الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ قَال: أَحَلْتُكَ بِدَينِكَ. فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْحَوَالةِ، وَجْهًا وَاحِدًا.
ــ
1864 - مسألة: (وإن قال: أحَلْتُك بدَينِك. فالقولُ قولُ مُدَّعِي الحَوالةِ، وَجْهًا واحِدًا)
إذا اتَّفَقا على أنَّه قال: أحَلْتُك بدَينِك. ثم اخْتَلَفا، فالقولُ قولُ مُدَّعِي الحَوالةِ، وَجْهًا واحدًا؛ لأنَّ الحَوالةَ بِدَينِه لا تَحْتَمِلُ الوَكالةَ، فلم يُقْبَلْ قولُ مُدَّعِيها. وسَواءٌ اعْتَرَفَ المُحِيلُ بدَينِ المُحْتالِ، أو قال: لا دَينَ لك عَلَيَّ. لأنَّ قَوْلَه: أحَلْتُك بدَينِك. اعْتِرافٌ بدَينِه، فلا يُقْبَلُ جَحْدُه بعدَ ذلك. فأمّا إن لم يَقُلْ: بدَينِك. بل قال: أحَلْتُك. ثم قال: ليس لك عليَّ دَينٌ، وإنَّما أرَدْتُ التَّوْكِيلَ بلَفْظِ الحَوالةِ. أو قال: أرَدْتُ أن أقولَ: وَكَّلْتُكَ. فسَبَقَ لِسانِي، فقلتُ: أحَلْتُك. وادَّعَى المُحْتالُ أنَّها حَوالةٌ بدَينِه، وأنَّ دَينَه كان ثابِتًا على المُحِيلِ، فهل هو اعْتِرافُ بالدَّينِ أوْ لا؟ فيه وَجْهانِ سَبَق تَوْجِيهُهما.
فصل: وإذا كان لرجلٍ دَينٌ على آخَرَ، فطَالبَه به، فقال: قد أحَلْتَ به عليَّ فُلانًا الغائِبَ. وأنْكَرَ صاحِبُ الدَّينِ، فالقولُ قَوْلُه مع يَمينِه. فإن كان لمَن عليه الدَّينُ بَيِّنَةٌ بدَعْواه، سُمِعَتْ بَيِّنَتُه؛ لإِسْقاطِ حَقِّ المُحِيلِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عنه (1). وإنِ ادَّعَى رجلٌ أنَّ فُلانًا الغائِبَ أحالنِي عليك، فأَنْكَرَ المُدَّعَى عليه، فالقولُ قَوْلُه. فإن أقامَ المُدَّعِي بَيِّنَةً، ثَبَتَتْ في حَقِّه وحَقِّ الغائبِ؛ لأنَّ البَيِّنَةَ يُقْضَى بها على الغائِبِ، ولَزِم الدَّفْعُ إلى المُحتالِ. وإن لم يَكُنْ له بَيِّنَةٌ، فأنْكَرَ المُدَّعَى عليه، فهل يَلْزَمُه اليَمِينُ؟ فيه وَجْهان، بِناءً على ما لو اعْتَرَفَ له هل يَلْزَمُه الدَّفْعُ إليه (2)؟ على وجهينِ؛ أحدُهما، يَلْزَمُه الدَّفْعُ إليه؛ لأنَّه مُقرٌّ بدَنْيِه عليه، ووُجُوبِ دَفْعِه إليه، فَلَزِمَه الدَّفْعُ إليه، كما لو كانت به بَيِّنَةٌ. والثّانِي، لا يَلْزَمُه الدَّفْعُ إليه؛ لأنَّه لا يَأْمَنُ إنْكارَ المُحِيلِ ورُجُوعَه عليه، فكان له الاحْتِياطُ لنَفْسِه، كما لو ادَّعَى أنِّي وَكِيلُ فُلانٍ في قَبْضِ دَينِه منك، فصَدَّقَه، وقال: لا أدْفَعُه إليك. فإذا قُلْنا: يَلْزَمُه الدَّفْعُ مع الإقْرارِ. لَزِمَتْه اليَمِينُ مع الإنْكارِ. فإذا حَلَفَ، بَرِئَ، ولم يَكُنْ للمُحْتالِ الرُّجُوعُ على المُحِيلِ؛ لاعْتِرافِه ببَراءَتِه. وكذلك إن قُلْنا: لا يَلْزَمُه اليمينُ. فليس للمُحتال الرُّجُوعُ على المُحِيلِ. ثم يُنْظَرُ في المُحِيلِ؛ فإن صَدَّقَ المُدَّعِي في أنَّه أحاله، ثَبَتتِ الحَوالةُ؛ لأنَّ رضا المُحتالِ عليه لا يُعْتَبَرُ. وإن أنْكَرَ الحَوالةَ، حَلَف، وسَقَط حُكْمُ
(1) في م: «عليه» .
