِ:

- ‌[د] مَنْهَجُهُ صلى الله عليه وسلم فِي التَّعْلِيمِ:

- ‌تَعْلِيمُ النِّسَاءِ:

- ‌2 - مَادَّةُ السُنَّةِ:

- ‌3 - كَيْفَ كَانَ الصَّحَابَةُ يَتَلَقَّوْنَ السُنَّةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌4 - انْتِشَارُ السُنَّةِ فِي عَهْدِ الرَّسُولِ عليه الصلاة والسلام

- ‌البَابُ الثَّانِي: السُنَّةُ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ:

- ‌الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌بَيْنَ يَدَيْ الفَصْلِ:

- ‌المَبْحَثُ الأَوَّلُ: اقْتِدَاءُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بِالرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم

- ‌المَبْحَثُ الثَّانِي: احْتِيَاطُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي رِوَايَةِ الحَدِيثِ:

- ‌1 - رَأْيُ ابْنِ عَبْدِ البَرِّ:

- ‌2 - رَأْيُ الخَطِيبِ البَغْدَادِيِّ:

- ‌المَبْحَثُ الثَّالِثُ: تَثَبُّتُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي قَبُولِ الحَدِيثِ:

- ‌[أ] تَثَبُّتُ أَبِي بَكْرٍ الصِدِّيقَ فِي قَبُولِ الأَخْبَارِ:

- ‌[ب] تَثَبًّتُ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ فِي قَبُولِ الأَخْبَارِ:

- ‌[ج] تَثَبُّتُ عُثْمَانٍ رضي الله عنه فِي الحَدِيثِ:

- ‌[د] تَثَبُّتُ عَلِيٍّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه فِي الحَدِيثِ:

- ‌المَبْحَثُ الرَّابِعُ: كَيْفَ رُوِيَ الحَدِيثُ فِي ذَلِكَ العَصْرِ .. بِاللَّفْظِ أَمْ بِالمَعْنَى

- ‌الفَصْلُ الثَّانِي: وَفِيهِ ثَلَاثَةُ مَبَاحِثَ:

- ‌المَبْحَثُ الأَوَّلُ: النَّشَاطُ العِلْمِيُّ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ:

- ‌المَبْحَثُ الثَّانِي: اِنْتِشَارِ الحَدِيثِ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ:

- ‌المَبْحَثُ الثَّالِثُ: الرِّحْلَةُ فِي طَلَبِ الحَدِيثِ:

- ‌البَابُ الثَّالِثُ: الوَضْعُ فِي الحَدِيثِ:

- ‌الفَصْلُ الأَوَّلُ: ابْتِدَاءُ الوَضْعِ وَأَسْبَابُهُ:

- ‌أَوَّلاً: ابْتِدَاءُ الوَضْعِ:

- ‌ثَانِيًا: أَسْبَابُ الوَضْعِ:

- ‌[1] الأَحْزَابُ السِّيَاسِيَّةُ:

- ‌[أ] أَثَرُ الشِّيعَةِ وَخُصُومِهِمْ فِي وَضْعِ الحَدِيثِ:

- ‌[ب] الخَوَارِجُ وَوَضْعِ الحَدِيثِ:

- ‌[2] أَعْدَاءُ الإِسْلَامِ (الزَّنَادِقَةُ):

- ‌[3] التَّفْرِقَةُ العُنْصُرِيَّةُ وَالتَّعَصُّبُ لِلْقَبِيلَةِ وَالبَلَدِ وَالإِمَامِ:

- ‌[4] القَصَّاصُونَ:

- ‌[5] الرَّغْبَةُ فِي الخَيْرِ مَعَ الجَهْلِ بِالدِّينِ:

- ‌[6] الخِلَافَاتُ المَذْهَبِيَّةُ وَالكَلَامِيَّةُ:

- ‌[7]- التَّقَرُّبُ مِنَ الحُكَّامِ وَأَسْبَابٌ أُخْرَى:

- ‌الفَصْلُ الثَّانِي: جُهُودُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَتْبَاعِهِمْ فِي مُقَاوَمَةِ الوَضْعِ:

- ‌أَوَّلاً - الْتِزَامُ الإِسْنَادِ:

- ‌ثَانِيًا - مُضَاعَفَةُ النَّشَاطِ العِلْمِيِّ وَالتَّثَبُّتُ فِي الحَدِيثِ:

- ‌ثَالِثًا - تَتَبُّعِ الكَذَبَةِ:

- ‌رَابِعًا - بَيَانُ أَحْوَالِ الرُوَّاةِ:

- ‌خَامِسًا - وَضْعُ قَوَاعِدَ لِمَعْرِفَةِ المَوْضُوعِ مِنَ الحَدِيثِ:

- ‌[أ] عَلَامَاتُ الوَضْعِ فِي السَّنَدِ:

- ‌[ب] عَلَامَاتُ الوَضْعِ فِي المَتْنِ:

- ‌الفَصْلُ الثَّالِثُ: آرَاءُ بَعْضِ المُسْتَشْرِقِينَ وَأَشْيَاعَهُمْ فِي السُنَّةِ وَنَقْدِهَا:

- ‌أَوَّلاً - رَأْيُ جُولدْتْسِيهِرْ:

- ‌ثَانِيًا - رَأْيُ غَاسْتُونْ وَيَتْ:

- ‌ثَالِثًا - رَأْيُ الأَسْتَاذِ أَحْمَدْ أَمِينْ:

- ‌الفَصْلُ الرَّابِعُ: أَشْهَرُ مَا أُلِّفَ فِي الرِّجَالِ وَالمَوْضُوعَاتِ:

- ‌أَوَّلاً: أَشْهَرُ الكُتُبِ التِي أُلِّفَتْ فِي الصَّحَابَةِ:

- ‌ثَانِيًًا: أَشْهَرُ مَا صُنِّفَ فِي تَوَارِيخِ الرِّجَالِ وَأَحْوَالِهِمْ:

- ‌[أ] كُتُبٌ فِي تَوَارِيخِ الرِّجَالِ وَأَحْوَالِهِمْ:

- ‌[ب] كُتُبُ الطَّبَقَاتِ:

- ‌ثَالِثًا: كُتُبٌ فِي مَعْرِفَةِ الأَسْمَاءِ وَالكُنَى وَالأَلْقَابِ وَالأَنْسَابِ:

- ‌[أ] كُتُبٌ فِي الأَسْمَاءِ وَالكُنَى وَالأَلْقَابِ:

- ‌[ب] وَأَمَّا كُتُبُ الأَنْسَابِ فَأَشْهَرُهَا:

- ‌رَابِعًا: كُتُبٌ فِي الجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ:

- ‌خَامِسًا: المُؤَلَّفَاتُ فِي المَوْضُوعَاتِ:

- ‌البَابُ الرَّابِعُ: مَتَى دُوِّنَ الحَدِيثُ

- ‌الفَصْلُ الأَوَّلُ: حَوْلَ تَدْوِينِ الحَدِيثِ

- ‌1 - الكِتَابَةُ عِنْدَ العَرَبِ قَبْلَ الإِسْلَامِ:

- ‌2 - الكِتَابَةُ فِي العَصْرِ النَّبَوِيِّ وَصَدْرِ الإِسْلَامِ:

- ‌أَوَّلاً - مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الكِتَابَةِ:

- ‌[أ]- مَا رُوِيَ مِنْ كَرَاهَةِ الكِتَابَةِ:

- ‌[ب] مَا رُوِيَ مِنْ إِبَاحَةِ الكِتَابَةِ:

- ‌ثَانِيًا - كِتَابَةُ الحَدِيثِ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ:

- ‌ثَالِثًا - التَّدْوِينُ فِي عَصْرِ التَّابِعِينَ:

- ‌رَابِعًا - خِدْمَةُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ لِلْسُنَّةِ:

- ‌خَامِسًا - المُصَنِّفُونَ الأَوَائِلُ فِي الحَدِيثِ:

- ‌أَهَمُّ نَتَائِجِ هَذَا الفَصْلِ:

- ‌الفَصْلُ الثَّانِي: مَا دُوِّنَ فِي صَدْرِ الإِسْلَامِ

- ‌ الصَّحِيفَةُ الصَّادِقَةُ لِعَبْدِ اللهِ بْنَ عَمْرٍو بَنِ العَاصِ

- ‌ صَحِيفَةُ جَابِرٍ بْنَ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِي

- ‌ الصَّحِيفَةُ الصَّحِيحَةُ " لِهَمَّامَ بْنَ مُنَبِّهٍ

- ‌الفَصْلُ الثَّالِثُ: آرَاءٌ فِي التَّدْوِينِ:

