الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقٌّ مِنْ شُفْعَةٍ، أوْ جِنَايَةٍ، أوْ رَهْنٍ، وَنَحْوهِ،
ــ
1914 - مسألة: (وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقٌّ مِنْ شُفْعَةٍ، أوْ جِنَايَةٍ، أوْ رَهْنٍ)
هذا هو الشَّرْطُ الرَّابعُ، وهو أن لا يَتَعَلَّقَ بها حَقُّ الغيرِ، فإن رَهَنَها المُفْلِسُ أو وَهَبَها، لم يَمْلِكِ البائِعُ الرُّجُوعَ، كما لو باعَها أو أعْتَقَها؛ لأنَّ في (1) الرُّجُوعِ إضْرارًا بالمُرْتَهِنِ، ولا يُزالُ الضَّرَرُ بالضَّرَرِ، ولأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«مَنْ وَجَدَ مَتَاعَه بعَينِه عِنْدَ رَجُلٍ قَدْ أفْلَسَ، فَهُوَ أحَقُّ بِهِ» (2). وهذا لم يَجِدْه عندَ المُفْلِسِ. ولا نَعْلَمُ في هذا خِلافًا. فإن كان دَينُ (3) المُرْتَهِنِ دُونَ قِيمَةِ الرَّهْنِ، بِيعَ كُلُّه، فقُضِيَ منه دَينُ المُرْتَهِنِ، والباقِي يُرَدُّ على مالِ المُفْلِسِ، يَشْتَرِكُ فيه الغُرَماءُ، وإن بِيعَ بَعْضُه، فباقِيه لهم يُباعُ أْيضًا، ولا يَرْجِعُ به البائِعُ. وقال القاضي: له الرُّجُوعُ به (4). وهو مَذْهَبُ الشافعيِّ، لأنَّه عَينُ مالِه. وهذا مِثلُ تَلَفِ بَعْضِ المَبِيعِ، وقد ذَكَرْناه. وما ذَكَرَه القاضي لا يُخَرَّجُ على المَذْهَبِ، لأنَّ تَلَفَ بعضِ المَبِيعِ يَمْنَعُ الرُّجُوعَ، فكذلك ذَهابُ بَعْضِه بالبَيعِ. ولو رَهَن بَعْضَ العَبْدِ لم يَكُنْ للبائِعِ الرُّجُوعُ في باقِيهِ، لِما ذَكَرْنَا. فإن كان المَبِيعُ عَينَين، فرَهَنَ إحْداهما، فهل يَمْلِكُ البائِعُ الرُّجُوعَ في الأخْرَى؟ على وَجْهَين، بِناءً على الرِّوايَتَين فيما إذا تَلِفَتْ إحْدَى العَينَينِ. فإن فَكَّ
(1) سقط من: م.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 255.
(3)
سقط من: الأصل.
(4)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الرَّهْنَ قبلَ فَلَسِ المُشْتَرِي، أو أْبرَأه مِن دَينِه، فللبائِعِ الرُّجُوعُ؛ لأنَّه أدْرَكَ عَينَ مالِه عندَ المُشْتَرِي. وإن أفْلَسَ وهو رَهْنٌ، فأبْرَأ المُرْتَهِنُ المُشْتَرِيَ مِن دَينِه، أو قَضَى الدَّينَ مِن (1) غيرِه، فللبائِعِ الرُّجُوعُ أيضًا؛ لذلك (2).
