الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهَلْ تَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ، وَحُرِّيَّةِ عَبْدِهِ؟ عَلَى وَجْهَينِ.
ــ
1998 - مسألة: (وهل تَبْطُلُ بالردة، وحُرِّيَّةِ العبدِ؟ على وَجْهَين)
يَصِحُّ تَوْكِيلُ المُسْلِمِ كافِرًا فيما يَصِحُّ تَصَرُّفُه فيه، سَواء كان ذِمِّيًّا، أو مُسْتَأْمَنًا، أو حَرْبِيًّا، أو مُرْتَدًّا؛ لأنَّ العَدالةَ لا تُشْتَرطُ في صِحَّة الوَكالةِ، فكذلك الدّينُ، كالبَيعِ. فإن وَكَّلَ مُسْلِمًا فارْتَدَّ، لم تَبْطُلْ وكالتُه، في أحَدِ الوَجْهَين، سواء لَحِق بدارِ الحَرْبِ أو أقام. وقال أبو حنيفةَ: تَبْطُلُ إذا لَحِقَ بدارِ الحَرْبِ؛ لأنَّه صار منهم. ولَنا، أنَّه يَصِحُّ تَصَرُّفُه لنَفْسِه، فلم تَبْطُلْ وَكالته، كما لو لم يَلْحَقْ بدارِ الحَرْبِ، ولأنَّ الرِّدَّةَ لا تَمْنَعُ ابتداءَ الوَكالةِ، فلا تَمْنَعُ اسْتِدامَتَها، كسائِر الكُفْرِ. وفيه وَجْهٌ آخَرُ، أنَّها تَبْطُلُ بالردَّةِ إذا قُلْنا: إن المُرْتَدَّ تَزُولُ أَمْلاكُه وتَبْطُلُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تَصَرُّفاتُه. والوَكالةُ تَصَرُّفٌ. وإنِ ارتَدَّ المُوَكِّلُ، لم تَبْطُلِ الوَكالةُ فيما له التَّصَرُّفُ فيه، فأمّا الوَكِيلُ في مالِه فيَنْبَنِي على تَصَرُّفِه نَفْسِه، فإن قلنا: يَصِحُّ تَصرُّفُه. لم يَبْطُلْ تَوْكِيلُه. وإن قُلْنا: هو مَوْقُوفٌ. فوَكالته مَوْقُوفَةٌ. وإن قُلْنا: يَبْطُلُ تَصرُّفُه. بَطَل تَوْكِيلُه. وإن وكَّلَ في حالِ رِدَّتِه، ففيه الوُجُوهُ الثلاثةُ.
فصل: وإن وَكَّلَ عَبْدَه، ثم أعْتَقَه أو باعَه، لم يَنْعَزِلْ؛ لأنَّ زَوالَ مِلْكِه لا يَمْنَعُ ابْتِداءَ الوَكالةِ، فلا يَقْطَعُ اسْتِدامَتَها. وفيه وَجْهٌ آخَرُ، أنَّها تَبْطُلُ؛ لأنَّ توْكِيلَ عَبْدِه ليس بتَوكِيلٍ في الحَقِيقَةِ، إنَّما هو اسْتِخْدامٌ بحَقِّ المِلْكِ، فيَبْطُلُ بزوالِ المِلْكِ وهكذا الوَجْهَانِ فيما إذا وَكَّلَ عَبْدَ غيرِه ثم باعَه السَّيِّدُ. والصَّحِيحُ الأوّلُ؛ لأن سَيِّدَ العَبْدِ أذِنَ له في بَيعِ مالِه، والعِتْقُ لا يُبْطِلُ الإذْنَ، وكذلك البَيعُ، إلَّا أنَّ المُشْتَرِيَ إن رَضِيَ ببقائِه على الوَكالةِ وإلَّا بَطَلَتْ. فإن وَكَّلَ عَبْدَ غيرِه فأعْتَقَه، فقال شيخُنا (1): لا تَبْطُلُ الوَكالةُ وَجْهًا واحِدًا؛ لأنَّ هذا تَوكِيلٌ حَقِيقَةً،
(1) في: المغني 7/ 237.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والعِتْقُ غيرُ مُنافٍ له (1). وإنِ اشْتَرَاهُ المُوَكِّلُ منه، لم تَبْطُلْ؛ لأنَّ مِلْكَه إيّاه لا ينافِي إذْنَه له في البَيعِ والشِّراءِ. وإن وَكَّلَ امْرَأتَه، ثم طَلَّقَها، لم تَبْطُلِ الوَكالةُ؛ لأنَّ (1) زوال النِّكاحِ لا يَمْنَعُ ابْتِداءَ الوَكالةِ، فلم يَمْنَع اسْتِدامَتَها.
فصل: وإن تَلِفَتِ العَينُ التي وَكَّلَ في التَّصرُّفِ فيها، بَطَلَتِ الوَكالةُ؛ لأن مَحَلَّها ذَهَب، فذَهَبَتِ الوَكالةُ، كما لو وَكَّلَه في بَيعِ عَبْدٍ فمات. و (2) لو دَفَع إليه دِينارًا، ووَكَّلَه في الشِّراءِ [به فهَلَكَ الدِّينارُ أو ضاع، أو تَصَرَّفَ فيه الوَكيلُ، بَطَلَتِ الوَكالةُ، سَواءٌ وَكَّلَه في الشِّراءِ](3) بِعَينه أو مُطْلَقًا؛ لأنَّه إن وَكُّلَه في الشِّراءِ بعَينه، فقد اسْتَحال الشِّراءُ به بعدَ تَلَفِه،
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في م: «وكذا» .
