الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيهِ دَيْنٌ مُؤجَّلٌ، لَمْ يَحِلَّ إِذَا وَثَّقَ الْوَرَثَةُ. وَعَنْهُ، يَحِلُّ.
ــ
بخِلافِ المُفْلِسِ. إذا ثَبَت هذا، فإنَّه إذا حُجر على المُفْلِسِ، فقال أصْحابُنا: لا يُشَارِكُ أصْحابُ الدُّيُونِ المُؤَجَّلَةِ أَصْحابَ الدُّيُونِ الحالَّةِ، ويَبْقَى المُؤَجَّلُ في الذِّمَّةِ إلى وَقْتِ حُلُولِه، فإنْ لم يَقْسِمِ الغُرَماءُ حتى حَلَّ الدَّينُ، شارَكَ الغُرَماءَ، كما لو تَجَدَّدَ على المُفْلِسِ دَينٌ بجِنايَتِه، فإنْ أدْرَكَ بعضَ المالِ قبلَ قِسْمَتِه شارَكَهم فيه، [يَضْرِبُ فيه](1) بجَمِيعِ دَينِه، ويَضْرِبُ (2) باقِي الغُرَماءِ ببَقِيَّةِ دُيُونِهم. وإن قُلْنا: يَحِلُّ الدَّينُ. فهو كأصْحابِ الدُّيُونِ الحالَّةِ سَواءٌ.
1928 - مسألة: (ومَن مات وعليه دَينٌ مُؤجَّلٌ، لم يَحِلَّ إذا وَثَّقَ الوَرَثَةُ. وعنه، أنَّه يَحِلُّ)
(3) اخْتَلَفَتِ الرِّوايَةُ في حُلُولِ الدَّينِ بالمَوْتِ على مَن هو عليه، فرُويَ أنّه لا يَحِلُّ. اخْتارَه الخِرَقِيُّ، بشَرْطِ أن يُوَثِّقَ
(1) سقط من: م.
(2)
بعده في م: «مع» .
(3)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الوَرَثَةُ. وهو قولُ ابنِ سِيرِينَ، وعُبَيدِ اللهِ بنِ الحَسَنِ، وإسْحاقَ، وأبي عُبَيدٍ. والروايَةُ الأُخْرَى، أنَّه يَحِلُّ بالمَوْتِ. وبه قال الشَّعْبِيُّ، والنَّخَعِيُّ، وسَوّارٌ (1)، ومالكٌ، والثَّوْرِيُّ، والشافعيُّ، وأصْحابُ الرَّأْي؛ لأنَّه لا يَخْلُو إمّا أن يَبْقَى في ذِمَّةِ المَيِّتِ أو الوَرَثَةِ، أو يَتَعَلَّقَ بالمالِ. لا يَجُوزُ بَقاؤُه في ذِمَّةِ المَيِّتِ؛ لخَرابِها وتَعَذُّرِ مُطالبَتِه بها، ولا ذِمَّةِ
(1) أبو عبد الله سوّار بن عبد الله بن سوار العنبري، من أهل البصرة، نزل بغداد، وولى قضاء الرصافة، وكان فقيها، صالحا، أديبا، شاعرا، توفي سنة خمس وأربعين ومائتين. تاريخ بغداد 9/ 210 - 212، الأنساب 9/ 69، 70.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الوَرَثَةِ؛ لأنَّهم لم يَلْتَزِمُوها، ولا رَضِيَ صاحِبُ الدَّينِ بذِمَمِهم، وهي مُخْتَلِفَةٌ مُتَباينَةٌ، ولا يَجُوزُ تَعْلِيقُه على الأعْيانِ وتَأْجِيلُه؛ لأنَّه ضَرَرٌ بالمَيِّتِ وصاحِبِ الدَّينِ، ولا نفْعَ للوَرَثَةِ فيه. أمّا المَيِّتُ فلأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«المَيِّتُ مُرْتَهَنٌ بِدَينِهِ، حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ» (1). وأمّا صاحِبُه، فيَتأخَّرُ حَقُّه، وقد تَتْلَفُ العَينُ فيَسْقُطُ حَقُّه. وأمّا الوَرَثَةُ، فإنَّهُم لا (2) يَنْتَفِعُون
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بالأعْيانِ ولا يَتَصَرَّفُون فيها، وإن حَصَلَتْ لهم مَنْفَعَةٌ، فلا يَسْقُطُ حَظُّ المَيِّتِ وصاحِب الدَّينِ لمَنْفَعَةٍ لهم. ولَنا، ما ذَكَرْنا في المُفْلِسِ، ولأنَّ المَوْتَ ما جُعِلَ (1) مُبْطلاً للحُقُوقِ، وإنَّما هو مِيقاتٌ للخِلافَةِ، وعَلامَةٌ على الوراثَةِ، وقد قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ تَرَكَ حَقًّا أوْ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ» (2).
(1) في الأصل: «حصل» .