- ‌1 - رَأْيُ الشَّيْخِ مُحَمَّدْ رَشِيدْ رِضَا::

- ‌2 - رَأْيُ الشِّيعَةِ فِي تَدْوِينِ الحَدِيثِ:

- ‌3 - رَأْيٌ فِي التَّدْوِينِ الرَّسْمِيِّ:

- ‌4 - المُسْتَشْرِقُونَ وَرَأْيُهُمْ فِي تَدْوِينِ الحَدِيثِ:

- ‌نَتَائِجُ هَذَا الفَصْلِ:

- ‌البَابُ الخَامِسُ: أَعْلَامُ رُوَّاةِ الحَدِيثِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ:

- ‌الفصل الأول: بَعْضُ أَعْلَامُ الرُوَّاةِ مِنَ الصَّحَابَةِ:

- ‌1 - تَعْرِيفُ الصَّحَابِي:

- ‌2 - طَبَقَاتُ الصَّحَابَةِ:

- ‌3 - كَيْفَ يُعْرَفُ الصَّحَابِيُّ

- ‌4 - عَدَالَةُ الصَّحَابَةِ:

- ‌[1]- أَدِلَّةُ عَدَالَةِ الصَّحَابَةِ مِنَ الكِتَابِ:

- ‌[2]- أَدِلَّةُ عَدَالَةِ الصَّحَابَةِ مِنَ السُنَّةِ:

- ‌5 - عَدَدُ الصَّحَابَةِ:

- ‌6 - عِلْمُ الصَّحَابِي:

- ‌7 - المُكْثِرُونَ مِنَ الصَّحَابَةِ:

- ‌(1) - أَبُو هُرَيْرَةَ: (19 ق هـ - 59 ه

- ‌1 - التَّعْرِيفُ بِهِ:

- ‌2 - إِسْلَامُهُ:

- ‌3 - فَقْرُهُ وَعَفَافُهُ:

- ‌4 - كَرَمُهُ:

- ‌5 - وِلَايَتُهُ عَلَى البَحْرَيْنِ:

- ‌6 - اعْتِزَالُهُ الفِتَنَ:

- ‌7 - مَرَحُهُ وَمُزَاحُهُ:

- ‌8 - وَفَاتُهُ:

- ‌9 - حَيَاتُهُ العِلْمِيَّةُ:

- ‌10 - حِفْظُ أَبِي هُرَيْرَةَ:

- ‌11 - أَبُو هُرَيْرَةَ وَالفَتْوَى:

- ‌12 - شُيُوخُهُ وَمَنْ رَوَى عَنْهُ:

- ‌13 - عِدَّةُ مَا رُوِيَ عَنْهُ مِنَ الحَدِيثِ:

- ‌14 - الثَّنَاءُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ:

- ‌15 - أَصَحُّ الطُرُقِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:

- ‌الرَدُّ عَلَى الشُّبَهِ التِي أُثِيرَتْ حَوْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ:

- ‌1 - عُمَرٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما

- ‌2 - هَلْ تَشَيَّعَ أَبُو هُرَيْرَةَ لِلأُمَوِيِّينَ

- ‌3 - هَلْ وَضَعَ أَبُو هُرَيْرَةَ الأَحَادِيثَ كَذِبًا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌4 - كَثْرَةُ حَدِيثِهِ:

- ‌5 - هَلْ كَانَ الصَّحَابَةُ يُكَذِّبُونَ أَبَا هُرَيْرَةَ وَيَرُدُّونَ أَحَادِيثَهُ

- ‌[أ] هَلْ ضَرَبَ عُمَرُ أَبَا هُرَيْرَةَ لِكَثْرَةِ رِوَايَتِهِ

- ‌[ب] أَبُو هُرَيْرَةَ وَعُثْمَانُ بْنِ عَفَّانٍ:

- ‌[ج] أَبُو هُرَيْرَةَ وَعَلِيٌّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنهما

- ‌[د] أَبُو هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ رضي الله عنهما

- ‌(2) - عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ (10 ق هـ - 73 ه

- ‌(3) - أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ (10 ق هـ - 93 ه

- ‌(4) - عائشة أم المؤمنين (9 ق هـ - 58 ه

- ‌(5) - عبد الله بن عباس (3 ق هـ - 68 ه

- ‌(6) - جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ (16 ق هـ - 87 ه

- ‌(7) -أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ (12 ق هـ - 74 ه

- ‌الفصل الثاني: بعض أعلام الرواة من التابعين:

- ‌من يعد تابعيا

- ‌(1) - سعيد بن المسيب (15 - 94 ه

- ‌(2) - عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ (22 - 94 ه

- ‌(3) - مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ:

- ‌[1]- التَّعْرِيفُ بِهِ - وِلَادَتُهُ - نَشْأَتُهُ:

- ‌[2]- طَلَبُهُ العِلْمَ:

- ‌[3]- حِفْظُهُ:

- ‌[4]- عِلْمُهُ وَآثَارُهُ:

- ‌[5]- عِدَّةُ أَحَادِيثِهِ وَمَنْزِلَةُ رِوَايَتِهِ:

- ‌[6]- أَشْهَرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ:

- ‌[7]- أَقْوَالُ العُلَمَاءِ فِي ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ:

- ‌[8]- وَفَاتُهُ:

- ‌رَدُّ الشُّبُهَاتِ التِي أُثِيرَتْ حَوْلَ الزُّهْرِيِّ:

- ‌[رَأْيُ اليَعْقُوبِي وَجُولْدتْسِيهِرْ فِي ابْنِ شِهَابٍ]:

- ‌[1]- لَيْسَ مِنَ المَعْقُولِ أَنْ يَمْنَعَ عَبْدُ المَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ أَهْلَ الشَّامِ مِنَ الحَجِّ:

- ‌[2]- لَمْ تَذْكُرْ المَصَادِرُ الإِسْلَامِيَّةُ أَنَّ عَبْدَ المَلِكِ هُوَ الذِي بَنَى قُبَّةَ الصَّخْرَةِ:

- ‌[3]- لَمْ يَحْمِلْ عَبْدُ المَلِكِ النَّاسَ عَلَى الحَجِّ إِلَى المَسْجِدِ الأَْقْصَى وَالزُّهْرِيُّ أَرْفَعُ مِنْ أَنْ يَكْذِبَ عَلَى الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(أ) صِلَةُ الزُّهْرِيِّ بِالأُمَوِيِّينَ:

- ‌(ب) اِسْتِحَالَةُ مَا ادَّعَاهُ اليَعْقُوبِي وَ (جُولْدْتْسِيهِرْ) تَارِيخِيًّا:

- ‌[4]- لَمْ يَكُنْ الزُّهْرِيُّ صَدِيقًا قَدِيمًا لَِعَبْدِ المَلِكِ، وَلَمْ يَتَفَرَّدْ وَحْدَهُ بِرِوَايَةِ الأَحَادِيثِ التِي وَرَدَتْ فِي فَضَائِلِ بَيْتِ المَقْدِسِ:

- ‌(4) - نَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ (00 - 117 ه

- ‌(5) - عُبَيْدُ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ (00 - 98 ه

- ‌(6) - سَالِمٌ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ (00 - 106 ه

- ‌(7) - إبراهيم بن يزيد النخعي (46 - 96 ه

- ‌(8) - عَامِرُ بْنُ شَرَاحِيلَ الشَّعْبِيُّ (19 - 103 ه

- ‌(9) - عَلْقَمَةُ بْنُ قَيْسٍ النَّخَعِيُّ (28 ق هـ - 62 ه

- ‌(10) - محمد بن سيرين (33 - 110 ه

- ‌الخاتمة:

- ‌فهارس الكتاب:

- ‌المَصَادِرُ وَالمَرَاجِعُ:

- ‌فهرس الكتب المعرف بها:

الفصل: ‌المبحث الرابع: كيف روي الحديث في ذلك العصر .. باللفظ أم بالمعنى

‌المَبْحَثُ الرَّابِعُ: كَيْفَ رُوِيَ الحَدِيثُ فِي ذَلِكَ العَصْرِ .. بِاللَّفْظِ أَمْ بِالمَعْنَى

؟:

رأينا كيف كان الصحابة والتابعون وأتباعهم يتثبتون في قبول الأخبار، وعرفنا وَرَعَهُمْ وَخِشْيَتَهُمْ عِنْدَمَا يَرْوُونَ حَدِيثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان أحدهم لا يروي الحديث إلا بعد الاستيثاق من ضبط حروفه وفهم معناه، وكان الواحد منهم إِذَا سُئِلَ يَوَدُّ لو أن أخاه كفاه مؤونة السؤال، حتى إن بعضهم كان يأبى أن يروي شيئًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مخافة الزيادة والنقصان، وَمِنْ هَذَا مَا يَرْوِيه اَلعَلَاء بْنِ سَعْدٍ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قِيلَ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا لَكَ لَا تُحَدِّثُ كَمَا يُحَدِّثُ فُلَانٌ وَفُلَانٌ؟ فَقَالَ: «مَا بِي أَلَاّ أَكُونَ سَمِعْتُ مِثْلَ مَا سَمِعُوا، أَوْ حَضَرْتُ مِثْلَ مَا حَضَرُوا، وَلَكِنْ لَمْ يُدْرَسِ الأَمْرُ بَعْدُ، وَالنَّاسُ مُتَمَاسِكُونَ، فَأَنَا أَجِدُ مَنْ يَكْفِينِي، وَأَكْرَهُ التَّزَيُّدَ وَالنُّقْصَانَ فِي حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» (1).

