الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ صَالحَ الْأجْنَبِيُّ لِنَفْسِهِ؛ لِتَكُونَ الْمطَالبَة لَه، غَيرَ مُعْتَرِفٍ
ــ
كالمُدَّعِي في الدَّعْوَى على المُنْكِرِ، أمّا أنَّه يَجِبُ له الرُّجُوعُ بما أدّاه (1) حَتْمًا، فلا وَجْهَ له أصْلًا؛ لأنَّ أكْثَرَ ما يَجِبُ لمَن قَضَى دَينَ غيرِه أن يَقُومَ مَقامَ صاحِبِ الدَّينِ، وصاحِبُ الدَّينِ ها هُنا لم يَجبْ له حَق، ولا لَزِم الأداءُ إليه، ولم يَثْبُتْ له أكثرُ مِن جَوازِ الدَّعْوَى، فكَذلك هذا. ويُشْتَرَطُ في جَوازِ الدَّعْوَى أن يَعْلَمَ صِدْقَ المُدَّعِي، فأمّا إن لم يَعْلَمْ، لم يَحِلَّ له دَعْوَى شيء لا تعْلَمُ ثُبُوتَه.
1881 - مسألة: (وإن صالحَ الأجْنَبِي لنَفْسِه؛ لتكونَ المُطالبَةُ
(1) في م: «ادعاه» .
بِصِحَّةِ الدَّعْوَى، أَوْ مُعْتَرِفًا بِهَا عَالِمًا بِعَجْزِهِ عَنِ اسْتِنْقَاذِهَا، لَمْ يَصِحَّ. وإنْ ظَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَيهِ، صَحَّ. ثُمَّ إِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ، فَهُوَ مُخيَّرٌ بَينَ فَسْخِ الصُّلْحِ وإمْضَائِهِ.
ــ
له، غيرَ مُعْتَرِفٍ بصِحَّةِ الدَّعْوَى، أو مُعْتَرِفًا بها عالِمًا بعَجْزِه عن اسْتِنْقاذِها، لم يَصِحَّ. وإن ظَنَّ القُدْرَةَ عليه، صَحَّ. فإن عَجَز عنه (1) فهو مُخَيَّرٌ بينَ فَسْخِ الصُّلْحِ وإمْضائِه) إذا صالحَ الأجْنَبِيُّ المُدَّعِيَ لنَفْسِه، لتَكُونَ المُطالبَةُ له، فلا يَخْلُو إمّا أن يَعْتَرِفَ للمُدَّعِي بصِحَّةِ دَعْواه أو لا، فإن لم يَعْتَرِفْ له، فالصُّلْحُ باطِلٌ؛ لأنَّه يَشْتَرِي منه ما لم يَثْبُت له، ولم يَتَوَجَّهْ إليه خُصُومَة يَفْتَدِي منها، أشْبَهَ ما لو اشْتَرَى منه مِلْكَ غيرِه. وإنِ اعْتَرَفَ له بصِحَّةِ دَعْواه، وكان المُدَّعَى دَينًا، لم يَصِحَّ؛ لأنَّه اشْتَرَى ما لا يَقْدِرُ البائعُ على تَسْلِيمِه (2)، ولأنَّه بَيعٌ للدَّيْنِ مِن غيرِ مَن هو في ذِمَّتِه. وقال بعضُ أصحابِنا: يَصِحُّ. وليس بجَيِّدٍ؛ لأنَّ بَيعَ الدَّينِ المُقَر به مِن غيرِ مَن هو في ذِمَّتِه لا يَصِحُّ، فبَيعُ دَينٍ في ذِمَّةِ مُنْكِر مَعْجُوزٍ عن قَبْضِه أوْلَى. وإن كان المُدَّعَى عَينًا، فقال الأجْنَبِيُّ للمُدَّعِي: أنا أعْلَمُ أنَّك
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في الأصل: «تسلمه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
صادِقٌ، فصَالِحْنِي عنها، فإنِّي قادِرٌ على اسْتِنْقاذِها مِن المُنْكِرِ. فقال أصْحابُنا: يَصِحُّ الصُّلْحُ. وهو مَذْهَبُ الشافعيِّ؛ لأنَّه اشْتَرَى منه مِلْكَه الذي يَقْدِرُ على قَبْضِه، ثم إن قَدَر على أخْذِه، اسْتَقَرَّ الصُّلْحُ، وإن عَجَز، كان له الفَسْخُ؛ لأَنه لم يُسَلِّمْ له المَعْقُودَ عليه، فكان له الرجُوعُ إلى بَدَلِه. ويَحْتَمِلُ أنَّه إن تَبَيَّنَ أنَّه لا يَقْدِرُ على تَسْلِيمِه، تَبَيَّنَ أنَّ الصُّلْحَ كان فاسِدًا؛ لأنَّ الشَّرْطَ الذي هو