الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصِلَةُ الزهري بالأمويين صلة شريفة سامية، صلة العالم الصدوق الذي لا يخشى في الله لومة لائم.
ولا يرد علينا هنا أنه كان يُعَلِّمُ أبناء هشام بن عبد الملك، وأنه ولي القضاء ليزيد بن عبد الملك، فأي شيء يضيره في تعليم أبناء الخليفة وتهذيبهم؟ وأي شيء ينقصه إذا أدب أبناء أولي الأمر وفقههم، ونشأهم النشأة الإسلامية الصحيحة؟ إن في هذا خدمة كبيرة للإسلام والمسلمين، حين يرضى الزهري أن يتعهد أبناء الخليفة بالعناية والرعاية والعلم، ويجنبهم اللهو والانغماس في الشهوات، فهم الذين سيتولون أمور الأمة، ويوجهون سياستها، ولكن أعداء الإسلام لا يسرهم أن يروا ابن شهاب معلمًا شريفًا، ومؤدبًا حكيمًا وقد افتخر به ابن حبيب، فذكره مع أشراف المعلمين وفقهائهم.
وأي عيب يقترفه الزهري إذا ولي القضاء، وهو الرجل الذي عرفنا استقامته ونزاهته وعدالته.
هذا هو وجه الإمام الزهري في علاقته مع البيت الحاكم، وجه مشرق نير، ورأس مرفوع إلى العلياء، لم تخفضه يومًا مِنَّةُ الملوك، ولم تنطفئ نضارته وإشراقته أياديهم عليه، وذلك سلوكه مع أمراء المؤمنين وولاتهم، لا تعتريه شائبة ولا يتناوله شك.
كل هذا ينفي عن إمامنا تهمة وضعه الحديث، لإرضائهم ودعم ملكهم. وَقَدْ أَثْبَتُّ سَابِقًا أن الأمويين لم يشجعوا الوضع (1).
(ب) اِسْتِحَالَةُ مَا ادَّعَاهُ اليَعْقُوبِي وَ (جُولْدْتْسِيهِرْ) تَارِيخِيًّا:
قال (جولدتسيهر): «فَوَجَدَ - عَبْدُ المَلِكِ - الزُّهْرِيَّ وَهُوَ ذَائِعُ الصِّيتِ فِي
(1) انظر ص 445، 446 من هذا الكتاب. ِِِِ
الأُمَّةِ الإِسْلَامِيَّةِ مُسْتَعِدًّا لأَنْ يَضَعَ لَهُ أَحَادِيثَ فِي ذَلِكَ، فَوَضَعَ أَحَادِيثَ، مِنْهَا
…
».
هذا غير معقول، لأن ابن شهاب ولد سَنَةَ (50 هـ) على أرجح الأقوال. وكانت الخصومة بين ابن الزبير وعبد الملك بن مروان بين عامي (65 و 73 هـ). فإذا كان عبد الملك قد بنى قبة الصخرة - حسب ما ذهب إليه بعض المستشرقين - سَنَةَ (72 هـ)، فيكون عمر الزهري آنذاك (22) اثنتين وعشرين سَنَةً، ولم يكن بعد مشهورًا، بل ما زال في مقتبل العمر يطلب العلم، لم يصل إلى مرتبة الشهرة في الأمة الإسلامية، وكان هناك من هو أشهر منه، من كبار التابعين، كسعيد بن المسيب، وقبيصة بن ذؤيب، والقاسم بن محمد وغيرهم، لم يحاول عبد الملك أن يستغل واحدًا منهم، عِلْمًا بأن قُبيصة بن ذؤيب كان على خاتمه، ومن كبار العلماء حوله. وابن شهاب - فوق هذا - لم يفد على عبد الملك قبل سَنَةِ ثمانين، قال الليث بن سعد:«وَفِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ قَدِمَ ابْنُ شِهَابٍ عَلَى عَبْدِ المَلِكِِ (1)، وَهِيَ السَّنَةُ التِي ذَكَرَهَا ابْنُ شِهَابٍ نَفْسَهُ فَقَالَ: " قَدِمْتُ زَمَنَ تَحَرُّكِ ابْنِ الأَشْعَثِ "» (2). فهل يضع الزهري الحديث بعد وفاة ابن الزبير بتسع سنين؟؟ ولو فرضنا أن الزهري وفد على عبد الملك قبل استشهاد ابن الزبير، ووضع هذا الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحمل الناس على الحج إلى المسجد الأقصى - فهل يصدقه الناس؟ وهل يسكت عنه صغار الصحابة وكبار التابعين في دمشق؟ بل هل يسكت عنه علماء الحجاز والأمصار الأخرى؟ وهل يعقل أن يخفى على الأمة صحة هذا الحديث، وفي الأمة علماء
(1) انظر " تاريخ دمشق ": ص 491 جـ 31.
(2)
" التاريخ الصغير ": ص 93.