وإلى جانب ما رويناه من أخبار حول تثبت الصحابة والتابعين في رواية الحديث، وَمَنَاهِجِهِمْ في الإقلال من الرواية مخافة الوقوع في الخطأ، لا بد لنا من أن نتتبع بعض أخبارهم لنرى كيف كانوا يَرْوُونَ الحديث النبوي؟ وهل كانوا يحافظون على لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم، أو كانوا يَرْوُونَ ما يسمعون بألفاظ من عندهم دون أن يغيروا معنى ما سمعوا؟

إذا استعرضنا تلك الأخبار رأينا كثيرًا من الصحابة حرصوا على نقل الحديث بألفاظه، وبعضهم ترخص عند الضرورة في روايته بالمعنى، وكما روى

(1)" الكفاية ": ص 172.

ص: 126

بعض الصحابة الحديث باللفظ وبعضهم بالمعنى نرى التابعين أَيْضًا قد نهجوا نهج الصحابة - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ -، ولكن مما لا شك فيه أن جميع الصحابة حرصوا على أداء الحديث كما سمعوه من الرسول عليه الصلاة والسلام، حتى إن بعضهم ما كان يرضى أن يبدل حرفًا بحرف، أو كلمة مكان كلمة، أو يقدم كلمة على أخرى وردت في الحديث قبلها، وقد رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ:«مَنْ سَمِعَ حَدِيثًا فَحَدَّثَ بِهِ كَمَا سَمِعَ، فَقَدَ سَلِمَ (1)» وَرُوِيَ نَحْوَهُ عَنْ عَبْدِ اَللهِ بْنِ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمْ.

وَقَدْ اِشْتَهَرَ مِنْ بَيْنِ اَلصَّحَابَةِ الذِينَ كَانُوا يَتَشَدَّدُونَ فِي الحِرْصِ عَلَى لَفْظِ اَلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم ، عَبْد اَللهِ بْنِ عُمَرَ. روى مُحَمَّدُ بْنُ سُوقَةَ قال: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ يَقُولُ: كَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ إِذَا سَمِعَ مِنْ نَبِيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا، أَوْ شَهِدَ مَعَهُ مَشْهَدًا، لَمْ يُقَصِّرْ دُونَهُ أَوْ يَعْدُوهُ، قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ يَقُصُّ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ، إِذْ قَالَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ:" مَثَلُ الْمُنَافِقِ كَمَثَلِ الشَّاةِ بَيْنَ الْغَنَمَيْنِ، إِنْ أَقْبَلَتْ إِلَى هَذِهِ الْغَنَمِ نَطَحَتْهَا، وَإِنْ أَقْبَلَتْ إِلَى هَذِهِ نَطَحَتْهَا "، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ:" لَيْسَ هَكَذَا "، فَغَضِبَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَفِي المَجْلِسِ عَبْدُ اللهِ بْنُ صَفْوَانَ، فَقَالَ:" يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، كَيْفَ قَالَ رَحِمَكَ اللهُ؟ " فَقَالَ: قَالَ: " مَثَلُ الْمُنَافِقِ مَثَلُ الشَّاةِ بَيْنَ الرَّبِيضَيْنِ، إِنْ أَقْبَلَتْ إِلَى ذَا الرَّبِيضِ نَطَحَتْهَا، وَإِنْ أَقْبَلَتْ إِلَى ذَا الرَّبِيضِ نَطَحَتْهَا "، فَقَالَ لَهُ:" رَحِمَكَ اللهُ هُمَا وَاحِدٌ "، قَالَ:" كَذَا سَمِعْتُ "(2).

وروى ابن عمر حديث «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ» ، فأعاده رجل فقال له ابْنُ

(1)" المحدث الفاصل ": ص 127: ب و" الكفاية ": ص 122.

(2)

" مسند الإمام أحمد ": ص 297 حديث 5546 جـ 7. وانظر حديث 5359 ونحوه في ص 20 حديث 5610 جـ 8.

ص: 127

عُمَرَ: «لَا، اجْعَلْ صِيَامَ رَمَضَانَ آخِرَهُنَّ، كَمَا سَمِعْتُ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» (1) ولهذا نرى في بعض الأحاديث، قول الراوي - كذا وكذا - لا أدري بأيهما بدأ، أو أيهما قال قبل، ونحو ذلك. وهذا تنبيه من الراوي إلى أنه أدرك الحديث وفهمه، ولكنه لم يتأكد من ترتيب اسمين فيه أو كلمتين فَبَيَّنَ موضع شكه وأن الشك منه ليس في أصل الحديث، ومن هذا ما رواه خالد بن زيد الجُهَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«قُرَيْشٌ وَالأَنْصَارُ، وَأَسْلَمُ وَغِفَارٌ، - أَوْ غِفَارٌ وَأَسْلَمُ -» (2).

وتشدد بعض الرواة في المحافظة على نص الحديث بألفاظه، فمنع زيادة حرف واحد، أو حذفه وإن كان لا يُغَيِّرُ المعنى، ومن هذا ما رواه سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ:«نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ أَنْ يُنْتَبَذَ فِيهِ» فَقِيلَ لِسُفْيَانَ: أَنْ يُنْبَذَ فِيهِ؟ فَقَالَ: لَا، هَكَذَا قَالَهُ لَنَا الزُّهْرِيُّ:«يُنْتَبَذَ فِيهِ» (3).

وكان بعض الرُوَّاةِ شديدي الحرص على اللفظ الذي سمعوه، فَلَا يُخَفِّفُونَ حَرْفًا ثَقِيلاً، وَلَا يُثَقِّلُونَ حَرْفًا خَفِيفًا، ولا يبدلون حركات الحروف التي يسمعونها، بل يروونها كما سمعوها، وإن كان ذلك التغيير لا يبدل معناها، نحو (نَمَا - نَمَّى) في حديثه صلى الله عليه وسلم «لَيْسَ الكَاذِبُ مَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ النَّاسِ فَقَالَ خَيْرًا أَوْ نَمَى خَيْرًا» قال حماد:«سَمِعْتُ هَذَا الحَدِيثَ مِنْ رَجُلَيْنِ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: " نَمَا خَيْرًا " (خفيفة) وَقَالَ الآخَرُ: " نَمَّى خَيْرًا " (مثقلة)» (4).

(1)" الكفاية ": ص 176.

(2)

المرجع السابق: ص 177.

(3)

" الكفاية ": ص 178.

(4)

المصدر السابق: ص 180، 181.

ص: 128

وبلغ من حرص بعض المحدثين على لفظ الحديث أنهم لم يكونوا يحدثون طلابهم إلا إذا كتبوا عنهم، إذ كانوا يكرهون أن يحفظوا عنهم، خَوْفًا من الوهم عليهم، من هذا ما يرويه الخطيب البغدادي بسنده عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو: «لَا وَاللَّهِ لَا أُحَدِّثُكُمْ حَتَّى تَكْتُبُوهُ، إِنِّي أَخَافُ أَنْ تَكْذِبُوا عَلَيَّ - وَفِي رِوَايَةٍ -: أَخَافُ أَنْ تَغْلُطُوا عَلَيَّ» (1).

ومنه ما رواه الرامهرمزي بسنده عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: «أَتَيْتُ القَاسِمَ وَسَأَلْتُهُ عَنْ أَشْيَاءَ، فَقُلْتُ: أَكْتُبُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ لابْنِهِ: " انْظُرْ فِي كِتَابِهِ، لَا يَزِيدُ عَلَيَّ شَيْئًا "، قُلْتُ: " يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، إِنِّي لَوْ أَرَدْتُ أَنْ أَكْذُبَ لَمْ آتِكَ "، قَالَ: " إِنِّي لَمْ أُرِدْ، إِنَّمَا أَرَدْتُ إِنْ أَسْقَطْتَ شَيْئًا يُعَدِّلْهُ لَكَ "» (2).