القُدْرَةُ على قَبْضِه مَعْدُوم حال العَقْدِ، فكان فاسِدًا، كما لو اشْتَرَى عَبْدَه، فتَبَيَّنَ أنَّه آبِق، أو مَيِّت. ولو اعْتَرَفَ له بصِحَّةِ دَعْواه، ولا يُمْكِنُه اسْتِنْقاذُه، لم يَصِحَّ الصُّلْحُ؛ لأنَّه اشْتَرَى ما لا يُمْكِنُه قَبْضُه، فأشْبَهَ شِراءَ العَبْدِ الآبِقِ. فإنِ اشْتَراه وهو يَظُنُّ أنَّه عاجزٌ عن قَبْضِه، فتَبَيَّنَ أنَّ قَبْضَه مُمْكِن، صَحَّ البَيعُ؛ لأنَّ البَيعَ تَناوَلَ ما يُمْكِنُ قَبْضُه، فصَحَّ، كما لو عَلِما ذلك. ويَحْتَمِلُ أن لا يَصِحَّ؛ لأنَّه ظَنَّ عَدَمَ الشَّرْطِ، فأشبَهَ ما لو باعِ عَبْدًا يَظُنُّ أنَّه حُرٌّ، أو أنَّه عَبْدُ غيرِه، فتَبَيَّنَ أنَّه عَبْدُه. ويَحْتَمِلُ أن يُفرَّق بينَ مَن يَعْلَمُ أنَّ البَيعَ يَفْسُدُ بالعَجْزِ عن تَسْلِيم المَبِيعِ وبينَ من لا يَعَلْمُ ذلك؛ لأنَّ مَن يَعْلَمُ ذلك يَعْتَقِدُ فَسادَ البَيعِ والشراءِ، فكان بَيعُه فاسِدًا، لكَوْنِه مُتَلاعِبًا بقَوْلِه مُعْتَقِدًا فَسادَه، ومَن لا يَعْلَمُ يَعْتَقِدُه صَحِيحًا، وقد تَبَيَّنَ اجْتِماعُ شُرُوطِه، فصَحَّ، كما لو عَلِمَه مَقْدُورًا على تَسْلِيمِه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإن قال الأجْنَبِيُّ للمُدَّعِي: أنا وَكِيلُ المُدَّعَى عليه في مُصالحَتِك عن هذه العَينِ، وهو مُقِرٌّ لك بها، وإنَّما يَجْحَدُها في الظّاهِرِ. فظاهِرُ كَلامِ الخِرَقِيِّ أنَّ الصُّلْحَ لا يَصِحُّ؛ لأنَّه يَجْحَدُها في الظّاهِرِ ليَنْتَقِصَ المُدَّعِيَ بعضَ حَقِّه، أو يَشْتَريَه بأقَلَّ مِن ثَمَنِه، فهو هاضِمٌ للحَقِّ، مُتَوَصِّلٌ إلى أخْذِ المُصالحِ عنه بالظُّلْمِ والعُدْوانِ، فهو بمنْزِلَةِ ما لو (1) شَافَهَه بذلك، فقال: أنا أعْلَمُ صِحَّةَ دَعْواك، وأنَّ هذا لك، لكنْ لا أسَلِّمُه إليك، ولا أقِرُّ لك به عندَ الحاكِمِ حتى تُصالِحَنِي منه على بعضِه، أو عِوَض عنه. وقال القاضي: يَصِحُّ. وهو مَذْهَبُ الشافعيِّ. قالوا: ثم يَنْظُرُ إلى المُدَّعَى عليه، فإن صَدَّقَه على ذلك، مَلَك العَينَ، ورَجَع الأجْنَبِيُّ عليه بما أدَّى عنه، إن كان أذِنَ في الدَّفْعِ، وإن أنْكَرَ الإِذْنَ في الدَّفْعِ، فالقَوْلُ قَوْلُه مع يَمِينه، ويكونُ حُكْمُه حُكْمَ مَن قَضَى دَينَه بغيرِ إذْنِه. وإن أنْكَرَ الوَكالةَ، فالقَوْلُ قَوْلُه مع يَمِينه، وليس للأجنَبِيِّ الرُّجُوعُ عليه، ولا يُحْكَمُ له بمِلْكِها في الظّاهِرِ. فأمّا حُكمُ مِلْكِها في الباطِنِ، فإن كان وَكَّلَ الأجْنَبِيَّ في الشِّراءِ، فقد مَلَكَها؛ لأنَّه اشْتَراها بإذْنِه، فلا يَقْدَحُ إنْكارُه في مِلْكِها؛ لأنَّ مِلْكَه ثَبَت قبلَ إنْكارِه، وإنَّما هو ظالِمٌ بالإنْكارِ للأجْنَبِيِّ. وإن كان لم يُوَكِّلْه، لم يَمْلِكْها؛ لأنَّه اشْتَرَى له عَينًا بغيرِ إذْنِه. ويَحْتَمِلُ أن يَقِفَ
(1) سقط من: الأصل.
فَصْلٌ: يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنِ الْقِصَاصِ بِدِيَاتٍ وَبِكُلِّ مَا يَثْبُتُ مَهْرًا.
