الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ قَضَى الضَّامِنُ الدَّينَ مُتَبَرِّعًا، لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْء. وَإنْ نَوَى الرُّجُوعَ، وَكَانَ الضَّمَانُ وَالْقَضَاءُ بِغَيرِ إِذْنِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ، فَهَلْ يَرْجِعُ؟ عَلَى روَايَتَينِ. وَإنْ أَذِنَ فِي أَحَدِهِمَا، فَلَهُ الرُّجُوعُ بأَقَلِّ الأَمْرَينِ مِمَّا قَضَى، أَوْ قَدْرِ الدَّينِ.
ــ
1837 - مسألة: (وإن قَضَى الضّامِنُ الدَّينَ مُتَبَرِّعًا، لم يَرْجعْ بشيءٍ)
لأنَّه تَطَوَّعَ بذلك، أشْبَه الصَّدَقَةَ، وسواءٌ ضَمِن بإذْنِه أو بغيرِ إذْنِه.
1838 - مسألة: (وإن نَوَى الرُّجُوعَ، وكان الضَّمانُ والقَضاءُ بغيرِ إذْنِ المَضمُونِ عنه، فهل يَرْجِعُ؟ على رِوَايَتَينِ. وإن أذِنَ)
له (في أحَدِهما، فله الرُّجُوعُ بأقَلِّ الأمْرَينِ مِمّا قَضَى، أو قَدْرِ الدَّينِ) وجملةُ ذلك، أنَّ الضّامِنَ متى أدَّى الدَّينَ بنيَّةِ الرُّجُوعِ، لم يَخْلُ مِن أرْبَعَةِ أقْسامٍ؛ أحدُها، أن يَضْمَنَ بإذْنِ المَضْمُونِ عنه ويُؤَدِّيَ بأمْرِه، فإنَّه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَرْجِعُ عليه، سواءٌ قال: اضْمَنْ عَنِّي. أو: أَدِّ عَنِّي. أو أَطْلَقَ. وبهذا قال مالكٌ، والشافعيُّ، وأبو يُوسُفَ. وقال أبو حنيفةَ، ومحمدٌ: إن قال: اضْمَنْ عَنِّي، وانْقُدْ عَنِّي. رَجَعَ عليه. وإن قال: انْقُدْ هذا. لم يَرْجعْ، إلَّا أن يَكُونَ مُخالِطًا له، يَسْتَقْرِضُ منه ويُوْدِعُ عندَه؛ لأنَّ قَوْلَه اضْمَنْ عَنّى، وانْقُدْ عَنِّي. إقْرارٌ منه بالحَقِّ. وإذا أطْلَقَ ذلك (1)، صار كأنه قال: هبْ لي هذا. أو تَطَوَّعَ عليه (1). وإذا كان مُخالِطًا له، رَجَع اسْتِحْسانًا؛ لأنَّه قد يَأْمُرُ مُخالِطَهُ بالنَّقْدِ عنه. ولَنا، أنَّه ضَمِن ودَفع بأمْرِه، فأشْبَهَ ما لو كان مُخالِطًا له، أو قال: اضْمَنْ عَنِّي. وما ذَكَراه ليس بصَحِيحٍ؛ لأنَّه إذا أمَرَه بالضَّمانِ لا يَكُونُ إلَّا لِما هو عليه، وأمْرُه بالنَّقْدِ بعدَ ذلك يَنْصَرِفُ إلى ما ضَمِنَه، بدَلِيلِ المُخالِطِ (2) له، فيَجِبُ
(1) سقط من: م.