(2)
تقدم تخريجه في 6/ 188.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وما ذَكَروه إثْبات حُكْمٍ بالمَصْلَحَةِ المُرْسَلَةِ، لم يَشْهَدْ لها شاهِدُ الشَّرْعِ باعْتِبارٍ. فعلى هذا، يَبْقَى الدَّيْن في ذِمَّةِ المَيِّتِ. كما كان، ويَتَعَلَّق بعَينِ مالِه، كتَعَلُّقِ حُقُوقِ الغرَماءِ بمالِ المُفْلِسِ عندَ الحَجْرِ عليه. فإن أحَبَّ الوَرَثَة الْتِزامَ أداءِ الدَّينِ، ويَتَصَرَّفونَ في المالِ، لم يكنْ لهم ذلك، إلَّا أن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَرْضَى الغَرِيمُ، أو يُوَثِّقُوا الحَقَّ بضَمِينٍ مَلِئٍ، أو رَهْنٍ يَثِقُ به لوَفاءِ حَقِّه، فإنَّهم قد لا يَكُونُون أمْلِياءَ، ولم يَرْضَ بهم الغَرِيمُ، فيُؤَدِّي إلى فَواتِ الحَقِّ.
وذَكَر القاضي أنَّ الحَقَّ يَنْتَقِلُ إلى ذِمَمِ الوَرَثَةِ بمَوْتِ مَوْرُوثِهمِ مِن غيرِ أنْ يُشْتَرَطَ الْتِزامُهم له. ولا يَنْبَغِي أنْ يَلْزَمَ الإِنْسان دَينٌ لا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَلْتَزِمُه، ولم يَتَعاطَ سَبَبَه، ولو لَزِمَهم ذلك لمَوْتِ مَوْرُوثِهم للَزِمَهم وإن لم يُخَلِّفْ وَفاءً. فإن قُلْنا: إنَّ الدَّينَ يَحِلُّ بالمَوْتِ. فأحَبَّ الوَرَثَةُ القَضاءَ مِن غيرِ التَّرِكَةِ، فلهم ذلك، وإنِ اخْتارُوا القَضاءَ منها، فلهم ذلك، وإنِ امْتَنَعُوا مِن القَضاءِ، باع الحاكِمُ مِن التَّرِكَةِ ما يُقْضَى به الدَّينُ. وإن مات
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مُفْلِسٌ وله غُرَماءُ بعضُ دُيُونِهم مُؤجَّلَةٌ، وقُلْنا: يَحِلُّ المُؤجَّلُ بالمَوْتِ. اقْتَسَمُوا التَّرِكَةَ على قَدْرِ دُيُونِهم. وإنْ قُلْنا: لا يَحِلُّ. [فإن وَثَّقَ](1) الوَرَثَةُ لصاحِبِ المُؤجَّلِ، اخْتَصَّ أصْحابُ الحالِّ بالتَّرِكَةِ، وإنِ امْتَنَع الوَرَثَةُ مِن التَّوْثِيقِ، حَلَّ دَينُه، وشارَكَ أصْحابَ الحالِّ؛ لئَلَّا يُفضِيَ إلى إسْقاطِ دَينِه بالكُلِّيَّةِ.
(1) في م: «فأوثق» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ذكَر بعضُ أصْحابِنَا في مَن مات وعليه دَين، هل يَمْنَعُ الدَّينُ نَقْلَ التَّركَةِ إلى الوَرَثَةِ؟ رِوَايَتَين؛ إحْداهما، لا يَمْنَعُه؛ للخَبَرِ المَذْكُورِ، ولأنَّ تَعَلُّقَ الدَّينِ بالمالِ لا يُزِيلُ المِلْكَ في العَبْدِ الجانِي والرَّهْنِ والمُفْلِسِ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فلم يَمْنَعْ نَقْلَه. فعلى هذا، إن تَصَرَّفَ الوَرَثَةُ في التَّرِكَةِ ببيعٍ أو غيرِه، صَحَّ تصَرُّفُهم، ولَزِمَهم أداءُ الدَّينِ، فإن تَعَذَّرَ وَفاؤُه، فُسِخ تَصَرُّفُهم (1)، كما لو باع السَّيِّدُ عَبْدَه الجانِيَ. والثانيةُ، يَمْنَعُ نَقْلَ التَّرِكَةِ إليهم؛ لقَوْلِ اللهِ تعالى:{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَينٍ} (2)
(1) في الأصل: «تصرفه» .
(2)
سورة النساء 11.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فجَعَلَ التَّرِكَةَ للوارِثِ بعدَ الدَّينِ والوَصِيَّةِ، فلا يَثْبُتُ لهم المِلْكُ قبلَهما. فعلى هذا، لا يَصِحُّ تَصرُّفُ الوَرَثَه، لأنَّهم تَصرَّفُوا في غيرِ مِلْكِهم، إلَّا أنْ يَأْذَنَ لهم الغُرَماءُ، وإن تَصرَّفَ الغُرَماءُ، لم يَصِحَّ إلَّا بإذْنِ الوَرَثَةِ.