وَكَانَ الأَعْمَشَ يَقُولُ: «كَانَ هَذَا الْعِلْمُ عِنْدَ أَقْوَامٍ، كَانَ أَحَدُهُمْ لأَنْ يَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَزِيدَ فِيهِ وَاوًا، أَوْ أَلِفًا، أَوْ دَالاً

» (3).

وَقَدْ أَدْرَكَ اِبْنُ عَوْنٍ ثَلَاثَةَ مِمَّنْ يَتَشَدَّدُونَ فِي رِوَايَةِ اَلحَدِيثِ عَلَى حُرُوفِهِ ، وَهُمْ اَلْقَاسِمُ بْنِ مُحَمَّدٍ بِالْحِجَازِ ، وَمُحَمَّدٍ بْنِ سِيرِين بِالبَصْرَةِ ، وَرَجَاء بْنِ حَيْوَةَ بِالشَّامِ (4)، وكان إبراهيم بن ميسرة وطاووس يحدثان الحديث على حروفه (5)، وَكَانَ طَاوُسٌ يَعُدُّ الحَدِيثَ حَرْفًا حَرْفًا (6). وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ قَوْلَهُ: «مُحَدِّثُو الحِجَازِ ابْنُ شِهَابٍ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ جُرَيْجٍ يَجِيئُونَ بِالحَدِيثِ عَلَى

(1)" الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 101: آ.

(2)

" المحدث الفاصل ": ص 128: آ.

(3)

" الكفاية ": ص 178.

(4)

انظر " المحدث الفاصل ": ص 126: ب. و" الكفاية ": ص 205. و" الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 100: ب. و" جامع بيان العلم وفضله ": ص 80 جـ 1.

(5)

انظر " الكفاية ": ص 205.

(6)

" المحدث الفاصل ": ص 127: ب.

ص: 129

وَجْهِهِ» (1)، وَكَانَ مَالِكُ بْنِ أَنَسٍ يَحْرِصُ عَلَى أَدَاءِ حَدِيثِ رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى حُرُوفِهِ (2).

وإلى جانب هذه الأخبار ترى أخبارًا أخرى تدل على أن بعض الصحابة والتابعين رَوَوْا بعض الأحاديث بمعانيها، أو أنهم أجازوا إبدال كلمة بأخرى عند الضرورة، وكان أحدهم إذا اضطر إلى هذا أشار إلى أن ما يرويه ليس لفظه صلى الله عليه وسلم. لذلك نرى بعض الصحابة يَتَوَرَّعُونَ كثيرًا عند ذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم خشية الخطأ.

وَقَدْ رَوَيْنَا أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ إِذَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«هَكَذَا أَوْ نَحْوًا مِنْ هَذَا، أَوْ قَرِيبًا مِنْ هَذَا، وَكَانَ يَرْتَعِدُ» (3).

وَكَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إِذَا فَرَعَ مِنَ الحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«هَذَا أَوْ نَحْوِ هَذَا أَوْ شَكْلَهُ» وَقَدْ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِلَاّ هَكَذَا، فَكَشَكْلِهِ» (4).

وَقَالَ مُحَمَّدٌ بْنُ سِيرِينَ: «كَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَلِيلَ الحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ: وَكَانَ مِمَّا إِذَا حَدَّثَ عَنْهُ قَالَ: أَوْ كَمَا قَالَ» (5).

(1) تقدمة " الجرح والتعديل ": ص 43.

(2)

انظر " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 106: ب. و" جامع بيان العلم وفضله ": ص 81 جـ 1. و" الكفاية ": ص188.

(3)

" الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 107: آ. و" جامع بيان العلم وفضله ": ص 29 جـ 1. و" الكفاية ": ص 188.

(4)

" الكفاية ": ص 205. و " جامع بيان العلم وفضله ": ص 79 جـ 1" الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 207. وذكر ذلك زهير بن حرب عن أبي الدرداء في كتاب "العلم ": ص 191: ب.

(5)

" الكفاية ": ص 205. و " جامع بيان العلم وفضله ": ص 79 جـ 1" الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 207. وذكر ذلك زهير بن حرب عن أبي الدرداء في كتاب "العلم ": ص 191: ب.

ص: 130

وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ اَلزُّبِيرِ قَالَ: قَالَتْ لِي عَائِشَةُ رضي الله عنها «يَا بُنَيَّ [إِنَّهُ] يَبْلُغُنِي أَنَّكَ تَكْتُبُ عَنِّي الحَدِيثَ ثُمَّ تَعُودُ فَتَكْتُبُهُ» ، فَقُلْتُ لَهَا:«أَسْمَعُهُ مِنْكِ عَلَى شَيْءٍ، ثُمَّ أَعُودُ فَأَسْمَعُهُ عَلَى غَيْرِهِ» . فَقَالَتْ: «هَلْ تَسْمَعُ فِي المَعْنَى خِلَافًا؟» ، قُلْتُ:«لَا» ، قَالَتْ:«لَا بَأْسَ بِذَلِكَ» (1). وَعَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ بْنِ سِيرِينَ قَالَ:«رُبَّمَا سَمِعْتُ الحَدِيثَ عَنْ عَشَرَةٍ، كُلِّهِمْ يَخْتَلِفُ فِي اللَّفْظِ، وَالمَعْنَى وَاحِدٌ» (2).

قَالَ مَكْحُولٌ: " دَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو الأَزْهَرِ، عَلَى وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ فَقُلْنَا لَهُ: يَا أَبَا الأَسْقَعِ حَدِّثْنَا بِحَدِيثٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ فِيهِ وَهْمٌ وَلا تَزَيُّدٌ وَلا نِسْيَانٌ قَالَ: «هَلْ قَرَأَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ القُرْآنِ شَيْئًا؟ قَالَ: فَقُلْنَا: نَعَمْ، وَمَا نَحْنُ لَهُ بِحَافِظِينَ جِدًّا إِنَّا لَنُزِيدُ الوَاوَ وَالأَلِفَ وَنُنْقِصُ. قَالَ: فَهَذَا القُرْآنُ مَكْتُوبٌ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ لَا تَأْلُونُ حِفْظًا وَأَنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ تُزِيدُونَ وَتُنْقِصُونَ فَكَيْفَ بِأَحَادِيثَ سَمِعْنَاهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَيْرَ أَنْ لَا نَكُونَ سَمِعْنَاهَا مِنْهُ إِلَاّ مَرَّةً وَاحِدَةً، حَسْبُكُمْ إِذَا حَدَّثْنَاكُمُ الحَدِيثَ عَلَى المَعْنَى» (3).

وَرَوَى قَتَادَةُ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى قَالَ: «لَقِيتُ عِدَّةً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَاخْتَلَفُوا عَلَيَّ فِي اللَّفْظِ، وَاجْتَمَعُوا فِي المَعْنَى» (4).

وَقَالَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، قَالَ:«سَمِعْتُ الحَسَنَ يُحَدِّثُ بِالحَدِيثِ: الأَصْلُ وَاحِدٌ وَالكَلَامُ مُخْتَلِفٌ» (5)، وَقَالَ عِمْرَانُ القَصِيرُ، عَنِ الحَسَنِ: قُلْتُ لَهُ (لِلْحَسَنِ البَصْرِيِّ):

(1)" الكفاية ": ص 205.

(2)

" المحدث الفاصل ": ص 126: ب. و" جامع بيان العلم ": ص 79 جـ 1 و" الكفاية ": ص 205.

(3)

" الجامع لأخلاق الراوي ": ص 106 و" تدريب الراوي ": ص 312. وموجزًا في كتاب "العلم " لزهير بن حرب: ص 191: ب.

(4)

" المحدث الفاصل ": ص 125.

(5)

" الجامع لأخلاق الراوي ": ص 106: آ.

ص: 131

" إِنَّا نَسْمَعُ الحَدِيثَ، فَلَا نَجِيءُ بِهِ عَلَى مَا سَمِعْنَاهُ قَالَ:«لَوْ كُنَّا لَا نُحَدِّثُكُمْ إِلَاّ كَمَا سَمِعْنَاهُ مَا حَدَّثْنَاكُمْ بِحَدِيثَيْنِ وَلَكِنْ إِذَا جَاءَ حَلَالُهُ وَحَرَامُهُ فَلَا بَأْسَ» (1).

