الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَصِحُّ الصُّلْحُ عَنِ الْمَجْهولِ بِمَعْلومٍ، إِذَا كَانَ مِمَّا لَا يمْكِن مَعْرِفته لِلْحَاجَةِ.
ــ
بمَبِيعٍ، وهو النِّصْف الذي لم يُقِرَّ به، وهو في النصْفِ الباقِي له، فلا يَصِحُّ شَرْطُ قَطْعِه، كما لو شَرَط قَطْعَ زَرْعٍ آخَرَ في أرْض أخْرَى. وإن صالحَه عنه (1) بجَمِيعِ الأرْضِ بشَرْطِ القَطْعِ ليُسَلِّمَ الأرْضَ إليه فارغَة، صَحَّ؛ لأنَّ قَطْعَ جَمِيعِ الزرْعِ مُسْتَحَق نِصْفُه بحُكْمِ الصُّلْحِ، والباقِي لتَفْرِيغِ الأرْضِ، فأمْكَنَ القَطْعُ. وإن كان إقْرارُه بجَمِيعِ الزَّرْعِ، فصالحَه مِن نِصْفِه على نِصْفِ الأرْضِ، لتكونَ الأرْضُ والزَّرْعُ بينَهما نِصْفَين، وشَرَطا القَطْعَ في الجَمِيعِ، احْتَمَلَ الجَوازَ؛ لأنهما قد شَرَطا قَطْعَ كلِّ الزَّرْعِ وتَسْلِيمَ الأرْضِ فارِغَةً. واحْتَمَلَ المَنْعَ؛ لأنَّ باقِيَ الزَّرْعِ ليس بمَبِيع، فلا يَصِحُّ شَرْطُ قَطْعِه في العَقْدِ.
1877 - مسألة: (ويَصِحُّ الصُّلْحُ عن المَجْهُولِ بِمَعْلُوم، إذا كان ممّا لا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُه للحاجَةِ)
يَصِحُّ الصُّلْحُ عن المَجْهُولِ، سَواءٌ كان عَينًا أو دَينًا، إذا كان مِمّا لا سَبِيلَ إلى مَعْرِفَتِه. قال أحمدُ، في الرجلِ يُصالِحُ
(1) في ر 1، ق، م:«منه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عن الشيءِ: فإن عَلِم أنَّه أكْثَرُ منه، لم يَجُزْ إلَّا أن يوقِفَه (1) عليه، إلَّا أن يكونَ مَجْهُولًا لا يَدْرِي ما هو. ونَقَل عنه عبدُ اللهِ، إذا اخْتَلَطَ قَفِيزُ حِنْطَةٍ بقَفِيزِ شَعِير، وطُحِنا، فإن عَرَف قِيمَةَ دَقِيقِ الحِنْطَةِ ودَقِيقِ الشَّعِيرِ، بِيعَ هذا، وأُعْطِيَ كلُّ واحِدٍ منهما قِيمَةَ مالِه، إلَّا أن يَصْطَلِحا على شيءٍ ويَتَحالَّا. وقال ابنُ أبي موسى: الصُّلْحُ الجائِزُ هو صُلْحُ الزَّوْجَةِ مِن صَداقِها الذي لا بَيِّنةَ لها به، ولا عِلْمَ لها ولا للوَرَثةِ بمَبْلَغِه، وكذلك الرَّجُلان تكونُ بينَهما المُعامَلَةُ والحِسابُ الذي قد مَضَى عليه الزَّمَنُ الطَّويلُ، لا عِلْمَ لكلِّ واحِدٍ منهما بما عليه لصاحِبه، فيجوزُ الصُّلْحُ بَينَهما، وكذلك مَن عليه حَقُّ لا عِلْمَ له بقَدْرِه، جاز أَن يُصالِحَ عليه، وسواء كان صاحِبُ الحَقِّ يَعْلَمُ قَدْرَ حَقِّه ولا بَيِّنةَ له، أو (2) لا عِلْمَ له. ويقولُ القابِضُ: إن كان لي عليك حَقُّ، فأنْتَ منه في حِلّ. ويقولُ الدّافِعُ: إن كنتَ أخَذْتَ أكْثَرَ مِن حَقِّك، فأنْتَ منه في حِلّ. وقال الشافعيُّ: لا يَصِحُّ الصُّلْح على مَجْهُولٍ؛ لأنَّه فَرْعُ البَيعِ، والبَيعُ لا يَصِحُّ على مَجْهُولٍ.
