الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ينهلون من المعين الذي لا ينضب، ويتلقون تعاليم الإسلام من رائده ليقوموا بدورهم في هداية الناس جَمِيعًا، وهكذا تضافر العامل الفطري الذي تميَّز به العرب مع العامل المكتسب الجديد (الروحي)، فظهر الرعيل الأول الذي حمل مشعل النور والحق إلى العالم، ونقل القرآن الكريم والسُنَّة المطهَّرة بكل أمانة وإخلاص. ولما كان موضوعنا متعلِّقاً بالسُنَّة، فلننتقل إلى التعريف بها.
أَوَّلاً - التَّعْرِيفُ بِالسُنَّةِ:
1 -
السُنَّة فِي اللُّغَةِ:
السُنَّة: السيرة حسنة كانت أو قبيحة. قال خالد بن عتبة الهذلي:
فَلَا تَجْزَعَنْ مِنْ سِيرةٍ أَنتَ سِرْتَهَا *
…
*
…
* فأَوَّلُ راضٍ سُنَّةً مَنْ يَسِيرُهَا
وسننتها سناً واستننتها سرتها، وسننت لكم سنة فاتبعوها.
وفي الحديث: «مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً» (1)، يريد من عملها ليقتدى به فيها.
وكل من ابتدأ أمراً عمل به قوم بعده، قيل هو الذي سنَّهُ.
قال نُصَيْبٌ:
كأَنِّي سَنَنتُ الحُبَّ، أَوَّلَ عاشِقٍ *
…
*
…
* مِنَ النَّاسِ، إِذْ أَحْبَبْتُ مِنْ بَيْنِهم وَحْدِي
(1) روى الإمام مسلم بسنده عن المنذر بن جرير عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ» . " صحيح مسلم ": ص 705 جـ 2 وص 2059 جـ 4.
وقد تكرَّرَ في الحديث ذكر السُنَّة وما تصرف منها. والأصل فيه الطريقة والسيرة.
وإذا أطلقت في الشرع فإنما يراد بها ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، ونهى عنه، وندب إليه قولاً وفعلاً، ولهذا يقال في أدلة الشرع الكتاب والسُنَّة، أي القرآن والحديث.
ويجوز أن يكون لفظ (سُنَّة) من سننت الإبل إذا أحسنت رعيتها والقيام عليها (1).
2 -
السُنَّةُ فِي الشَّرْعِ:
يختلف معنى السُنَّةِ في اصطلاح المتشرعين حسب اختلاف فنونهم وأغراضهم، فهي عند الأصوليين غيرها عند المُحَدِّثين والفقهاء، ولذلك نرى مدلول معناها من خلال أبحاثهم.
(أ) فعلماء الحديث إنما بحثوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الإمام الهادي، الذي أخبر الله عنه أنه أسوة لنا وقدوة، فنقلوا كل ما يتَّصل به من سيرة، وخُلُقٍ، وشمائل، وأخبار، وأقوال، وأفعال، سواء أثْبَتَ ذلك حُكماً شرعياً أم لا.
(ب) وعلماء الأصول إنما بحثوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المُشرِّع الذي يضع القواعد للمجتهدين من بعده، ويُبيِّنُ للناس دستور الحياة، ولذلك عنوا بأقواله، وأفعاله، وتقريراته التي تثبت الأحكام وتقررها.
(جـ) وعلماء الفقه إنما بحثوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي تدُلُّ
(1)" لسان العرب ": في مادة (سنن).
أفعاله على حكم شرعي، وهم يبحثون عن حكم الشرع في أفعال العباد وجوباً أو حرمة، أو إباحة، أو غير ذلك (1).
مما تقدم يتلخَّص لدينا ما يلي:
السُنَّة في اصطلاح المُحَدِّثِينَ هي: كل ما أُثِرَ عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول، أو فعل، أو تقرير، أو صِفة خَلقية أو خُلُقيَّة، أو سيرة سواء أكان ذلك قبل البعثة كتحَنُّثِهِ في غار حراء، أو بعدها.
والسُنَّة بهذا المعنى مرادفة للحديث النبوي.
السُنَّة في اصطلاح علماء أصول الفقه: هي كل ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم غير القرآن الكريم، من قول، أو فعل، أو تقرير، مما يصلح أنْْ يكون دليلاً لحكم شرعي.
أما القول فهو أحاديثه صلى الله عليه وسلم التي قالها في مختلف الأغراض والمناسبات، فترتَّب على ذلك حكم شرعي، كقوله صلى الله عليه وسلم «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» وقوله:«لَا ضَرَر وَلَا ضِرَارَ» (2) وقوله في زكاة الزروع: «فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا العُشْرَ، وَمَا سُقِىَ بِالنَّضْحِ نِصْفَ الْعُشْرِ» (3) وقوله في البحر: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» (4).
