الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ أَمَرَهُ بِبَيعِهِ في سُوقٍ بِثَمَنٍ، فَبَاعَهُ بِهِ في آخَرَ، صَحَّ. وَإِنْ قَال: بِعْهُ لِزَيدٍ. فَبَاعَهُ مِنْ غيرِهِ، لَمْ يَصِحَّ.
ــ
2017 - مسألة: (وإن أمَرَه ببيعِه في سُوقٍ بثَمَنٍ، فباعَه به في آخَرَ، صَحَّ. وإن قال: بِعْهُ مِن زيدٍ. فباعَه مِن غيرِه، لم يَصِحَّ)
وجُمْلَةُ ذلك، أنَّ الوَكِيلَ لا يَمْلِكُ مِن التَّصَرُّفِ إلَّا ما يَقْتَضِيه إذْنُ مُوَكِّلِه مِن جِهَةِ النُّطْقِ أو العُرْفِ؛ لأنَّ تَصَرُّفَه بالإِذْنِ، فاخْتَصَّ بما أذِنَ فيه، والإِذْنُ يُعْرَفُ بالنُّطْقِ تارَةً وبالعُرْفِ أُخْرَى. ولَو وَكَّلَ رجلًا في التَّصَرُّفِ في زَمَنٍ مُقَيَّدٍ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لم يَمْلِكِ التَّصَرُّفَ قبلَه ولا بعدَه؛ لأنَّه لم يتَنَاوَلْه إذْنُه نُطْقًا ولا عُرْفًا، فإنَّه قد يَخْتَارُ التَّصَرُّفَ في زَمَنِ الحاجَةِ إليه دُونَ غيرِه، ولهذا لمَّا عَيَّنَ اللهُ تعالى لعِبادَتِه وَقْتًا، لم يَجُزْ تَقْدِيمُها عليه ولا تَأْخِيرُها عنه. فلو قال له: بِعْ ثَوْبِي غَدًا. لم يَجُزْ بَيعُه (1) قبلَه ولا بعدَه. فإن عَيَّنَ له المكانَ، وكان يَتَعلَّقُ به غَرَضٌ، مثلَ أن يَأْمُرَه [ببَيعِ ثَوْبِه](2) في سُوقٍ، وكان السُّوقُ مَعْرُوفًا بجَوْدَةِ النَّقْدِ، أو كَثْرَةِ الثَّمَنِ، أو حِلِّه، أو بصَلاحِ أهْلِه، أو بمَوَدَّةٍ بينَ المُوَكِّلِ (3) وبَينَهم، تَقَيَّدَ الإِذْنُ به؛ لأنَّه نَصَّ على أمْرٍ له فيه غرضٌ، فلم يَجُزْ تفْويتُه. وإن كان هو وغيرُه سَواءً في الغَرضِ، لم يَتَقَيَّدِ الإِذنُ به، وجاز له البَيعُ في غيرِه، لمُساواتِه المَنْصُوصَ عليه في الغَرَضِ، فكان تَنْصِيصُه على أحَدِهما إذْنًا في الآخَرِ، كما لو اسْتَأْجَرَ أو اسْتَعارَ أرْضًا لزرَاعَةِ شيءٍ، كان إذْنًا في زِراعَةِ مثْلِه وما دُونَه، ولو اكْتَرَى عَقارًا، كان له أن يُسْكِنَه مثلَه، ولو نَذَر الاعْتِكافَ أو الصَّلاةَ في مَسْجدٍ، جاز له ذلك في غيرِه. وسَواءٌ قَدَّرَ له الثَّمَنَ أو لم يُقَدِّرْه. فأمّا إن عَيَّنَ له المُشْتَرِيَ فقال: بعْه فُلانًا. لم يَمْلِكْ بَيعَه لغيرهِ، بغيرِ خِلافٍ عَلِمْناه، سَواءٌ قَدَّرَ له الثَّمَنَ أَو لا؛ لأنَّه قد يكونُ له غَرَضٌ في تمليكِه إيّاه دُونَ غيرِه، إلَّا أن يَعْلَمَ بقَرِينَةٍ أو صَرِيحٍ أنَّه لا غَرَضَ له في عَينِ (4) المُشْتَرِي.
(1) سقط من: م.
(2)
في الأصل: «ببيعه» .
(3)
في م: «الوكيل» .
(4)
في الأصل: «غير» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: إذا اشْتَرَى الوَكِيلُ لمُوَكِّلِه شيئًا، انْتَقَلَ المِلْكُ مِن البائِعِ إلى المُوَكِّلِ، ولم يَدْخُلْ في مِلْكِ الوَكِيلِ. وبه قال الشافعيُّ. وقال أبو حنيفةَ: يَدْخُلُ في مِلْكِ الوَكِيلِ، ثم يَنْتَقِلُ إلى المُوَكِّلِ، لأنَّ حُقُوقَ العَقْدِ تَتَعلَّقُ بالوَكيلِ، بدَلِيلِ أنَّه لو اشْتَراه بأَكْثَرَ مِن ثَمَنِه، دَخَل في مِلْكِه ولم يَنْتَقِلْ إلى المُوَكِّلِ. ولَنا، أنَّه قَبِلَ عَقْدًا لغيرِه، صَحَّ له، فوَجَبَ أن يَنْتَقِلَ المِلْكُ إليه، كالأبِ والوَصِيِّ، وكما لو تَزوَّجَ له. وقَوْلُهم: إن حُقُوق العَقْدِ تَتَعلَّقُ به. غيرُ مُسَلَّمٍ. ويَتَفَرَّعُ عن هذا أنَّ المُسْلِمَ لو وَكَّلَ ذِمِّيًّا في شِرَاءِ خمرٍ (1) أو خِنْزِيرٍ، فاشَتَراهُ له، لم يَصِحَّ الشِّراءُ. وقال أبو حنيفةَ: يَصِحُّ، ويَقَعُ للذِّمِّيِّ؛ لأنَّ الخَمْرَ مالٌ لهم؛ لأنهم يَتَمَوَّلونَها ويَتَبايَعُونَها، فصَحَّ تَوْكِيلُهم فيها، كسائِرِ أمْوالِهِم. ولَنا، أنَّ كلَّ ما لا يَجُوزُ للمُسْلِمِ العَقْدُ عليه، لا يجوزُ أن يُوَكِّلَ فيه، كتَزْويجِ المَجُوسِيَّةِ، وبهذا خالفَ سائِرَ أمْوالِهِم. وإذا باع الوَكِيلُ بثَمَنٍ مُعَيَّنٍ، ثَبَت المِلْكُ للمُوَكِّلِ في الثَّمَنِ؛ لأنَّه بِمنزِلَةِ المَبِيعِ. وإن كان الثَّمَنُ في الذِّمّةِ، فللوَكِيلِ والمُوَكِّلِ المُطالبَةُ به. وبهذا قال الشافعيُّ. وقال أبو حنيفةَ: ليس للمُوَكِّلِ المُطالبَةُ؛ لأنَّ حُقُوقَ العَقْدِ تَتَعَلَّقُ بالوَكِيلِ دُونه، ولهذا يتَعَلَّقُ مَجْلِسُ الصَّرْفِ والخيارُ به دُونَ مُوَكِّلِه، فكذلك القبضُ. ولَنا، أنَّ هذا دَينٌ للمُوَكِّلِ يَصِحُّ قَبْضُه له، فمَلَكَ المُطالبَةَ به، كسائِر دُيُونِه
(1) في م: «دم» .