(1) في ر، ق:«يوافقه» .
(2)
في الأصل، م:«و» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولَنا، ما رُوِيَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، [أنَّه قال] (1) في رَجُلَين اخْتَصَما في مَوارِيثَ دَرَسَتْ:«اسْتَهِمَا، وتَوَخَّيَا (2)، وَلْيَخْلِلْ أحَدُكُما صَاحِبَهُ» . رَواه أحمدُ بمعناه (3). وهذا صُلْح على المَجْهُول، ولأنَّه إسْقاطُ حَق، فصَحَّ في المَجْهُولِ، كالعَتاقِ، ولأنَّه إذا صَحَّ الصُّلْحُ مع العِلْمِ وإمكانِ أداءِ الحَقِّ بعَينه، فَلَأن يَصِحَّ مع الجَهْلِ أوْلَى، وذلك لأنه إذا كان مَعْلُومًا، فلهما طَرِيقٌ إلى التَّخَلُّصِ، وبَراءَةِ أحَدِهما مِن صاحِبِه بدُونِه، ومع الجَهْلِ لا يُمْكِنُ ذلك، فلو لم يَجُزِ الصُّلْحُ، أفْضَى إلى ضَياعِ المالِ، على تَقدِيرِ أن يكونَ بينهما مالٌ (4) لا يَعْرِفُ كل واحِدٍ منهما قَدْرَ حَقِّه منه. ولا نُسَلِّمُ كَوْنَه فَرْعَ بَيع، وإنَّما هو إبْراءٌ. وإن سَلَّمْنا كَوْنَه فَرْعَ بَيع، فإن البَيعَ يَصِحُّ في المَجْهُولِ عندَ الحاجَةِ، كبَيعِ أساساتِ الحِيطانِ، وطَيِّ الآبارِ، وما مَأكولُه في جَوْفِه، ولو أتْلَفَ رجلٌ صُبْرَةَ طَعام لا يَعْلَمُ قَدْرَها، فقال صاحِبُ الطَّعامِ لمُتْلِفِه: بِعْتُك الطَّعامَ الذي في ذِمَّتِك بهذا الدِّرْهَمِ (5).
(1) سقط من: م.
(2)
في ر، ر 1:«تواخيا» .
(3)
تقدم تخريجه في 11/ 257.
(4)
في الأصل: «ما» .
(5)
في ر: «الدراهم» . وفي ر 1: «ألف درهم» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أو: بهذا الثَّوْبِ. صَحَّ. إذا ثَبَت هذا، فمتى كان العِوَضُ في الصُّلْحِ ممّا لا يَحْتاجُ إلى تَسْلِيمِه، ولا سَبِيلَ إلى مَعْرِفَتِه، كالمُخْتَصِمَينِ في مَوارِيثَ دارِسَةٍ، وحُقُوقٍ سالِفَةٍ، أو في أرْض أو عَين مِن المالِ لا يَعْلَمُ كلُّ واحدٍ منهما (1) قَدْرَ حَقه فيها (2)، صَحَّ الصُّلْحُ مع الجَهالةِ مِن الجانِبَينِ؛ لِما ذَكَرْنا مِن الخَبَرِ والمَعْنَى. وإن كان ممّا (3) يَحْتاجُ إلى تَسْلِيمِه، لم يَجُزْ مع الجَهالةِ، ولا بُدَّ مِن العِلْمِ به؛ لأنَّ تَسْلِيمَه واجِبٌ، والجَهَالةُ تَمْنَعُه وتُفْضِي إلى التَّنازُعِ، فلا يَحْصُلُ مَقْصُودُ الصُّلْحِ.
فصل: فأمّا ما يُمْكِنُهما مَعْرِفَتُه، كتَرِكَةٍ مَوْجُودَةٍ، أو يَعْلَمُه الذي هو عليه ويَجْهَلُه صاحِبُه، فلا يَصِحُّ الصُّلْحُ عليه مع الجَهْلِ. قال أحمدُ: إن صُولِحَتِ امرأة مِن (4) ثُمُنِها، لم يَصِحَّ. واحْتَجَّ بقَوْلِ شُرَيحٍ: أيُّما امرأةٍ صُولِحَتْ مِن ثُمُنِها، لم يَتَبَينْ لها ما ترَك زَوْجُها، فهي الرِّيبَةُ كلها. قال: وإن وَرِث قَوْمٌ مالًا ودُورًا وغيرَ ذلك، فقالُوا لبعضِهم: نُخْرِجُك
(1) سقط من: م.