(2)
زيادة من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الحَوالةِ. وإن نَكَل المُحالُ عليه عن اليَمِينِ، فقُضِيَ عليه بالنُّكُولِ واسْتوفِيَ الحَقُّ منه، ثم إنَّ المُحِيلَ صَدَّقَ المُدَّعِيَ، فلا كَلامَ. وإن أنْكَرَ الحَوَالةَ، فالقولُ قَوْلُه، وله أن يَسْتَوْفِيَ مِن المُحالِ عليه (1)؛ لأنَّه مُعْتَرِفٌ له بالحَقِّ، ويَدَّعِى أنَّ المُحْتال ظَلَمَه، ويَبقَى دَينُ المُحْتالِ على المُحِيلِ. فإن أنْكَرَ المُحِيلُ أنَّ له عليه دَينًا، فالقولُ قَوْلُه بغيرِ يَمِينٍ؛ لأنَّ المُحْتال يُقِرُّ ببراءَتِه منه؛ لاسْتِيفائِه مِن المُحالِ عليه. وإن كان المُحِيلُ يَعْتَرِفُ به، لم يَكُنْ للمُحْتالِ المُطالبَةُ به؛ لأنَّه يُقِرُّ بأنَّه قد بَرِئَ منه بالحَوالةِ، والمُحِيلُ يُصَدِّقُ المُحال عليه في كونِ المُحْتالِ قد ظَلَمَه، واسْتَوْفَى مِنه بغيرِ حَقٍّ، والمحْتالُ يَزْعُم أنّ المحِيلَ قد أخَذَ منه أيضًا بغيرِ حَقٍّ، وأنَّه يَجِبُ عليه أن يَرُدَّ ما أخَذَ منه إليه، فيَنْبَغِي أن يَقْبِضَها المُحْتالُ ويُسَلِّمَها إلى المُحالِ عليه، أو يَأْذَنَ للمُحِيلِ في دَفْعِها إلى المُحالِ عليه. وإن صَدَّقَ المُحالُ عليه المُحْتال في الحَوالةِ، ودَفَع إليه، فأنْكَرَ المُحِيلُ الحَوالةَ، حَلَف، ورَجَع على المُحالِ عليه. والحُكْمُ في الرُّجُوعِ بما على المُحِيلَ مِن الدَّينَ على ما ذَكَرْنا في التي قبلَها.
فصل: فإن كان عليه ألْفٌ ضَمِنَه رجلٌ، فأحال الضّامِن صاحِبَ الدَّينِ به، بَرِئَتْ ذِمَّتُه وذِمَّةُ المَضْمُونِ عنه؛ لأنَّ الحَوالةَ كالتَّسْلِيمِ،
(1) سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ويَكُونُ الحُكْمُ ههُنا كالحُكْمِ فيما لو قَضَى عنه الدَّينَ، على ما ذَكَرْنا. فإن كان الألْفُ على رَجُلَين، على كلِّ واحدٍ منهما خَمْسُمائَةٍ، وكلُّ واحدٍ كَفِيلٌ عن الآخرِ بذلك، فأحالهُ أحَدُهُما بالألْفِ، بَرِئَتْ ذِمَّتُهما معًا، كما لو قَضاها. وإن أحال صاحِبُ الألْفِ رجلًا على أَحدِهِما بعَينِه صَحَّتِ الحَوالةُ؛ لأنَّ الدَّينَ على كلِّ واحدٍ منهما مُسْتَقِرٌّ. وإن أحال عليهما جميعًا، ليَسْتَوْفِيَ منهما أو مِن أيِّهما شاءَ، صَحَّتِ الحَوالةُ أيضًا عند القاضِي؛ لأنَّه لا فَضْلَ ههُنا في نَوْع ولا أجَلٍ ولا عَدَدٍ، وإنَّما هو زِيادَةُ اسْتِيثاقٍ، فلم يَمْنَعْ ذلك صِحَّةَ الحَوالةِ، كحَوالةِ المُعْسِرِ على المَلِئِ. وقال بعضُ الشّافِعِيَّةِ: لا تَصِحُّ الحَوالةُ؛ لأنَّ الفَضْلَ قد دَخَلَها. فإنَّ المُحْتال ارْتَفَقَ بالتَّخْيِيرِ بالاسْتِيفاءِ مِن أَيِّهما شاء، فأشْبَهَ ما لو أحاله على رَجُلَين له على كلِّ واحدٍ منهما ألْفٌ؛ ليَسْتَوْفِيَ مِن أَيِّهما شاء. والأوَّلُ أصَحُّ. والفَرْقُ بينَ هذه المَسْألَةِ، وبينَ ما إذا أحاله بألْفَين، أنَّه لا فَضْلَ بينَهما في العَدَدِ ها هنا، وثَمَّ تَفاضَلَا، ولأنَّ الحَوالةَ ههُنا بأَلْفٍ مُعَيَّنٍ، وثَمَّ الحَوالةُ بأحَدِهما مِن غيرِ تَعْيِينٍ، وأنَّه إذا قَضاه أحَدُهما الألْفَ، فقد قَضاه جَمِيعَ الدَّينِ، وثَمَّ إذا قَضَى أحَدُهما بَقِيَ ما على الآخَر. ولو لم يَكُنْ كلُّ واحدٍ مِن الرَّجُلَين ضامِنًا عن صاحِبِه، فأحال عليهما، صَحَّتِ الحَوالةُ بغيرِ إشْكالٍ؛ لأنَّه لَمّا كان له أن يَسْتَوْفِيَ الألْفَ مِن واحدٍ، كان له أن يَسْتَوْفِيَ مِن اثْنَين، كالوَكِيلَينِ.