فصل: فإن كان المَبِيعُ شِقْصًا مَشْفُوعًا، ففيه ثَلَاثةُ أوْجُهٍ؛ أحَدُها، البائِعُ أحَقُّ به. وهذا قولُ ابنِ حامِدٍ؛ للخَبَرِ. ولأنَّه إذا رَجَع فيه، عاد الشِّقْصُ إليه، فيَزُولُ الضَّرَرُ عن الشَّفِيعِ؛ لأنَّه عاد كما كان قبلَ البَيعِ. والثانِي، أنَّ الشَّفِيعَ أحَقُّ. وهو الَّذي ذَكَرَه شيخُنا ههُنا. وحَكاه أبو الخَطّاب؛ لأنَّ حَقَّه أسْبَقُ، فكان أوْلَى؛ لأنَّ حَقَّ البائِعِ ثَبَت بالحَجْرِ، وحَقَّ الشَّفِيعِ ثَبَت بالبَيعِ، ولأنَّ حَقَّه آكَدُ؛ لأنَّه يَسْتَحِقُّ انْتِزاعَ الشِّقْصِ مِن المُشْتَرِي وممَّن نَقَلَه إليه، وحَقُّ البائِعِ إنَّما يَتَعَلَّقُ بالعَينِ ما دامَتْ في يَدِ المُشْتَرِي، ولا يَزُولُ الضَّرَرُ عنه برَدِّه إلى البائِعِ، بدَلِيلِ ما لو باعَه المُشْتَرِي مِن بائِعِه، أو وَهَبَه إيّاه، أو أقاله، فإنَّه لا يَسْقُطُ حَقُّ الشَّفِيعِ. الوَجْهُ الثّالِثُ، أنَّ الشَّفِيعَ إن كان طالبَ بالشُّفْعَةِ، فهو أحَقُّ؛ لتَأكُّدِ حَقِّه بالمُطالبَةِ، وإن لم يكُنْ طالبَ، فالبائِعُ أوْلَى. ولأصْحابِ الشافِعِيِّ وَجْهان، كالأوَّلَين. ولهم وَجْهٌ ثالِثٌ، أنَّ الثَّمَنَ يُؤْخَذُ مِن الشَّفِيعِ، فيَخْتَصُّ به البائِعُ، جَمْعًا بينَ الحَقَّين، فإنَّ غَرَضَ الشَّفِيعِ في عَينِ
(1) في م: «عن» .
(2)
في ق: «كذلك» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الشِّقْصِ المَشْفُوعِ، وغَرَضَ البائِعِ في ثَمَنِه، فيَحْصُلُ ذلك بما ذَكَرْنا. وليس هذا جَيِّدًا؛ لأنَّ حَقَّ البائِعِ إنَّما يَثْبُتُ في العَينِ (1)، فإذا صار الأمْرُ إلى وجُوبِ الثَّمَنِ تَعَلَّقَ بذِمَّتِه، فساوَى الغُرَماءَ فيه.
فصل: فإن كان المَبِيعُ عَبْدًا، فأفْلَسَ المُشْتَرِي بعدَ تَعَلُّقِ أَرْشِ الجنايَةِ برَقَبَتِه، ففيه وَجْهان؛ أحَدُهما، ليس للبائِعِ الرُّجُوعُ؛ لأن تَعَلُّقَ الرَّهْنِ به يَمْنَعُ الرُّجُوعَ، وأَرْشُ الجِنايَةِ يُقَدَّمُ على حَقِّ المُرْتَهِنِ، فأوْلَى أن يَمْنَعَ. وهذا ذَكَرَه أبو الخَطّابِ. والثاني، لا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ؛ لأنَّه حَقٌّ لا يَمْنَعُ تَصَرُّفَ المُشْتَرِي فيه، بخِلافِ الرَّهْنِ. فإن قُلْنا: لا يَرْجِعُ. فحُكْمُه حُكْمُ الرَّهْنِ. وإن قُلْنا: له الرُّجُوعُ. فهو مُخَيَّرٌ، إن شاء رَجَع فيه ناقِصًا بأَرْشِ الجِنايَةِ، وإن شاء ضَرَب بثَمَنِه مع الغُرَماءِ. وإن أَبْرَأ الغَرِيمَ مِن الجِنايَةِ، فللبائِعِ الرُّجُوعُ؛ لأنَّه وَجَد مَتاعَه بعَينِه خالِيًا مِن تَعَلُّقِ حَقِّ غيرِه به.
فصل: فإن أَفْلَسَ بعدَ خُرُوجِ المَبِيعِ مِن مِلْكِه؛ ببَيعٍ، أو عِتْقٍ، أو وَقْفٍ، أو غيرِ ذلك، لم يَكُنْ للبائِعِ الرُّجُوعُ؛ لأنَّه لم يُدْرِكْ مَتاعَه بعَينِه عندَ المُفلِسِ، سَواء كان المُشْتَرِي يُمْكِنُه اسْتِرْجاعُ المَبِيعِ بخِيارٍ له، أو عَيبٍ في ثَمَنِه، أو رُجُوعِه في هِبَةِ وَلَدِه، أو غيرِ ذلك؛ لِما ذَكَرْنا. فإن أفْلَسَ بعدَ رُجُوعِ ذلك إلى مِلْكِه ففيه أوْجُهٌ ثَلَاثَةٌ، أحَدُها، له
(1) في الأصل: «المبيعين» .