(2)
سقط من: ر، م.
(3)
سقط من: م.
(4)
في الأصل: «عن» .
فَصْل: الْقِسْمُ الثَّانِي، أن يَدَّعِيَ عَلَيهِ عَينًا أو دَينًا، فَيُنْكِرَهُ ثُمَّ
ــ
مِن المِيراثِ بألْفِ دِرْهمٍ. أكْرَهُ ذلك. ولا يَشْتَرِي منها شيئًا (1) وهي لا تَعْلَمُ، لَعَلَّها تَظُنُّ أنَّه قَلِيل وهو يَعْلَمُ أنَّه كثِيرٌ، ولا يَشتَرِي حتى تَعْرِفَه وتَعْلَمَ ما هو، إنَّما يُصالِحُ الرجلُ الرجلَ على الشيءِ لا يَعْرِفُه ولا يَدْرِي ما هو حِسابُ بينهما، فيُصالِحُه، أو يكونُ رجل يَعْلَمُ ما له عندَ رجلٍ، والآخرُ لا يَعْلَمُه فيُصالِحُه، فأمّا إذا عَلِم فلم يُصالِحْه، إنَّما يُرِيدُ أن يَهْضِمَ حَقَّه، ويَذْهَبَ به. وذلك لأنَّ الصُّلْحَ إنَّما جاز مع الجَهالةِ للحاجَةِ إليه لإبراءِ الذِّمَمِ، وإزالةِ المُنازَعَاتِ (2)، فمع إمْكانِ العِلْمِ لا حاجَةَ إلى الصُّلْحِ مع الجَهالةِ، فلم يَصِحَّ كالبَيعِ.
فصل: قال الشيخُ، رضي الله عنه: (القِسْمُ الثّانِي، أن يَدّعِيَ عليه عَينًا أو دَينًا، فيُنْكِرَه ثم يُصالِحَه على مالٍ، فيَصِحَّ، ويكونَ
(1) في ق: «شيء» .
(2)
في ر 1، ر، ق:«المنازعة» . وفي م: «الخصام» .
يُصَالِحَهُ عَلَى مَالٍ، فَيَصِحَّ، وَيَكُونَ بَيعًا في حَقِّ الْمُدَّعِي، حَتَّى إِنْ وَجَدَ بِمَا أخَذَهُ عَيبًا فَلَهُ رَدُّهُ وَفَسْخُ الصُّلْحِ.
ــ
بَيعًا في حَقِّ المُدَّعِي، حتى إن وَجَد بما أخَذَه عَيبًا فله رَدُّه وفَسْخُ الصُّلْحِ) الصُّلْحُ على الإِنْكارِ صَحِيحٌ. وبه قال مالكٍ، وأبو حنيفةَ. وقال الشافعيُّ: لا يَصِحُّ؛ لأنَّه عاوَضَ عمّا لم يَثْبُتْ له، فلم تَصِحَّ المُعاوَضَةُ، كما لو باع مال غيرِه، ولأنَّه عَقْدُ مُعاوَضَةٍ خَلا عن العِوَضِ في أحَدِ جانِبَيه، فبَطَلَ، كالصُّلْحِ على حَدِّ القَذْفِ. ولنا، عُمُومُ قَوْلِه عليه السلام:«الصُّلْحُ بَينَ الْمُسْلِمِينَ جَائِزٌ» (1). فيَدْخُلُ هذا في عُمُومِه. فإن قالُوا: فقد قال: «إلَّا صُلْحًا أحَلَّ حَرَامًا» . وهذا داخِل فيه؛ لأنَّه لم يَكُنْ له أن يَأخُذَ مِن مالِ المُدَّعَى عليه، فحَلَّ بالصُّلْحِ. قُلْنا: لا نُسَلِّمُ دُخولَه فيه، ولا يَصِحُّ حَمْلُ الحَدِيثِ على ما ذكَرُوهُ؛ لوَجْهَين؛ أحَدُهما: أن هذا يُوجَدُ (2) في الصُّلْحِ بمَعْنَى البَيعِ، فإنَّه يُحِلُّ لكلِّ واحِدٍ منهما ما كان مُحَرَّمًا عليه قبلَه، وكذلك الصُّلْحُ بمعْنَى الهِبَةِ، فإنَّه يُحِلُّ للمَوْهُوبِ له ما كان حَرامًا عليه. الثانِي، أنَّه لو حَلَّ به المُحَرَّمُ، لكان الصُّلْحُ صَحِيحًا؛
(1) تقدم تخريجه في صفحة 123.