(1) انظر " فتح الغفار بشرح المنار ": ص 75 جـ 2 و" المدخل إلى السُنَّة وعلومها ": ص 7 و" السُنَّة ومكانتها في التشريع الإسلامي ": ص 61.
(2)
انظر " سُبُل السلام ": ص 84 جـ 3 ورواه الإمام أحمد وابن ماجه.
(3)
" فتح الباري": ص 90 جـ 4، والعثري: ما امتدَّت عروقه فضرب من نهر أو مستنقع من غير سقي.
(4)
انظر " سُبُل السلام ": ص 14 جـ 1 وأخرجه الأربعة وأبو بكر بن أبي شيبة.
وأما الفعل فهو أفعاله التي نقلها إلينا الصحابة، مثل أدائه الصلوات الخمس بهيئاتها وأركانها، وأدائه صلى الله عليه وسلم مناسك الحج، وقضائه بالشاهد واليمين (1)، وما إلى ذلك.
وأما التقرير فكل ما أقرَّهُ الرسول صلى الله عليه وسلم مما صدر عن بعض أصحابه من أقوال وأفعال، بسكوت منه وعدم إنكار، أو بموافقته وإظهر استحسانه وتأييده، فيُعْتبَرُ ما صدر عنهم بهذا الإقرار والموافقه عليه صادراً عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك ما رواه أبو سعيد الخُدري رضي الله عنه أنه خرج رجلان في سفر وليس معهما ماء فحضرت الصلاة فتيمَّما صعيداً طيِّباً، فصلَّيا ثم وجِدًّا الماء في الوقت، فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء ولم يعد الآخر، ثم أتيا النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرا ذلك له، فقال الذي لم يعد:«أَصَبْتَ السُنَّةَ» وقال للآخر: «لَكَ الأَجْرَ مَرَّتَيْنِ» (2).
ومنه أَيْضًا إقراره الاجتهاد للصحابة في أمر صلاة العصر في غزوة بين قريظة، حين قال لهم:«لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدكُمْ الْعَصْرَ إِلَاّ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ» ، ففهم بعضهم هذا النهي على حقيقته، فأخَّرها إلى ما بعد المغرب، وفهمه بعضهم على أنَّ المقصود حث الصحابة على الإسراع فصلَاّها في وقتها، وبلغ النبي عليه الصلاة والسلام ما فعل الفريقان، فأقرَّهُما ولم ينكر على أحدهما (3). ومنه إقرارُهُ لطريقة معاذ بن جبل في القضاء حينما بعثه إلى اليمن. إذْ قال له: «كَيْفَ تَصْنَعُ إِنْ عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ؟ قَالَ: أَقْضِي بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ
(1) ثبت قضاء الرسول صلى الله عليه وسلم بشاهد ويمين، راجع " مسند الإمام أحمد ": الأحاديث رقم 2224 و 2888 و 2969 و 2970 جـ 4 و " سبل السلام ": ص 131 جـ 4.
(2)
" سبل السلام ": ص 97 جـ 1 رواه أبو داود والنسائي.
(3)
" المدخل إلى السنة وعلومها ": ص 10، و" السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ": ص 60.
اللَّهِ؟ قَالَ: فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ؟ قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي لَا آلُو، قَالَ: فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَدْرِي ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ» (1).
وأما السُنَّة في اصطلاح الفقهاء: فهي كل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن من باب الفرض ولا الواجب، فهي الطريقة المتبعة في الدين من غير افتراض ولا وجوب.
وقد تطلق السُنَّة عند الفقهاء في مقابلة البدعة (2). والبدعة لغة: الأمر المستحدث، ثم أطلقت في الشرع على كل ما أحدثه الناس من قول وعمل في الدين وشعائره مما لم يؤثر عنه صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«مَنْ أَحْدَثَ فِى أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» (3).
ومن ذلك قولهم «فُلَانٌ عَلَى سُنَّةٍ» إذا عمل على وفق ما عمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، سواء أكان ذلك مما نص عليه في الكتاب أم لم يكن، وقولهم:«فُلَانٌ عَلَى بِدْعَةٍ» إذا عمل على خلاف ما عملوه أو أحدث في الدين ما لم يكن عليه السلف.
وتُطلَقُ السُنَّةُ أحيانًا عند المُحَدِّثِينَ وعلماء أصول الفقه على ما عمل به أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، سواء أكان ذلك في الكتاب الكريم أم في المأثور عن النبي
(1)" إعلام الموقعين ": ص 202 جـ 1.
(2)
انظر " المدخل إلى السنة وعلومها ": ص 10 و " السُنَّة ومكانتها في التشريع الإسلامي ": ص 61 عن " إرشاد الفحول ": ص 31، و " تحقيق معنى السنة وبيان الحاجة إليها ": ص 22 و " تاريخ التشريع الإسلامي ": ص 64.