ورويت إجازة التحديث بالمعنى عن عبد الله بن مسعود وأبي الدرداء وأنس بن مالك، وعائشة أم المؤمنين، وعمرو بن دينار، وعامر الشعبي وإبراهيم النخعي، وابن أبي نجيح، وعمرو بن مرة، وجعفر بن محمد بن علي، وسفيان بن عيينة ويحيى بن سعيد القطان (2).

وقد أدرك ابن عون ثلاثة مِمَّنْ يُرَخِّصُونَ في روايةالحديث على المعنى هم: الحسن البصري، وإبراهيم النخعي، وعامر الشعبي (3).

ونرى هؤلاء الذين رَوَوْا بعض الحديث على المعنى بقولهم بعد التحديث، «أَوْ كَمَا قَالَ» ، «أََوْ نَحْوِ هَذَا» ، ومنهم من كان لا يبيح لمن يسمع أن يكتب عنه الحديث حتى لا يظن أن ما رواه لَفْظَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، فكان عمرو بن دينار يحدث على المعنى ويقول:«أُحَرِّجُ عَلَى مَنْ يَكْتُبُ عَنِّي» (4).

وَلَا بُدَّ من أن نقرر أن من أباح رواية الحديث على المعنى أباحها بشروط، ولم يطلق هذا لأي إنسان، وأجازوا ذلك للضرورة، كأن يند اللفظ عن الذاكرة، أو يغيب لفظ الحديث عن المحدث عند الحاجة إلى روايته فيرويه بالمعنى، والضرورة تقدر بقدرها. قال الإمام الشافعي في صفات الراوي: «أنْ يَكُونَ مَنْ حَدَّثَ بِهِ ثِقَةً فِي دِينِهِ، مَعْرُوفًا بِالصِّدْقِ فِي حَدِيثِهِ، عَاقِلاً لِمَا يُحَدِّثُ

(1)" الجامع لأخلاق الراوي ": ص 106: آ.

(2)

انظر المرجع السابق: ص 106.

(3)

" المحدث الفاصل ": ص 126: ب. و " جامع بيان العلم ": ص 80 جـ 1، " الكفاية ": ص 205.

(4)

" تذكرة الحفاظ ": ص 107 جـ 1.

ص: 132

بِهِ، عَالِمًا بِمَا يُحِيلُ مَعانِيَ الحَدِيثِ مِنَ اللَّفظِ، أَوْ يَكُونَ مِمَّنْ يُؤَدِّي الحَدِيثَ بِحُرُوفِهِ، كَمَا سَمِعَهُ، لَا يُحَدِّثُ بِهِ عَلَى المَعْنَى؛ لأنَّهُ إِذَا حَدَّثَ بِهِ عَلَى المَعْنَى، وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِمَا يُحِيلُ مَعْنَاهُ، لَمْ يَدْرِ لَعَلَّهُ يُحِيلُ الحَلَالَ إِلَى الحَرَامِ. وَإِذَا أَدَّاهُ بِحُرُوفِهِ فَلَمْ يَبْقَ وَجْهٌ يُخَافُ فِيهِ إِحَالَتُهُ الحَدِيثَ

» (1).

قَالَ الرَّامَهُرْمُزِي: «وَقَدْ دَلَّ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي صِفَةِ المُحَدِّثِ مَعَ رِعَايَةِ اتِّبَاعِ اللَّفْظِ عَلَى أَنَّهُ يَسُوغُ لِلْمُحَدِّثِ أَنْ يَأْتِيَ بِالمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ، إِذَا كَانَ عَالِمًا بِلُغَاتِ العَرَبِ وَوُجُوهِ خِطَابِهَا، بَصِيرًا بِالمَعَانِي وَالفِقْهِ، عَالِمًا بِمَا يُحِيلُ المَعْنَى وَمَا لَا يُحِيلُهُ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ جَازَ لَهُ نَقْلُ اللَّفْظِ، فَإِنَّهُ يَحْتَرِزُ بِالفَهْمِ عَنْ تَغْييرِ المَعَانِي وَإِزَالَةِ أَحْكَامِهَا، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ كَانَ أَدَاءُ اللَّفْظِ لَهُ لَازِمًا، وَالعُدُولُ عَنْ هَيْئَةِ مَا يَسْمَعُهُ عَلَيْهِ مَحْظُورًا، وَإِلَى هَذَا رَأَيْتُ الفُقَهَاءَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَذْهَبُونَ. [وَمِنَ الحُجَّةِ لِمَنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا المَذْهَبِ] (*) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ قَصَّ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ قَصَصًا، كَرَّرَ ذِكْرَ بَعْضِهَا فِي مَوَاضِعَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، وَنَقَلَهَا مِنْ أَلْسِنَتِهِمْ إِلَى اللِّسَانِ العَرَبِيِّ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لَهَا فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، وَالحَذْفِ وَالإِلْغَاءِ، وَالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ» (2).

ولم يكن الصحابة والتابعون بِدَعًا في رواية بعض الأحاديث بمعناها، بل وجدوا دليل الجواز في منهج القرآن الكريم - كما ذكر الرامهرمزي - وفي سُنَّةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان يرسل سفراءه ورسله فينقلون رسائله

(1)" الرسالة ": ص 370، 371، الفقرة 1001 وانظر فيما يتعلق بالرواية على المعنى الفقرات: 744، 757، 1013 - 1015 و 1036 - 1042 من " الرسالة ". ونقل الرامهرمزي قول الشافعي في " المحدث الفاصل ": ص 79: ب وص 128: آ، وانظر أَيْضًا " معرفة السنن والآثار " للبيهقي: ص 9 جـ 1.

(2)

" المحدث الفاصل ":ص 124: ب.

---------------------

[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:

(*) هكذا ورد في " المحدث الفاصل " للرامهرمزي، تحقيق الدكتور محمد عجاج الخطيب، ص 530، الفقرة رقم 681، الطبعة الأولى: بيروت 1391 هـ - 1971 م، نشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع. بيروت.

ص: 133

ويترجمونها إلى غير العربية، فإباحة ترجمة الحديث إلى لغة ثانية دليل على إباحة نقله بنفس اللغة على معناه، بلفظ عربي هو أقرب إلى لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم من ألفاظ اللغة الأجنبية (1)، بل هذا أولى بأن يكون مُبَاحًا.

وللذين كرهوا الرواية على المعنى أدلة منها حديث «نَضَّرَ اللهُ امْرُءًا سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَأَدَّاهُ كَمَا سَمِعَهُ» ، وَمَا رَوَاهُ البَرَاءُ بْنِ عَازِبٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«يَا بَرَاءُ كَيْفَ تَقُولُ إِذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ؟» قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ:«إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ طَاهِرًا، فَتَوَسَّدْ يَمِينَكَ، ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَى مِنْكَ إِلَاّ إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ» ، فَقُلْتُ كَمَا عَلَّمَنِي غَيْرَ أَنِّي قُلْتُ: وَرَسُولِكَ، فَقَالَ بِيَدِهِ فِي صَدْرِي:«وَ (بِنَبِيِّكَ)، فَمَنْ قَالَهَا مِنْ لَيْلَتِهِ ثُمَّ مَاتَ، مَاتَ عَلَى الفِطْرَةِ» (2).

وقد أطال بعض العلماء القول في أدلة كل من المجيزين للرواية على المعنى والمانعين لها (3). وأجمع العلماء كلهم على أنه لا يجوز للجاهل بمعنى ما ينقل أن يروي الحديث على المعنى. ومن أجاز هذه الرواية إنما أجازها للعالم بشروط، قَالَ المَاوَرْدِيُّ: «إِنْ نَسِيَ اللَّفْظَ جَازَ، لأَنَّهُ تَحَمَّلَ اللَّفْظَ وَالمَعْنَى، وَعَجَزَ عَنْ أَدَاءِ

(1) انظر " الكفاية ": ص 203.

(2)

" الكفاية ": ص 175. و" المحدث الفاصل ": ص 125: آ.

(3)

تكلم الخطيب البغدادي في الرواية على المعنى واللفظ وذكر الأدلة في ذلك، راجع " الكفاية ": ص 198 - 203 وتكلم العراقي حول الرواية بالمعنى، انظر " فتح المغيث ": ص 48 جـ 3 وما بعدها، وكذلك السيوطي في " تدريب الراوي ": انظر ص 311 وما بعدها. وكذلك الحافظ ابن كثير، انظر " الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث ": ص 157 وما بعدها، وَفَصَّلَ الشيخ طاهر الجزائري أقوال العلماء وأدلتهم في " توجيه النظر ": ص 298 - 314 وهو خير من استوفى هذا البحث من المتأخرين.