(3)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فبَطَلَتِ الوَكالةُ، وإن وَكَّلَه في الشِّراءِ مُطْلَقًا. ونَقَد الدِّينارَ، بَطَلَتْ أيضًا؛ لأنَّه إنَّما وَكَّلَه في الشِّراء به، ومَعْناه أن يَنْقُدَه ثَمَنَ ذلك المَبِيعِ، إمّا قبلَ الشِّراءِ أو بعدَه، وقد تَعَذَّرَ ذلك بِتَلَفِه، ولأنَّه لو صَحَّ شِراؤُه، للَزِمَ المُوَكِّلَ ثَمَن لم يَلْتَزِمْه، ولا رَضِيَ بلُزُومِه. وإنِ اسْتَقْرضَه الوَكِيلُ، وعَزَل دِينارًا عِوَضَه واشْتَرَى به، فهو كالشِّراءِ له مِن غيرِ إذْنٍ؛ لأنَّ الوَكالةَ بَطَلَتْ، والدِّينارُ الذي عَزَلَه عِوَضًا لا يَصِيرُ للمُوَكِّلِ حتى يَقْبِضَه، فإذا اشْتَرَى للمُوَكِّلِ به شيئًا، وَقَف على إجازَةِ المُوَكِّلِ، فإن أجازَه، صَحَّ، ولَزِمَه الثَّمَنُ، وإلَّا لَزِم الوَكِيلَ. وعنه، يَلْزَمُ الوَكِيلَ بكلِّ حالٍ. وقال القاضي: متى اشْتَرَى بعَينِ مالِه شيئًا لغيرِه بغيرِ إذْنِه، فالشِّراءُ باطِلٌ؛ لأنَّه (1) لا يَصِحُّ أن يَشْتَرِيَ بعَينِ مالِه ما يَمْلِكُه غيرُه. وقال أصحابُ الشافعيِّ: متى اشْتَرَى بعَينِ مالِه شيئًا لغيرِه، صَحَّ الشِّراءُ للوَكِيلِ؛ لأنَّه اشْتَرَى له ما لم يُؤْذَنْ له فيه، أشْبَهَ ما لو اشْتَراهُ في الذِّمَّةِ.
فصل: نَقَل الأثْرَمُ عن أحمدَ، في رجلٍ كان له على آخَرَ دَراهِمُ، فقال له: إذا أمْكَنَك قَضاؤُها فادْفَعْها إلى فُلانٍ. وغاب صاحِبُ الحَقِّ، ولم
(1) سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يُوصِ إلى هذا الذي أَذِنَ له في القَبْضِ، لكنْ جَعَلَه وَكِيلًا، وتَمَكَّنَ مَن عليه الدَّيْنُ مِن القَضاءِ، فخاف إن دَفَعَها إلى الوَكِيلِ أن يكونَ المُوَكِّلُ قد مات، ويَخافُ التَّبِعَةَ مِن الوَرَثةِ، فقال: لا يُعْجِبُنِي أَن يَدْفَعَ إليه، لَعَلَّه قد مات، لكنْ يَجْمَعُ بينَ الوَكِيلِ والوَرِثَةِ، ويَبْرَأُ إليهما مِن ذلك. هذا ذَكَره أحمدُ على طَرِيقِ النَّظَرِ للغَرِيمِ، خوْفًا مِن التَّبِعَةِ مِن الوَرَثَةِ إن كان مَوْرُوثُهم قد مات فانْعَزَلَ وَكِيلُه وصار الحَقُّ لهم، فَيرْجِعُون على الدّافِع إلى الوَكِيلِ. فأمّا مِن طَريقِ الحُكْمِ، فللوكِيلِ المطالبَةُ، وللآخَرِ الدَّفْعُ إليه، فإنَّ أحمدَ قد نَصَّ في رِوايةِ حَرْبٍ: إذا وَكّلَه [في الحَدِّ](1) وغاب، اسْتَوفاه الوَكِيلُ. وهو أبْلَغُ مِن هذا؛ لكَوْنِه يُدْرَأُ بالشُّبُهاتِ، لكنَّ هذا احْتِياط حَسَن، وتَبْرِئَة للغَرِيمِ ظاهِرًا وباطنًا، وإزالةُ التَّبِعَةِ عنه. وفي هذه الرِّوايَةِ دَلِيلٌ على أنَّ الوَكِيلَ انْعَزَلَ بمَوْتِ المُوَكِّلِ وإن لم يَعْلَمْ بمَوْتِه؛ لأنه اخْتارَ أن لا يَدْفَعَ إلى الوَكِيلِ خَوْفًا مِن أن يكونَ المُوَكِّلُ قد مات فانْتَقَلَ إلى الوَرَثَةِ. ويَجُوزُ أن يكونَ اخْتارَ هذا لئلَّا يكونَ القاضي ممَّن يَرَى أنَّ الوَكِيلَ يَنْعَزِلُ بالمَوْتِ، فيَحْكُمُ عليه بالغرامةِ، وفيها
(1) سقط من: م.