الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلِصَاحِبِ الْحَقِّ مُطَالبَةُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا فِي الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ.
ــ
1823 - مسألة: (ولِصاحبِ الحَقِّ مُطالبةُ من شاءَ منهما في الحَياةِ والمَوْتِ)
وجُمْلَةُ ذلك، أنَّ المَضْمُونَ عنه لا يَبْرأْ بنَفْسِ الضَّمانِ، كما
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَبْرَأُ المُحِيلُ بنَفْسِ الحَوالةِ قبل القَبْضِ، بل يَثْبُتُ الحَقُّ في ذِمَّةِ الضّامِنِ، مع بَقائِه في ذِمَّةِ المَضْمُونِ عنه. فعلى هذا، لصاحِبِ الحَقِّ مُطالبَةُ مَن شاء منهما في الحياةِ وبعدَ المَوْتِ. وبهذا قال الثَّوْرِيُّ، والشّافِعِيُّ، وإسحاقُ (1)، وأصْحابُ الرأي، وأبو عُبَيدٍ (2). وحُكِيَ عن مالكٍ في إحْدى الرِّوايَتَينِ عنه، أنَّه لا يُطالِبُ الضّامِنَ إلَّا إذا تَعَذّرَ مُطالبَةُ المَضْمُونِ عنه؛ لأنَّه وَثِيقَة، فلا يُسْتَوْفَى الحَقُّ منها إلَّا مع تَعَذُّر اسْتِيفائِه مِن الأصْلِ، كالرَّهْنِ. ولَنا، قَوْلُه عليه السلام:«الزَّعِيمُ غَارِمٌ» . ولأنَّ الحَقَّ ثابِتٌ في ذِمَّةِ الضّامِنِ، فمَلَكَ مُطالبَتَه، كالأصْلِ. ولأنّ الحَقَّ ثابِتٌ في ذِمَّتِهِما، فمَلَكَ مُطَالبةَ مَن شاء منهما، كالضّامِنَين إذا تَعَذَّرَتْ مُطالبةُ المَضْمُونِ عته. ولا يُشْبِهُ الرَّهْنَ؛ لأنَّه مالُ مَن عليه الحَقُّ، وليس بِذِي (3) ذِمّةٍ يُطالبُ، إنَّما يُطالبُ مَن عليه الدَّينُ؛ لِيَقْضِيَ منه أو مِن غيرِه. وقال أبو ثَوْرٍ: الكَفَالةُ والحَوالةُ سواءٌ وكِلاهما يَنْقُلُ الحَقَّ عن ذِمَّةِ المَضْمُونِ عنه والمُحِيلِ. وحُكِيَ ذلك عن ابنِ (1) أبي لَيلَى، وابنِ شُبْرُمَةَ، وداودَ. وعن أحمدَ رِوايَةٌ، أنَّ المَيِّتَ يَبْرَأُ بمُجَرَّدِ الضَّمانِ. نَصَّ عليه أحمدُ (4) في رِوايَةِ يُوسف بنِ مُوسَى. واحْتَجُّوا بما روَى أبو سعيدٍ
(1) سقط من: م.
(2)
في الأصل: «عبيدة» .
(3)
في م: «بدين» .
(4)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الخُدْرِيُّ قال: كُنّا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم في جِنازَةٍ، فلمّا وُضِعَتْ، قال:«هَلْ عَلَى صَاحِبِكُمْ مِنْ دَينٍ؟» . قالوا: نعم، دِرْهَمان. فقال:«صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ» . فقال عليٌّ: هما عَلَيَّ يا رسولَ اللهِ، وأنا لهما ضامِنٌ. فقام رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى عليه، ثم أقْبَلَ على عليٍّ فقال:«جَزَاكَ الله عَنِ الإِسْلَامِ خَيرًا، وَفَكَّ رِهَانَكَ كَمَا فَكَكْتَ رِهَانَ أخِيكَ» . فقِيل: يا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، هذا لعليٍّ خاصَّةً، أم للنّاسِ عامَّة؟ فقال:«بَلْ لِلنّاسِ عامَّةً» . رَواه الدّارَقُطنِيُّ (1). فدَلَّ على أنّ المَضْمُونَ عنه بَرِئَ بالضَّمانِ (2)، ولذلك صَلى عليه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وروَى الإِمامُ أحمدُ في «المُسْنَدِ» (3) عن جابِر، قال: تُوُفِّيَ صاحِبٌ لَنا، فأتَينا به النبيَّ صلى الله عليه وسلم ليُصَلِّيَ عليه، فخَطا خُطْوَةً، ثم قال:«أَعَلَيهِ دَينٌ؟» . قلنا: دِيناران. فانْصَرَفَ، فتَحَملَهما أبو قَتادَةَ، فقال: الدِّيناران عَلَيَّ. فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «وَجَبَ حَقُّ الغَرِيمِ، وبَرِئَ المَيِّتُ مِنْهُمَا؟» . قال: نعم. فصَلَّى عليه، ثم قال بعدَ ذلك:«مَا فَعَلَ الدِّينَارَانِ؟» . قال: إنَّمَا مات أمْسِ. قال: فعادَ إليه مِن الغَدِ، فقال: قد قَضَيتُهما.
