الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهَلْ لِلزَّوْجِ أنْ يَحْجُرَ عَلَى امْرَأتِهِ في التَّبَرُّعِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ مِنْ مَالِهَا؟ عَلَى رِوَايَتَينَ.
ــ
1971 - مسألة: (وهل للزَّوْجِ أن يَحْجُرَ على وامْرَأتِه في التَّبَرُّعِ بما زاد على الثُّلُثِ مِنِ مالِها؟ على رِوايَتَين)
إحْداهما، ليس له الحَجْرُ عليها. وهو قولُ أبي حَنِيفةَ، والشافعيِّ، وابنِ المُنْذِرِ. وهو ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ. والثانيةُ، ليس لها أن تَتَصَرَّفَ في مالِها بزِيادَةٍ على الثُّلُثِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بغيرِ عِوَضٍ، إلَّا بإذْنِ زَوْجِها. وبه قال مالِكٌ. وحُكِيَ عنه في امرأةٍ حَلَفَتْ بعِتْقِ جارِيَةٍ لها (1) ليس لها غيرُها، فحنِثَتْ، ولها زَوْجٌ، فرَدَّ ذلك عليها زَوْجُها، قال: له أن يَرُدَّ عليها، وليس لها عِتْقٌ؛ لِما رُوِيَ أنَّ امرأةَ كَعْبِ بنِ مالِكٍ أتَتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بحُلِيٍّ لها، فقال لها النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«لَا يَجُوزُ للمَرْأةِ عَطِيَّةٌ حَتَّى يَأْذَنَ زَوْجُهَا، فَهَلِ اسْتَأْذَنتِ كَعْبًا؟» . فقالت: نعم. فبَعَثَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى كَعْبٍ فقال: «هَلْ أذِنْتَ لَهَا أنْ تَتَصَدَّقَ بِحُلِيِّها؟» . فقال: نعم. فقَبِلَه. رَواه ابنُ ماجه (2). ورَوَى أيضًا عن عمرِو بنِ شُعَيبٍ، عن أبِيه، عن جَدِّه، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال في خُطْبَةٍ خَطَبَها:«لَا يَجُوزُ لِامْرَأةٍ عَطِيَّةٌ في مَالِهَا إلَّا بإذْنِ زَوْجهَا، إذْ هُوَ مَالِكُ عِصْمَتِهَا» (3). رَواه أبو داودَ، ولَفْظُه عن عبدِ اللَّهِ بنِ عمرٍو، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:«لا يَجُوزُ لامْرَأةٍ عَطِيَّةٌ إلَّا بإذْنِ زَوْجها» . ولأنَّ حقَّ الزَّوجِ مُتَعَلِّقٌ بمالِها، فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «تُنْكَحُ
(1) سقط من: م.
(2)
في: باب عطية المرأة بغير إذن زوجها، من كتاب الهبات. سنن ابن ماجه 2/ 798.
(3)
في الموضع السابق. سنن ابن ماجه 2/ 798. وأبو داود، في: كتاب في عطية المرأة بغير إذن زوجها، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 263 - كما أخرجه النسائي، في: باب عطية المرأة بغير إذن زوجها، من كتاب الزكاة، وفي الباب نفسه، من كتاب العمرى. المجتبى 5/ 49، 6/ 236. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 179، 184، 207، وبلفظ قرب في 2/ 221.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الْمَرْأَة لِمَالِها وَجَمَالِها وَدِينِهَا» (1). والعادَةُ أنَّ الزَّوْجَ يَزِيدُ في مَهْرِها مِن أجْلِ مالِها، ويَتَبَسَّطُ فيه، ويَنْتَفِعُ به، وإذا أعْسَرَ بالنَّفَقَةِ أنْظَرَتْه، فجَرَى ذلك مَجْرَى حُقُوقِ الوَرَثَةِ المُتَعَلِّقَةِ بمالِ الفرِيضِ. ولَنا، قَوْلُه تَعالى:{فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيهِمْ أَمْوَالهُمْ} (2). وهو ظاهِرٌ في فَكِّ الحَجْرِ عنهم وإطْلاقِهم في التَّصَرُّفِ، وقد ثَبَت أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ، وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ» . وأنَّهُنَّ تَصَدَّقْنَ فقَبِلَ صَدَقَتَهُنَّ، ولم يَسْألْ ولا اسْتَفْصَلَ. وأتَتْه زَينَبُ امرأةُ عبدِ اللهِ، وامرأةٌ أُخْرَى اسْمُها زَينَبُ، فَسألَتْه عن الصَّدَقَةِ، هل يُجْزِئُهُنَّ أنْ يَتَصَدَّقْنَ على أزْواجِهِنَّ، وأيتامٍ لَهُنَّ؟ فقال:«نَعَمْ» (3). ولم يَذْكُرْ لَهُنَّ هذا الشَّرْطَ. ولأنَّ مَن وَجَب دَفْعُ مالِه إليه لرُشْدِه، جاز له التَّصَرُّفُ فيه مِن
(1) أخرجه البخاري، في: باب الأكفاء في الدين. . . .، من كتاب النكاح. صحيح البخاري 7/ 9. ومسلم، في: باب استحباب نكاح ذات الدين، من كتاب الرضاع. صحيح مسلم 2/ 1086، 1087. وأبو داود، في: باب ما يؤمر به من تتزويج ذات الدين، من كتاب النكاح. سنن أبي داود 1/ 472. والترمذي، في: باب ما جاء أن المرأة تنكح على ثلاث خصال، من أبواب النكاح. عارضة الأحوذي 4/ 306. والنسائي، في: باب على ما تنكح المرأة، وباب كراهية تزويج الزناة، من كتاب النكاح. المجتبى 6/ 54، 56. وابن ماجه، في: باب تزويج ذات الدين، من كتاب النكاح. سنن ابن ماجه 1/ 597. والدارمي، في: باب تنكح المرأة على أربع، من كتاب النكاح. سنن الدارمي 2/ 134. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 428، 3/ 80، 81، 6/ 152.