ــ
على إجازَتِه، كما قُلْنا في مَن اشْتَرَى لغيرِه شيئًا بغير إذْنِه بثَمَن في ذِمَّتِه، فإن أجازَه مَلَكَه وإلَّا لَزِم مَن اشْتَراه. وإن قال الأجْنَبِيُّ لِلْمُدَّعِي: قد عَرَفَ المُدَّعَى عليه صِحَّةَ دَعْواك، وهو يَسْألك أن تُصالِحَه عنه، وقد وَكَّلَنِي في المُصالحةِ عنه. صَحَّ، وكان الحُكمُ كما ذَكرُوه؛ لأنّه ها هُنا لم يَمْتَنِعْ مِن أدائِه، بل اعْتَرَفَ به، وصالحَ عليه، مع بَذْلِه له (1)، فأشبَهَ ما لو لم يَجْحَدْه.
فصل: قال الشيخُ، رحمه الله:(يَصِحُّ الصُّلْحُ عن القِصاصِ بدِيَاتٍ وبكلِّ ما يَثْبُتُ مَهْرًا) وجُمْلَةُ ذلك، أنَّ الصُّلْحَ يَجُوزُ عن كلِّ ما يَجُوزُ أخْذُ العِوَضِ عنه، سواءٌ كان ممّا يجوزُ بَيعُه أو لا يجوزُ، فيَصِحُّ عن دَمِ العَمْدِ، وسُكْنَى الدّارِ، وعَيبِ المَبِيعِ. ومتى صالحَ عمّا يُوجِبُ القِصاصَ بأكثر مِن دِيته أو أقَلَّ، جاز. وقد رُوِيَ أن الحسنَ والحسينَ
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وسعيدَ بنَ العاصِ (1) بَذَلوا للذي وَجَب له القِصاصُ على هُدْبَةَ بنِ خشْرَم (2) سَبْعَ دِيَاتٍ، فأبَى أن يَقْبَلَها. ولأنَّ المال غيرُ مُتَعَيَّن، فلا يَقَعُ العِوَضُ في مُقابَلَتِه. فإن صالحَ عِن القِصاصِ بعَبْدٍ فخَرَجَ مُسْتَحَقًّا، رَجَع بقِيمَتِه في قولِ الجَمِيعِ. وإن خرَج حُرًّا فكذلك. وبه قال أبو يُوسُف ومحمدٌ. وقال أبو حنيفةَ: يَرْجِعُ بالدِّيَةِ؛ لأنَّ الصُّلْحَ فاسِدٌ. فيَرْجِعُ ببَذْلِ ما صالحَ عنه، وهو الدِّريةُ. ولَنا، إنّه تَعَذَّرَ تَسْلِيمُ ما جَعَلَه عِوَضًا، فرَجَعَ في قِيمَتِه، كما لو نَجرَج مُسْتَحَقًّا. فإن صالحَه عن القِصاصِ بحُرٍّ يَعْلَمان حُرِّيَته، أو عَبْدٍ يَعْلَمان أَنه مُسْتَحَق، أو تصالحَا بذلك عن غيرِ القِصاصِ، رَجَع بالدوريةِ وبما صالحَ عنه؛ لأنَّ الصُّلْحَ باطِل يَعْلَمان بُطْلانَه، فكان وُجُودُه كعَدَمِه.
(1) سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية القرشيّ الأموي، أبو عثمان، كان له يوم مات النبي صلى الله عليه وسلم تسع سنين، قتل أبوه قوم بدر، من فصحاء قريش، كان ممن ندبه عثمان لكتابة القرآن، ولى الكوفة، وولى المدينة لمعاوية، مات في قصره بالعقيق منة ثلاث وخمسين. الإصابة 3/ 107 - 109.
(2)
هدبة بن خشرم بن كرز، من بادية الحجاز، شاعر فصيح مرتجل، وكان راوية الحطيئة، قتل رجلًا من بن رقاش، في خبر طويل، قتل نحو سنة خمسين للهجرة. انظر الأعلام 9/ 69، 70.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ولو صالحَ عن (1) دارٍ أو عَبْدٍ بعِوَض، فخَرَجَ العِوَضُ مُسْتَحَقًّا أو حُرًّا، رَجَع في الدّارِ وما صالحَ عنه، وبقِيمَتِه إن كان تالِفًا (2)؛ لأنَّ الصُّلْحَ ها هُنا بَيع في الحَقِيقَةِ، فإذا تَبَيَّنَ أنَّ العِوَضَ كان مُسْتَحَقًّا أو حُرًّا، كان البَيعُ فاسِدًا، فرَجَعَ فيما كان له، بخِلَافِ الصُّلْحِ عن القِصاصِ، فإنَّه ليس ببَيع، وإنَّما يأخذُ عِوَضًا عن إسْقاطِ القِصاصِ. ولو اشْتَرَى شيئًا فوَجَدَه مَعِيبًا فصالحَه عن عَيبِه بعَبْدٍ، فبان مُسْتَحَقًّا أو حُرًّا، رَجَع بأرْشِ العَيبِ.
(1) في ر: «على» .
(2)
في ر، م:«بالغا» .