الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فكلما سمعت حديثًا ضممته إلى هذا الإسناد!!» (1).
وقد بين أيوب السختياني أثر القصاص في إفساد الحديث فقال: «مَا أَفْسَدَ عَلَى النَّاسِ حَدِيثَهُمْ إِلَاّ القُصَّاصُ» وقال أَيْضًا: «مَا أَمَاتَ العِلْمَ إِلَاّالْقُصَّاصُ» (2).
والأحاديث التي وضعها القصاص في القرن الأول قليلة، ازدادت فيما بعد، وقد كشف عنها رجال هذا العلم وَبَيَّنُوا واضعيها وتتبعوهم حتى تميز الصحيح من الباطل.
[5] الرَّغْبَةُ فِي الخَيْرِ مَعَ الجَهْلِ بِالدِّينِ:
بينت فيما تقدم أن بعض ما حدث من الفتن، وما ترتب عليه من ظهور الفرق والأحزاب السياسية والدينية، قد دفع هذه الأحزاب إلى وضع الأحاديث لتأييد مذاهبهم، ورفع شأن زعمائهم، والحط من قيمة خصومهم، وقد ظهر إثر هذا بعض الصالحين والزهاد وَالعُبَّادِ، الذين ساءهم هذا الانشقاق وتفرقة الأمة، فوضعوا الأحاديث يقربون فيها بين المتخاصمين ويرفعون قدر زعمائهم جَمِيعًا، ومع الزمن ساء هؤلاء أن يروا إنشغال الناس بالدنيا عن الآخرة، فوضعوا أحاديث في الترهيب والترغيب حسبة لله (3)، وقد حملهم جهلهم بالدين
(1)" الباعث الحثيث ": ص 93.
(2)
" الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 147: ب.
(3)
ومن هنا ما يرويه علي بن المديني أن جرير بن عبد الواحد روى أن عبد الله بن المسور كان «يَضَعُ الحَديثَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَا يَضَعُ إلَاّ مَا فِيهِ أَدَبٌ أَوْ زُهْدٌ، فَيُقَالُ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَيَقُولُ: إِنَّ فِيه أجرًا» . انظر: ص 7، 8 " قبول الأخبار ". وعبد الله بن المسور هو نفسه أبو جعفر المدائني الهاشمي الذي أرسل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كَلَامًا =
على استساغة ما سولت لهم أنفسهم لِيُرَغِّبُوا الناس في صالح الأعمال، وكأن هذه الثروة من الأحاديث النبوية التي لا تدرك البيان وصفها - لم تشف صدروهم، ولم ترو ظمأهم، فراحوا يضعون الأكاذيب على رسول الله، وإذا ما ذُكِّرُوا بقوله صلى الله عليه وسلم:«مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» قالوا: نحن ما كذبنا عليه، إنما كذبنا له (1). ومن الغريب والمؤسف أن صلاحهم خدع العامة، فكانوا يصدقونهم ويثقون بهم، فكان خطرهم شديدًا على الدين (2)، بل هم أعظم ضَرَرًا من غيرهم، لما عرفوا به من الصلاح والورع والزهد، الذي لا يتصور معه العامي إقدام مثل هؤلاء الصالحين على الكذب، وفي هذا يروي محمد بن يحيى بن سعيد القطان عن أبيه قوله:«لَمْ نَرَ الصَّالِحِينَ فِي شَيْءٍ أَكْذَبَ مِنْهُمْ فِي الحَدِيثِ» (3). وقال أبو عاصم النبيل: «مَا رَأَيْتُ الصَّالِحَ يَكْذِبُ فِي شَيْءٍ أَكْثَرَ مِنَ الحَدِيثِ» (4)، وفي رواية عن يحيى بن سعيد القطان «مَا رَأَيْتُ الكَذِبَ فِي أَحَدٍ أَكْثَرَ مِنْهُ فِيمَنْ يُنْسَبُ إِلَى الخَيْرِ وَالزُّهْدِ» (5).
ومما وضعه الصالحون أحاديث فضائل السور، وفي هذا مَا يَرْوِيهِ الْحَاكِمُ بِسَنَدِهِ
= حقًا ليس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحتمله الناس في الدعاء ونحوه، انظر أَيْضًا " قبول الأخبار ": ص 15 وعبد الله بن المسور هذا هو الذي يروي عنه خالد بن أبي كريمة. انظر ترجمته في " ميزان الاعتدال ": ص 78 جـ 2 ترجمه (563) وذكر الإمام مسلم هذا في " صحيحه ": انظر " مسلم بشرح النووي ": ص 107 جـ 1.
(1)
انظر " اختصار علوم الحديث ": ص 86.
(2)
انظر " تدريب الراوي ": ص 184.
(3)
" صحيح مسلم بشرح النووي ": ص 94 جـ 1، ونحوه في مقدمة " التمهيد ": ص 14: آ، وفي " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 159: آ.
(4)
" المحدث الفاصل ": ص 83: آ.
(5)
" اللآلئ المصنوعة ": ص 248 جـ 2.