(3)
" صحيح مسلم ": ص 1343 جـ 3.
- صلى الله عليه وسلم أم لا (1). ويحتج لذلك بقوله عليه الصلاة والسلام: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِى وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ» (2)، وقوله أَيْضًا:«تَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَاّ وَاحِدَةً، قَالُوا: وَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي» (3).
ومن أبرز ما ثبت من السُنَّة بهذا المعنى «سُنَّةُ الصَّحَابَةِ» حَدَّ الخمر، وتضمين الصناع، وجمع المصاحف في عهد أبي بكر برأي الفاروق، وحمل الناس على القراءة بحرف واحد من الحروف السبعة، وتدوين الدواوين
…
وما أشبه ذلك مما اقتضاه النظر المصلحي الذي أقرَّهُ الصحابة رضي الله عنهم (4).
وأعني بالسُنَّة في بحثي هذا ما أراده المُحَدِّثُونَ، وهي ما يرادف الحديث عند جمهورهم. وإنْ كان بعضهم يُفرِّقُ بينهما. فيرى الحديث ما ينقل عن النبي عليه الصلاة والسلام، والسُنَّة ما كان عليه العمل المأثور في الصدر الأول، ولذلك قد تَرِدُ أحاديث تخالف السُنَّةَ المعمول بها، فيلجأ العلماء حينئذٍ إلى التوفيق والترجيح، وعلى ذلك يحمل قول عبد الرحمن بن مهدي:«لَمْ أرَ أَحَدًا قَطُّ أَعْلَمَ بِالسُنَّةِ وَلَا بِالحَدِيثِ الذِي يَدْخُلُ فِي السُنَّةِ مِنْ حَمَّادٍ بْنَ زَيْدٍ» (5).
وكذلك قوله عندما سئل عن سفيان الثوري والأوزاعي ومالك: «سُفْيَانُ
(1) انظر " المدخل إلى السنة وعلومها ": ص 11 و " الحديث والمحدثون ": ص 9 و " السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ": ص 60.
(2)
من حديث طويل رواه العرباض بن سارية: " سنن أبي داود ": ص 506 جـ 2، الطبعة الأولى لمصطفى البابي الحلبي: سَنَةَ 1371 هـ.
(3)
انظر " المقاصد الحسنة ": ص 158، و " سنن ابن ماجه ": ص 1322 جـ 2 و " الموافقات ": ص 5 - 6 جـ 4.
(4)
انظر " المقاصد الحسنة ": ص 158، و " سنن ابن ماجه ": ص 1322 جـ 2 و " الموافقات ": ص 5 - 6 جـ 4.
[تنبيه]: في الطبعة الثانية: رمضان 1408 هـ - أبريل 1988 م، نشر مكتبة وهبة - مصر ورد في الهامش الآتي:(3 و 4) انظر " المدخل إلى السنة وعلومها ": ص 11 - 13 و " السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ": ص 60.
(5)
تقدمة " الجرح والتعديل ": ص 177.
الثَّوْرِيُّ إِمَامٌ فِي الْحَدِيثِ وَلَيْسَ بِإِمَامٍ فِي السُّنَّةِ، وَالأَوْزَاعِيُّ إِمَامٌ فِي السُّنَّةِ وَلَيْسَ بِإِمَامٍ فِي الْحَدِيثِ، وَمَالِكٌ إِمَامٌ فِيهِمَا جَمِيعًا» (1).
ومما يدل على أنَّ السُنَّة هي العمل المُتَّبَع في الصدر الأول قول علي بن أبي طالب لعبد الله بن جعفر عندما جلد شارب الخمر أربعين جلدة: «كُفَّ. جَلَدَ رَسُولُ اللِه صلى الله عليه وسلم أَرْبَعَينَ وَأَبُو بَكْرٍ أَرْبَعَينَ، وَكَمَلَهَا عُمَرُ ثَمَانِينَ وَكُلٌّ سُنَّةٌ» (2).
وبعد أن بيَّنْتُ معنى السُنَّة لغة وشرعا أرى من واجبي أن أبيِّنَ معاني بعض الألفاظ التي تداولها أهل هذا الفن في علمهم.
3 -
معنى الحديث والخبر والأثر:
الحديث لغة: الجديد من الأشياء، والحديث الخبر يأتي على القليل والكثير، والجمع أحاديث كقطيع وأقاطيع وهو شاذ على غير قياس.
وقوله تعالى: {إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} (3)، عني بالحديث القرآن الكريم، وقوله تعالى:{وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} (4) أي بَلِّغْ ما أرسلت به (5).
فالحديث والخبر في اللغة مترادفان من وجه.
وقد تطور استعمال هذا اللفظ، وأصبح يطلق على نوع خاص من الأخبار في الأوساط الدينية بدون أن يخرجه ذلك عن معناة العام، يقول ابن مسعود:
(1) انظر " الزرقاني على الموطأ ": ص 3 جـ 1.