(2)
سورة النساء 6.
(3)
تقدم تخريجه في 7/ 302.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
غيرِ إذْنٍ، كالغُلامِ، ولأنَّ المرأةَ مِن أهْلِ التَّصَرُّفِ، ولا حَقَّ لزَوْجِها في مالِها، فلم يَمْلِكِ الحَجْرَ عليها في التَّصَرُّفِ بجَمِيعِه، كأخِيها (1). وحَدِيثُهم ضَعِيفٌ، وشُعَيبٌ لم يُدْرِكْ (2) عبدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو، فهو مُرْسَلٌ. ويُمْكِنُ حَمْلُه على أنَّه لا يجُوزُ عَطِيَّتُها مِن [مالِه بغيرِ -إذْنِه، بدَلِيلِ أنَّه يَجُوزُ عَطِيَّتُها](3) فيما (4) دُونَ الثُّلُثِ مِن مالِها، وليس معهم حديثٌ يَدُلُّ على تَحْدِيدِ المَنْعِ بالثُّلُثِ، والتَّحْدِيدُ بذلك تحَكُّمٌ ليس فيه تَوْقِيفٌ ولا عليه دَلِيلٌ. ولا يَصِحُّ قِياسُهم على المَرِيضِ؛ لوُجُوهٍ؛ أحَدُها، أنَّ المَرَضَ سَبَبٌ يفْضِي إلى وُصُولِ المالِ إليهم بالمِيراثِ، والزَّوْجِيَّةُ إنَّما تَجْعَلُه مِن أهْلِ المِيراثِ فهي أحَدُ وَصْفَيِ العِلُّةِ، فلا يَثْبُتُ الحُكْمُ بمُجَرَّدِها، كما لا يَثْبُتُ للمرأةِ الحَجْرُ على زَوْجِها، ولا لسائِرِ الوُرّاثِ بدُونِ المَرَضِ. الثانِي، أنَّ تَبَرُّعَ المَرِيضِ مَوْقُوفٌ، فإن بَرِئَ مِن مَرَضِه صَحَّ تَبَرُّعُه، وههُنا أبْطَلُوه على كلِّ حالٍ، والفَرْعُ لا يَزِيدُ على أصْلِه. الثالِثُ، أنَّ ما ذَكَرُوه مُنْتَقِضٌ بالمرأةِ، فإنَّها تَنْتَفِعُ بمالِ
(1) في م: «كأختها» .
(2)
في الأصل، م:«يذكر» .
(3)
سقط من: الأصل.
(4)
في الأصل، ر، ق، م:«ما» .
فصْلٌ فِي الإذْنِ: يَجُوزُ لِوَلِيِّ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ أنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَينِ.
ــ
زَوْجِها، وتَتَبَسَّطُ فيه عادَةً، ولها النَّفَقَةُ منه، وانْتِفاغها بمالِه أكْثَرُ مِن انْتِفاعِه بمالِها، وليس لها الحَجْرُ عليه، على أنَّ هذا المَعْنَى ليس بمَوْجُودٍ في الأصْلِ، ومِن شَرْطِ صِحَّةِ القِياسِ وجُودُ المَعْنَى المُثْبِتِ للحُكْمِ في الأصْلِ والفَرْعِ جَمِيعًا.
فصلٌ في الإِذْنِ: قال الشيخُ، رحمه الله:(يَجُوزُ لوَلِيِّ الصَّبِيِّ المُمَيِّزِ أن يَأْذَنَ له في التِّجارَةِ، في إحْدَى الروايَتَين) ويَصِحُّ تَصَرُّفُه بالإِذْنِ. وهذا قولُ أبي حَنِيفَةَ. والثانِيةُ؛ لا يَصِحُّ حتى يَبْلُغَ. وهو قولُ الشافعيِّ، لأنَّه غيرُ مُكَلَّفٍ، أشْبَهَ غيرَ المُمَيِّزِ. ولأنَّ العَقْلَ لا يُمْكِنُ الوُقُوفُ منه على الحَدِّ الذي [يَصْلُحُ به للتَّصَرُّفِ](1)؛ لخَفائِه، وتَزايُدِه تَزايُدًا خَفِيَّ التَّدْرِيجِ، فجعَلَ الشارِعُ له ضابِطًا، وهو البُلُوغُ، فلا تَثْبُتُ له أحْكامُ العُقَلاءِ قبلَ وُجُودِ المَظنةِ. ولَنا، قولُ اللهِ تعالى:{وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيهِمْ أَمْوَالهُمْ} . ومَعْناه اخْتَبِرُوهم لتَعْلَمُوا رُشْدَهم. وإنَّما يَتَحَقَّقُ اخْتِبارُهم
(1) في الأصل: «يصح به التصرف» .