(2)
في الأصل، ر 1، م:«المخالطة» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عليه أداءُ ما أدَّى عنه، كما لو صَرَّحَ به. الثّانِي، ضَمِن بأمْرِه، وقَضَى بغيرِ أمْرِه، فله الرُّجُوعُ أيضًا. وبه قال مالكٌ، والشافعيُّ في أحَدِ الوُجُوهِ عنه. والوَجْهُ الثّانِي، لا يَرْجِعُ؛ لأنَّه دَفَع بغيرِ أمْرِه، أشْبَهَ ما لو تَبَرَّعَ. الوَجْهُ الثّالثُ، أنَّه إن تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ على المَضْمُونِ عنه، فدَفَعَ ما عليه، رَجَعَ، وإلَّا فلا؛ لأنَّه تَبَرَّع بالدَّفْعِ. ولَنا، أنَّه إذا أَذِنَ في الضَّمانِ، تَضَمَّنَ ذلك إذنه في الأدَاءِ؛ لأنَّ الضَّمانَ يُوجِبُ عليه الأداءَ، فرَجَعَ عليه، كما لو أذِنَ في الأداءِ صَرِيحًا. الثّالِثُ، ضَمِن بغيرِ أمْرِه، وقَضَى بأمْرِه، فله الرُّجُوعُ أيضًا. وظاهِرُ مَذْهبِ الشافعيِّ أنَّه لا يَرْجِعُ؛ لأنَّ أمْرَه بالقَضاءِ انْصَرَفَ إلى ما وَجَب بضَمانِه. ولَنا، أنَّه أذَّى دَينَه بأمْرِه، فرَجَعَ عليه، كما لو لم يَكُنْ ضامِنًا، أو كما لو ضَمِن بأمْرِه. قَوْلُهم: إنَّ إذْنَه في القَضاءِ انْصَرَفَ إلى ما وَجَب بضَمانِه. قُلْنا: والواجِبُ بضَمانِه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إنَّما هو أداءُ دَينِه، وليس هو شَيئًا آخَرَ، فمتى أدّاه عنه بإذْنِه، لَزِمَه إعْطاؤُه بَدَلَه. الرّابعُ، ضَمِن بغيرِ أمْرِه، وقَضَى بغيرِ أمْرِه، ففيه رِوايتانِ؛ إحْدَاهما، يرْجِعُ. وهو قولُ مالِكٍ، وعُبَيدِ اللهِ بنِ الحَسَنِ، وإسحاقَ. والثَّانِيَةُ، لا يَرْجِعُ بشيءٍ. وهو قولُ أبي حنيفةَ، والشافعيِّ، وابنِ المُنْذِرِ. بدَلِيلِ حَدِيثِ عَلِيٍّ وأبي قَتادَةَ (1)، فإنَّهما لو كانا يَسْتَحِقّانِ الرُّجُوعَ على المَيِّتِ، صار الدَّينُ لهما، فكانت ذِمَّةُ المَيِّتِ مَشْغُولَةً بدَينِهما، كاشْتِغالِها بدَينِ المَضْمُونِ عنه (2)، ولم يُصَلِّ عليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، ولأنَّه تَبَرَّعَ بذلك، أشْبَهَ ما لو عَلَف دَوابَّه وأطْعَمَ عَبِيدَه بغيرِ أمْرِه. ووَجْهُ الأُولَى، أنَّه قَضاءٌ مُبْرِئٌ مِن دَينٍ واجِبٍ، فكان مِن ضَمانِ مَن هو عليه، كالحاكِمِ إذا قَضَى عنه عندَ امْتِناعِه. فأمّا عَلِيٌّ وأبو قَتادَةَ، فإنَّهما تَبَرَّعا بالقَضاءِ والضَّمانِ، فإنَّهما قَضَيا دَينَه قَصْدًا لتَبْرِئةِ ذِمَّتِه؛ ليُصَلِّيَ عليه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مع عِلْمِهما أنَّه لم يَتْرُكْ وَفاءً (3)، والمُتَبَرِّعُ لا يَرْجِعُ بشيءٍ، وإنَّما الخِلافُ في المُحْتَسِبِ بالرُّجُوعِ.
(1) تقدم تخريجهما في صفحة 9.
(2)
في ق، م:«له» .
(3)
في م: «وفاءه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ويَرْجِعُ الضّامِنُ على المَضْمُونِ عنه بأقَلِّ الأمْرَين ممّا قَضَى أو قَدْرِ الدَّينِ؛ لأنَّه إن كان الأقَلُّ الدَّينَ، فالزّائِدُ لم يَكُنْ واجِبًا عليه (1)، فهو مُتَبَرِّعٌ به، وإن كان المَقْضِيُّ أقَلَّ، فإنَّما يَرْجِعُ بما غَرِم، ولهذا لو أبْرَأه غَرِيمُه لم يَرْجِعْ بشيءٍ. فإن دَفع عن الدَّينِ عَرضًا، رَجَع بأقَلِّ الأمْرَين مِن قِيمَتِه أو قَدْرِ الدَّينِ؛ لِما ذَكَرْنا.