ص: 134

أَحَدِهِمَا فَيَلْزَمُهُ أَدَاءُ الآخَرِ، لَا سِيَّمَا أَنَّ تَرْكَهُ قَدْ يَكُونُ كَتْمًا لِلأَحْكَامِ، فَإِنْ لَمْ يَنْسَهْ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُورِدَهُ بِغَيْرِهِ، لأَنَّ فِي كَلَامِهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْفَصَاحَةِ مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهِ» (1). وقال السيوطي: «وَلَا شَكَّ فِي اشْتِرَاطِ أَنْ لَا يَكُونَ مِمَّا تَعَبَّدَ بِلَفْظِهِ

وَعِنْدِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ جَوَامِعِ الكَلِمِ» (2).

بعد هذا يمكننا أن نحكم أن رواية الحديث بالمعنى كانت للضرورة، وكانت بقدر وخاصة بعد أن عرفنا ورع الصحابة والتابعين، ودقتهم في رواية الأخبار، وتحفظهم وتثبتهم مما يَرْوُونَ أو يسمعون، وهذا يُرَجِّحُ عندي أن الرواية بالمعنى إن وقعت تاريخيًا من بعض الصحابة، فإنما كانت بألفاظ قريبة جِدًّا من ألفاظه صلى الله عليه وسلم، لأنهم رَأَوْا رَسُولَ اللهِ عليه الصلاة والسلام، وسمعوا منه وتخرجوا بحلقاته، واستضاءت قلوبهم بتوجيهه وعنايته، وكانوا على جانب عظيم من البيان والفصاحة، وهم أعلم الأُمَّةِ بلغة العرب، لم يتسرب إلى كلامهم اللحن، ولم يغير سليقتهم ولسانهم امتزاج الأمم والشعوب.

وَيُقَوِّي عندي أن معظم ما رواه الصحابة والتابعون كان بلفظ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم أن بعضهم كان يكتب الحديث بين يدي النبي الكريم، وكانوا يعقدون الحلقات يتذاكرون فيها ما يسمعونه منه عليه الصلاة والسلام، ويصحح بعضهم أخطاء بعض، وإذا شكوا في أمر أو أشكل عليهم شيء رجعوا إلى النبي الأمين صلى الله عليه وسلم، وكان أكثر الرواة من التابعين يكتبون ما يسمعون من الصحابة ويحفظونه، فمنهم من يذاكر الحديث حتى إذا ما وعاه صدره محاه، ومنهم من يحفظه ويحتفظ بصحفه وألواحه، ومنهم من حرص

(1)" تدريب الراوي ": ص 313.

(2)

المرجع السابق: ص 314.

ص: 135

على كتابة الحديث وجمعه في كراريس أو في مصنف كالمصحف (1).

وأما من كان لا يكتب من التابعين وأتباعهم فقد حرص على حفظ الحديث في صدره، وكانوا يتذاكرون الأحاديث بين آونة وأخرى، ويرحلون من بلد إلى آخر ليسمعوا من الصحابة رضي الله عنهم، أو ليتأكدوا من صحة ما سمعوه عن [رَسُولِ] اللهِ صلى الله عليه وسلم، فيفهموا معناه ويضبطوا حروفه وألفاظه.

ويزيدنا ثقة بأن جل ما رُوِيَ عن رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان بلفظه عليه الصلاة والسلام، تلك الحوافظ التي وهبها الله عز وجل لِحَمَلَةِ الشَّرِيعَةِ الإِسْلَامِيَّةِ، وَرُوَاةُ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَتْبَاعهمْ، فيروي لنا التاريخ ما كان يحفظه أبو هريرة وغيره، وإن المرء ليعجب عندما يطلع على أخبار صحيحة، تذكر تلك الحوافظ العظيمة التي حملت إلينا السُنَّةَ كذاكرة عبد الله بن عباس الذي اشتهر بسرعة حفظه، حتى إنه كان يحفظ الحديث من مرة واحدة، وَيُُرْوَى أنه سمع قصيدة لابن أبي ربيعة عدتها ثمانون بَيْتًا فحفظها من المرة الأولى، وفي الصحابة أمثاله كزيد بن ثابت الذي حفظ معظم القرآن قبل بلوغه، وتعلم لغة اليهود في سبعة عشر يومًا، وفيهم عائشة أم المؤمنين التي كانت آية من آيات الذكاء والحفظ وغير هؤلاء.

وفي التابعين نافع مولى عبد الله بن عمر الذي لم يخطئ فيما حفظ، وأجمع النُقَّادُ على دقة حفظه، وفيهم ابن شهاب الزُّهْرِي حافظ زمانه، وعامر الشعبي ديوان عصره، وقتادة بن دعامة السدوسي مضرب المثل في سرعة الحفظ والضبط والإتقان.

فإذا طالعنا ما اختلف فيه الرواة من حيث اللفظ، مما تعددت طرقه وجدنا

(1) تعرضت لهذا في الباب الرابع من هذا الكتاب، وفصلت القول فيه.

ص: 136

معظمه مما كان أخبارًا عن عمل من أعماله صلى الله عليه وسلم، أو تبليغًا لحكم واقعة شاهدوها بأعينهم، فنراهم يقولون:«أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِكَذَا» ، و «نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ كَذَا» ، والمعنى في كل هذا واحد، وهذا طبيعي لا يدخل الريب في مروياتهم، لاختلافهم في صيغ الأداء، لأن كل رَاوٍ عَبَّرَ عما شاهده بلفظه، ومن النادر أن نرى اختلافًا فيما نقلوه إلينا من جوامع الكلم، أو مما يتعبد بلفظه، كصيغ الأذان والإقامة والدعاء والتشهد وغير ذلك.

وليس جميع ما نقل إلينا مما اختلف لفظه بسبب الرواية بالمعنى، فجله يعود إلى تعدد مجالس الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وكثرتها، فقد يتناول موضوعًا وَاحِدًا في مناسبات مختلفة، ويجيب السائلين بما يتناسب مع مداركهم، وقد يستفتيه أكثر من واحد في واقعة واحدة، فيفتي كل واحد بما يكفيه وَيُرْوِي غليله، بألفاظ مختلفة، وعبارات متفاوتة، تؤدي الغاية المقصودة، وما روي بالمعنى مع هذا لا يكاد يخفى على أهل هذا العلم، لكثرة دراستهم حديث الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، وللأمانة العلمية التي كان عليها الرواة، فكانوا مَثَلاً رَائِعًا في الضبط والدقة والإتقان، يتبعون بعض ما يَرْوُونَهُ بعبارة تفيد احتياطهم فيما نقلوه، وَيُنَبِّهُونَ في أثناء سياق الحديث على موضع السهو أو الظن، وكانوا يحرصون دائمًا على نقل اللفظ النبوي كما صدر عنه عليه الصلاة والسلام.

بعد هذا لا نرى داعيًا للتهويل الذي يثيره بعض الكُتَّابِ وبعض المغرضين حول رواية بعض الأحاديث بالمعنى، ولا وجه لإثارة خلاف أصبح طَيَّ التاريخ، وكان معظم ما ذهب إليه العلماء من إباحة رواية الحديث بالمعنى وعدم روايته خِلَافًا عَقْلِيًّا نَظَرِيًّا، وإن وقع تَارِيخِيًّا فإنما وقع في الصدر الأول وبقدر

ص: 137

لا ضرر منه، لذلك نرى أنه من العبث إثارة مثل هذا الموضوع - الذي انصرم أوانه - وتشكيك الأُمَّةِ في حديث رسولها الأمين، وليس هناك أي مسوغ لإدخال الريب في النفوس، بعد أن أجمعت الأُمَّةُ على قبول الكتب الصحاح، وعلى أنها حديث رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، الذي نُقِلَ إلينا بأسلم الطرق العلمية، على أيدي خيار علماء الأُمَّةِ من الصحابة والتابعين ومن تبعهم.