(2)
" مسند الإمام أحمد ": ص 48 - 49 حديث 624 جـ 2.
(3)
[سورة الكهف، الآية: 6].
(4)
[سورة الضحى، الآية: 11].
(5)
" لسان العرب " في مادة (حديث): ص 438 جـ 2.
«إِنَّ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرُ الهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم» وهكذا أصبح القرآن أحسن الحديث، ثم حدَّدَ معنى الحديث أخيراً بأخبار الرسول، سأل أبو هريرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ القِيَامَةِ؟ فقال له الرسول: «لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَلَاّ يَسْأَلَنِي عَنْ هَذَا الحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ؛ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ» (1).
وقد سبق أن ذكرتُ معنى الحديث مرادفاً للسُنّة عند المُحَدِّثِينَ، وقيل الحديث ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم والخبر ما جاء عن غيره، ومن ثم قيل لمن يشتغل بالسُنَّة مُحَدِّثٌ، وبالتواريخ ونحوها إخباري» (2).
وقال ابن حجر في " شرح نخبة الفكر ": «الخَبَرُ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْفَنِّ مُرَادِفٌ لِلْحَدِيثِ، فَيُطْلَقَانِ عَلَى الْمَرْفُوعِ وَعَلَى الْمَوْقُوفِ وَالْمَقْطُوعِ» ، فيشمل ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة والتابعين، وقيل بينهما عموم وخصوص مطلق فكل حديث خبر ولا عكس.
وقد سمَّى المُحَدِّثُونَ المرفوع والموقوف من الأخبار (أثراً). إلَاّ أنَّ فقهاء خراسان يُسمُّون الموقوف بالأثر، والمرفوع بالخبر (3).
فخلاصة القول:
إذا أطلق لفظ (الحديث) أريد به ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم
(1)" نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي ": ص 116 والحديث أخرجه البخاري " فتح الباري": ص 204 جـ 1.
(2)
انظر " تدريب الراوي ": ص 6 و " منهج ذوي النظر ": ص 8.
(3)
انظر المرجع السابق: ص 6 و " منهج ذوي النظر ": ص 8 و " المنهج الحديث في علوم الحديث ": ص 31.
من قول، أو فعل، أو تقرير، أو صفة خَلْقية أو خُلُقية. وقد يراد به ما أضيف إلى صحابي أو تابعي، ولكن الغالب أن يقيد إذا ما أريد به غير النبي صلى الله عليه وسلم.
ويطلق الخبر والأثر ويراد بهما ما أضيف إلى النبي عليه الصلاة والسلام وما أضيف إلى الصحابة والتابعين وهذا رأي الجمهور. إلَاّ أنَّ فقهاء خراسان يسمُّون الموقوف أثراً والمرفوع خبراً.
الحديث القدسي:
وكل حديث يضيف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً إلى الله عز وجل يُسمَّى بالحديث القدسي أو الإلهي، والأحاديث القدسية أكثر من مائة حديث، وقد جمعها بعضهم في جزء كبير (1)، ونسبة الحديث إلى القدس (وهو الطهارة والتنزيه) وإلى الإله أو إلى الرب، لأنه صادر عن الله تبارك وتعالى «من حيث إنه المتكلِّم به أولاً والمنشئ له. وأما كونه حديثاً، فلأنَّ الرسول هو الحاكي له عن ربه عز وجل، والفرق بينه وبين سائر الأحاديث، أنَّ هذه نسبتها إليه، وحكايتها عنه فهو القائل وهو الحاكي عن نسفه، وأما تلك فلا» (2).
(1) انظر " قواعد التحديث ": ص 39، وانظر " الفرق بين الحديث القدسي والقرآن الكريم والحديث النبوي ": لنوح بن مصطفى الحنفي القونوي، مخطوطة دار الكتب المصرية (مجاميع تيمور 33): ص 71 - 72.
(2)
" المنهج الحديث في علوم الحديث ": ص 31، وقال: «وأما الفرق بينه وبين القرآن فقد ذكروا للقرآن مزايا لم تكن لتلك الأحاديث فقالوا [1] القرآن معجزة باقية على مر الدهور محفوظة من التغيير والتبديل، متواترة اللفظ في جميع الكلمات والحروف والأسلوب. [2] حرمة روايته بالمعنى. [3] حرمة مسِّهِ للمُحْدِثِ وتلاوته لنحو الجُنُب. [4] تَعَيُّنُهُ في الصلاة. [5] تسميته قرآناً. [6] التَعَبُّدُ بقراءته بكل حرف منه عشر حسنات. [7] امتناع بيعه في رواية أحمد وكراهيته عند الشافعي. [8] تسمية الجملة منه آية، ومقدار من الآيات مخصوص سورة =