فصل: ولو كان على رَجُلَين مائَةٌ، على كلِّ واحدٍ منهما نِصْفُها، وكلُّ واحدٍ ضامِنٌ عن صاحِبِه ما عليه، فضَمِنَ آخَرُ عن أحَدِهما المائَةَ بأمْرِه وقَضاهَا، سَقَط الحَقُّ عن الجَميعِ، وله الرُّجُوعُ بها (2) على الذي ضَمِن عنه، ولم يَكُنْ له أن يَرْجِعَ على الآخَرِ بشيءٍ، في إحدَى الرِّوايَتَينِ؛ لأنَّه لم يَضْمَنْ عنه، ولا أذِنَ له في القَضاءِ، فإذا رَجَع على الذي ضَمِن، رَجَع على الآخرِ بنِصْفِها، إن كان ضَمِن عنه بإذْنِه؛ لأنَّه ضَمِنَها عنه بإذنِه، وقَضاها ضامِنُه. والرِّوايَةُ الثّانِيَةُ، له الرُّجُوعُ على الآخَرِ بالمائَةِ؛ لأنَّها وَجَبَتْ له على مَن أدّاها عنه، فمَلَكَ الرُّجُوعَ بها [عليه، كالأصيلِ](3).
فصل: إذا ضَمِن عن رجل بأمْرِه، فطُولِبَ الضّامِنُ، فله مُطالبَةُ
(1) سقط من: م.
(2)
سقط من: م.
(3)
في م: «كالأصل» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المَضْمُونِ عنه بتَخْلِيصِه؛ لأنَّه لَزِمَه الأداءُ عنه بأمْرِه، فكانت له المُطالبَةُ بتَبْرئَةِ ذِمَّتِه. وإن لم يُطالبِ الضّامِنُ، لم يَمْلِكْ مُطالبَةَ المَضْمُونِ عنه؛ لأنَّه لمَّا لم يَكُنْ له الرُّجُوعُ بالدَّينِ قبلَ غَرامَتِه، لم تَكُنْ له المُطالبَةُ قبلَ طَلَبِه منه. وفيه وَجْهٌ آخَرُ، أنَّ له المُطالبَةَ؛ لأنَّه شَغل ذِمَّتَة بإذْنِه، فكانت له المُطالبَةُ بتَفْرِيغِها، كما لو اسْتَعارَ عَبْدًا فرَهَنَه (1)، كان لسَيِّدِه مُطالبَتُه بفَكاكِه وتَفْرِيغه مِن الرَّهْنِ. والأوَّلُ أوْلَى. ويُفارِقُ الضَّمانُ العاريَّةَ؛ لأنَّ السَّيِّدَ يَتَضَرَّرُ بتَعْويقِ مَنافِعِ عَبْدِه المُسْتَعارِ، فمَلَكَ المُطالبَةَ بما يُزِيلُ الضَّرَرَ عنه، والضّامِنُ لا يَبطُلُ بالضَّمانِ شيءٌ مِن مَنافِعِه. فأمّا إن ضَمِن عنه بغيرِ أمْرِه (2)، لم يَمْلِكْ مُطالبَةَ المَضْمُونِ عنه قبلَ الأداءِ بحالٍ؛ لأنَّه لا حَقَّ له يُطالِبُ به، ولا شَغَل ذِمتَّة بأمْرِه، فأشْبَهَ الأجْنَبِيَّ. وقيل: إنَّ هذا يَنْبَنِي على الرِّوايَتَينِ في رجُوعِه على المَضْمُونِ عنه بما أدَّى عنه، فإن قُلْنا: لا يَرْجِعُ. فلا مُطالبَةَ له بحالٍ. وإن قُلْنا: يَرْجِعُ. فحُكْمُه حُكْمُ مَن ضَمِن عنه بأمْرِه، على ما مَضَى تَفْصِيلُه.
(1) بعده في ر: «قيمته» .
(2)
في م: «إذنه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإن ضَمِن الضّامِنَ ضامِنٌ (1) آخَرُ، فقَضَى أحَدُهما الدَّينَ، بَرِئَ الجَمِيعُ، فإن قَضاه المَضْمُونُ عنه، لم يَرْجعْ على أحَدٍ. وإن قَضاه الضّامِنُ الأوَّلُ، رَجَع على المَضْمُونِ عنه دُونَ الضّامِنِ الثّانِي. وإن قَضاه الثّانِي، رَجَع على الأوَّلِ، ثم رَجَع الأوَّلُ على المَضْمُونِ عنه، إذا كان كلُّ واحدٍ منهما قد أذِنَ لصاحِبِه، فإن لم يَكُنْ أذِنَ له، ففي الرُّجُوعِ رِوايَتان. وإن أذِنَ الأوَّلُ للثّانِي ولم يَأْذَنِ المَضْمُونُ عنه، أو أذِنَ المَضْمُونُ عنه لضامِنِه، ولم يَأْذَنِ الضّامِنُ لضامِنِه، رَجَع المَأْذُونُ له على مَن أذِنَ له، ولم يَرْجِعِ (2) الآخَرُ، على إحدى الرِّوايَتَينِ. فإن أذِنَ المَضْمُونُ عنه للضّامِنِ الثّانِي في الضَّمان، ولم يَأْذَنْ له الضّامِنُ الأَوَّلُ، رَجَع على المَضْمُونِ عنه، ولم يَرْجِعْ على الضّامِنِ؛ لأنَّه إنَّما يَرْجِعُ على مَن أذِنَ له دُونَ غيرِه.
