الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيٍّ عليه السلام قَالَ: «مَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا حَلَالاً تَعَطُّفًا عَلَى وَالِدٍ أَوْ وَلَدٍ أَوْ زَوْجَةٍ، بَعَثَهُ اللهُ تَعَالَى وَوَجْهُهُ عَلَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ» (1).
3 - رَأْيٌ فِي التَّدْوِينِ الرَّسْمِيِّ:
لقد تبين لي أثناء البحث في موضوع تدوين السُنَّةِ، وخاصة في دراسة رجال الحديث في عصر الصحابة والتابعين - أن أمير مصر عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموي (- 85 هـ). قد حاول جمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد روى هذا إمام الديار المصرية ومحدثها اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، «أَنَّ عَبْدَ العَزِيزِ بْنَ مَرْوَانَ، كَتَبَ إِلَى كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ الحَضْرَمِيِّ، - وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ بِحِمْصَ سَبْعِينَ بَدْرِيًّا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» قَالَ لَيْثٌ: «وَكَانَ يُسَمِّي الجُنْدَ المُقَدَّمَ» قَالَ: «فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ يَكْتُبَ إِلَيْهِ بِمَا سَمِعَ مِنَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَحَادِيثِهِمْ إِلَاّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَإِنَّهُ عِنْدَنَا» (2)، لم يطلب حديث أبي هريرة لأنه كان عنده وكان قد سمعه عبد العزيز بن مروان من أبي هريرة (3). لقد طلب أمير مصر كتابة حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام من إمام حمص وعالمها الذي كان طلابا للعلم حافظًا ثقة (4). وقد كان هذا الطلب أثناء إمارته على مصر سَنَةَ (65 - 85 هجرية)، ويمكننا أن نجد هذا بحد
(1)" مسند الإمام زيد ": ص 103.
(2)
" طبقات ابن سعد ": ص 157 قسم 2 جـ 7، و" تهذيب التهذيب ": ص 429 جـ 8، وانظر " سير أعلام النبلاء " (مخطوط): ص 145 قسم 2 جـ 4.
(3)
انظر " تهذيب التهذيب ": ص 356 جـ 6.
(4)
انظر " تذكرة الحفاظ ": ص 49 جـ 1.
أقرب إلى الحقيقة إذا عرفنا أن كثير بن مرة توفي بين سَنَةَ (70 و 80) للهجرة (1)، فلو فرضنا أنه توفي سَنَةَ (75 هـ) فمعنى هذا أن طلب الأمير كان قبل هذه السَّنَةِ، والراجح عندي أن طلب الأمير عبد العزيز، كان في السنين الأولى من إمارته، لما عرف عنه من حب للعلم وأهله، وتفان في خدمة الدين (2). إلا أن المصادر لم تخبرنا عن امتثال كثير بن مرة للأمير. فنقف أمام هذا الخبر التاريخي متسائلين: ترى هل كتب كثير للأمير ما طلب منه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وإذا كتب إليه فما مقدار ما كتبه؟ وعن أي الصحابة كتب؟ ثم إلى من آلت تلك الصحف أو الدفاتر المدونة؟ كل هذه أسئلة تعرض أمامنا، وتحتاج إلى بحث وتنقيب، وريثما يكشف لنا التاريخ عن خبايا تراثنا الإسلامي العظيم، نجيب عن هذه الأسئلة على ضوء ما لدينا من أخبار قليلة.
إن ما نعرفه من عناية هؤلاء بالحديث يرجح عندنا أن يستجيب كثير بن مرة لطلب الأمير، ولو ظن الأمير عبد العزيز امتناع عالم حمص عن إجابته ما كتب إليه، مما يرجح عندي أن كثيرًا تلقى رسالة الأمير وأجابه إلى طلبه، لما عرف عن كثير من نشاط علمي عظيم، ومن الصعب في هذا المجال أن نقدر مقدار ما كتب كثير، لأن المراجع لم تنص على شيء من هذا (3)، فأرجو
(1) انظر " تهذيب التهذيب ": ص 429 جـ 8.
(2)
انظر " النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة ": ص 171، 174 جـ 1، و" ولاة مصر " للكندي: ص 49.
(3)
لأن التاريخ الأموي دُوِّنَ في عهد الدولة العباسية وقد اهتم المؤرخون بالحوادث الكبرى وبالخلفاء والخطوط العريضة من حياة الأمراء، وكانت كثير من مزايا الأمويين تطمس أو تصغر تمشيًا مع سياسة العباسيين الذين لا يسرهم التحدث بمفاخر من قبلهم. انظر " أضواء على التاريخ الإسلامي ": ص 85. ونحن لا نشك بوجود مؤرخين منصفين نرجو أن نجد عندهم فيما بعد مَا يُرْوِي غَلِيلَنَا في هذه النقطة.