(1) في: كتاب البيوع. سنن الدارقطني 3/ 47.
كما أخرجه البيهقي، في: باب وجوب الحق بالضمان، من كتاب الضمان. السنن الكبرى 6/ 73.
(2)
في م: «بالضامن» .
(3)
تقدمت قصة أبي قتادة عن سلمة بن الأكوع في 6/ 21، والقصة هنا عن جابر أخرجها الإِمام أحمد، في: المسند 3/ 330. كما أخرجها أبو داود، في: باب التشديد في الدين، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 221.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «الْآنَ بَرَّدْتَ عَلَيهِ (1) جِلْدَهُ» . وهذا صَرِيحٌ في بَراءةِ المَضْمُونِ عنه؛ لقَوْلِه: «وَبَرِئَ المَيِّتُ مِنْهُمَا» . ولأنَّه دَينٌ واحِدٌ، فإذا صار في ذمَّةٍ ثانِيَةٍ (2)، بَرئَتِ الأولَى منه، كالمُحَالِ به؛ لأنَّ الدَّينَ (3) الواحِدَ لا يَحِلُّ في مَحَلَّينِ. ولَنا، قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقةٌ بدَينهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ» (4). وقَوْلُه في خَبَرِ أبي قَتادةَ: «الآنَ بَرَّدْتَ عَلَيهِ جِلْدَهُ» . حينَ أخْبَرَه أنَّه قَضَى دَينَه. ولأنَّها وَثِيقَة، فلا تَنْقُلُ الحَقَّ، كالشَّهادَةِ. فأمّا صَلاةُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم على المَضْمُونِ عنه؛ فلأنَّه بالضَّمانِ صار له وَفاءٌ، وإنَّما كان، عليه الصلاة والسلام، يَمْتَنِعُ مِن الصلاةِ على مَدِين لم يُخَلِّفْ وَفاءً. وأمّا قَوْلُه لعليٍّ:«فَكَّ الله رِهَانَكَ كَمَا فَكَكْتَ رِهَانَ أَخيكَ» . فإنَّه كان بحالٍ لا يُصَلِّي عليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فلمّا ضَمِنَه فَكَّه مِن ذلك، أو ما في مَعْناه. وقَوْلُه:«بَرِيء الْمَيِّتُ مِنْهُمَا» . أي صِرْتَ أنت المُطالبَ بهما. وهذا على وَجْهِ التَّأْكِيدِ؛ لثُبُوتِ الحَقِّ في ذِمَّتِه، ووُجُوبِ الأداءِ عنه؛ بدَليلِ قَوْلِه حينَ أخْبَره بالقَضاءِ:«الْآنَ بَرَّدْتَ عَلَيهِ جِلْدَهُ» . وفارَقَ الضَّمانُ الحَوالةَ، فإنَّ الضَّمانَ مُشْتَقٌّ مِن الضَّمِّ بينَ الذِّمَّتّين في تَعَلُّقِ الحَقِّ بهما وثُبُوتِه فيهما، والحَوالةُ من التَّحَوُّلِ،
(1) زيادة من: ر 1. وهي موافقة لما في المسند.
(2)
في ر 1، ق، م:«نائبة» .
(3)
سقط من: الأصل، ر 1.
(4)
تقدم تخريجه في 6/ 21.