(2)
في ق، م:«يؤخذ» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فإنَّ الصُّلْحَ الفاسِدَ لا (1) يُحِلُّ الحَرامَ، وإنَّما مَعْناه (2) ما يُتَوَصَّلُ به إلى تَناوُلِ المُحَرَّمِ مع بَقائِه على تَحْرِيمِه، كما لو صالحَه على اسْتِرْقاقِ حُرٍّ، أو إحْلالِ بُضْعٍ مُحرَّم، أو صالحَه بخَمْر أو خِنْزِيرٍ، وليس ما نحن فيه كذلك. وعلى أنَّهم لا يَقُولُونَ بهذا، فإنَّهم يُبِيحُون لمَن له حَقٌّ يَجْحَدُه غَرِيمُه، أنْ يَأخُذَ مِن مالِه بقَدْرِه، أو دُونه. فإذا حَلَّ له ذلك مِن غيرِ اخْتِيارِه ولا عِلْمِه، فلأن يَحِلَّ بِرِضاه وبَذْلِه أوْلَى. وكذلك إذا حَل مع اعْتِرافِ الغَرِيمِ، فلان يَحِلَّ مع جَحْدِه وعَجْزِه عن الوُصُولِ إلى حَقه إلا بذلِك أوْلَى، ولأنَّ المُدَّعِيَ ها هُنا يَأخُذُ عِوَضَ حَقِّه الثَّابِتِ له، والمُدَّعَى عليه (3) يَدْفَعُه لدَفْعِ الشَّرِّ عنه، ولِقَطْعِ الخُصُومةِ، ولَمْ يَرِدِ الشَّرْعُ بتَحْرِيمِ ذلك في مَوْضِع، ولأنَّه صُلْح يَصِحُّ مع الأجْنَبِيِّ، فصَحَّ مع الخَصْمِ، كالصُّلْحِ مع الإقرارِ. يُحَقِّقُه أنَّه إذا صَحّ مع الأجْنَبِيِّ مع غِناه عنه، فلأن يَصِحَّ مع الخَصْمِ مع حاجَتِه إليه أوْلَى. وقَوْلُهم: إنَّه مُعاوَضَة. قُلْنا: في حَقِّهما أو في حَق أحَدِهما؟ الأوَّلُ مَمْنُوعٌ، والثّانِي مُسَلَّمٌ، وهذا لأنَّ المُدَّعِيَ يَأْخُذُ عِوَضَ حَقِّه مِن المُنْكِرِ لعِلْمِه بثُبُوتِ حَقه
(1) سقط من: م.
(2)
في م: «منعناه» .
(3)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عندَه، فهو مُعاوَضَة في حَقِّه، والمُنْكِرُ يَعْتَقِدُ أنَّه يَدْفَعُ المال لدَفْعِ الخُصُومةِ واليَمِينِ عنه، ويُخَلِّصُه مِن شَرّ المُدَّعِي، فهو أْبرَأ في حَقِّه، وغيرُ مُمْتَنِع ثُبُوتُ المُعاوَضَةِ في حَقِّ أحَدِ المُتعَاقِدَين دُونَ الآخَرِ، كما لو اشْتَرَى عَبْدًا شَهِد بحُرِّيَّته، فإنَّه يَصِح، ويكونُ مُعاوَضَةً في حَقِّ البائِعِ، واسْتِنْقاذًا له مِن الرِّقِّ في حَقِّ المُشْتَرِي، كذا ها هنا. إذا ثَبَت هذا، فلا يَصِحُّ هذا الصُّلْحُ إلَّا أن يكونَ المُدَّعِي مُعْتَقِدًا أنَّ ما ادَّعاه حَق، والمُدَّعَى عليه يَعْتَقِدُ أنَّه لا حَقَّ عليه، فيَدْفَعُ إلى المُدَّعِي شيئًا، افْتِداءً ليَمِينه، وقَطْعًا للخُصُومَةِ، وصِيانَةً لنَفْسِه عن التَّبَذُّل وحُضُورِ