وقد تناول (أَبُو رَيَّةَ) في كتابه " أضواء على السنة المحمدية " هذا البحث، إلا أنه أحاط الموضوع بهالة، تُوهِمُ من لا خبرة له بأن معظم الحديث النبوي قَدْ رُوِيَ بألفاظ الرواة (1)، وَجَسَّمَ خطر الرواية بالمعنى، بما لا يتفق والواقع التاريخي، وتحدث عن بعض الخلاف العقلي النظري على أنه مما وقع بالفعل، وَرَتَّبَ على جواز الرواية بالمعنى نتائج، إن صح ترتبها على رواية غير الحديث بالمعنى. لا يمكن أن تنتج عن رواية الحديث

(1) افتتح أَبُو رَيَّةَ موضوعه فقال: «يحسب الذين لا خبرة لهم بالعلم، ولا علم عندهم بالخبرة أن أحاديث الرسول التي يقرؤنها في الكتب، أو يسمعونها ممن يتحدثون بها، قد جاءت صحيحة المبنى مُحْكَمَةَ التأليف، وأن ألفاظها قد وصلت إلى الرواة مصونة كما نطق النبي بها، بلا تحريف ولا تبديل، وكذلك يحسبون أن الصحابة ومن جاء بعدهم، ممن حملوا عنهم إلى زمن التدوين، قد نقلوا هذه الأحاديث بنصها كما سمعوها، وأدوها على وجهها كما لقنوها، فلم ينلها تغير ولا اعتراها تبديل، ومما وقر في أذهان الناس أن هؤلاء الرواة قد كانوا جَمِيعًا صِنْفًا خَاصًّا بين بني آدم في جودة الحفظ وكمال الضبط وسلامة الذاكرة

ولقد كان ولا جرم لهذا الفهم أثر بالغ في أفكار شيوخ الدين - إلا من عصم ربك - فاعتقدوا أن هذه الأحاديث في منزلة آيات الكتاب العزيز، من وجوب التسليم بها، وفرض الإذعان لأحكامها، بحيث يأثم أو يَرْتَدُّ أو يفسق من خالفها، ويستتاب من أنكرها أو شك فيها». انظر " أضواء على السنة المحمدية ": ص 54. ولا مجال للرد على فريته هذه هنا، وستظهر لنا عناية النُقَّادِ والرواة وضبطهم في الفصول التالية من هذا الكتاب.

ص: 138

فضلاً عن أنها لم تترتب من جراء رواية بعض الأحاديث بمعناها، لما عرفنا ما في الأمر أن بعض الأحاديث رويت بمعناها، ولم ينتج عن ذلك خطر على الدين ولا غاب ذلك عن المسلمين.

ونحن لا نشك أن الرواية بالمعنى قد تُوقِعُ فِي الخَطَأِ، ولكن هذا الخطأ - إذا وقع - لَمْ يَخْفَ عَلَى عُلَمَاءِ الأُمَّةِ، فلا وجه لذلك التهويل والإيهام، لأن النُقَّادَ والعلماء اعتنوا عناية عظيمة بحفظ الحديث وروايته، وأشاروا إلى كل كبيرة وصغيرة وَرَوَوْا أكثر الأحاديث من طرق عدة تنفي الشك وتطرح الخبث، فما الداعي - بعد هذا - لأن يثير (أَبُو رَيَّةَ) شبهة حول الحديث وروايته؟

على أنه لم يكتف بذكر اختلاف السابقين في الرواية وذكر أقوالهم، بل حاول أن يثبت أن جميع ما رُوِيَ مُخْتَلِفًا لَفْظُهُ إنما كان نتيجة لرواية الحديث بالمعنى، وساق شواهد على هذا، فذكر اختلاف صيغ التشهد، واستطرد وخرج عن الموضوع، ثم ذكر «حَدِيثَ الإِسْلَامِ وَالإِيمَانِ» وحديث «زَوَّجْتُكهَا بِمَا مَعَك [مِنْ الْقُرْآن]» وغير ذلك، وما من شيء استشهد به إلا وللعلماء قول فيه.

وقد رَدَّ على (أَبُو رَيَّةَ) العَلَاّمَة المعاصر (عبد الرحمن بن يحيى المُعَلَّمِي اليَمَانِي) رَدًّا مُفَصَّلاً (1) يكفي أن استشهد بفقرة واحدة منه.

(1) في كتابه " الأنوار الكاشفة " الذي وضعه رَدًّا على كتاب أبي رية " أضواء على السنة ". انظر ص 82 - 88 وانظر " ظلمات أبي رية " لمحمد عبد الرزاق حمزة: ص 68 - 99.

ص: 139

قال العَلَاّمة اليماني: «قَالَ - أَبُو رَيَّةَ - (ص 60): (صِيَغُ [اَلتَّشَهُدَاتِ]) ، وَذَكَرَ اِخْتِلَافهَا (1). أَقُولُ: يَتَوَهَّمُ أَبُو رَيَّةَ - أَوْ يُوهِمُ - أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا عَلَّمَهُمْ تَشَهُّدًا وَاحِدًا ، وَلَكِنَّهُمْ أَوْ بَعْضهمْ لَمْ يَحْفَظُوهُ ، فَأَتَوْا بِأَلْفَاظٍ مِنْ عِنْدِهِمْ مَعَ نِسْبَتِهَا إِلَى اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا ، فَإِنَّ اَلتَّشَهُّدَ يُكَرَّرُ كُلَّ يَوْمٍ بِضْعَ عَشْرَةَ مَرَّةٍ عَلَى الأَقَلِّ فِي الفَرِيضَةِ وَالنَّافِلَةِ ، وَكَانَ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُحَفِّظُ أَحَدَهُمْ حَتَّى يَحْفَظَ ، وَقَدْ كَانَ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُقْرِئُ اَلرَّجُلَيْنِ اَلسُّورَةَ الوَاحِدَةَ هَذَا بِحَرْفٍ وَهَذَا بِآخَرَ. فَكَذَلِكَ عَلَّمَهُمْ مُقَدِّمَةْ اَلتَّشَهُّدِ بِأَلْفَاظٍ مُتَعَدِّدَةٍ ، هَذَا بِلَفْظٍ وَهَذَا بِآخَرَ ، وَلِهَذَا أَجْمَعَ أَهْلُ اَلعِلْمِ عَلَى صِحَّةِ اَلتَّشَهُّدِ بِكُلِّ مَا صَحَّ عَنْ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، وَأَمَّا ذِكْرُ عُمَرَ اَلتَّشَهُّدَ عَلَى اَلمِنْبَرِ ، وَسُكُوتِ اَلحَاضِرِينَ فَإِنَّمَا وَجْهَهُ المَعْقُولَ تَسْلِيمِهمْ أَنَّ اَلتَّشَهُّدَ اَلَّذِي ذَكَرَهُ صَحِيحٌ مُجْزِئٌ. وَقَدْ كَانَ عُمَرُ يَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا القُرْآنَ وَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ أَحَدٌ ، مَعَ أَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ تَلَقَّوْا عَنْ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِحَرْفٍ غَيْرَ الحَرْفَ الذِي تَلَقَّى بِهِ عُمَرُ ، وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ. وَمِنْ الجَائِزِ أَنْ يَكُونُوا - أَوْ بَعْضُهُمْ - لَمْ يَعْرِفُوا اللَّفْظ الّذِي ذَكَرَهُ عُمَرُ ، وَلَكِنَّهُمْ قَدْ عَرَفُوا أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَّمَ أَصْحَابَهُ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ وَعُمَرُ عِنْدَهُمْ ثِقَةٌ» (2).

(1) بعد أن ذكر أَبُو رَيَّةَ صيغ التشهد عن الصحابة (ص 60 - 62) قال: «هذه تشهدات ثمانية وردت عن الصحابة، وقد اختلفت ألفاظها، ولو أنها كانت من الأحاديث القولية التي رويت بالمعنى لقلنا عسى!، ولكنها من الأعمال المتواترة التي كان يؤديها كل صحابي مرات كثيرة كل يوم، وهم يعدون بعشرات الآلاف، ومما يلفت النظر أن كل صاحب تشهد يقول: إن الرسول كان يعلمه التشهد كما يعلمهم القرآن، وأن تشهد عمر قد ألقاه من فوق منبر رسول الله والصحابة جَمِيعًا يسمعون، فلم ينكر عليه أحد منهم ما قال، كما ذكر مالك في " الموطأ "» . اهـ. انظر " أضواء على السنة ": ص 63، إنه يريد أن يشككنا حتى فيما نتعبد به وفيما ثبت متواترًا، والرد على أَبِي رَيَّةَ وعلى دعواه في طي عبارته، فلو تجرد وانطلق إلى أفق أوسع من أفقه ما استغرب تعدد هذه الصيغ ولا فتح على المسلمين باب الشك والريبة ولا شكك في الصحابة حفظة الشريعة وَحُرَّاسِهَا.

(2)

" الأنوار الكاشفة ": ص 83.

ص: 140

وأرى أن نستكمل بحثنا هذا بما ذهب إليه أئمة اللغة العربية، الذين أجازوا الاستشهاد بالحديث النبوي لإثبات قواعد النحو.