فصل: إذا كان له ألْفٌ على رَجُلَينِ؛ على كلِّ واحدٍ منهما نِصْفُه، وكلُّ واحدٍ منهما ضامِنٌ عن صاحِبِه، فأبْرَأَ الغَرِيمُ أحَدَهما مِن الألْفِ، بَرِئَ منه، وبَرِئ صاحِبُه مِن ضَمانِه، وبَقِيَ عليه خَمسُمِائةٍ. وإن قَضاه أحَدُهما خَمْسَمائَةٍ، أو أبْرَأه الغَرِيمُ منها، وعَيَّنَ القَضاءَ بلَفْظِه أو ببَيِّنةٍ عن الأصْلِ أو الضَّمانِ، انْصَرَفَ إليه. وإن أطْلَقَ، احْتَمَلَ أنَّ له صَرْفَها إلى
(1) سقط من: م.
(2)
بعده في م: «على» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ما شاء منهما (1)، كمَن أخْرَجَ زَكَاةَ نِصابٍ وله نِصابان؛ غائِبٌ وحاضِرٌ، كان له صَرْفُها إلى ما شاء منهما. واحْتَمَلَ أن يَكُونَ نِصْفُها عن الأصْلِ، ونِصْفُها عن الضَّمانِ؛ لأنَّ إطْلاقَ القَضاءِ والإبْراءِ يَنْصَرِفُ إلى جُمْلَةِ ما فِي ذِمَّتِه، فيَكُونُ بينَهما. والمُعْتَبَرُ في القَضاء لَفْظُ القاضِي ونِيَّتُه، وفي الإِبْراءِ لَفْظُ المُبْرِئ ونِيَّتُه، ومتى اخْتَلَفُوا في ذلك، فالقَوْلُ قولُ مَن اعْتُبِرَ لَفْظُه ونِيَّتُه.
فصل: ولو ادَّعى ألفًا على حاضِرٍ وغائِبٍ، وأنَّ كل واحدٍ منهما ضامِنٌ عن صاحِبِه، فاعْتَرفَ الحاضِرُ بذلك، فله أخْذُ الألْفِ منه، فإن قَدِم الغائِبُ فاعْتَرَفَ، رَجَع عليه صاحِبُه بنِصْفِه، وإن أنْكَرَ، فالقولُ قَوْلُه مع يَمِيِنه، وإن كان الحاضِرُ أنْكَرَ، فالقولُ قَوْلُه مع يَمِيِنه، فإن قامَتْ عليه بَيِّنَةٌ فاسْتَوْفَى الألْفَ منه، لم يَرْجِعْ على الغائِبِ بشيء؛ لأنَّه بإنْكارِه مُعْتَرِفٌ أنَّه لا حَقَّ له عليه، وإنَّما المُدَّعِي ظَلَمَه. وإنِ اعْتَرَفَ الغائِبُ وعاد الحاضِرُ عن إنْكارِه، فله الاسْتِيفاءُ منه؛ لأنَّه يَدَّعِي عليه حَقًّا يَعْتَرِف له به، فجازَ له أخْذُه. وإن لم يَقُمْ على الحاضِرِ بَيِّنَةٌ، حَلَف وبَرِئَ، فإذا قَدِم الغائِبُ، فإن أنْكَرَ وحَلَف، بَرِئَ، فإنِ اعْتَرَفَ، لَزِمَه دَفْعُ الألْفِ. وقال بعضُ أصحابِ الشافعيِّ: لا يَلْزَمُه إلَّا خَمْسُ المائةِ الأصْلِيَّةُ دُونَ
(1) بعده في الأصل: «واحتمل أن يكون نصفها» .