الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَتَمَهُ، فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: تُكْتُبُ صَحِيفَةَ مَعْمَرٍ عَنْ أَبَانَ عَنْ أَنَسٍ وَتَعْلَمُ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ؟ فَلَوْ قَالَ لَكَ قَائِلٌ: إِنَّكَ تَتَكَلَّمُ فِي أَبَانَ ثُمَّ تَكْتُبُ حَدِيثَهُ عَلَى الوَجْهِ؟ فَقَالَ: رَحِمَكَ اللَّهُ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَكْتُبُ هَذِهِ الصَّحِيفَةَ عَنْ عَبْدِ الرَزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَلَى الوَجْهِ فَأَحْفَظُهَا كُلَّهَا، وَأَعْلَمُ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ حَتَّى لَا يَجِيءَ بَعْدَهُ إِنْسَانٌ فَيُجْعَلُ بَدَلَ أَبَانَ ثَابِتًا، وَيَرْويِهَا عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَأَقُولُ لَهُ:«كَذَبْتَ إِنَّمَا هِيَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَبَانَ لَا عَنْ ثَابِتٍ!» (1).
ثَالِثًا - تَتَبُّعِ الكَذَبَةِ:
إلى جانب احتياط العلماء وتثبتهم في قبول الأخبار كان بعضهم يحاربون الكذابين علانية ويمنعونهم من التحديث، ويستعدون عليهم السلطان. فقد كان عامر الشعبي «يَمُرُّ بِأَبِي صَالِحٍ صَاحِبَ التَّفْسِيرِ، فَيَأْخُذَهُ بِأُذُنِهِ وَيَقُولُ: وَيْحَكَ! كَيْفَ تُفَسِّرُ القُرْآنَ وَأَنْتَ لَا تُحْسِنُ أَنْ تَقْرَأَ» (2). وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: «لَوْلَا شُعْبَةُ مَا عُرِفَ الحَدِيثُ بِالعِرَاقِ، كَانَ يَجِيءُ إِلَى الرَّجُلِ فَيَقُولُ: لَا تُحَدِّثْ وَإِلَاّ اسْتَعْدَيْتُ عَلَيْكَ السُّلْطَانَ» (3). وقد كان شعبة شديدًا على الكذابين، قَالَ عَبْدُ المَلِكِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الجُدِّيُّ الثِّقَةُ المَأْمُونُ: «رَأَيْتُ شُعْبَةَ مُغْضَبًا مُبَادِرًا فَقُلْتُ: " مَهْ يَا أَبَا بِسْطَامٍ " فَأَرَانِي طِينَةً (4) فِي يَدِهِ وَقَالَ: «أَسْتَعْدِي عَلَى جَعْفَرِ
(1)" الجامع لأخلاق الراوي ": ص 157: ب.
(2)
" قبول الأخبار ": ص 42، وَفِيهِ أَنَّ أَبَا صَالِحٍ اِعْتَرَفَ لِلْكَلْبِيِّ بِأَنَّ كُلَّ مَا حَدَّثَهُ كَانَ كَذِبًا.
(3)
" الجامع لأخلاق الراوي ": ص 149: آ.
(4)
هكذا في الأصل. والطينة واحدة الطين وهو الوحل، ولعل الراوي أراد بها (اللَّبِنَةَ) بفتح اللام وكسر الباء واحدة اللبن التي يُبْنَى بها الجِدَارُ، ولعله قال ذلك باعتبار أصلها.
بْنِ الزُّبَيْرِ يَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم» (1). وفي رواية: «عَلَى هَذَا يَعْنِي جَعْفَرَ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَضَعَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعَمِائَةِ حَدِيثٍ كَذِبٍ» (2).
وَعَنْ حَمَّادٍ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: كَلَّمَنَا شُعْبَةُ أَنا وَعَبَّادَ بْنَ عَبَّادٍ وَجَرِيرَ بْنَ حَازِمٍ فِي رَجُلٍ، يُرِيدُ أَبَانَ بْنَ أَبِي عَيَّاشٍ فَقُلْنَا: لَوْ كَفَفْتَ عَنهُ؟ فَكَأَنَّهُ لَانَ، وَأَجَابَنَا، قَالَ فَذَهَبتُ يَوْمًا أُرِيدُ الجُمُعَةَ، فَإِذَا شُعْبَةُ يُنَادِي مِنْ خَلْفِي فَقَالَ:«ذَاكَ الَّذِي قُلْتُمْ لَا أرَاهُ يَسَعُنِي» (3). وكان شعبة يفعل هذا كله حسبة لله (4).
وَعَنْ أَحْمَدَ بْنَ سِنَانٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ، يَقُولُ:«اسْتَعْدَيْتُ عَلَى عِيسَى بْنِ مَيْمُونٍ فِي هَذِهِ الأَحَادِيثِ الَّتِي يُحَدِّثُهَا عَنِ [القَاسِمِ]، فَقَالَ:" لَا أَعُودُ "» (5).
وكان الإمام سفيان الثوري شديدًا على الكذابين، لا يتوانى عن إظهار عيوبهم، وفي هذا يقول ابْنُ أَبِي غُنَيَّة:«مَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَصْفَقَ وَجْهًا فِي ذَاتِ اللهِ مِنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ رحمه الله» (6). وَحَدَّثَ حَمَّادٌ الْمَالِكِيُّ (7) - وَكَانَ كَذَّابًا - حَدِيثًا فجاءه عَمْرُو الأَنْمَاطِيَّ وَقَالَ لَهُ: «وَاللَّهِ لَا تُفَارِقُنِي حَتَّى أَسْتَعْدِيَ عَلَيْكَ، فَأَقَرَّ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنَ الحَسَنِ، وَحَلَفَ لَا يُحَدِّثُ بِهِ، (قَالَ): فَكَتَبْتُ عَلَيْهِ كِتَابًا، وَأَشْهَدْتُ عَلَيْهِ شُهُودًا» (8). وكان بعض المحدثين لا يتحملون كذب هؤلاء،
(1)" الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 149: ب.
(2)
" تهذيب التهذيب ": ص 91 جـ 2.
(3)
انظر " الجرح والتعديل ": ص 21 جـ 1.
(4)
انظر " الجرح والتعديل ": ص 21 جـ 1.
(5)
" الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص 150: ب. ويروى نحو هذا عن أبي الوليد الطيالسي، انظر " تهذيب التهذيب ": ص 242 جـ 10.
(6)
" الكامل " لابن عدي: ص 2 جـ 1.
(7)
هو حماد بن مالك ويقال المالكي، شيخ روى عن الحسن، رموه بالكذب: ص 282 جـ 1 " ميزان الاعتدال ".
(8)
" المحدث الفاصل ": ص 63: ب، و" الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": 150: آ.