قال عبد القادر البغدادي صاحب " خزانة الأدب ": «وَأَمَّا الاِسْتِدْلَالُ بِحَدِيثِ النَّبِيِّ فَقَدْ جَوَّزَهُ اِبْنُ مَالِكٍ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ المُحَقِّقُ (اَلرَّضِيُّ) فِي ذَلِكَ ، وَزَادَ عَلَيْهِ بِالاحْتِجَاجِ بِكَلَامِ أَهْلِ البَيْتِ رضي الله عنهم وَقَدْ مَنَعَهُ اِبْن اَلضَّائِعِ وَأَبُو حَيَّانِ وَسَنَدَهُمَا أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ اَلأَحَادِيثَ لَمْ تُنْقَلْ كَمَا سُمِعَتْ مِنْ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّمَا رُوِيَتْ بِالمَعْنَى.

وَثَانِيهمَا أََنَّ أَئِمَّة النَّحْوِ المُتَقَدِّمِينَ مِنَ المَصْرِيِّينَ لَمْ يَحْتَجُّوا بِشَيْء مِنْهَا.

وَرَدَّ اَلأَوَّل - عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ - بِأَنَّ اَلنَّقْلَ بِالمَعْنَى إِنَّمَا كَانَ فِي الصَّدْرِ الأَوَّلِ قَبْلَ تَدْوِينَه فِي الكُتُبِ وَقَبْلَ فَسَادِ اَللُّغَةِ ، وَغَايَتِهِ تَبْدِيلَ لَفَظٍ بِلَفْظٍ يَصِحُّ اَلاحْتِجَاجُ بِهِ فَلَا فَرْقَ، عَلَى أَنَّ اليَقِينَ غَيْرَ شَرْطٍ بَلْ الظَّنُّ كَافٍ. وَرَدَّ اَلثَّانِي بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ اِسْتِدْلَالِهِمْ بِالحَدِيثِ عَدَمَ صِحَّةِ الاسْتِدْلَالِ بِهِ.

وَالصَّوَابُ جَوَازُ الاِحْتِجَاجِ بِالحَدِيثِ لِلْنَّحْوِيِّ فِي ضَبْطِ أَلْفَاظِهِ وَيَلْحَقُ بِهِ مَا رُوِيَ عَن الصَّحَابَةِ وَأَهْلِ البَيْتِ كَمَا صَنَعَ الشَّارِحُ المُحَقِّقُ». اهـ.

ثُمَّ قَالَ نَقْلاً عَنْ الدَّمَامِينِيِّ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ لَا يَحْتَجُّ بِالحَدِيثِ فِي اللُّغَةِ: «وَقَدْ رَدَّ هَذَا المَذْهَب الذِي ذَهَبُوا إِلَيْهِ البَدْرُ الدَّمَامِينِيِّ فِي " شَرْحِ التَّسْهِيلِ " - وَلِلَّهِ دَرُّهُ فَإِنَّهُ قَدْ أَجَادَ فِي الرَّدِّ - قَالَ: وَقَدْ أَكْثَرَ اَلْمُصَنَّفُ مِنْ الاسْتِدْلَالِ بِالأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ وَشَنَّعَ أَبُو حَيَّان عَلَيْهِ ، وَقَالَ: إِنَّ مَا اِسْتَنَدَ إِلَيْهِ مِنْ ذَلِك

ص: 141

لَا يَتِمُّ لَهُ ، لِتَطَرُّقِ اِحْتِمَالِ الرِّوَايَةِ بِالمَعْنَى فَلَا يُوثَقُ بِأَنَّ ذَلِكَ المُحْتَجَّ بِهِ لَفْظُهُ عليه الصلاة والسلام حَتَّى تَقُومَ بِهِ الحُجَّةُ وَقَدْ أَجْرَيْتُ ذَلِكَ لِبَعْضِ مَشَايِخِنَا فَصَوَّبَ رَأْي اِبْنِ مَالِكٍ فِيمَا فَعَلَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ اليَقِينَ لَيْسَ بِمَطْلُوبٍ فِي هَذَا البَابِ، وَإِنَّمَا المَطْلُوبُ غَلَبَةُ الظَنِّ الذِي هُوَ مَنَاطُ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَكَذَا مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ مِنْ نَقْلِ مُفْرَدَاتِ الأَلْفَاظِ وَقَوَانِينِ الإِعْرَابِ، فَالظَّنُّ فِي ذَلِكَ كُلُّهُ كَافٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَغْلِبُ عَلَى اَلظَّنِّ أَنَّ ذَلِكَ المَنْقُولَ المُحْتَجِّ بِهِ لَمْ يُبَدَّلْ ، لأَنَّ اَلأَصْلَ عَدَمُ اَلتَّبْدِيلِ ، لَا سِيَّمَا وَالتَّشْدِيدُ فِي اَلضَّبْطِ وَالتَّحَرِّي فِي نَقْلِ اَلأَحَادِيثِ شَائِعٌ بَيْنَ اَلنَّقْلَةِ وَالمُحْدَثِينَ. وَمَنْ يَقُولُ مِنْهُمْ بِجَوَازِ النَّقْلِ بِالمَعْنَى فَإِنَّمَا هُوَ عِنْده بِمَعْنى التجويز العقلِيِّ الَّذِي لَا يُنَافِي وُقُوعَ نقيضه فَلذَلِك تراهم يَتَحَرَّوْنَ فِي الضَّبْطِ وَيَتَشَدَّدُونَ مَعَ قََوْلِهِمْ بِجَوَازِ النَّقْلِ بِالْمَعْنَى، فيغلب عَلَى الظَّنِّ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّهَا لَمْ تُبَدَّلْ وَيَكُونُ احْتِمَالُ التَّبْدِيلِ فِيهَا مَرْجُوحًا فيلغى وَلَا يقْدَح فِي صِحَة الاسْتِدْلَال بهَا.

ثمَّ إِن الْخلاف فِي جَوَاز النَّقْل بِالْمَعْنَى إِنَّمَا هُوَ فِيمَا لم يُدَوَّنْ وَلَا كتب وَأما مَا دُوِّنَ وَحَصَلَ فِي بُطُونِ الكُتُبِ فَلَا يَجُوزُ تَبْدِيلُ أَلْفَاظه من غير خلاف بَينهم قَالَ ابْن الصَّلَاحِ بعد أَن ذكر اخْتلَافهمْ فِي نقل الحَدِيث بِالْمَعْنَى إِنَّ هَذَا الْخلاف لَا نرَاهُ جَارِيًا وَلَا أجراه النَّاسُ فِيمَا نَعْلَمُ فِيمَا تَضَمَّنَتْهُ بُطُونُ الكُتُبِ فَلَيْسَ لأحد أَن يُغَيِّرَ لَفْظَ شَيْءٍ مِنْ كِتَابٍ مُصَنَّفٍ وَيُثْبِتَ فِيهِ لَفْظًا آخَرَ». اهـ.

«وَتَدْوِينُ الأَحَادِيثِ وَالأَخْبَارِ - بَلْ تَدْوِينُ (1) كَثِيرٍ مِنَ المَرْوِيَّاتِ - وَقَعَ

(1) في الأصل (بل وكثير) فحذفنا الواو لأنه لا يجتمع حرفا عطف مَعًا وأضفنا كلمة (تدوين) تحريرًا للعبارة.

ص: 142

فِي الصَّدْرِ الأَوَّلِ قَبْلَ فَسَادِ اللُّغَةِ العَرَبيَّةِ حِينَ كَانَ كَلَامُ أُولَئِكَ المُبَدِّلِينَ - عَلَى تَقْدِيرِ تَبْدِيلِهِمْ - يَسُوغُ الاحْتِجَاجُ بِهِ، وَغَايَتُهُ يَوْمئِذٍ تَبْدِيلُ لَفْظٍ بِلَفْظٍ يَِصِحُّ الاحْتِجَاجُ بِهِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الجَمِيعِ فِي صِحَةِ الاسْتِدْلَالِ ثمَّ دُونَ ذَلِكَ المُبَدَّلِ - عَلَى تَقْدِيرِ التَّبْدِيلِ - وَمَنَعَ مِنْ تَغْيِِيرِهِ وَنَقْلِهِ بِِالمَعْنَى، كَمَا قََالَ ابْنُ الصَّلَاحِ فَبَقيَ حُجَّةً فِي بَابِهِ، وَلَا يَضُرُّ تَوَهُّمَ ذَلِكَ السَّابِقِ فِي شَيْء مِنْ اسْتِدْلَالِهِمْ المُتَأَخِّرِ، وَاللهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ» (1).

(1)" خزانة الأدب ": ص 4 - 7 جـ 1.

ص: 143